محطات طبية

أسئلة طبية لابد منها في رمضان// د. مزاحم مبارك مال الله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

أسئلة طبية لابد منها في رمضان

د. مزاحم مبارك مال الله

 

كثيرة هي الأسئلة الطبية – الصحية التي يوجهها الناس الى الأطباء قبل وخلال شهر رمضان، جوهر هذه الأسئلة متعلق بالجهاز الهضمي والأمراض المزمنة.

وأغلب تلك الأستفهامات تدور حول محور واحد وحول مقترباته، الاّ وهو، هل أستطيع الصوم دكتور؟ كيف أتناول العلاج وأنا صائم؟ وغيرها.

ورغم أن رمضان هذه السنة سيحل في فصل ارتفاع حرارة الجو، مما سيجعل الصائمين يتعرضون الى مشاكل العطش والجفاف أكثر مما تواجههم في أوقات أخرى، الاّ أننا وبدءاً نقول أن الصوم مفيد صحياً ويعود بالنفع من الناحيتين البدنية والنفسية بل يعدّ فرصة للتخلص من الكثير من العادات التغذوية والسلوكية المضرّة كالتدخين مثلاً.

وأهم ما يواجهنا هو موضوع الصوم والأمراض المزمنة، كداء السكري، أمراض القلب، القرحة ..الخ وكذلك مما يواجهنا أيضاً موضوع الصوم مع حالات طبيعية وفسيولوجية كالحمل والرضاعة والدورة الشهرية.

فالمصابون بداء السكري نوعان، نوع يعتمدون على الأنسولين في حياتهم، بمعنى، لا يمكن لهم أن يحيوا ويعيشوا من غير أن يزرقوا إبرة الأنسولين والتي ستحدد استمرارهم في ممارسة نشاطاتهم اليومية الروتينية بدون مشاكل صحية، فهذا النوع من المصابين بداء السكري عليهم أن يقيسوا نسبة السكر في دمائهم ومن ثم يزرقون إبرة الأنسولين، والأنسولين أنواع (صافي وخابط ومخلوط) يستخدمون النوع أو الأنواع التي يحددها أطباؤهم المعالجون، وبعد الزرق فأن نسبة السكر ستكون في حالة توازن الى أن ينتهي مفعول الجرعة ومن ثم يعود السكر الى الارتفاع ليُزرق مرة أخرى وهكذا، أو ربما جرعة الأنسولين التي ستدخل الجسم فستعمل على هبوط نسبة السكر وبالتالي ندخل في مشاكل انخفاض السكر والغيبوبة و..الخ

في الإنسان الطبيعي غير المصاب بهذا المرض فأن هورمون الأنسولين الموجود في جسمه، فالدماغ  يتحكم بإفرازه تبعاً لآلية معقدة جداً ولكنها لا تعرضه الى مخاطر الارتفاع أو الانخفاض بمستوى سكره في الدم، بينما في حالة أخذ الأنسولين من خارج الجسم فهنا تكمن أهمية التوازن الغذائي حفاظاً عليه من حالتي الانخفاض أو الارتفاع وبالتالي لا ننصح المصاب بداء السكر الذي يزرق الأنسولين بالصوم.

أما النوع الثاني من المصابين بداء السكري، فهم الذين يعتمدون على الحمية الغذائية أو على حبوب تنظيم السكر، فهنا لا يوجد مانع طبي في صيامهم، كون نسبة السكر ستعتمد على طبيعة ونوعية الغذاء والتغذية.

وكذا الحال بالنسبة للمصابين بارتفاع ضغط الدم، فلا مانع طبي من الصوم، بالعكس فالبدناء منهم أو المصابين بتصلب الشرايين، يصبح الصوم بالنسبة لهم فرصة مناسبة لتخفيض أوزانهم، أما السؤال الذي يطرح نفسه، كيف سيكون أخذ العلاج؟

أن أوقات أخذ العلاج يمكن تغييرها وفق رؤية الطبيب المعالج وبالتشاور معه وحسب أوقات الفطور والسَحور.

هناك عدد من الحالات المرضية المزمنة والتي لا ننصح المصابين بها، أن يصوموا كون الصيام سيفاقم الحالة جراء الامتناع عن تناول الأطعمة والأشربة مدة لا تقل عن ما معدله 14 ساعة، ومنها، قرحة المعدة والأثني عشري، حيث أن الإفرازات المعوية هي التي تؤثر على الأغشية المبطنة للمعدة والأثني عشري، فمن المؤكد أن تلك الإفرازات سيكون تأثيرها سلبياً على ألأنسجة المعوية الخالية من الطعام، كما أننا ننصح المصاب بهذه القرحة أن يتناول وجبات صغيرة ومتعددة كجزء من العلاج، فكيف سيحقق هذا الإرشاد الصحي وهو صائم؟ إن قرحة المعدة والأمعاء من الأمراض القابلة للشفاء، لذا فالفرصة متوفرة بعد علاج القرحة كي يستطيع الشخص أن يصوم.

الحالة الثانية، هي القصور الكلوي، فلدينا مشكلة في كفاءة عمل الكلى، هذا القصور يؤدي الى ارتفاع نسبة اليوريا والكرياتنين في الدم مما يضطرنا في بعض الحالات الى إدخال المريض الى المستشفى لغرض أجراء الغسيل الكلوي/ بأحد نوعَيه الدموي أو البريتوني/، وعليه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتمكن من الصوم، بل لا ننصحه بالصوم. إن بقاء الشخص المصاب بعجز(فشل) الكليتين لفترات طويلة من اليوم بلا طعام أو شراب، إنما نحكم عليه بالموت السريع، حيث سترتفع في دمه هذه السموم التي تخرج من الجسم الطبيعي بشكل اعتيادي، ناهيك عن أن المصاب بهكذا حالة أنما يعاني من فقر الدم المزمن بسبب تأثر أحد الهورمونات التي تنتجه الكلية وهو يدخل كعنصر أساس في أنتاج كريات الدم الحمراء في نخاع العظم.

الحالة الأخرى والتي لا ننصح المريض بها أن يصوم، هي حالة أمراض القلب المزمنة والناتجة عن مشاكل شرايينه أو عضلته أو كهربائيته، فتجد المريض وخلال أيام الأشهر الباقية، متعب ويحتاج الى الرعاية والعناية إضافة الى الأدوية المتعددة، فألينا أن نتصور كيف سيكون وضعه الصحي وهو صائم؟ أن التغير في التوازن المائي والتغيرات المتنوعة في كافة عناصر استمرار الحياة من أملاح ومعادن وفايتمينات وسكريات وبروتينات ودهون لدى مرضى القلب، فأن من شأن هذه التغيرات تؤثر مباشرة في أداء عمل القلب فيزداد العبء عليه.

أما الذين هم أصلاً يعانون من فقدان الشهية العصبي أو نقص بيّن في الوزن مزمن ولأي سبب كان، فلا ننصحهم بالصوم الى أن يتمكنوا من أداء هذا الفرض بعد الوصول الى الوزن الذي يمكنهم من تحمّل ساعات الصوم ولا يؤثر على أفعالهم الحيوية الاعتيادية.

أما بالنسبة للحامل فالمطلوب أن تكون منظومة الحمل(الحامل + الجنين + الحمل نفسه) جميعاً بصحة جيدة جداً وتسير وفق المسارات الطبيعية حيث أن المطلوب زيادة في وزن الحامل ما بين 11و13 كغم.

أن نمو الجنين يُقاس طبياً بالأسابيع، ولكل أسبوع من أسابيع الحمل يوصف الجنين فيها بخصائص تتناسب مع رقم الأسبوع الذي يمر به ،هذه الخصائص تتطلب توفير كافة عناصر النمو اليومي للجنين وهذا لا يمكن أن يأتي الاّ من خلال التغذية الجيدة السليمة والصحية، ولآجل أن تكون تغذية الحامل صحية فأولى شروطها هو الضخ المستمر للمواد الغذائية دون فترات انقطاع طويلة، وأن الجنين يحتاج كل عناصر الغذاء(الماء، البروتينات، السكريات، الدهنيات، الفايتمينات، المعادن)، هذه العناصر تأتي من تناول طعام صحي متكامل ومتنوع.

أن أجهزة جسم الجنين تنمو وتتخصص، فحتى هذا النمو والتخصص يحسب بالأسابيع، هذا فضلاً عن وجوب توفير الأجواء الصحية، أي بمعنى يجب أن تكون باقي ركائز منظومة الحمل، أي (الحامل + الحمل نفسه) بصحة جيدة وطبيعية.

أن القصور في تغذية الحامل بالتأكيد سينعكس على الولادة، فعسر الولادة أسبابها كثيرة ومن بينها فقر الدم والوزن القليل.

أما بالنسبة للأم المرضعة، فهي الأخرى بحاجة مستمرة الى تناول الطعام كي توفر العناصر الأولية التي يتكون منها الحليب الذي سيدره ثدييها وبالإيعاز من هورمون البرولاكتين، ويكفي أن نعرف أن الحليب هو مركب من ماء وسكريات ودهنيات ومعادن وفايتمينات إضافة الى مضادات الأمراض، وهذا أيضاً يتطلب توفيرها من خلال غذاء متكامل العناصر، إضافة الى وجوب استمرار أنتاج الحليب فهو مصدر تغذية الطفل والسبب الرئيس في اكتمال تخصص أجهزته وزيادة وزنه.

وبذلك تتوضح الصورة فأن الصوم غير صحيح ولا سليم صحياً للحامل والمرضع.

والأمر الأخر المهم والذي نصادفه في حياتنا العملية كأطباء، وهو استخدام حبوب منع الحمل خلال شهر رمضان والتي تعمل على منع ظهور الطمث. إن استعمال حبوب منع الحمل بهذه الطريقة غير صحيح وغير سليم كونه سيتداخل مع عمل الهورمونات الطبيعية ، فحبوب منع الحمل ما هي الاّ هورمونات تعمل وفق مفهوم طبي يعرف بالـ (التغذية الأسترجاعية المعلوماتية للهورمونات)، أي وفق ارتفاع وانخفاض هذه الهورمونات، فإذا ارتفعت، فأن الجهاز العصبي المركزي سوف يستشعر، فيعطي أيعاز الى الغدد الصماء المسؤولة عنها وكذلك المبايض والرحم لتخفيض الكمية والعكس صحيح. وهذا يعني التداخل بالمسارات الطبيعية لعمل الغدد الصم وبالنتيجة فالعواقب غير سليمة، ولأجل أن تكمل الصائمة شهر رمضان فبإمكانها أن تعوّض الأيام التي تحتاجها وأعتقد أن ذلك مقبول شرعاً.

ومن أجل تحقيق الأهداف الصحية المرجوّة من صوم رمضان وخصوصاً تخفيض الوزن، فأن ذلك يتطلب حزمة من الإجراءات التغذوية في أوقات الفطور والسَحور وما بينهما، يمكن تلخيصها بما يلي:ـ

1.   عدم تناول الطعام الى حدود التخمة.

2.   ممارسة المشي بعد الفطور والسَحور.

3.   الابتعاد قدر المستطاع عن الدهنيات والمقليات وتعويضها بالمسلوق والمشويات.

4.   الابتعاد عن الحلويات وتعويضها بالفاكهة.

5.   عدم تناول الشاي (وطبعاً السكّر).

6.   عدم تناول المشروبات الغازية.

7.   الإكثار من تناول الخضروات الطازجة.

أن شهر رمضان يعدّ فرصة ذهبية أمام المصابين بداء التدخين للتخلص تماماً من كل أنواع التسمم بالتبوغ سواء كسيكارة أو ناركيلة وغيرها.

أما السؤال الأخر المهم الذي يطرحه الصائمون، هو كيفية أخذ العلاج، وهنا لدينا نوعان، النوع الأول ذوي الأمراض التي تتوجب تناول بعض العلاجات كداء السكري الذي يعتمد على الحبوب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو أمراض المفاصل المزمنة وغيرها، أما النوع الثاني فهم الذين يتعرضون الى وعكات صحية عارضة ومؤقتة، وفي كلتا الحالتين وبعد التشاور مع الطبيب المعالج، فيمكن أخذ العلاج في الفطور وفي السَحور.

هناك حالات حادة/مزمنة، اي بمعنى الشخص مصاب بها ،ولكن تأتي على شكل نوبات، مثل داء الشقيقة، تهيج القولون، الربو القصبي، المرئ الأسترجاعي، الصرع..الخ

فأن القرار أولاً وأخيراً يعود الى الطبيب المعالج، حيث ان اغلب تلك الأمراض يمكن تفادي حصول النوبات فيها من خلال الاستمرار على العلاج الاحترازي الذي يصفه الطبيب ، والذي يمكن تغيير أوقاته.

يسأل الناس عن هل يجوز ألعلاج عن طريق زرق الإبر، اي بمعنى، هل الإبر تُفطِر الصائم؟ أن جواب هذا السؤال ليس لدى الطبيب وإنما عند رجل الدين.

ـ كل رمضان وأنتم بخير ـ