اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

سنواتُ السبعينات الحُلوة المُرٌّة: والذكرى 21 لرحيلِ الشاعر عبد الوهاب البياتي- ج1// فاضل البياتي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

فاضل البياتي

 

عرض صفحة الكاتب 

سنواتُ السبعينات الحُلوة المُرٌّة:

والذكرى 21 لرحيلِ الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي- ج1

فاضل صَبّار البياتي

الشاعر والفنان والكاتب

السويد 2020/6/28

 

هكذا قررتُ إذن...

سأمضي في رحلةٍ ليس بوسعي أن أُحددَ مسافاتها ألآن، ولا أدري ماهي المناطق والمحطات التي سأختارُ التوقف عندها مع جيل السبعينيات ومع حياة الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي، أو ملامح من حياة هذا الشاعر الذي عرفتهُ عن قرب لحينٍ من الزمن، والذي تَمرُ في الثالث من شهر أيلول/ أغسطس القادم الذكرى الحادية والعشرين لرحيله.

 

وليس هنالك مايسعفني في زوادةِ رحلتي هذه سوى ذاكرتي الوَهّاجة وبعضِ لقاءات وصور تنشر لأولِ مرة مع الشاعر المرحوم  البياتي، عاشق العراق وعاشق عائشة والفقراء.

 

ذاكرتي هذهِ التي أجدها دائماً بعيدة عن هموم حياة الإغتراب اليومية، هذه الهموم المتوثبة التي تحاول أن تستهلكني، خاصةً عندما تتوقد وتشتعل وبشدة ذاكرتي الجميلة الرائعة، لتضيف بحلاوتها شعوراً أكثر قسوة لسنين مرارة الغربة، فكأن ذاكرتي الحنينة الطيبة الحلوة للزمن العراقي الجميل، تستيقظ بأقوى نشاط لتنوي تعذيبي.

 

صافيةٌ وبهيةٌ هذهِ الأيامُ ذاكرتي كصفاءٍ عين الديك، كما يقال.. ومن عين الديك الذاكرة، ومن حوارت وصور، يستمدُ هذا ألإسترجاع تَشييد نفسه، ليُحي من جديد مواقفاً إنسانية وفكرية وأبداعية، محاولاً من جهتي ومن عيني، عين الديك أن لا أقمعُ هذا ألإسترجاع في خرائط كي يتحرك وفقها، حتى لا أقمع بالتالي حرية الإفضاء التلقائي.

 

كانت سنواتٌ ليست ككلِ السنوات.. وأيام ليست ككلِ الأيام..

تلكَ السنوات التي أعنيها هي المحصورة مابين 1970-1975. ست سنوات، حقبة تاريخية لازال الكثير من شموعها المطفأة تنتظر من يوقدها، حتى يمكن رؤية وتلمس بعض زوايا معتمة تحت فيض نورها. تِلْكَ الأعوام أعتبرها مثلت حلقة تاريخية إنتقالية مهمة في المناخ الثقاقي العراقي، وكانت من أخصب مراحل الإستقرار الثقافي بعدما تبلورت بعض الإشراقات في إنتظار مستقبل أجمل بعد مرارات الإقتتال والصراع بأشكاله العديدة. ست سنوات تنفست فيها رئة العراق الثقافية حرية نسبية ـ ليبرالية ـ وقد كان هذا طموحاً ليس سهلاً للمبدع والمثقف العراقي. خلال تلك السنوات عاد للعراق أغلب المهاجرين من المبدعين خاصة من كانوا بحوزتهم شهادات وكفاءات علمية، حتى سُنَّ قانوناً خاصاً لهم، قانون عودة الكفاءات. وهدأت حينها كل الفعاليات الحربية في شمال العراق.. ومارست الصحافة شيئاً من حريتها وكل جهة تعبر عن نفسها بطريقة شبه مستقلة، وصار الهاجس الذي يجمع الجميع هو الوطن. خلال تلك الأعوام وصل سعر الدينار العراقي إلى أعلى معدلات إنتعاشه، حتى صبح الدينار الواحد يساوي ثلاثة دولارات و125 سنتاً، ومايعادل أكثر من 16 فرنكاً فرنسياً. ولعمري إن ذلك ألإنتعاش الإقتصادي لم يكن إلا دليلاً أكيداً لإنتعاش مفاصل وجوانب أخرى في الحياة في العراق حينذاك.

 

في السبعينات الجواهري وعبد الوهاب البياتي يعودان للعراق

في تلكم السنوات عاد للعراق من الهجرة شعراء ومبدعون.. كان الشاعران محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي هما من أوائل وأشهر المبدعين والسياسين الذين رجعوا للوطن بعد أن أعيدت لهما جنسيتهما العراقية، وقد كتب الشاعران قصائدا صورا فيها ملامح لعودة الأمل للحياة في العراق، واحدةٌ من تلك  القصائد وهي للجواهري صارت إنشودة معروفة كانت تبث بين وقتٍ وأخر من إذاعة بغداد

في تلكَ الأعوام بات بألإمكان أن تجدَ مبدعين ومثقفين كانوا بالأمسِ أنداداً يلتقون من جديد بترحابٍ في جلساتٍ إجتماعية وتجمعاتٍ أدبية وفكرية حتى تنتج إنجازات ثقافية مشتركة..

فهذا هو الشاعر المرحوم شفيق الكمالي ـ كان وزيراً للثقافة ـ تجمعهُ لقاءات مع الشاعر الكبيرأبو فرات، محمد مهدي الجواهري، أو مع الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي، أو سعدي يوسف .. لقاءات وتجمعات لشعراء ومبدعين من أجيال مختلفة  يقترب أو لايقترب الواحد عن الآخر بالسن والتجربة الشعرية والإتجاه الفكري والدرجة والموقع الوظيفي، بيد إنهم فتحوا صفحةً  للحوار.

وهذا الحال بات ينطبق أيضاً مع المبدعين الآخرين، كالمسرحيين والموسيقيين والتشكيليين. ولم يقتصر الأمر عند جيل الرواد  بل مع الجيل الجديد حينذاك، وهو جيل السبعينيات الذي كان له دوراً فاعلاً في الحركة الثقافية والإبداعية ليس في بغداد وحسب وإنما في عموم العراق، ومع جيل السبعينيات  منذ عام 1970 - 1979 سأتوقف كثيراً، إذ أعتبر واحداً من هذا الجيل، مع تفهمي التام بأننا لانستطيع أن نفصل جيلاً إبداعياً عن آخر بطريقة أليّة وتحديدية مطلقة مثلما نفعل عندما نقسم قطعة حلوى. فكما الزمن مستمر والسنين تتوالى فالمسيرة الثقافية مستمرة ومتماسة ومتواصلة وتتوالى.

نحن جيل المبدعين السبعيني يكاد يعرف بعضه ألآخر بكلِ دقةٍ ووضوح رُؤية، وذلكَ ناجمٌ لتنفس جيلنا لبعضٍ من الهواء الطلق والحر لينابيع ثقافته قد يحسدنا عليها شباب من أجيال جاءت من بعدنا لم تكسب إلا المزيد من الحروب والمحن.. لذلك فجيل السبعينيات كان يَرنُو للأجيالِ التي سبقته بكل إحترام وقدسية، وبتَقْديرٍ لتجاربهم الإبداعية والحياتية، ويندر أن قام أحدٌ ممن هم من الجيل السبعيني بتصرف ثقافي "مراهق أو طائش" ليحاول أن يقلل من قيمة الثمار والمحصلات الإبداعية التي حققتها الأجيال السابقة. وأظن أن ذلك هو الذي عزز لعلائق وشيجة وطيبة بين السبعينين والرواد أنذاك، وإذا كان ثمة تنافس أو موقف رصين وجاد، فهو يعبر عن نفسه على صفحات بيضاء مشرعة لكل العقول والأفكار والإضاءات، فكانت أوراق الإبداع  من أي جيل تأتي، تتلقاها وتتأملها كل الأجيال بنقاء سريرة وإعتزاز بالتجربة.

 

وما إزدهار حديقة الإبداع والثقافة في تلك السنين إلا دليلاً واضحاً وأكيداً لذلك. فكانت المهرجانات والنشاطات الثقافية المحلية والعربية والعالمية تزهو ببغداد والبصرة والموصل، فعند عام 1971 بدأ مهرجان المربد الشعري في البصرة وبالعام نفسه كان مهرجان أبي تمام في الموصل، حيث كان الشاعر عبد الوهاب البياتي حاضراً فيه عام 1971 بعد عودته للعراق. وكان هناك مبدعون عرب وعالميون كرروا زيارتهم لبغداد وصاروا يطلقون حمائم أعمالهم الإبداعية والفكرية من العراق..

 

أجل.. جميعهم كانوا هناك في تلك السنوات، كالشاعر والرئيس السنغالي ليبولد سنغور، والمفكر جاك بيرك، والمفكر روميش شاندرا والفنانة الإنكليزية فانيسا رديغريف والمغني اليوناني ديميس روسوس والشاعر نزار قباني ومحمود درويش ومحمد الفيتوري وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم كثير.. بل أن العديد من المثقفين العرب في تلك الفترة من الزمن إنتقلوا إلى العراق وجعلوا من بغداد مقاماً دائماً لهم، أمثال الشاعر السوري خليل الخوري، الذي صار المترجم الشفهي الشخصي لصدام حسين في اللغة الفرنسية.. وكان يقيم ويعمل في بغداد الأديب المصري محمود السعدني، والشاعر المصري عبد الرحمن الخميسي، والأديب الأردني غالب هلسا، والفنانة دلال شمالي، والفنان المصري كرم مطاوع وزوجته الفنانة سهير المرشدي، والمخرج التلفزيوني المصري إبراهيم عبد الجليل والذي تزوج من الفنانة العراقية شميم رسام، والفنان المصري عبد الغني قمر، والأديب السوري شريف الرأس.. والقائمة تطول وتطول...

 

سنواتُ السبعينات الحلوة المُرة

خلال تلكم السنين إلتقيت ولأول مرة وعن طريق الصدفة بالبياتي وفي قاعة اتحاد الأدباء، كنت وقتذاك معجباً بقصيدته التي بعنوان "أولد وأحترق" أخبرته بذلك وشكرني بتواضع. في تلك القصيدة وجدتُ المعاناة التي فيها مع إمرأةٍ تدعى "لارا" هي ذات المعاناة التي كنت أكابدها في تلك الفترة مع عشقي القوي والعميق لإمراءة رائعة، حتى أنني يوماً دخلت استوديو قسم التمثيليات ومعي نص القصيدة وسجلتها بصوتي بإسلوب ثمثيلي درامي، ثم قمت بعمل مونتاج لها وإضافة مؤثرات طبيعية وفواصل موسيقية وكورولات سيمفونية، حتى غَدت القصيدة بصوتي لوحة سمعيّة فنية شعرية أعجبت كل من سمعها وقد بثت مرات في بعض البرامج الإذاعية، وهذا مقطع البداية من هذه القصيدة للشاعر عبد الوهاب البياتي

تستيقظ (لارا) في ذاكرتي”

قطًّا تتريًّا, يتربص بي, يتمطَّى, يتثاءب

"يخدش وجهي المحموم ويحرمني النوم

 

في السبعينات وخلال تلك السنين الست وعند فاصلةٍ، فرصةٍ، صدفةٍ تاريخيةٍ من الزمن لن تنسى، أحتضن العراق ولأول مرةٍ كل وأروع شعرائه في العصر الحديث، حيث تواجدوا جميعاً في العراق في تلك الأعوام قبل أن تشردهم بعد ذلك ومن جديد موجات الغربة والهجرة، إذ لم تتواصل سنين أخرى من الإِطْمِئْنانِ والإسْتِقْرَار للأسف..

وهذه باقةٌ وأمثلةٌ لأسماءِ شعراءٍ عراقيين عايشوا التجربة وجمعت بينهم الأُلفةِ والمودةِ وكانوا معاً تحت سماءٍ عراقيةٍ واحدةٍ في زمنٍ واحدٍ رغم إختلاف الرؤى آنذاك.

وتسلسل الإسماء هنا جاء تلقائياً ودون قصد، ومعذرة إن فاتتني أسماء أخرى.

محمد مهدي الجواهري، أحمد الصافي النجفي، محمد صالح بحر العلوم، عبد الوهاب البياتي، نازك الملائكة، شاذل طاقة، علي الحلي، لميعة عباس عمارة، شفيق الكمالي، عاتكة الخزرجي، سامي مهدي، عبد الرزاق عبد الواحد، ذو النون الأطرقجي، مظفر النواب، محمد جميل شلش، ذو النون يونس الشهاب، حسين مردان، سعدي يوسف، زهور دكسن، بلند الحيدري، حميد سعيد، خالد الشواف، يوسف الصائغ، إبراهيم الزبيدي، ارشد توفيق، عبد الأمير الحصيري، حسب الشيخ جعفر، ساجدة الموسوي، عبد الجبار داود البصري ، مي مظفر، كمال الحديثي، علي الياسري، معد الجبوري، صاحب خليل إبراهيم، عبدالإله الصائغ، والشاعر محمد علي الخفاجي الذي أخرجتُ له في السبعينيات مسلسلاً إذاعياً بثلاثين حلقة بعنوان "الإعتبار"، وهو مُعد عن كتاب الإعتبارلأسامة بن منقذ. أول سيرة ذاتية في التاريخ العربي. وأسامة بن منقذ هو فارس ومؤرخ وشاعر، وأحد قادة صلاح الدين الأيوبي، وقد مثل أدوار هذا المسلسل نخبة من الممثلين العراقيين والعرب، والموسيقى التصويرية وضعها الفنان طالب القره غولي.   

 أعود للحديث عن جيلي، السبعينيات... إنه جيل ذاق حلاوة وفرات الإبداع وجمال الحياة بِضْعَ سِنين غير أنه مالبثَ أن هَضَمَ العلقم. إنه جيلٌ طموحٌ مسالمٌ وحالم، مثل أسماك جميلة ملونة كانت إنها تعيش وتسبح في مياهٍ عذبة، سرعانما أفزعتها وعلى حين فجأة الصدمات من كل حدب صوب فأختلطت لديها الرؤيا... فسبح البعض بعيداً ومسرعاً لرتطم بالجرف أوفي القاع، أو بقى يتخبط.. أو بعضعه مات، أو من إستطاع أن يواصل. صورة مأساوية كان أصلها لوحة جميلة لجيل جديد شاب وواعد، لوحة من الأمل لإبداع وحياة أجمل للعراق وللعراقيين، يوم كنت  ترى شباب هذا الجيل ذو العطاء الخصِب  يتجمعون في كلِ مساءٍ صيفيٍ أوشتويٍ مع جنائن وضفاف دجلة، عشاقاً لكلمة الحق واللحن الأصيل واللون المُعبِّر بصدق. كنتَ تراهم منتشين بحبهم لإبداعهم ولحدِ البكاء. كانت لوحة سبعينية متفردة.. وكان يشارك في تللك اللقاءات مبدعون من أجيال سابقة، أمثال الشاعر العراقي الستيني فوزي كريم الذي كان قد عاد في ذلك الوقت الى بغداد وتحديداً عام 1972 عندما كان يعيش في بيروت.

 

حضور الشعراء والأدباء واضح جداُ في إذاعة بغداد

في منتصف ذلك العام 1972 بدأت العمل كمساعد مخرج وممثل في إذاعة بغداد بقسم التمثيليات. حينها كان الفنان الكبير كريم عواد رئيساً للقسم والفنان الكبير الراحل حسن الجنابي معاوناً لرئاسة القسم، في مبنى إذاعة بغداد والمشترك مع إذاعة صوت الجماهير أنذاك، كان حضور الشعراء والأدباء واضح جداُ في إذاعة بغداد، في عام  1973 وأثناء حرب 6 أكتوبر/ تشرين الثاني نُقلت للعمل كمخرج ومُعد برامج في القسم السياسي في الإذاعة وكان يرأس القسم الشاعر الفلسطيني الكبير أديب ناصر، ومعاونه في إدارة القسم الإعلامي الناجح عبد الجبار يوسف "أبو يعرب"، بعد ذلك بدأت المل لأشهر في القسم الثقافي  في الإذاعة الذي كان يرأسه الزميل القاص والإعلامي القَدِيرسعد البزاز ثم تواصلتُ في عملي بقسم التمثيليات، وهناك كان الزميل الأديب الفلسطيني نصر محمد راغب، والأديب حسام الساموك، والقاص أحمد خلف، ومن الطريف أن الشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر عمل لسنوات كثيرة كمصحح لغوي للنصوص في قسم التشكيل اللغوي وليس كثيراً في القسم الثقافي. في عام  1972كان يومها الشاعر حسين مردان معاونا لمدير إذاعة بغداد، وفي شهر تشرين الثاني من ذالك العام توفي حسين مردان الذي كان لفوزي كريم صداقة قويةً معه، وتم تعيين المذيع والشاعر إبراهيم الزبيدي مديراً لإذاعةِ بغداد. وجاء من بعده  الأديب عبد الجبار الشطب ثم الشاعر أرشد توفيق عام 1974 ومن ثم الأستاذ جواد العلي ومن بعد ذلك عاد الفنان مهند الأنصاري للعراق بعد أحداث الكويت ليصبح مديراً للإذاعة عام 1991. 

 

 حزنَ فوزي كريم حزناً شديداً لفقدانه حسين مردان،  وقد كان قد كتب له قصيدة أسمعه أياها قبل أن يتوفي، هذا هو جزء من بداية القصيدة التي كان فوزي يرنمها ويغنيها لنا في لقاءات أماسي أتحاد الأدباء في ساحة الأندلس ببغداد.

ياحسين مردان

كيف تركت الباب مفتوحا

والليل لم يهدأ، وكان السر مفضوحاً

وانت قد تجهل ان الخمر في الندمان

مازال يستحلف كل ظلمة

في ساحة الميدان

ان تستريح الان،

وان يظل القلب مجروحاً.

 

وينتقل ليشدو بلَوْعَةٍ من فمٍ وفكين تكسوهما لحية كثة، مقاطع غائية عراقية قديمة موجِعة للمطربة زكية جورج أو صديقه الملاية أو زهور حسين، وقد يترنم بأبياتٍ من قصائد لعبد الوهاب البياتي أو لسعدي يوسف أو لبلند الحيدري. يغني بكل شجو وبإحتراق ونشوة فنتفاعل جميعنا مع صدق الأحساس الذي كان يفيض بشجن مع صوت فوزي كريم، وذلك كان يحدث أحياناً بعد جلسة كانت حافلة بالنقاشات في قضايا أبداعية مهمة في الثقافة والفنون وكذلك في السياسة.

من غير امل حبيت انا"..

وأصبح دليلي بكيف

ادري الوصل بعده هجر

وابقى بكدر ياحيف

حكم الغرام ما يظل دوام

بعد الصفا لابد جفا

"وتكون أنواره ظلام

ولم تكن تلك الجلسات تضم شباب السبعينيات وحدهم، وإنما يشاركهم أحياناً إياها شخصيات مهمة ورائدة في حركة الإبداع عموماً فمقر ومبنى إتحاد الأدباء كان حافلاً بإستمرار بالنشاطات الثقافية، وكان يتجمع ويلتقي فيه كل من يهتم ويعمل في مجالات الإبداع المعرفي والفني، لذلك فإن زيارة شاعر كبير ومهم للإتحاد إنما كان أمراً مألوفاً.

 

كانت تتجمع الأتعاب والهموم فيها كل أمسيةٍ لتَصبَّ أنينها.. وبوهيميتها.. وتمردها الواعي.. كانت تتشاحن الصراعات الثقافية والسياسية على ضفاف المحبة. بطريقةٍ شبيهةٍ بأساليبِ وأخلاقِ الفرسان المتهادنين من أجل غايةٍ أسمى مشتركة بينهم.. حُب الوطن، ورِفْعَة العراق وعِزّتِه.

 

ولعل تلك اللقاءات والحوارات والزيارات لهذا المبدع أوذاك من الرواد، إنما كانت تعبيراً عن مدى الشعور والحرص على التواصل بين الأجيال، رغم التباين في السن والتجربة وأحياناُ المواقف والرؤى الفكرية. والشاعر عبد الوهاب البياتي هو واحدٌ من الشعراء الكبار الذين كانوا يحرصون على إكثشاف نبض الحياة الثقافية بأنفسهم، لا أن تكون منقولة من أحد. وبما أن البياتي عاش بتواضعٍ رائع قَلَّ نظيره، وبصدرٍ رحبٍ لتلقي سهام من يكيدون له، وقدرةٍ لاتنازع بمواجهة أصعب المآزِق التي قد ينوي أحدهم إيقاعه بها، لذلك فهو لم يكن يتردد في الحوار مع أجيال الشباب أو الذين بدأوا آنذاك يخطون أولى الخطوات، وهذا لعمري أبلغ دليل لمكانته كأنسان وكشاعر لاينظم شعراً فحسب وإنما يحترم جميع من ينتمون إلى الشعر والعمل الإبداعي الفكري أينما كانوا،.لذلك فقد كان البياتي يحلُ ضيفاً ويستمع ويتناقش في تواضع مع إيٍ كان من جيل الشباب.

يتبع...... 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.