فنجان قهوة// د. ميسون حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ميسون حنا

 

 

فنجان قهوة

قصة قصيرة بقلم د. ميسون حنا

الأردن

 

قال فنجان القهوة : مثقل أنا بحملي لهذا المشروب الساخن الذي ما يفتأ يفرغ حتى يمتليء من جديد، وأتنقل على طاولات زبائن المقهى، فمنهم من يتناول قهوتي منشرحا، متذوقا لطعم ما أحمل في جوفي من آمال وأحلام، ومنهم من يبتلع مرارته مع كل جرعة من البن متهما اياي بتفتيق أحزانه ونبشها، وأنا في حيرة من أمري، متى يفك أسري وأنطلق إلى العالم الرحب بعيدا عن أمزجة المترددين هنا الذين يشكلون معالمي كيفما يشاؤون.

لما سمعه صاحب المقهى غسله وأحسن كيافته وأطلقه، ساح في البلاد، فارغا كان من البن، اكتفى بالمراقبة والمشاهدة، رأته فتاة حسناء يستريح على قارعة الطريق ، نظرت إليه وقالت : فارغ أنت ايها الفنجان إلاَ من الغبار الذي يكسوك.

قال : هذا من وعثاء السفر ليس إلا.

قالت : وما غايتك من السفر وكنت معززا مكرما، عابقا بأنفاس قهوتك الزكية التي تغنى بها الشعراء على مدى العصور.

قال: الطموح يا فتاتي لولوج عوالم أخرى غير التي خبرتها جذفني إلى هنا.

قالت وقد استهواها منطقه: أنا من سيصلح شأنك، وفورا اصطحبته معها، وأحسنت كيافته، ووضعته على رف بارز في أحد المتاحف ليصير فرجة الزائرين وعبرة المنكوبين لما يحمل في مخزونه من طموح وآمال وآلام من ترددوا عليه في السابق. سلطت الأضواء عليه، فمضى يسرد ما في جوفه من كنوز، مسرورا كان بخوضه للتجربة إلاّ أن رتابتها جعلته يصاب بملل وإحباط وأخيرا أدرك أنه في وضعه الجديد قد اكتسب مظهرا خارجيا لرفعة شأن موهومة في باطنها، حنّ لعالمه القديم، وانتحى ركنا قصيا من المتحف، وانزوى معتكفا عن الكلام مما أثار دهشة القيمين على المتحف وشفقتهم على الفنجان الذاوي. أشار أحدهم أن أطلقوه، قال آخر: كيف نفعل هذا ووجوده يجتذب المترددين علينا، قال القيّم الأول: إنه في غمرة عزه لا يميز الرفاهية التي يعيشها الآن، أطلقوه للهوان، لن يطول غيابه، سيعود إلينا ويرجونا لنتيح له الفرصة من جديد، حينها سنشترط عليه ونشد وثاقه برصن عتيد حتى يلتزم معنا ولا يلهو بنا كما يفعل الآن، أطلقوه في التو وقد أطروا وقدة تفكير القيّم.

أما الفنجان الذاوي عندما أصبج طليقا قفل عائدا إلى مقهاه وأخذ يقدم نفسه على طاولات المرتادين بهمة ونشاط وكان متيقنا أن الثراء الإنساني الذي يملؤه إنما هو من نبضات ولهفات ومعاناة مرتاديه، أدرك أن هذا المقهى هو وطنه، ولم يشغل نفسه باستهجان القيّمين على المتحف لغيابه الطويل. أما الفتاة فكانت من مرتاديه الجدد حيث جلست على طاولة في صدر المقهى وهي تتذوق قهوتها بنشوة وحبور.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.