اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

عشوائيات في الحب– العشوائية 31: أمُّ هارونٍ "سوقُ نِخاسةٍ البائعُ فيه تابِعٌ "// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب 

عشوائيات في الحب– العشوائية 31:

      أمُّ هارونٍ "سوقُ نِخاسةٍ البائعُ فيه تابِعٌ "

د. سمير محمد أيوب

ألاردن

 

سبحانَ مَنْ مَنح الياسمينَ شيئاً مِنْ عبَقها، ومن أشاع في جبال السلط شيئا من خضرة عينيها، ومنَحها الكثير من عنفوانِ الكرك وعكا. صديقةٌ تجاوزتِ الأربعين بأكثرِ مِنْ مئة شهر. زاهدةٌ غيرَ مُتَطلِّبَةٌ. يمامةٌ زرقاءٌ، تُحسنُ رؤيةَ ما يَخفى لا ما ترغب به فقط. أفتقدها كلَّما شُبِّهَت لي نوافذٌ، أو غُلِّقتْ دونيَ أبوابٌ، وكلما ابتدأتُ مناوشةً في حربٍ. فهيَ مِعطفي وسَيفي وكِنانتي وجعبةُ الرصاص وضابطُ الرِّماية.

 

لحفظِ ضالَّتنا فيما نؤمن به معاً، إعتدنا بين الحين والآخر، أن نطلبَ حقَّ اللجوء إلى طُهرِ البِدايات، في أكثر مِنْ غارٍ مُطلٍّ على فلسطين، مِنْ أمِّ قيسٍ في شمال الأردن إلى العقبة في أقصى الجنوب. نسري إليها ونَهْجرُ الكثيرَ من أنفسنا. ونغالبُ كبرياءَنا، لنتجرَّأ على واقعنا، ونصطادَ شمسَ المغيبِ، أونشاغلَ قمرَ المُنتصف، أونُعيدَ الحياةَ لبعضِ نجومِ الظُّهر.

 

قبلَ حوالي شهرٍ، مسَّني دنسُ مُسلسلِ "أمِّ هارون" بالكثيرِ مِنَ الهَوان. إزدحمتُ بغضبٍ حزينٍ. فاتَّصَلْتُ بها واتفقنا. جَرْجَرْتُ خِذلانيَ. وأسْريتُ عصراً إلى ربيعِ وادي شُعيب غربي عمان. إلتقينا في ظلال شجرةِ توتٍ ضخمة، مُثقلةً بِكبوشِ التوت. تُزيِّن الكَتِفَ الأيمنَ للشارع الهابط إلى الأغوار. إستَقْبَلَتني هاشَّةً باشَّةً ، وعيناها تسألُ بِقلق: أراكَ مُثْقلاً بالهمِّ، ما بالُكَ يا صديقي، ما الجديد؟

 

وأنا أتَّخذُ ليَ مَقعداعلى صخرةٍ قُبالتَها، أجبتها وظل ابتسامة تُزَنِّر وجهيَ: مع شمسِ كلِّ يومٍ بِداياتٌ لأملٍ جديد. وفي عَتمِ كلِّ ليلٍ، حُزنٌ جديدٌ مُرهِق. ألأجَدُّ، قلقٌ وحزنٌ وغضبٌ، تسلَّل مؤخَّرا بلِا رحمةٍ إلى قلبيَ وعقليَ، أخافني وأفقدَني الكثيرَ من الطمأنينة.

سألَتْ وهي تُشعل لفافتها الأولى: في أيِّ سِياقٍ هوَ؟

 

قلتُ وجَسدي مُنحنٍ إلى الأمام باتجاهها: هالَني منذ أيام، كغيريَ منْ شرفاء الأمة، منظومةُ سكاكينٍ تَستظلُّ العروبةَ، تطعنُ الصدرَ الفلسطينيَّ بعلانية وقِحةٍ، بعدَ أن كانت بالغدر تغرس سِرّاً في الظهر. أذهلني جديد تلك النِّصالِ المعتوهة: "فلسطين لليهود، ولا حق للفلسطينيين فيها". إجتاحني رُعبٌ أخلاقيٌّ ووطني من قادم سوق النِّخاسة. فقد تخطى البائعُ فيه والتابعُ والمستثمرُ مِنهم، مرحلةَ العمالةِ المُمَوَّلة، إلى النفخِ في أبواقٍ تُحاولُ بالسُّخرةِ إعادةَ كتابةِ التاريخ، بطريقةٍ مُشوَّشةٍ تَخدُم أسيادهم. يتمادون في التَّنكر لقدسِ أقداسِ الأمَّة، والتشويشِ على عذاباتِ الجبَّارين فيها، يتواقحون في تشويه نضالهم ، بباطل الشتائم وفتاتِ الشُّبهات.

 

ولأنّي كغيريَ مِنَ المؤمنين بأنَّ العدو الصهيوأمريكي، ما اعتاد الصيدَ إلاَّ وكل كلابه معه، ولأننا نقرأ الوطنَ في المُحَصَّنِ منْ دمِ الشهادة، الذي تسامى إلى ذُرى الوجود، لا ما سُفِح من دمٍ في أسواق النخاسة، ولا ما انحدر منه في مستنقعاتِ المصالح العدمية، سنبقى مؤمنين بأنَّ حرَّاسَ أرضِ الأنبياء أوفياء. ولنْ تهونَ على عربي حُرٍّ شريف.

 

وقد سقط القناعُ تلوََ القناع، وانحسرَ الكثيرُ منَ الوهمِ المُتذاكي، جئتُ أسألكِ بقليلٍ منَ السَّذاجة الحَذِرة: وقد صبأ أكثرُ مِنْ حَنْثَلةٍ عربي، أينَ صواعقَ طيورِ الرَّعد، أين عصا نبيُّ الله موسى، لتلْتهم هذا الإفكَ، وتردعَ المستثمرين المعتوهين فيه؟!

 

وبوجعٍ مُحتارٍ، جِئتُ بلا سذاجةٍ أسألُكِ، عمَّن نلوم في هذا التشويش لبيع الوعي، وبِمَن نبدأ؟ أنلوم العدوَّ الذي كتب العُواءَ ولَحَّنهُ وبرمَجه؟! أو نلومَ الرعاةَ الإقليميين، والمُوجِّهين القُطْرِيين ،وضباطَ الإيقاع منهم؟! أو نلوم المُتنكرين، المُنقلبين، المُنسلخين، الصامتين والعاجزين، فيما يُسمى ظُلماً بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وفصائلِ وفسائلِ منظمة التحرير؟! أو نلوم مَنْ في قطيعِ اوسلو من أرامل وأيتام ولقطاء، ممن يحاولون تغطية شمسَ وأقمارَ الثورة، بغرابيل الكذب والتدليس والاستخفاف في حكاوى تأجير البنادق، توطئةً لِمُصالحاتِهم للوهم وللغدر، وتفيؤ ظلال المحتل، إبتْ عَدوا كثيرا يا سيدتي، وما إقتربوا مِنْ شيء؟!

 

كيف وصَلْنا إلى هُنا؟! كيف سَقطْنا في امتحانات الجدل المُحتدم منذُ طُهرِ البدايات، بين غُبارِ الخنادقِ وعِطرِ الفنادق وآهاتِ النضال الزّاني؟!

 

تابَعْتُ أسئلتي وهي تنفث بتوتِّرٍ ظاهرٍ دخانَ سيجارتِها الثانية: هلْ شاركَ العبث الرسمي الفلسطيني، في التأسيس تعمُّدا لهذا العبث, وتكثيره وإشاعته والاستثمار فيه. هل قصَّر المناضلون وشاركوا في الخديعة الكبرى أم أنَ التآمرَ وحده، هو من داهمَهم وفرضَ توابعَه المباشرة وغير المباشرة عليهم؟!

 

وهيَ تنهضُ، أطفأت لفافتها الثانية بقدمها. واتجهت ‘لى سيارتِها، لإحضار عدَّةِ القهوة، وقالت وهي تلتفِتُ إليَّ: نحن في اليوم الأخير من شعبان المبارك، هات يدك لِنُعِدَّ لأنفسنا طاسةً من القهوة على نار الحطب. بعدَها ونحنُ نُطلُّ مِنْ هُنا، على قبابِِ القدسِ نتلمَّس ُمعا أجوبةً لأسئلتك.

 

ألاردن - 11/5/2020

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.