محطات طبية

تسمم الحمل- الأسباب والعلاج// د. مزاحم مبارك مال الله

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

تسمم الحمل- الأسباب والعلاج

د. مزاحم مبارك مال الله

 

تتعرض بعض الحوامل الى مشاكلٍ صحية، بينما الغالبية منهن يمر الحمل عليهن بسهولة وبلا أي عوائق صحية عدا تلك الشائعة منها كالوحم مثلاً.

إلاّ أن الأطباء سجلوا حالات ارتفاع ضغط الدم أو داء السكري لدى عدد غير قليل من الحوامل، وبالتالي فأن منظومة الحمل، وهي(الحمل والحامل والجنين) ستكون تحت تأثيرات تلك الحالتين وهي الأكثر شيوعاً من بين الحالات المرضية والتي تصاب بها الحامل بعد حالات الإجهاض المختلفة.

ولمّا كان من أهم الإرشادات التي نقدمها الى الحامل هي التسجيل في مركز الرعاية الصحية الموجود ضمن الرقعة الجغرافية، فأن مراقبة منظومة الحمل من شأنها أن تشخص مثل تلك الحالات، وبالتالي فيتم وضع الحامل ضمن دائرة الرعاية الصحية الخاصة.

وواحدة من المشاكل الصحية التي تعترض منظومة الحمل، ما يعرف بـ (تسمم الحمل)، وفي حقيقة الأمر فنحن كأطباء لا نتمنى لأي حامل أن تصاب بها.

هناك نوعان من تسمم الحمل حسب حدته، فالبسيط والذي تعاني منه امرأة واحدة من كل عشرة حوامل خصوصاً بين اللاتي يحملن لأول مرة، أما الشديد منه فيصيب حامل واحدة من كل مائتي حامل.

وهناك حوامل معرضات للإصابة بتسمم الحمل، أو تساورنا الشكوك في أصابتهن، وهن:

•     الحامل للمرة الأولى.

•     وجود هذه الحالة لدى أمها أو أختها.

•     توجد فترة زمنية بين حمل وأخر، عشرة سنوات أو أكثر.

•     مصابة بتسمم الحمل سابقاً.

•     أذا كان عمرها أكثر من 40 عاماً.

•     أذا كانت الحامل أصلاً تعاني من السمنة، وأن تكون الكتلة الجسمانية 30 أو أكثر، (الكتلة الجسمانية هي ناتج تقسيم الكتلة بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر)

•     أذا كان الحمل بتوأم، ونادراً أكثر.

•     أذا كانت مصابة بأحد الأمراض المزمنة أصلاً، مثل داء السكري أو ارتفاع ضغط الدم.

•     وجود مرض مناعي كداء الذئب الأحمراري، زيادة التجلط الدموي الخلقي.

أعراض تسمم الحمل:

1.   تورم القدمين والوجه.

2.   صداع حاد.

3.   عدم وضوح في النظر.

4.   ألم في الصدر تحت الأضلاع.

5.   الشعور بالغثيان وعدم الارتياح.

6.   ألم شديد وغير مسبوق في المنطقة البطنية العليا تحت عظم القص مباشرة.

تصاحب هذه الأعراض ارتفاع ضغط الدم مع ظهور الزلال في الإدرار.

ويُعدّ الضغط مرتفعاً حينما تكون قراءة الضغط الانقباضي(العالي) 140 ملم زئبق أو أكثر، وقراءة الضغط الانبساطي(الواطئ) 90 ملم زئبق أو أكثر.

 ولا يجوز التشخيص بمجرد وجود هذه الأعراض الاّ بعد أجراء كامل الفحوصات ومتابعة الحالة سريرياً.

الأسباب:

لا توجد نظرية واحدة لتفسير سبب حصول تسمم الحمل في الوقت الحاضر، ولكن النظرية الهورمونية (أي أن سبب حصول حالة تسمم الحمل تعود الى التغير الهورموني في جسد الحامل) ، هي الأرجح، علماً أن للحمل هورموناته الخاصة ومنها ما تفرزها المشيمة، وهناك من يعتقد أن سبب حصول هذه الحالة يعود الى عدم قيام المشيمة بعملها بشكل كفؤ مما يؤثر على كمية الأوكسجين الواصلة الى الجنين.

إن النظرية الهورمونية تؤكد على حصول خلل في نظام التحكم بضغط الدم عبر منظومة (الرنين ـ انجيوتنسين)، هذه المنظومة تحافظ على انقباض الشعيرات الدموية من اجل المحافظة على الضغط المتوازن، بينما لدى الحوامل تنخفض نسبة هذه المنظومة الهورمونية فتسمح بتدفق مزيداً من الدم عبر شعيرات المشيمة الى الجنين، ولكن في حالة تسمم الحمل فأن هذه النسبة تبقى ثابتة مما يؤدي الى ارتفاع ضغط الدم مع ظهور الزلال في الإدرار، وتعود النسبة الى وضعها الطبيعي بعد انتهاء الحمل.

ومن النظريات الأخرى في سبب حصول هذه الحالة، هي أن العلماء وجدوا مادة (الأركوثايونين) وبنسب عالية جداً في دماء المصابات بتسمم الحمل مقارنة بالأخريات من غير المصابات، وأن مادة (أركوثايونين) تنتجها ميكروبات تكثر في منتجات الألبان غير المبسترة، علماً أن مادة (الأركوت) ومشتقاتها ترفع ضغط الدم عن طريق انقباض الأوعية الدموية الشديد.

إن هذه الحالة غالباً ما تحصل في الثلث الأخير من الحمل، أو قبل المرحلة الثالثة وحينها تكون الحالة أصعب.

وقد وجدت الدراسات والبحوث بعض الحقائق التالية:

•     رفض جهاز الأم المناعي من وجود المشيمة، بسبب تفاعل الأجسام الأبوية التي يحملها الجنين.

•     نقص الإرواء الدموي للمشيمة.

•     عدم توازن بين مادتي البروستاسايكلين والثرومبوكسان.

•     تدمير الخلايا المبطنة للأوعية الدموية فينتج عنها تغير في طبيعة تفاعلات تلك الأوعية.

•     انخفاض معدلات الترشيح في التركيبات الكلوية الدقيقة مما يؤدي الى احتباس الماء والأملاح في الجسم، هذا الاحتباس هو السبب المباشر بالتورم.

•     تمدد عضلة الرحم.

•     نقص معدلات الفايتمينات في الجسم.

•     هناك حالات تم تسجيلها بالارتباط مع تلوث الهواء.

يقسم العلماء هذه الحالة الى مرحلتين، مرحلة (ما قبل التسمم)، ومرحلة (التسمم).

مرحلة ما قبل التسمم :

حوالي 10% من الحوامل يصبن بهذه الحالة، ويكمن سبب اهتمام الأطباء بهذه الحالة حينما تتحول الى مرحلة تسمم الحمل.

تبدأ أعراض هذه الحالة على الأغلب في بداية الشهر الثامن، وهناك حالات بدأت فيها الأعراض أبكر بكثير(وهي الأخطر)، وتنتهي الأعراض بانتهاء الحمل نفسه كيفما يكون الانتهاء سواء بالعملية القيصرية أو بالإجهاض.

تعاني الحامل المصابة بـ (ما قبل التسمم)، بارتفاع ضغط الدم ووجود الزلال(الألبومين) في الإدرار، الى جانب تورم الأطراف السفلى والمقعد واليدين وأحياناً الوجه.

وقبل التشخيص على أنه (تسمم الحمل)، يجب التأكد من هذه الأعراض ونتائج التحاليل ليست مرتبطة بمرض أساساً تعاني منه الحامل، كارتفاع الضغط الأولي، أو أمراض الكلى المزمنة، أمراض المرارة، ومشاكل الغدة الدرقية، إذ أن لكل حالة علاجها الخاص.

إن العلم في تطور مستمر، فقد تمكن العلماء من تصنيع أداة سريعة لتشخيص الإصابة عن طريق فحص قطرات من إدرار الحامل، أطلقوا عليه اختبار(بقعة الكونغو الحمراء Congo Red Dot Test)، فيتمكن هذا الاختبار من تشخيص حالة (ما قبل التسمم) بغض النظر عن العلامات والأعراض التي تصاحب الحالة أصلاً.

مرحلة تسمم الحمل

أتفق العلماء على أطلاق هكذا تسمية على ما يحصل للمرأة المصابة بارتفاع ضغط الدم الناتج عن الحمل على الرغم من عدم علاقة الحالة بمصطلح"التسمم"، ولكن لصعوبة الحالة وانعكاس بعض الأعراض والعلامات على صورة تسمم، فقد تم الاتفاق على هكذا تسمية، وبالرغم من حصولها ي امرأة من أصل (2000)ألفي حامل، الاّ أنها المرحلة الأصعب والأخطر على منظومة الحمل وخصوصاً على الأم، وربما تحصل قبل نهاية الحمل أو أثناء الولادة أو بعدها، تتسم بحصول التشنجات الدماغية – العصبية/ أو تسمى حالات التوتر الأرتعاشي، وهي بالحقيقة،(حالات الصرع)، نتيجة تأثر أغشية دماغ الأم.

إن مرحلة تسمم الحمل ربما تحصل خلال أول 48 ساعة بعد الوضع، أو بعد انتهاء الحمل على وجه الدقة.

 هذه المرحلة تعد من مضاعفات ارتفاع ضغط الدم لدى الحوامل(أي مضاعفات مرحلة ما قبل التسمم)، من هنا تأتي أهمية دوام مراجعة الحامل الى المراكز الصحية.

ومن مضاعفات ارتفاع الضغط لدى الحوامل أيضاً:ـ

•     متلازمة (هيلب)، وفيها تعاني المصابة من تحلل كريات الدم الحمراء وارتفاع أنزيمات الكبد مع انخفاض بعدد الصفائح الدموية، ما يعني وجود القابلية لحصول النزوفات الدموية والتي تشكل خطر حقيقي على حياة الأم.

•     الفشل الكلوي.

•     عجز الكبد.

•     استسقاء الرئتين(الوذمة)، أي تجمع السوائل فيهما.

•     فقدان النظر.

•     ولادة طفل صغير الحجم.

الإجراءات:

بعد تسجيل الحامل في أحد مراكز الرعاية الصحية، فأن الاهتمام المرّكز ينصب على نوعين من الحوامل وبالتالي يمكن أحالة اي منهما الى الطبيب المختص:

النوع الأول/ المهددات بالإصابة بتسمم الحمل.

النوع الثاني/ اللاتي تظهر عليهن أعراض وعلامات يُشتبه أصابتها بتسمم الحمل.

وفي كلتا الحالتين يجب اتخاذ الإجراءات التالية بشكل دوري:

1.   مراقبة الوزن.

2.   مراقبة الضغط.

3.   أجراء تحاليل الدم المطلوبة.

4.   أجراء فحص السونار، والذي سيكتشف صغر حجم الجنين إضافة الى قلة السائل الأمنيوسي المحيط به.

وحينما يتم التأكد من تشخيص الحالة، فيوصف الطبيب المختص بعض العلاجات المخفضة لارتفاع ضغط الدم (رغم وجود شكوك في فاعلية تلك العلاجات)، وكذلك علاجات تدعم نشاط وعمل رئتي الجنين إضافة الى علاجات من شأنها أن تمنع حصول التشنج الدماغي لدى الأم، أو، وإذا ما شكّلت الإصابة أي ضرر على منظومة الحمل، حينها يتم الذهاب الى قرار إنهاء الحمل.

وإنهاء الحمل يتم بأحد الطرائق التالية وتبعاً للحالة وتقييم الطبيب المختص لها:

ـ العملية القيصرية لاستخراج الجنين من الرحم.

ـ الطلق الاصطناعي.

وأن الأمر الأساس الذي يتحكم بالقرار هو حالة الجنين، والتي تعتمد على عمره في داخل الرحم إضافة الى مقدار الضرر الذي لحق به جراء الحالة، علماً أن بعض الأمهات قد أصبن بـ (مرحلة قبل التسمم)، خلال فترة ستة أسابيع، بعد إنهاء الحمل.

أن ولادة طفل حي  تستوجب الاهتمام به، ويجب أن تقيّم حالته الصحية من خلال عمل الجهاز التنفسي ووزنه وعدم ارتفاع نسبة المادة الصفراء.

في الغالبية العظمى من المصابات بتسمم الحمل، تعود حالتهن الى وضعها الطبيعي بعد إنهاء الحمل، واستناداً الى مقولة: "أن الحمل هو مرآة حياة المرأة"، فقد وجد أن الكثير من اللاتي أصبن بتسمم الحمل، أصبن بارتفاع ضغط الدم المزمن حينما يتقدمن بالعمر، وكذا الحال بالنسبة للإصابة بداء السكري.

أمور تستوجب الأهتمام:

1.   من الواضح جداً أهمية متابعة منظومة الحمل، وخصوصاً بعد الشهر السادس ولكن ذلك لا يمنع من المتابعة قبل هذا الوقت، وعدم إهمال أي علامة أو عرض غير طبيعي، وهذا يتطلب زيادة حملات التوعية الصحية من قبل الجهات المختصة كون كثير من حالات (قبل التسمم) يتم اكتشافها جراء الفحص الدوري للحامل.

2.   إن الأمر لا ينتهي بمجرد انتهاء الحمل، فمتابعة نواتج ما حصل، له الأثر البالغ في حماية الأم على الأقل من مضاعفات التسمم.

3.   إن المتابعة ستوفر قاعدة بيانات لها أهميتها الاستثنائية بالنسبة للعاملين في قسم رعاية الأم والطفل، وبالتالي من الممكن درأ مخاطر حصول المضاعفات الخطيرة برسم خطة مدروسة ضمن السياسة الصحية العامة للبلد على وفق أستراتيج الأهداف المجتمعية.