قراءة في رواية (الجنائن المغلقة) الجزء الثاني// جمعة عبدالله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جمعة عبدالله

 

عرض صفحة الكاتب

قراءة في رواية (الجنائن المغلقة) الجزء الثاني

جمعة عبدالله

 

يضعنا المبدع الكبير (برهان الخطيب) امام عمل روائي متكامل الابداع والتقنية والصياغة في النص الروائي وهو يخوض في غمار الواقع السياسي, في مرحلة معينة من تاريخ العراق الحديث, المضرجة بالدماء والعنف المفرط واساليب التسلط الشمولي, الحبكة السردية وتداعياتها تمثل ارهاصات خلاصة التجربة الحياتية  والمعايشة والفعلية في لب الصراع المتعدد الاطراف والاشكال في الخوض في خارطة  التفاصيل, لاصعب مرحلة او حقبة سياسية معقدة ومتشابكة. وهي تتناول كيفية انتزاع السلطة بالطرق اللاشرعية, وكيفية احتكار العمل السياسي, وكيفية ملاحقة الخصم على أمل  تدميره سياسياً وجسدياً.

 

المتن الروائي يتناول ايضاً التخبط في اسلوب وعمل التنظيمات المعارضة العراقية في الخارج. يسلط الضوء الكاشف على كل اطرافها الساسية بكل الوانها واشكالها وخاصة في فترة السبعينيات من القرن الماضي, والفترات المتعاقبة والمتلاحقة بعد ذلك من خلال المعطيات الحقيقية, بالوثائق المستندات الدامغة ليستقرئ الاوضاع السياسية السائدة آنذاك في تقمص دور رجل الامن الغليظ  والمتزمت, وبالسلوك الذي يعتمد على الاساليب في المكيدة والدسيسة والاحتيال في ممارسة نهج التصفيات السياسية والجسدية للخصم السياسي. مما خلقت اوضاع شاذة في اراقة  الدم العراقي, وفي التضييق الكامل على الحرية العامة والخاصة, وانتهاك حقوق الانسان وتصاعد وتيرة الارهاب بطفرات كبيرة, مما خلقت النزوح والهجرة والتشرد خارج الوطن في محطات الغربة والمنفى والاغتراب. وهذه المحطات: (سوريا. روسيا. السويد. الدنمارك).

 

 تناول مسار المتن السردي بتسليط الضوء على كل محطة من هذه المحطات, التي تتواجد الجالية فيها العراقية مثلاً سوريا, لا يخرج ولا يدخل اي عراقي, بعيداً عن مجهر المراقبة الامنية, وتحت سمع وبصر المخابرات السورية, وعيونها منتشرة حتى داخل تنظيات المعارضة, ولها اليد الطويلة على اطراف المعارضة بكل اشكالها والوانها. كما يكشف المتن الروائي, التنابز والخلاف والتناحر الذي يسود عمل التنظيمات المعارضة السياسية والكل يدعي بأنه سيكون الوريث الشرعي بعد سقوط النظام في بغداد, وكذلك يد النظام الاخطبوطية, المتغلغة في اعماق المعارضة وتنظيماتها. ويتناول النظرة الارتيابية لكل من يدعي انه مستقل ولا يحبذ العمل السياسي ولا الانخراط فيها, فمعنى الاستقلالية مرفوض, يعني يضع نفسه في وضع غير مأمون وصعب وغير مرغوب به, ولا يمتلك شرعية الاقامة على الارض السورية, إلا بتزكية من احدى تنظيمات المعارضة. حتى (خالد) كان يخطط بأن يكون بعيداً عن الاجواء السياسية والحزبية وطقوسها كلياً , وان يكون مستقلاً, متفرغاً للعمل الادبي. لكنه وجد نفسه يغوص في اعماق بحر السياسة المتلاطم بامواجها العاتية, وجد نفسه مشدوداً الى خيوطها (أراد خالد كل حياته ان يكون بعيداً عن السياسة فوجد نفسه في لبها! . أن يكون متفرجاً مستقلاً فوجد أنه مشدود بخيوط مرئية وغير مرئية الى مسرح الحياة) ص405 .  والمتن الروائي سلط الضوء على الشخوص المحورية في الرواية (خالد. عدنان. صلاح,  رباب. غالا. ضرغام. حامد). ويتابع خيوط تواجدهم في روسيا. وكذلك في انتقالهم الى السويد لطلب اللجوء, يتابع تفاصيل حياتهم وطرق تفكيرهم في هذه البلدان, التي احتلت مساحات واسعة في  ثنايا الحبكة السردية التي جاءت من ثمرة عمل روائي بالجهد المثابر والدؤوب وبالعمل المتواصل دون انقطاع, أستمر ست اعوام ليقدم هذا العمل الروائي الذي وظف عدة اساليب متنوعة, في اشكال التقنية الفنية والتعبيرية في اسلوبية الرواية الحديثة, واهم هذه الاشكال, الرصد البوليسي في الملاحظة والتدقيق والتحليل والمتابعة في اسلوب رشيق ومرهف.

 

               ×× أحداث المتن الروائي :

× بعد طرد وابعاد (خالد) من روسيا, بالمعاملة الخشنة, حيث لم يسمحوا له بأخذ اي شيء, ولم يخبره سبب الاستدعاء, او الجهة التي يتوجه اليها, لكي يجهز نفسه وجد نفسه في الحجز لم يسمح لزوجته وابنه في الزيارة في الحجز اي انه طرد بأسلوب تعسفي وظالم, فمن الحجز الى المطار دمشق, وهو لا يعلم الى اين؟ واستلم جواز سفره في مطار دمشق بدون مال سوى حقيبة سفر. فكان يبحث عن قشة انقاذ لوضعه الصعب, بأيجاد صديق, او من معارفه, او من اهل مدينته (الحلة) وراح يفتش عنهم في مرقد السيدة زينب في الشام. ووجد اقربائه ومعارفه واصدقائه هناك, وساعدوه في تخفيف معاناته. وجد الدعم المالي بالاقتراض المالي ليمشي اموره الحياتية, وكان يخطط بأية وسيلة في الرجوع الى روسيا مجدداً ليدبر احواله هناك ثم الانتقال الى احدى دول الهجرة. وعرف عن قرب على الخلافات في التنظيمات المعارضة العراقية واحوالها البائسة التي تكتنف حياة العراقيين بالضائقة الحياتية والمالية. وبعد مساعي حثيثة, حصل على جواز سفر مزور وتذكرة سفر سياحية الى روسيا. وبالفعل دخل روسيا في عهد (البيرسترويكا) . ووجد الاحوال متغيرة في مدينته وكذلك في الاوضاع العامة في البلد, وجدها  تعيش المعاناة والفوضى في الاوضاع الجديدة. وبدأت تعيش في وضع بائس وتعيس ( لكن المدينة بدت في عينيه وكأنها في بداية عهد تعيس. نظافتها ونظامها الصارمان القديمان يختفيان وتحل فوضى في الشوارع والبيوت... مؤسسات كبيرة تتحلل الى دكاكين صغيرة. والناس في عجلة الى مجهول. القبضة القوية ارتخت فبدأ كل يبرز قبضته) ص207 . فلم يستقر به الحال في روسيا, فشد الرحال الى السويد, طالباً اللجوء والاستقرار فيها. لكن من الصدف, أنه  وجد غريمه القديم والعتيق (عدنان) الذي ساهم بمكيدة منه في ابعاده من روسيا. وكما أن (عدنان) يمثل شخصية عدوانية بالمزاج الشرس والانانية القصوى. وكان سابقاً, الحارس الامين والمدافع الشرس عن السلطة وحزب البعث, وساهم في الجرائم الكثيرة في الاعدام والقتل, حتى لاقرب اصدقائه نفذ فيهم القتل. ولكن حين اشتد عليه الخناق هرب من قبضة النظام, وانتقل الى دور المعارض. واساليبه المفضلة في السلوك والتصرف هي المكيدة والدسيسة والحيلة من اجل الايقاع بخصمه. وعرف (خالد) بأن غريمه دخل السويد, بأسم مستعار, اسم صديقه القديم (أياد مجيد) الذي نفذ به حكم الاعدام في بغداد بموافقة النظام. لهذا يبقى السؤال والتساؤل, عن جريمة القتل, والجثة التي وجدت مقطوعة الاوصال, التي عثر عليها في احدى الغابات في السويد. والتي عرف عنها بعد التحري والتدقيق والتحقيقات المضنية والمتواصلة, عرفت جثة القتيل بأسم (أياد مجيد) . فمن يكون القاتل والقتيل؟, أذا كان القتيل بأسم (اياد مجيد) معدوماً في بغداد. لذا من ممكن جداً ان (عدنان) ارسل لشخص معين لينفذ به جريمة القتل بأسم (أياد مجيد), لكي يهرب الى بلد اخر, وخاصة انه ضاقت عليه الدائرة اعدائه المحيطة به,  والذين يطالبون برأسه.

 

(ضرغام) شارك في اعدام ابيه بدسيسة مغرضة. و (خالد) ساهم بطرده من روسيا, رغم انه كان متزوجاً من روسية ولديه ابن (سالم) . و (رباب) كانت عشيقته وخليلته في الفراش اثناء دراستها في روسيا, وكان يستخدمها لتجسس على العراقيين, واجهضها اكثر من مرة, وفي الاجهاض الاخير, لم تستطع اجراء  عملية الاجهاض, لذلك احتفظت بالجنين. و (حامد) شقيق (خالد) ارسلته الحكومة العراقية, لينفذ عملية الاغتيال بحق (عدنان) لانه خرج من بيت الطاعة للنظام (لقد تم ارسال حامد بمساعدة المخابرات الى هنا بأعتباره هارباً من الخدمة ومعارضاً للنظام في بلده, مزوداً بعنوان عدنان لقتله والعودة الى بغداد لينعم بمكافأت) ص328 . لكنه استغل الفرصة ليهرب من النظام, وينفصل عنه كلياً, ويتزوج من خطيبته القديمة بنت عمه (رباب) . ولكنه كان لم يوافق على تواجد الطفل في البيت, الذي هو ثمرة غير شرعية في العلاقة الجنسية, بين (رباب) و(عدنان) . أما (ضرغام) فهو متزوج من (غالا) الروسية . التي كانت عشيقة وخليلة (عدنان) والتي لم تقطع علاقتها المشبوهة حتى بعد الزواج, مما اضطر (ضرغام) ان يعتدي عليها, وهذه بدورها اقامت دعوى ضده عند الشرطة, واودع السجن بتهمة الاعتداء على زوجته. ولكنها اختفت مع اختفاء (عدنان) بعد ذلك. لذلك يظل لغز اختفاء (عدنان) وجريمة القتل التي حدثت. حتى التحقيقات الاجهزة الامنية, لم تتوصل بشكل قاطع الى هوية القاتل والقتيل, حتى بعد مرور عشرة سنوات على ارتكاب  الجريمة. وفي محاورة  في المطار بين خالد  والمحقق, الذي تولى ملف الجريمة على عاتقه ( - لم تعرفوا قاتل عدنان حتى الآن وإلا كانت وسائل الاعلام ذكرت ذلك.

 

- مقتل عدنان لم يثبت بصورة قاطعة لي. وما يحيرني ان عدنان لو لم يكن هو القتيل فلماذا لم يظهر في بلده أو غيره بعد تغير النظام وانقضاء عهد صدام) . ص422 .

عمل روائي يستحق القراءة .

× الرواية : الجنائن المغلقة / الجزء الثاني

× المؤلف : برهان الخطيب

× الطبعة الاولى : عام 2006 . في بغداد

× عدد الصفحات : 431 صفحة

جمعة عبدالله