اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• أوروبا والغضب العربي

كاظم الموسوي

أوروبا والغضب العربي

 

تاريخ العلاقات بين أوروبا والعالم العربي طويل وحافل بما يختلف أو يتفق عليه، بما يسر أو يغيظ، بما يخدم المصالح الغربية أو يتناسب مع العربية، من أيام الاستعمار القديم إلى صفحات الحروب المشتعلة بين فترة وأخرى، إلى المعاهدات والاتفاقيات المتبادلة، تجاريا وسياسيا وامنيا في اغلب الأوقات. وإذا كانت أوروبا هي المستفيدة في أكثر الأحيان، أو المستغلة بشتى الطرق للثروات البشرية والمادية، فان العالم العربي لم يعدم هو الأخر من الاستفادة ما أمكن مما أنتجته العلاقات بينهما من مساعدات وتطوير للبنى والمعاهد والمؤسسات وغيرها.. وفي كل الأحوال فان السنوات الأخيرة تعكس واقع وطبيعة العلاقات الإستراتيجية بين العالمين، الأوروبي والعربي، وتضعهما أمام التحديات المتبادلة والمشتركة، وهو الأمر الذي يتطلب الانتباه له، مع غيره طبعا.

بعد التحرر السياسي وإخراج الاستعمار الامبريالي من اغلب بلدان العالم العربي من الباب بتضحيات جسيمة، لم يترك محاولاته العودة حتى ولو من الشبابيك الصغيرة وتوسيعها حسب تطوراتها. ومن بينها عقد معاهدات ومشاريع مشاركة اقتصادية أو سياسية، تؤدي إلى التدخل السياسي، وفي أحيان كثيرة، تفرض أنواعا من العلاقات المتفاوتة بينهما لصالح الطرف الأوروبي على حساب العربي. من مثال الاتحاد من اجل المتوسط وما شابهها، والتي تهدف إلى فرض أشكال من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي على حساب القضية والشعب الفلسطيني. ومثلها العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي ككتلة وبين حكومات عربية، منفردا بها على حساب المصالح العربية عموما. ورغم استمرار السياسات الأوروبية بأساليبها وما تضعه من سيناريوهات متعددة، للأسف لم تتراكم الخبرة منها لدى الجانب العربي، ولاسيما حين يتم تنافس بين بلدان عربية، فيما بينها، في خدمة المصالح الأوروبية ومشاريعها. وابرز ما تقوم به هذه السياسة إزاء العالم العربي هو تقسيمه جغرافيا، ومحاولات فرض هذا التقسيم على الناطقين باللغة العربية، تحت ما تريده تلك المخططات، دون الإشارة إلى كتلته الجغراسياسية، أو الإقليمية. فالمصطلحات التي تعمل عليها هي "شرق أوسط وشمال إفريقيا"، بدلا من تسمية العالم العربي، دع عنك الوطن العربي. وهذه إشارة واضحة بأبعادها الإستراتيجية، ولما يوظف لها.

هذه السياسة الأوروبية تدعم ما يفرق بين بلدان العالم العربي، وما تقدمه لأي منها تضعه في أبواب ما يخدم مصالحها أولا قبل مصالح البلد وشعبه، وعلى حساب قضيته المركزية أساسا، وأساليب الهيمنة والاستحواذ على الثروات الطبيعية الكبيرة، لاسيما النفط والغاز وصناعتهما هدفا رئيسا. ومن ثم تتوجه هذه السياسة نحو سياساتها المعروفة من خلال فترات الاستعمار القديم لتلك البلدان والتخصص فيها، والعمل نيابة عنها. فهي خبيرة في الشؤون الداخلية والتراكيب الاجتماعية والاقتصادية لكل بلد وتستطيع التأثير فيها. كما أنها تسعى بجدية إلى تبني مثل هذه المواقف والقضايا، كما طرحت بريطانيا في احتلال العراق، وفرنسا مع لبنان، وفي الكثير من المستويات والصعد العربية تحت الإشراف الأمريكي..

أمام الثورات الشعبية العربية وقفت السياسات الأوروبية في مراجعة خبرتها وتغيير محاولاتها في استيعاب التحولات وخطوات التغيير والعمل على مواجهتها بما يجعلها قادرة على الإحاطة بها والتعامل معها باستمرارية التبادل النفعي وعدم الإخلال في التوازن الاستراتيجي. وهي متواصلة معها في علاقات المشاركة والتعاطي معها في كل الشؤون التي تهمها. ولعل في مراجعة زيارات المسؤولين الاوروبيين لتونس ومصر بعد هروب رئيسيهما ومتابعة تصريحاتهم تشير إلى ان أوروبا تقرأ التحديات وتستجيب لها بما يخدم مصالحها طبعا. وفي قراءة ميزان الخدمات العسكرية بينهما تجد ان كفة الاستغلال الأوروبي هي الراجحة دون ان تستفيد البلدان العربية منها كثيرا، كما هو معروف. ولعل في تصريحات مسؤولين أوروبيين عنها تعبير واضح، حيث تدرس المفوضية الأوروبية إعادة النظر في السياسة الأوروبية إزاء الدول جنوبي المتوسط، وبشكل أوسع، إستراتيجيتها لمساعدة دول الجوار. (هذا ما نشرته الوكالات الإخبارية ولاحظ التسمية!) وتعهد ستيفان فوله المفوض الأوروبي المكلف تلك السياسة "على أوروبا ان تواجه تحدي دعم العملية الانتقالية نحو الديمقراطية في شمال إفريقيا كما فعلت بعد الانتفاضات في أوروبا الشرقية في عام 1989" . وقال فوله في إقرار مؤثر بالذنب ان أوروبا لم تدافع بشكل كاف "عن حقوق الإنسان والقوى الديمقراطية المحلية في المنطقة". وهذا الشعور الشخصي لا يغير من صورة التعاون الأوروبي العربي في حقيقته الرسمية، حيث نشر أيضا ان دولا أوروبية تدرب القوات العربية العسكرية على أساليب قمع التحركات الجماهيرية، وكذلك بيع الأسلحة التي تستخدم في ذلك، بما فيها الممنوعة دوليا، وتبرعها بمثلها للكيان الإسرائيلي واستخدامها ضد الشعب الفلسطيني والمتضامنين معه لا تحتاج إلى تأكيد، بل تضيف للسياسات الأوروبية دليلا أخر عليها. كتبت صحيفة الاوبزرفر البريطانية (29/5/2011) إن النائب جوناثان إدوارد وجه أسئلة مكتوبة في مجلس العموم البريطاني لوزارة الحرب أكد: "إنه من النفاق الشديد أن تتحدث قياداتنا هنا في المملكة المتحدة ـ سواء من العمال أو المحافظين ـ عن دعم الديمقراطيات في الشرق الأوسط وغيره فيما تدرب في نفس الوقت قوات القمع التابعة للديكتاتوريات". وأشارت بوضوح ان اغلب الذين تدربهم في كلياتها العسكرية الخاصة يتوجهون لقيادة مؤسساتهم العسكرية في البلدان العربية لحماية الحكام ضد الانتفاضات الشعبية. لتعترف ان أوروبا لها شأن في الغضب العربي أيضا.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.