اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• مستقبل الثورة المصرية.. قراءة في ميزان القوى الراهن ( 1 و 2 )

د. محمد حسن خليل

مستقبل الثورة المصرية..

 قراءة في ميزان القوى الراهن ( 1 و 2 )

 

*تصاعدت الحركات الفئوية والاحتجاجية والديمقراطية بمعدلات متسارعة حتى صارت الإضرابات العمالية نمطا للحياة السياسية اليومية، وحتى أضحى    

مجلس الشعب موقعا دائما للحركة الاحتجاجية لمختلف الفئات

*الثورة المضادة لها فكرها، وقادتها، ومؤسساتها، وأسلوبها، وتمويلها، وآلياتها، وأي خطأ في حساب مقدار قوتها سوف تكون له عواقب وخيمة في سياق المعركة الدائرة الآن على قدم وساق بين طرفي التناقض الرئيسيين

 

الثورة

الثورة في الأساس فعل جماهيري واسع، حركة جماهيرية تصمم على تحطيم النظام القديم، وتجترح في سبيل ذلك البطولات، وتضحي بالدم والشهداء في سبيل ذلك الهدف. وإذا كان الثوريون يعملون دائما من أجل الثورة بالدعاية والتحريض حول أفكارهم فإن أيا من كان لا يستطيع أن يحدد موعد الثورة. ولعل أبلغ دليل على هذا هو أن الشباب الذي نظم مظاهرات يوم الثلاثاء 25 يناير ودعا لها على الفيسبوك حدد شعاراتها في «تغيير حرية عدالة اجتماعية» أو «خبز حرية كرامة إنسانية» مع وضع بنود عديدة تحت كل منهم تشمل حدا أدنى للأجور وإلغاء حالة الطوارئ وحرية الأحزاب والإضراب وغيرها، ولكن الشباب حذر بشدة من رفع أية شعارات ضد مبارك أو مع إسقاط النظام. ولم يكن هذا بالطبع حبا في مبارك أو عدم ثورية من الشباب، بل كان موقفا صائبا، إذ كان المقصود هو توسيع نطاق الحركة الاحتجاجية لتشمل مناطق كثيرة داخل العاصمة ومدنا عديدة داخل الجمهورية حول تلك المطالب، وكانت نية الداعين عدم وضع حاجز مرتفع أمام الجمهور المحتج مثل تعلية سقف المطالب لتشمل تغيير النظام.

 إلا أن الواقع قد تجاوز هذا عندما رفعت المظاهرات جميعا من أول صدام مع الأمن شعار “يسقط يسقط حسنى مبارك” وشعار الثورة التونسية “الشعب يريد إسقاط النظام”. لقد تحقق هدف توسيع نطاق النضال بشدة إذ انطلقت المظاهرات من خمسة أماكن في القاهرة، كما انطلقت أيضا في ثماني مدن مختلفة (كل هذا في اليوم الأول فقط، 25 يناير، ثم اتسع النطاق أكثر فأكثر مع استمرار الثورة). ولكن تحقق أيضا ارتفاع سقف المطالب إلى المطالبة بإسقاط النظام بسبب لا يعود إلى تخطيط المنظمين ولكن إلى مستوى السخط الجماهيرى المتراكم، إلى المزاج الجماهيري الثوري، إلى السيكولوجيا الاجتماعية لجمهور معبأ من تفاقم الاستغلال والاستبداد والفساد، ويحمل سمات كل النضالات التي تفضح الفساد والاستغلال والاستبداد خلال السنوات الأخيرة. لم يكن خطأ أحد عدم التنبؤ باللحظة التي يصل فيها مخزون الغضب إلى الكتلة الحرجة الضرورية للثورة، ولكن النضج تمثل في سرعة إدراك تلك اللحظة الثورية تبني مطالبها الجذرية في الإطاحة بالنظام.

إن استمرارية الحركة رغم القمع الشديد، واتساعها جغرافيا وفئويا لتشمل معظم الشعب، وارتفاع سقف المطالب للإطاحة بالنظام كله، والاستعداد الهائل للتضحية بالأرواح وتقديم مئات الشهداء وآلاف الجرحى، إن كل ذلك هو ما حدد ملامح تلك الحركة في أنها ثورة على نظام مبارك وليس مجرد انتفاضة جماهيرية قد تنتزع أو لا تنتزع بعض المكاسب. وتنبع الأهمية الشديدة في تحديد ما سبق من أن أي تحليل لميزان القوى في اللحظة الراهنة لابد وأن يعطى مكانا بارزا لطرفي التناقض الرئيسيين: الشعب الثائر من ناحية، و الثورة المضادة التي يقودها النظام القديم من ناحية أخرى.

ورغم إقرار الجميع بأن تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية في السنوات الأخيرة هو ما شكل المقدمة الضرورية للثورة فإن على الساحة تقديرات متعددة لتاريخ البداية لتلك الاحتجاجات الجماهيرية، بدءا بمظاهرات التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 وانتهاء بإضراب المحلة في عام 2008. وأعتقد أن التاريخ الأقرب لتلك الموجة المتصاعدة التي انتهت بالثورة قد بدأت منذ أواخر عام 2003 كنتيجة مباشرة لتغير مطبخ صنع القرارات السياسية في مصر الذي وقع في المؤتمر الثامن للحزب الوطني في سبتمبر 2002 (والذي عرف فيما بعد بالمؤتمر السنوي الأول عندما صار منذ ذلك التاريخ يعقد سنويا).

 في ذلك المؤتمر تم تنحية أو إضعاف نفوذ من عرفوا بالحرس القديم (يوسف والي، صفوت الشريف، الشاذلي) وبرزت مجموعة صنع القرار الجديدة الممثلة في جمال مبارك الذي تبوأ منصب أمين لجنة السياسات وأمين مساعد الحزب، ولجنة السياسات بقيادة رجاله وأقربهم يوسف بطرس غالى وأحمد عز أمين التنظيم الجديد في الحزب ورشيد محمد رشيد وغيرهم. وكانت باكورة أعمالهم قرار تعويم الجنية المصري مع تخفيض قيمته أمام الدولار حوالي 60%. وأدى هذا إلى رفع أسعار الواردات بنفس النسبة، وتدل دراسات الحزب الوطني نفسه أن نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر في مصر قد زادت بنسبة 7% خلال الأشهر العشرة التالية لذلك القرار.

 كما أسرعت اللجنة منذ تأسيسها بمعدلات خصخصة الهيكل الإنتاجي (القطاع العام)، ثم انتقلت لخصخصة الخدمات ببيع بنك الإسكندرية (2006) و تحويل الهيئة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي إلى شركة قابضة (2004) ثم انتقلوا إلى خصخصة التعليم والصحة. وبالطبع لم يكن الفرق بين مطبخ صنع القرارات الجديد والقديم هو وطنية الأول وعدم وطنية الأخير، لكنه كان تحديدا أنه بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسسات التمويل الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهيئة المعونة الأمريكية) يضغطون من أجل تخفيض قيمة الجنية الذي تم تثبيت سعره منذ عام 1992 وزيادة معدلات الخصخصة فقد كان موقف الحرس القديم هو ضرورة التوفيق بين ماسموه ضرورات الإصلاح الاقتصادي (لبرلة الاقتصاد أو خصخصته) وبين مقومات الاستقرار الاجتماعي. ويقولون أن هذا هو درس انتفاضة يناير 1977 عندما أدت الزيادة المفاجئة في الأسعار إلى اضطرابات سياسية جماهيرية واسعة.

لقد استحقت مصر الرسمية وقتها احتفاء وتهليل كل منظمات التمويل الدولية على المضي قدما في طريق «الإصلاح الاقتصادي» بحيث اعتبرها كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نموذجا يحتذى في الإصلاح الاقتصادي والدولة الأولى عالميا، والدولة الأولى أفريقيا في سنوات مختلفة من تلك الفترة. لكن نتيجة كل ذلك كانت غلاء متزايدا فاقم المشاكل المعيشية للشعب مما انعكس على تزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية. ومما له دلالة وثيقة بكل هذا هو أن مظاهرات شهر ديسمبر عام 2003 قد شهدت لأول مرة شعارات تطول رأس النظام، فارتفعت شعارات «يامبارك ياجبان يا عميل الأمريكان» و«ياجمال قل لأبوك كل الشعب بيكرهوك».

ومن العلامات الفارقة أن من نجح في التقاط تلك اللحظة الساخنة وتطويرها هو الحركة المصرية من أجل التغيير المعروفة بحركة كفاية التي أعلنت عن تأسيسها في مظاهرتها الصامتة الأولى في ديسمبر عام 2004 وهدفها «لا للتمديد لا للتوريث». وتصاعدت الحركات الفئوية والاحتجاجية والديمقراطية بمعدلات متسارعة حتى صارت الإضرابات العمالية في أعوام 2009 و2010 نمطا للحياة السياسية اليومية، وحتى أضحى رصيف مجلس الشعب موقعا دائما للحركة الاحتجاجية لمختلف الفئات. وانتشرت التنظيمات المناضلة من أجل مختلف المطالب وبين كل الفئات فشهدنا مولد أول نقابة مستقلة لموظفي الضرائب العقارية، وحركة معلمون بلا نقابة من أجل كادر لأجور المعلمين، واتحاد أصحاب المعاشات ونضالاته والقضايا التي رفعها من أجل مطالبهم الفئوية، وحركة أطباء بلا حقوق المطالبة بكادر للأطباء وتحسين الخدمات الطبية، ولجنة الدفاع عن الحق في الصحة التي تقف ضد خصخصة التأمين الصحي وغيرها وغيرها. كما شهدنا حركة مراكز حقوق الإنسان ضد التعذيب، وشهدنا الحركة الجماهيرية ضد قتل خالد سعيد، وتفجر السخط ضد تزوير انتخابات مجلسي الشعب والشورى، والهجوم على قسم الساحل وإحراق عربات الشرطة فيه وعند نقطة مدخل طريق القاهرة الزراعي احتجاجا على قيام اثنين من أمناء الشرطة بقتل أحد السائقين. وكان كل هذا هو المقدمة الضرورية التي تنبئ بمستوى السخط والوعي الذي تفجر في ثورة الخامس والعشرين من يناير.

الثورة المضادة

وإذا أردنا أن نفهم الثورة المضادة التي نواجهها الآن حق الفهم فلابد وأن ندرس أبرز تجلياتها في الكفاح ضد الثورة قبل الإطاحة بمبارك، أي دورها يوم جمعة الغضب 28 يناير وأربعاء موقعة الجمل 2 فبراير. فالثورة المضادة لها فكرها، وقادتها، ومؤسساتها، وأسلوبها، وتمويلها، وآلياتها، وأي خطأ في حساب مقدار قوتها ـ سواء قبل الإطاحة بمبارك أو بعده ـ سوف تكون له عواقب وخيمة في سياق المعركة الدائرة الآن على قدم وساق بين طرفي التناقض الرئيسيين.

وفكر وأدبيات الثورة المضادة، مثلها مثل كل فكر الطبقات السائدة، مستورد بالكامل، حيث أن أبرز من درسه وقننه هو المخابرات المركزية الأمريكية. وقد بلوروا نظريا خطط التعامل مع وضع جماهيري ثوري من طول خبرتهم في التعامل مع تلك الأوضاع بدءا من ثورة مصدق ضد شاه إيران وحتى خبرات التعامل مع ثورات أمريكا اللاتينية. وبالطبع درس وزراء الداخلية العرب تلك الخطط وتدارسوها سويا فقد كان أنجح مثال على تعاون الأنظمة العربية المشترك هو المؤتمرات الدورية لوزراء الداخلية العرب والتي حضرتها مصر حتى في سنوات مقاطعتها بسبب كامب ديفيد. والدليل على هذا التماثل بين خطة الثورة المضادة في تونس ومصر. وتعتمد تلك الخطط على مواجهة الثورة بالتفريغ الأمني، وترويع المواطنين بواسطة الشرطة، أو الشرطة بملابس مدنية، أو الأجهزة السرية التابعة للشرطة، مع إطلاق يد عصابات المجرمين ورواد الجريمة المنظمة، والبلطجية من كل الأنواع، وإثارة المعارك الجانبية والفتن والقلاقل بين فئات الشعب المختلفة. والمثال الملموس في مصر هو انسحاب الشرطة في مساء الجمعة الثامن والعشرين من يناير، وتآمر الشرطة لحرق العديد من الأقسام (غير الأقسام التي حرقها المتظاهرون) وإطلاق سراح البلطجية المحتجزين بالأقسام، وفتح السجون وإجبار المساجين على الخروج وحضهم على ترويع الآمنين ونشر الرعب، وتنفيذ خطة التفريغ الأمني بعدم الاستجابة لأية استغاثة مع دفع عملاء للاتصال بالإعلام ونشر الشائعات للمبالغة حتى في مستوى أحداث المشاكل الأمنية المثارة.

ويضاف لكل هذا دور الإعلام في تشويه الثورة والتشكيك في أهدافها وقادتها وحجمها ومستقبلها. إلا أن كل ما سبق ليس سوى التمهيد، فلابد من التخطيط لمعركة حاسمة للقضاء على الثورة، وهو ما تحدد له يوم الأربعاء 2 فبراير بعد التمهيد له بإثارة الارتباك في صفوف الشعب نتيجة لخطاب مبارك الذي يعد بالإصلاح وبالتالي فلا داعي لاستمرار الثورة. وفى الحقيقة إن دراسة تفاصيل الإعداد لموقعة الجمل لا تكتسب فقط أهمية من زاوية التأريخ للثورة، فالأغلبية الساحقة لتلك الآليات مازالت فاعلة ومستخدمة حتى الآن. ومن أهم تلك الآليات الدور القيادي لرموز وقيادات الحزب الوطني في مجلس الشعب.

 فإذا كان الحزب الوطني فاشلا كحزب له فكره المستقل يمثل بوتقة لصياغة فكر الطبقة التي يعبر عنها، فهو ناجح جدا لتجمع للمنتفعين أصحاب المصلحة المباشرة في التربح من الدولة وفى التخطيط لاستهداف أعداء النظام. ولجميع أعضاء مجلس الشعب المزمنين من الحزب الوطني علاقة مؤسسية منتظمة لشلل ومجموعات البلطجية في دوائرهم: فالمنافع متبادلة: فهم يوفرون آليات تزوير الانتخابات، وجمهور الهتيفة في مظاهرات التأييد، ومهاجمة سرادقات الخصوم أحيانا وإفشال دعايتهم الانتخابية. ويحصلون في مقابل ذلك على تسهيلات أمنية من الشرطة، وحماية من بعض المخالفات الخفيفة، ومساندة من جهاز الدولة. وفى يوم واقعة الجمل لم يدرك الكثيرون سوى أنها محاولة لضرب المحتجين، لكنها كانت معركة يقصد بها الإجهاز على الثورة. لقد تم التخطيط لها فيما سمي اجتماع فندق سوفيتل ليلتها بين كبار رجال الحزب الوطني: صفوت الشريف وأمثاله مع متابعة فتحي سرور لهم تليفونيا. وكان قادة أركان التنفيذ في كل دائرة هم من أشرفوا على تسيير الفيلق الخاص بهم: فقد ركب بلطجية الزيتون (دائرة زكريا عزمي) من محطة مترو الأنفاق مجانا لكي يقف المترو وتفتح لهم محطة التحرير المغلقة لكي ينزلوا منها ويخرجوا وسط الاعتصام الذي أمن المعتصمون مداخله، ونفس الشيء من محطة السيدة زينب (دائرة فتحي سرور)، ومن دائرة دار السلام، وغيرها. أما دائرة الهرم فأمرها معروف، فقد نقل النائبان عنها الخيول والجمال بسيارات النقل إلى جامع مصطفى محمود حيث بدأت من عنده مسيرة القوات الراكبة للدواب إلى ميدان التحرير. واستمرت المعركة لمدة ما يقرب من 24 ساعة بالذات وقد اشتدت ليلا مع ضخ أعداد ضخمة من رجال الشرطة بملابس مدنية وروافد من مختلف أنواع البلطجية مع توريد الذخيرة (أشولة محملة بكسر الرخام من شق الثعبان حيث يمتلك أحد أعضاء مجلس الشعب ورشا للرخام الذي يؤدى لإصابات وجروح بليغة)، ومع درجة من معرفة الجيش تسمح بأن يقف مترو الأنفاق في محطة التحرير التي لم يقف بها منذ بدء الاعتصام وبأن تسمح الدبابات بدخول الخيول والجمال، وبأن يبقى الجيش لفترة طويلة على حياد مصطنع بين شباب المعتصمين والبلطجية. وشارك اتحاد العمال، ومن خلال مقره ومن خلال علاقاته الوثيقة بالبلطجية، في تأجير مجموعات البلطجية والترتيب للموقعة من خلال الدور القيادي لكل من حسين مجاور رئيس اتحاد العمال وعائشة عبد الهادي وزيرة القوى العاملة. كما شارك كبار رجال أعمال الحزب الوطني بالتمويل دفاعا عن مصالحهم وتربحهم السابق من جهاز الدولة، والذين يخشون من نظام جديد يحاسبهم على ما سرقوه ويمنع المزيد من التربح. وبرزت أسماء أبو العينين وفريد خميس وكامل بينهم. وأشرف أمن الدولة على كل تلك المؤامرات ولعب دوره المرسوم فيها بما فيها الإمداد برجال الأمن السريين المدربين على القتال ضد الجمهور.

وإذا كنا نعدد أشكال الثورة المضادة وعيننا على الوضع الراهن فمن الواضح أن كل تلك الأشكال لم تفقد فعاليتها ومازال كل القادة يعملون بنفس الأسلوب، لم يتغير سوى ما فرض عند حل جهاز أمن الدولة. لقد قيل أن كل عضو مجلس شعب قد طلب منه أن يرتب تحت إمرته خمسة آلاف من البلطجية بدفع مقدمات (قيل أنها من 50 إلى مائة جنية يوميا لكل بلطجي غير خمسة آلاف لكل زعيم مجموعة، قد تبلغ خمسين أو مائة) لكي يكونوا جاهزين للدفع بهم في اللحظات الصفرية سواء في مظاهرة تأييد عند جامع مصطفى محمود أو في معركة ضد اعتصام في التحرير أو غيره.

ولا يكتمل الحديث إلا بذكر أحد أنجع أساليب الثورة المضادة: إثارة الفتنة بين صفوف الشعب. لقد بدأ هذا قبل سقوط مبارك وبعد بداية خطة التفريغ الأمني في أعقاب جمعة الغضب 28 يناير. وبدأ تحديدا في الإسكندرية والهرم عن طريق إثارة السلفيين بحجة أن المتظاهرين ينوون تغيير المادة الثانية من الدستور وإقصاء الشريعة الإسلامية عن أسس التشريع، وهذا قبل أن يطرح أحد الموضوع، مما دفعهم للتظاهر دفاعا عن «الإسلام».

 وشمل هذا أحداث كنيسة الصول في أطفيح، وقيام البلطجية بترويع الأقباط في قرى مختلفة بدمنهور والصعيد. وهنا لابد من وقفة للحديث عن تلك القوة الجديدة على الساحة السياسية ألا وهى السلفيين. السلفيون لهم جماعات متعددة مثل الدعوة والتبليغ، وأنصار السنة المحمدية، والجمعية الشرعية وغيرهم. وهم يعدون بالملايين. وهم يعلنون أنهم لا علاقة لهم بالسياسة، وهم على علاقة وثيقة بالأمن حيث يسمح لهم الأمن بأنواع من الأنشطة الجماهيرية مثل توزيع الزكاة ورعاية فقراء وأنشطة خيرية متنوعة لا يوافق على أي منها للإخوان المسلمين نظرا لإدراكه لأهدافهم السياسية من ورائها. ولكن الأمن يعدهم احتياطيا استراتيجيا يمكن تجنيده عند استثارتهم بتهديد مزعوم للدين وشرع الله: حينئذ ينطلقون في أعمال عنف ضد «الكفار»! وما ارتكبوه مؤخرا في أثناء الاستفتاء على تعديل مواد بالدستور وفى غيره لم يكن أول مشاركة لهم، وإن كان الأبرز أثناء تلك الموجة من الثورة المضادة.

 

المجلس العسكري

إذا كان شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» هو أفضل شعار يوضح هدف الثورة الرئيسي بإسقاط نظام فاسد مستبد ظالم وبناء نظام ديمقراطي على أنقاضه، فإن هذا الشعار يوضح أيضا الدور الحاسم لأهمية بناء مؤسسات جديدة على أنقاض مؤسسات النظام القديم. والجيش ومجلسه العسكري ليس طبعا من مؤسسات الثورة أو النظام الجديد! ولذلك تظهر فيه كل عيوب النظام القديم على صورة علاقات غير ديمقراطية داخله ووجود أشكال التربح والفساد «الشرعي» عبر التمايز الشديد في المرتبات والامتيازات، وكذلك غير الشرعي من التربح من المناصب، فضلا عن الإضرار بالطابع العسكري للجيش من خلال دخوله مجال الاستثمار وتكوين وشراء الشركات على نطاق واسع. إلا أن المأثرة الضخمة للجيش هي تحديدا رفضه المشاركة في ذبح الثورة! لقد كان قانون الثورات حتى نهاية القرن التاسع عشر هو أن الطبقة السائدة تحمى نفسها من الثورة باستخدام البوليس، وأساسا الجيش، وكان انتصار الثورة يتحقق فقط عندما يؤدى صمود الثوار وبسالتهم إلى تفكك الجيش وانقسامه وانضمام أقسام منه للثورة. وفى عصرنا الحديث حيث جيوش بلادنا والبلاد المماثلة التي تربت على عقيدة وطنية هدفها حماية الوطن من الأعداء وليست جيوشا استعمارية أوروبية تربت على الظلم والقهر أصبح بالإمكان أن يسلك الجيش مسلكا مختلفا. ونرى في الأمثلة القريبة المحيطة بنا رفض الجيش في مصر وتونس الامتثال للأوامر بقمع الثورة، بينما نرى الأمثلة المعاكسة التي استخدم فيها النظام الجيش في معركته الأخيرة ضد الثوار في إيران 1979 وفى ليبيا حاليا.

وبرز طابع المجلس العسكري كمؤسسة محافظة مباشرة بعد الإطاحة بمبارك، رغم قوله أنه يتبنى أهداف الثورة، بأنه عمليا ما مؤداه أنه لا يرى ضرورة لتحقيق أي من الأهداف الأخرى حتى حل مجلسي الشعب والشورى حيث أعلن في 12 فبراير أنه فقط سوف يقتصر على إسقاط الأعضاء الذين تصدر أحكام بإبطال عضويتهم. إلا أن المجلس قام بتحقيق هذا الهدف الثاني للثورة، حل مجلسي الشعب والشورى، في اليوم التالي (الأحد 12 فبراير). وبالمثل رفض المجلس العسكري تحقيق الهدف الثالث بإقالة وزارة أحمد شفيق التي حلفت اليمين أمام حسنى مبارك حتى تصاعد الضغط ووصل إلى التهديد بجمعة مليونية تنتهي باعتصام في ميدان التحرير فاستبق المجلس المليونية بيوم واحد وأعلن يوم الخميس 3 مارس إقالة وزارة شفيق.

أما المطلب الرابع للثورة، حل جهاز مباحث أمن الدولة فقد استغرق أربعة أسابيع وأحداث جسيمة حتى تحقق: فقد دأبت قوى الثورة منذ اليوم الأول لنجاحها من التحذير من الثورة المضادة بينما أنكر المجلس العسكري تماما حتى وجودها! وفى الممارسة الفعلية اتضحت خطورة الثورة المضادة عندما استمر وزير الداخلية في وزارة أحمد شفيق، محمود وجدي، في تكتيك التفريغ الأمني الذي اتبعه سلفه حبيب العادلي ورفض نزول الشرطة رغم تدهور الحالة الأمنية. وترددت أنباء عن محاولة انقلاب بقيادة قائد الحرس الجمهوري لإعادة النظام القديم. ساعتها فقط أعلن رئيس الوزراء والمجلس العسكري عن وجود ثورة مضادة، وعن نزول الشرطة للشارع فورا، وعن حل جهاز مباحث أمن الدولة ووضع مقراته تحت سيطرة الجيش مؤقتا.

إلا أن أهم السمات المحافظة لقيادة المجلس العسكري للبلاد هي خطته السريعة لما يسمى بعودة الجيش إلى مهامه بعد استعادة النظام عن طريق عمل تعديلات دستورية خلال عشرة أيام، وإقرارها فورا عن طريق استفتاء شعبي، ثم عمل انتخابات مجلسي شعب وشورى جديدين خلال شهرين (تم مدهم إلى ستة أشهر حتى سبتمبر القادم) وانتخاب مائة من بين أعضائهم للعمل كجمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا، وانتخاب رئيس للجمهورية قالوا أخيرا أنه لن يتم إلا بعد إقرار الدستور الجديد. إن الإسراع الشديد بالخطة على هذا النحو لا يمكن أن تكون له من نتيجة سوى سيادة القوى المحافظة الجاهزة على مجلس الشعب الجديد وبروز طابعها في الدستور الجديد، وحرمان القوى الثورية الجديدة من الحصول على التمثيل اللائق لحداثة عهدها خصوصا ولم يتم بعد تقنين الحريات الديمقراطية الضرورية لبروز وازدهار تلك القوى الجديدة من حرية أحزاب حقيقية وحقوق التعبير والتنظيم. وأهم تلك القوى المحافظة المستفيدة من تكتيك الإسراع باستعادة النظام بأسرع ما يمكن هي فلول الحزب الوطني كقيادات تقليدية وذات عصبيات ونفوذ في دوائرها، وكذلك الإخوان المسلمين.

ويهمنا هنا أن نبرز منطق الأمر الواقع الذي ينتصر حتى على خطط المحافظين: فقد تجمعت القوى المحافظة في الاستفتاء على الدستور للتصويت بنعم، ونجحت في حشد الشعب وراءها بالابتزاز بالاستقرار، وبالخطر على الإسلام من خلال المادة الثانية في الدستور، وبخطر الفراغ الدستوري وأهمية عودة البلد للحالة الطبيعية بسرعة. وصوتت كل قوى التغيير الثوري بلا استثناء على رفض ترقيع الدستور وإعطاء شرعية لبقية مواده التي تعطي لرئيس الجمهورية سلطات ملك، وأهمية العمل على تحقيق مطلب الثورة في دستور جديد يمثل نظاما جديدا لمجتمع جديد بعد الثورة. ورغم أن الإجابة بنعم حظيت بأغلبية ثلاثة أرباع المصوتين تقريبا، إلا أن التصويت بلا هو الذي نجح! فقد وجد المجلس العسكري نفسه في مأزق دستوري بعد التصويت الذي أقر الدستور بعد التعديل حيث يصبح وضع المجلس غير دستوري والمفروض أن يرأس البلد رئيس المحكمة الدستورية العليا! وتصحيحا لهذا الخطأ لم يجد المجلس العسكري غضاضة في أنه رغم لجوئه للشعب في تعديل 9 مواد إلا أنه ألغى دستورا كاملا من أكثر من مائتي مادة وأقر دستورا جديدا مؤقتا دون استفتاء!

وفى سياق محاولة المجلس العسكري لاستعادة الاستقرار بأسرع وقت أخذ في تصعيد إجراءات «الانضباط» حيث أقر قوانين منع الاعتصام والتظاهر وقانون البلطجة الذي أعلن في الصحف أنه سوف يطبقه على من يخترقون حظر التجول أو الانضباط بمحاكمتهم أمام محاكم عسكرية لا تقبل الاستئناف وتعطى أحكاما مشددة بالحبس (وهو مالم يجرؤ مبارك نفسه على إعلانه!). وتبع هذا بالفعل بتطبيقه على طلاب جامعة أخذوا أحكاما بالسجن باعتبارهم بلطجية، كما قامت الشرطة العسكرية في غير حالة أبرزها عند فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة بتعذيب المعتقلين وانتهاك المعتقلات.

إن التعامل مع المجلس العسكري لا يمكن أن يكون بالصمت على تلك الانتهاكات ولا بالقبول بهذا التكتيك الذي يجهض الثورة. ولكن ليس البديل التعامل مع المجلس العسكري كعدو –ليس فقط لدوره في إنجاح الثورة بدون ضريبة كالتي تدفع الآن في ليبيا، ولكن أيضا لأن الشعارات لابد وأن تضع في حسابها وزن الشارع وموقفه. والاستمرار في موقف الضغط من أجل تحقيق مطالب الثورة ورفض أشكال الاستبداد وتقييد الحرية، مع نقد –وليس تخوين أو إسقاط- المجلس العسكري هو العلاقة المعقدة المطلوبة، بالطبع مع الحرص على بناء قاعدة ذلك الضغط جماهيريا وتوسيعها باستمرار، والمثال الناجح على ذلك هو مظاهرات مليونية جمعة إنقاذ الثورة في أول إبريل الحالي.

الإخوان المسلمون

يشكل الموقف من الإخوان المسلمين ركنا هاما في التكتيك الخاص بالمرحلة الراهنة. ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الإخوان المسلمين هم جزء من طبقة الرأسمالية الكبيرة، وأنهم بعد أن انضموا في البداية لشعارات حركة كفاية التي جبهت كل المعارضة الحزبية معها عام 2004-2005 تحت شعار لا للتمديد لا للتوريث نجح نظام مبارك المأزوم وقتها في تفكيك جبهة المعارضة وكسب الإخوان لعدم معارضة التمديد له، بل ولعدم المعارضة لترشيح ابنه لو أراد في مقابل صفقة تضمنت منحهم 88 عضوا في مجلس شعب 2005-2010. ولا يجب الخلط بين نفوذ الإخوان في الشارع وبين ما حصلوا عليه من مقاعد والذي لم يحصلوا عليه انتزاعا من النظام بل بموافقته في إطار الصفقة.

 ولعل أحد أطرف الأدلة على هذا هو رد مهدي عاكف وقتها في مؤتمر صحفي على أحد الصحفيين عندما سأله كيف نجح في الانتخابات في دائرة فاراسكور عضوان أحدهما عن الحزب الوطني ب26 ألف صوت والثاني عن الإخوان بعشرة آلاف صوت، بينما تدل كل نتائج المراقبين المحايدين أن كل من صوتوا لم يصلوا إلى مائة صوت، فأجاب مرشد الإخوان «الملائكة صوتوا لنا»؟! وقد اعترف الإخوان أنفسهم بالصفقة فيما بعد في إطار نقد ذاتي أثناء الانتخابات التالية عام 2010. ولكن التحالف بين الإخوان والحزب الوطني انهار بعد شهور قلائل بسبب العرض العسكري في جامعة الأزهر، والذي غاب مغزاه عن الكثيرين. لقد استهدف الإخوان من هذا العرض، وفى ميزان القوى الجديد الذي بالغوا من تقديره حينما حصلوا على كل تلك المقاعد في مجلس الشعب، استهدفوا انتزاع العلنية وشرعية الأمر الواقع لتشكيلاتهم شبه العسكرية وحريتهم في استعراض لفنون القتال في الجامعة. ولكن النظام الذي عانى من اغتيال رئيسه السابق ما كان ليسمح بمثل هذا فأظهر لهم الجانب الآخر من الصورة: بداية بملاحقات أمنية عنيفة واعتقالات لزعماء الإخوان ومحاكمات وأحكام طويلة بالسجن أمام محاكم عسكرية ومصادرة لأموال وشركات خاصة بهم، وتضييق في كل المجالات. ومن المثير للدهشة كيف استجاب الإخوان لكل ذلك، فقد ظلوا لأكثر من ثلاث سنوات يحاولون خطب ود النظام من أجل استعادة جو الصفقة ثانية مع النظام. إلا أن إصرار النظام على رفض تلك المحاولات واستمرار الاضطهاد والملاحقات الأمنية والاعتقالات دفع الإخوان في النهاية إلى انتهاج تكتيك التجبيه مع المعارضة والانفتاح الواسع عليها والمشاركة معها في كل الأنشطة ضد النظام. حدث هذا قبل ما يقرب من عام من انتخابات مجلس الشعب عام 2010.

وهكذا أتت ثورة 25 يناير في مناخ تحالف الإخوان مع المعارضة. ورفض الإخوان المشاركة في مظاهرات يوم 25 يناير، ثم فوجئوا بضخامتها وتأثيرها والأثر السلبي لعدم مشاركتهم. ثم قرروا المشاركة في مظاهرة جمعة الغضب يوم 28 يناير ولكن بشعارات لا تصل إلى إسقاط النظام، بل ورفضه ممثلوهم في المظاهرات. ولكنهم أدركوا بنهاية ذلك اليوم أنهم أمام ثورة كاملة سقف مطالبها هو الإطاحة بالنظام ولديها الفرصة الفعلية لتحقيقه فشاركوا فيها مشاركة كاملة. حقا إنهم قبيل انتصار الثورة بقليل انفردوا بالتكتيك اليميني الموافق على بدء الحوار مع عمر سليمان نائب الرئيس وبالتالي قبلوا أوليا بتخفيض سقف المطالب عن جميع القوى الأخرى المشاركة في الثورة التي طالبت برحيل مبارك ونائبه ووزارته الأخيرة، إلا أن كل ذلك فشل في كسر تضامن الثورة، واستمر الإخوان في الإعلان عن تمسكهم بمطالب الثورة كما استمروا في الاشتراك بدور قيادي في اعتصام التحرير. وانتهت تلك المرحلة بتحقيق مطلب الثورة المباشر وسقط الرئيس ونائبه. ومنذ تحقيق الهدف المباشر الأول للثورة والإخوان يلعبون تكتيكهم الخاص على الوجهين: فهم يعلنون عدم انفصالهم عن المعارضة، بينما يواصلون التنسيق مع المجلس العسكري ويناصرونه في تكتيك الإسراع «بإعادة الاستقرار» فهم قوة جاهزة ومستفيدة من ذلك فضلا عن أنهم بحكم انتمائهم الطبقي ليسوا مستفيدين من جوانب العدالة الاجتماعية في التجربة الديمقراطية بتحقيق حد أدنى آدمي للأجور وتحقيق أسس ديمقراطية حقيقية. وهكذا تضامنوا مع المجلس العسكري في التصويت بنعم على الاستفتاء ضد إجماع المعارضة، بل وشاركوا في عدد من المناسبات غير القليلة مع السلفيين في قمع رموز الداعين للتصويت بلا، مع استخدام الدين لتبشير المصوتين بلا بأنهم من حزب النار!

والموقف من الإخوان لابد وأن يكون موقفا مركبا، بقدر ما من التماثل مع الموقف من المجلس العسكري، فمع الإقرار بطبيعتهم الطبقية وما تمليه من حدود لحركتهم فإن انتقاد سلوكياتهم المنحازة لتحجيم الثورة والضغط المتواصل سوف تكون له نتائج إيجابية ليس أقلها أن تلك الفترة قد شهدت انقساما عميقا بينهم بتأسيس حزب منهم ضد توجهاتهم اليمينية واتجاه شباب الإخوان للانفصال عنهم. وقد أوضح نجاح مظاهرة يوم جمعة إنقاذ الثورة رغم رفض الإخوان المشاركة فيها حدود حجمهم الحقيقي، مما دفع ممثلهم لاستباق القول بأنهم متواجدون في الجمعة التالية لتحقيق باقي أهداف الثورة باعتبارهم من المشاركين فيها منذ البداية والمتبنين لأهدافها!

المستقبل

عند النظر إلى المستقبل لابد وأن نرى في القلب أهداف الثورة التي لم تتحقق بعد. وأهداف الثورة تشمل الهدم والبناء، هدم النظام القديم وبناء النظام الجديد. وهدم النظام القديم لم يتحقق فيه عناصر هامة تتعلق بحل الحزب الوطني ومحاكمة قادة ورموز الفساد مثل رئيس الجمهورية وأسرته وطاقم الحزب الوطني القيادي والمشترك في التربح من فساد الفترة السابقة (سرور وعزمي والشريف وغيرهم). كذلك لم يتحقق حل المحليات وحل اتحاد العمال وغيره من أجهزة الثورة المضادة. أما جانب البناء فلم يتحقق فيه شيء باستثناء عزل بعض القيادات الفاسدة مع بقاء الكثير منها!

إن إبراز المطالب الحاكمة للثورة في الفترة الراهنة يحتل أهمية شديدة، وعلى رأس تلك المطالب هيكل جديد للأجور يحقق حدا أدنى آدميا للأجور، وحدا أقصى لا يزيد عن 15 أو 20 ضعفا للحد الأدنى، وتقليص الأجور المتغيرة إلى مالا يزيد عن 20% من الأجور مع وقف الامتيازات العينية المبالغ فيها لمناصب الإدارة العليا من سيارات وخلافه. كما وأن زيادة الموارد من أجل تحقيق تلك المطالب لابد وأن تتضمن إقرار قانون الضريبة التصاعدية على الدخل.

كما أن أهم المطالب العاجلة هي تحقيق حريات التعبير من حق الاجتماع والتظاهر السلمي وحرية إصدار الصحف والمطبوعات. أما حق التنظيم فيجب أن يلقى عناية خاصة: فحرية التنظيم الحزبي والنقابي المهني والعمالي والأهلي (الجمعيات) فيجب أن تتحقق بإقرار التأسيس بالإخطار وليس بالإذن المسبق (وبالقطع ليس مثل قانون الأحزاب الجديد الذي يدعى أنه بالإخطار بينما هو في الحقيقة بالإذن المسبق مع تيسير بعض شروط الإقرار وتعسير بعضها الآخر مثل شرط الخمسة آلاف عضو مع نشر أسمائهم جميعا في جريدتين يوميتين بما يساوى مليون جنية!!). ولا يجب أن نقتصر على المطالبة بحق التنظيم، بل يجب أولا ممارسته بالتواصل المتواصل مع الجماهير وثانيا انتزاعه في الواقع مع استمرار النضال من أجل تقنينه بقوانين أو بمراسيم بقوانين.

أما بالنسبة لمستقبل النظام السياسي فلابد من المطالبة بعدم وضع العربة أمام الحصان في مسألة الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتعديل الدستور: فإن مطالبة الثورة بإسقاط النظام القديم وإنشاء نظام جديد فإنه يعنى دستورا جديدا قبل أي انتخابات فما الدستور سوى النظام الأساسي للمجتمع، وأي انتخابات تصبح عديمة المعنى حينما لا تملك دستورا يحدد تفصيليا ما هي حقوق الشعب وحرياته، ودور الرئيس وهل هو مجرد دور شرفي في دولة برلمانية أم إنه هو رأس السلطة التنفيذية في دولة رئاسية، كما لا تملك معنى إلا بعد أن يحدد الدستور هل نريد سلطة تشريعية من مجلس واحد أم من مجلسين (وهى حاليا أقرب لواحد ونصف حيث مجلس الشورى يمارس بعض السلطات التشريعية ولكنه لا يرقى لمجلس تشريعي كامل!). فالمطلب الأساسي هو تأجيل انتخابات مجلس الشعب وانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا يتم على أساسه انتخابات لمجس شعب ورئيس جمهورية ذوى صلاحيات متفق عليها سلفا، مع إعطاء الوقت والفرصة والمجال لتبلور قوى الثورة وقوى التغيير الجديدة وليس الإسراع بتولي القوى القديمة الجاهزة لمقاليد الأمور حتى تستقر في يد فلول الحزب الوطني والقيادات التقليدية والإخوان المسلمين!

إن الركيزة الأساسية التي يجب الارتكاز عليها هي رصد المزاج الثوري للجماهير التي ترفض أن تعود للظلم والاستعباد كما في السابق شرط استمرار التواصل معها وتعميق ذلك التواصل وتنظيمها من أجل تحقيق أهدافها.

*عضو الحزب الاشتراكي المصري ـ القاهرة

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.