اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• مشاهدات من داخل كنيسة سيدة النجاة في ذكراها الاولى.. العودة للذكرى الأليمة

مازن الياسري

مشاهدات من داخل كنيسة سيدة النجاة

 في ذكراها الاولى.. العودة للذكرى الأليمة

 

مجزرة كنيسة سيدة النجاة ببغداد.. ربما انتهت كحادثة، ولكنها لم تنتهي كذكرى أليمة.. وكجريمة بشعة طبعت بدم الأبرياء.. وأضيفت لسلسة من الجرائم الوحشية التي ارتكبها الإرهاب بالعراق، كنيسة النجاة لازالت حديث الكثيرين ببغداد.. وعلى الرغم من إن الأجهزة الأمنية العراقية ألقت القبض على المنفذين الإرهابيين للجريمة  وعرضت اعترافاتهم وكيفية تخطيطهم وتنفيذهم للجريمة.. إلا إن ذلك لم ينصف الثكالى اللاتي فقدن أعزائهن بالمجزرة الرهيبة.. ولم ينهي ملف استهداف المسيحيين المنظم في العراق من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي.

حادثة النجاة ارتبطت بذاكرتي الشخصية وطبعت صورها بذهني.. ليس بكوني عراقي فقط، بل يضاف لذلك بكوني كنت قريباً من موقع الكنيسة يوم الحادثة المشؤوم.. لازالت الذكرى بين عيناي.. يوم كنت أسير بمنطقة الكرادة التجارية الشهيرة وسط العاصمة بغداد بشطر الرصافة من نهر دجلة.. حيث تزدحم الكنائس والمدارس القديمة.. وقرب تمثال (القهرمانة والأربعين حرامي) الشهير الذي نحته النحات الكبير (محمد غني حكمت)،وعلى مستوى النظر القريب انتصب الصليب ذو الطاق المميز لكنيسة سيدة النجاة.. كم جميلة تلك المنطقة وكم تجدها نابضة بالحركة حيث المطاعم والمقاهي والمصارف والمحال التجارية.. والمتسوقين الذين يقصدونها من مختلف مناطق بغداد الكبرى بسكانها المناهزين للسبعة ملايين نسمة.

قررت العودة للكنيسة لا للكتابة عنها فقط.. بل لآستحضار الذكريات الأليمة.. والاقتراب أكثر مما جرى، ولعرض أكثر دقة لتفاصيل ربما لم يسعفني زخم الوقت والحدث يوم كتبت تغطيتي عن الحادثة أبان وقوعها في تشرين الثاني الماضي عن احتوائها والكتابة عنها.. لقد كنت احد المصدومين ربما لآني كنت قريب عن الحادثة وشاهدت المشاهد الأليمة لآنقاذ الجرحى وإجلاء الضحايا.. وربما هي الصدمة التي أصابت مجمل العراقيين بحادثة لم تكن على الحسبان ولم يكن اشد المتشائمين يتصور حصولها بذلك العنف البربري.. او حتى التفكير بأمكانية استهداف كنيسة هادئة وسط بغداد وفي احد اكثر المناطق امناً وفي وقت العبادة.

زرت كنيسة النجاة.. وكان المنظر جديداً منذ الشارع المؤدي لها، حيث احيطت بالعديد من الحواجز الكونكريتية العالية.. التي لم تكن موجودة سابقاً.. عبرت البوابة الجديدة للشارع المؤدي لبوابة الكنيسة.. لازالت المدرسة الكنسية كما هي ولازال المبنى الأنيق المخصص للرهبان على بهائه المعهود.. ولازال ملعب الكرة الصغير خلف المدرسة يعلن عن وجوده من خلال أصوات الأطفال الذين يلعبون الكرة فيه.. كانت هذه الأحداث تثير تفاؤلي.. حتى اقتربت من البوابة الرئيسية فتغير المشهد، حيث لازالت العديد من أضرار الرصاص والتفجيرات ترتسم على الجدران المحيطة.. وعلى يمين الباب وضعت لوحة ضوئية بالغة الأسى طبع عليها صور الشهداء الخمسين جميعاً ويعلوهما صور الأبوين الشهيدين الذين رحلا يوم كانا يؤمان المصلين في قداس الأحد.

دخلت إلى داخل الباحة الأمامية للكنيسة كانت خاوية إلا من بعض العاملين بالكنيسة.. غادرتني ذاكرتي لسنين مضت عندما حضرت حفل تزويج احد الأصدقاء في الكنيسة وكم كانت هذه الباحة ممتلئة بالرجال والنساء والأطفال.. رنت برأسي أصوات ضحكاتهم وضوضاء أحاديثهم الودية.. تذكرت صديقي ذاته الذي هاجر مع عائلته منذ سنوات إلى ديترويت في الولايات المتحدة ولكنه وكأنما لازال بيننا نشتاق حديثه وذكريات الصبا.. عدت سريعاً إلى رشدي وتقدمت نحو بوابة الكنيسة التي غلف خشبها المحطم بعوازل من النايلون بعد الأضرار التي لحقت بها نتيجة المتفجرات ومحيطها الذي امتلئ بثقوب الاطلاقات النارية وبشظايا القنابل اليدوية.. ولجت إلى داخل الكنيسة وأبصرت مشاهد الدمار التي لازالت على الجدران لم يتغير منها شيئاً سوى ان الزجاج المحطم قد أبدل بزجاج جديد.. خطوت خطوتين إلى الأمام وبدأت ادقق بكل شيء.. ففي كل شيء هنالك اثر ما.. أطلاقات ثقبت الأرضيات والجدران والأثاث.. ترى أي رعب وحالة من الهلع أصيب بها من كان داخل الكنيسة في ذلك اليوم؟.. توقفت عن التفكير بالموضوع فلا يمكن ان تصل لنتائج لهكذا أفكار.. انها كوابيس حقيقية لا تتمنى حتى التفكير بها.. فما معنى ان تجد الرصاص وحطام القنابل في كل الزوايا والأركان وعلى الأرض وبالسقف وعلى جميع الأعمدة والجدران.. أهي صورة لكنيسة من كنائس أوربا اللاتي شهدن قتالاً او قصفاً أثناء الحرب العالمية الثانية.. عندما أشاهد هكذا مشاهد (دمار) بالعراق.. اعتذر لصناع سينما الحرب العالمية الثانية فقد كنت أقول إنهم يبالغون في مشاهد الدمار.. يبدو إن من يبالغ في الدمار هو من يرتكبه (الإرهاب) لا السينما.

وعلى يساري وضعت صور الشهداء يحيطها العديد من شموع الدعاء المتقدة.. تأملت الصور، تذكرت من كنت اعرفهم.. هاهي صورة الأب الشاب وسيم الذي رحل بربيعه السابع والعشرين.. هل يعلم الإرهابي الذي قتله.. كم كان وسيم شاباً ودوداً كم كان يحب لعب كرة القدم في الملعب القريب من تمثال (شهريار وشهرزاد) عند نهر دجلة على شاطئ شارع ابو نؤاس القريب.. شاهدت صورة الشهيدة رغدة وقد تعمد ذويها منح الكنيسة صورة لها بفستان زفافها.. رغدة تلك الشابة اللطيفة التي كانت تعمل في منظمة الأمل (إحدى مؤسسات المجتمع المدني) القريبة في المنطقة.. لقد تزوجت مؤخراً ربما قبل شهر ربما أكثر اقل.. لقد جاءت تصلي في ذلك اليوم شكراً للرب لأنها اكتشفت بذات اليوم بأنها حامل.. كانت تصلي لأنها ستصبح أماً.. ولم تعي بأنها ستصبح ذكرى.. غادرت صورة رغدة بسرعة فلم أتحمل ان أشاهدها مدة أطول.. فقصتها تفطر القلب.. التفت بسرعة وانتبهت على إحدى الزميلات التي زارت الكنيسة معي تمسح عينيها بعد ان بكت رغدة تذكرتها يوم كانت صديقة لها مفعمة بالحياة (بالمناسبة كنا نزور الكنيسة أربعة، ثلاثة شباب وشابة.. احدنا وجد صحفية اجنبية حدثها عن ما جرى بالكنيسة وصديقتنا بقت عند البوابة تمسح دموع الذكرى لصديقتها رغدة ولمشاهد الراحلين.. أما أنا وصديقي المصور فبقينا نتجول في الكنيسة بحثاً عن حقائق وربما استرجاعاً لذكريات).. وعلى مسافة أمتار قليلة يسار صالة الكنيسة اقتربت من باب جانبي يصل الكنيسة بالباحة الخارجية.. وقد امتلئ بثقوب الرصاصات.. اقتربت منه وكل ضني انه مصنوع من الخشب، يا للمفاجئة انه مصنوع من الحديد.. ترى إن كانت الرصاصات مزقت الحديد بهذا الشكل.. فما الذي فعلته تلك الرصاصات الحاقدة بأجساد الأبرياء.. أصابني الدوار.

مشيت في الممر الفسيح نحو المنبر الرئيسي (المذبح) الذي تقام به الصلاة.. لقد وضعت على طرفي الممر كراسي بلاستيكية.. أما المقاعد الخشبية الأنيقة التي لازلت اتذكرها، فقد رفعت بعد ان تحطمت بالكامل وارتوت بدماء الشهداء.. والأرض لازالت مثقبة من الرصاصات وشظي الانفجارات.. اما السقف الذي لم يسلم من الرصاص العشوائي.. فلازالت تعتليه تلك اللوحة البهية للسيدة العذراء تحتضن وحيدها السيد المسيح ويرفرف حولهما ملاكان بملابسهما البيضاء فوق سقف المذبح تنظر بحني لما تحتها.. لوحة تذكر باللوحات التي تعتلي سقوف الكنائس الايطالية.. ويحطها عددا من اللوحات الزاهية التي لم تسلم من أثار الجريمة.

وعند المنصة.. كان السكون غريب.. فالمنصة فارغة غطتها سجادة كبيرة وصورتان كبيرتان للأبوين الشهيدين (ثائر ووسيم) اخفت خلفهما مشاهد الدمار الذي حل بالمكان.. لقد قتل الإرهابيون الأبوين الشهيدين هنا.. لم يمنحوهما فرصة التفاوض لآنقاذ المصلين.. ويبقى للأب وسيم دوره الكبير في إنقاذ العدد الأكبر من المصليين عندما فتح لهم غرفة الشماسين القابعة إلى يسار المنصة.. حيث التجئ لها المصلين المذعورين واقفل الباب حولهم.. وعلى الرغم من ان البعض قتلوا داخل الغرفة عبر القنابل اليدوية والرشق العشوائي للرصاص إلا إن هذه الغرفة أنقذت حياة الكثيرين.

الإرهابيون اقتحموا الكنيسة من بوابتها الرئيسية.. ثمانية قتلة مدججين بالسلاح والقنابل اليدوية والاعتدة.. وبهمجية لا يمكن تصورها ابتدئوا يسيرون بممر الكنيسة ويرشقون الرصاص العشوائي على الجميع.. يخطى من يتصور ان الناجين هربوا او ركضوا.. لقد احتمى من في المقدمة من النيران بأجساد من كانوا بالمؤخرة.. هلع ما بعده هلع.. الكل يركضون دون وعي نحو مقدمة الكنيسة فالباب في الخلف والإرهابيون قدموا عبره.. روايات الناجين تتحدث عن إن الأب ثائر حاول الإشارة للإرهابيين بيده أن يهدأوا ويتوقفوا عن القتل المفتوح للجميع.. فما كان من احد الإرهابيين أن صوب بندقيته إلى رأس الأب واردا شهيدا بدم بارد.. قرب موقع الصلاة.. العديد من الناجين تحدثوا عن استخدام الإرهابيين للتكبير ووصفهم للضحايا بالكفرة.. بإشارة صريحة لأصولية الجهة الإرهابية.

اتجهت نحو غرفة الشماسين.. ويا لها من لحظات قاسية.. أنا الآن أمام الغرفة الأكثر رعباً في ذلك اليوم المرير.. عند الباب الصغير.. وفي الأسفل لاحظت حفرة بالأرضية.. إنها الحفرة التي سببها الإرهابي الأخير الذي فجر ذاته بعد ان حاصره عناصر قوة مكافحة الإرهاب العراقية الذين اقتحموا الكنيسة وقتلوا الإرهابيين وحرروا الرهائن.. محيط الباب غلف بآثار الدمار وبسواد دخان التفجير الذي خلفه رمي العديد من القنابل اليدوية.. ها انا أمام الغرفة التي أنقذت العشرات.. إنها صغيرة ربما تقل عن العشرين متر مربع، غرفة صغيرة تضم خزانة خشبية للملابس وشماعات خشبية مثبتة بالجدار تستخدم للشماسين لتعليق عباءاتهم البيضاء الزاهية.. والأدهى إنها لا تضم شباكاً.. سوى.. فتحة جدارية صغيرة.. وفتحة أخرى تعتلي الباب الخشبي المحطم.. تلك الفتحة التي كانت فتحة الموت علي المحتجزين.. فبعد أن وثب الجالسون نحو هذه الغرفة التي فتح بابها الشهيد الأب وسيم.. لم يشعر الذين ولجوا الغرفة بعددهم.. لقد كانوا ربما أكثر من أربعين.. وهنالك من يروي إن الناجين الخمسين كلهم كانوا بالغرفة.. لم استطع استيعاب العدد.. إنها غرفة صغيرة جدا.. كنا أربعة نسير بها وكانت تكاد تضيق بنا.. أغلق الأب وسيم الباب على من في الغرفة.. ودفع جهاز تكييف عمودي قريب على الباب ليحول دون وصول الإرهابيين لهم.. وما هي إلا لحظات حتى قتل احد الإرهابيين الأب وسيم.. ليسقط قرب باب هذه الغرفة.. أما بداخل الغرفة فلا يمكن تصور الذعر وأصوات الابتهالات والاسترحام لرجال ونساء وأطفال تكوموا فوق بعضهم بمشهد مأساوي.. تأملت الجدران كانت مليئة بآثار التفجيرات والدماء.. فالإرهابيين لم يكتفوا بمن قتلوا بل رموا أكثر من قنبلة صوتية على المحتجزين عبرة نافذة الباب العليا التي وصفتها بفتحة الموت.. فقد تسببت القنابل الملقاة بمقتل الكثير بين ذويهم وجرح معظم من في الغرفة.. فضلاً عن حالة من الذعر الكبير نتيجة صوت الصفير الشديد الذي يسببه انفجار القنبلة الصوتية معيقاً أي سماع لمن يكون قريب من انفجارها.. استوقفني مشهد كف من الدم طبع على احد الجدران.. ترى هل كان كف امرأة أم كف رجل.. كف نجى ام رحل مع الشهداء تاركاً هذه اللمسة المريرة.. وعلى جدار آخر علقت مباخر الشماسين.. وخلفها مشاهد الدمار على الجدران.

 قصص هذه الغرفة مأساة كبيرة.. وأكثر القصص التي رسخت بذاكرتي هي قصة لأصدقاء لي (بسام ومحمد) إنهما شابان في الثالثة والعشرين، يعيشان في منطقة واحدة (الكرادة) أصدقاء طفولة.. وطلاب في جامعة واحدة الآن، نادراً ما أشاهد احدهما دون الآخر.. بسام كان مع عائلته في الكنيسة يوم الهجوم.. أما محمد فكان في محله القريب والمخصص لبيع الأفلام (أقراص ليزرية) والذي يبعد مسافة أربعة شوارع عن الكنيسة.. ومع سماع محمد لخبر احتلال الكنيسة من قبل إرهابيين.. حتى ترك محله مذعورا نحو الكنيسة للاطمئنان على صديقه بسام.. وصل محمد للشارع المؤدي للكنيسة ومنع من الدخول فالجيش يغلق الشارع ويفرض طوق امنياً على المكان.. وقوات أخرى تشتبك بالرصاص بصورة متقطعة مع الإرهابيين عند مداخل الكنيسة، رن هاتف محمد الجوال وكانت المفاجئة انه بسام.. أجاب بسرعة.. بسام يتحدث بصوت عال وحوله ضجيج وهو يقول محمد لينقذونا سوف نقتل جميعا.. لم يعرف محمد بماذا يجيب ثم استجمع قواه وضغط على زر مكبر الصوت بالهاتف ليستمع القادة العسكريين المتواجدين قربه لأحد الرهائن من الداخل.. بسام قال انه محتجز مع العشرات بغرفة الشماسين وهم على الأرض بصورة عشوائية جدا ويتعرضون لإطلاق نار عشوائي عبر باب الغرفة.. محمد ابتدأ بتطمين صديقه بأنه بين الجيش وأنهم سوف ينقذوهم جميعاً.. وكثافة النيران تزداد.. وحشرجة صوت بسام تزداد، وهنا دوى انفجار يروي محمد انه سمعه على الهواء لقربه من الكنيسة وسمعه عبر الهاتف مع بسام.. ومع الانفجار انقطع الخط.. سخط محمد وحطم هاتفه بالأرض وبدأ يبكي كالأطفال ضاناً إن صديقه قتل بهذا الانفجار.. وقام بعض قوات الجيش بالربت على كتف محمد قائلين له لا تقلق ربما انقطع الخط ربما سقط.. من قال انه مات.. أما محمد فجلس يبكي صديقه بالشارع ويشير للسماء بالدعاء سائلاً ربه ونبيه محمد وأئمته علي والحسين.. أن ينقذوا صديقه بسام ومن معه.. ومن داخل الكنيسة يعتلي صوت الرصاص وأصوات الابتهالات بالله وبالسيدة والعذراء وبالسيد المسيح أن ينقذهم.. ساعات مرت كالدهور على محمد قبل أن يتم إجلاء المحتجزين ويخرج بسام حياً.. لقد أصيب بشظايا بقدمه.. أما الانفجار الذي قطع الاتصال فكان سقوط قنبلة صوتية ألقاها احد الإرهابيين على الغرفة ليزيد من ذعر المحتجزين تسببت بجرح بسام وآخرين وأسقطت الهاتف من يد بسام وحطمته.. محمد وبسام احتضنا بعضهما قرب الكنيسة وبكيا كالأطفال ربما من أسى ما شهدا وربما من فرحة نجاة بسام.. لاحقاً التقيت محمد وحاورته عن الحادث.. بسام كان قد سافر للعلاج بدولة مجاورة وعلمت انه عاد لاحقاً إلى بغداد لإكمال دراسته الجامعية.. أما محمد فحين أخبرته كيف كان وقع ذلك اليوم عليه.. فضحك قائلاً لا أريد أن تذكر.. فها أنا اضحك ربما من فرط بكائي ذلك اليوم.. لقد توقعت إن بسام مات.. وكدت اقبل يد الجندي الذي أوصله لي سالماً.

غرفة الشماسين كانت بيتاً من بيوت الرعب.. فالانفجار الثاني بالكنيسة قطع الكهرباء عن الغرفة.. والقنابل الصوتية التي ألقيت بداخلها خلفت العديد من الجرحى والشهداء.. ولازالت مشاهد الدم والدمار تغلفها.

اخبرني احد أصدقائي إن شخصا قتل في هذه الغرفة وبعد أن رفعوا جثته وجدوا ابنه تحته سالماً.. لقد فدى الأب ابنه بجسده.. لم نستطع البقاء في الغرفة مدة أطول كنت اشعر بأن أرواح من استشهد بها لازالت تبتهل في هذا المكان متسائلة بأي ذنب قتلت.

غادرنا الكنيسة واحدنا يسأل الآخر.. إلى متى سيستمر نزيف الدم، وقفنا في الباحة الخارجية مرة أخرى.. التفت إلى يمين الساحة عند ملعب كرة القدم المجاور واللصيق بالمدرسة التابعة للكنيسة.. شاهدت الأطفال يلعبون كرة القدم بحماس كبير.. وتمنيت أن يعيش هؤلاء الأطفال غداً أفضل.. كانوا هم الآمل الذي خفف من سوداوية الصورة الموحشة التي شاهدتها داخل الكنيسة.

هذا وكانت القناة العراقية الرسمية قد عرضت وعلى ثلاث حلقات مفصلة تفاصيل إلقاء القبض على مخططي ومنفذي الجريمة.. الذين اتضح ارتباطهم بتنظيم القاعدة الإرهابي.. حيث تولى التنظيم والتخطيط من خلال إرهابي عراقي الجنسية يدعى والي بغداد، وقام إرهابي آخر بنقل الإرهابيين المنفذين وهم سبعة عرب وعراقي واحد من مدينة الموصل شمال العراق إلى بغداد.. وجرى استقبالهم بأحد الدور قبل تنفيذهم للجريمة.. وقد عرضت القناة العراقية تفاصيل اللقاء القبض على جميع المجموعة من المخطط ومسؤولي التمويل والإيصال ومن قام بإيواء الإرهابيين ومن أوصلهم للكنيسة.. كما جرى كشف الدلالة باقتياد بعض الإرهابيين إلى الكنيسة لشرح ملابسات الجريمة.. وقد عرضت القناة العراقية محاورة قام بها الإرهابي المعتقل مع احد أباء الكنيسة.. عندما وجه الأب سؤاله للإرهابي قائلاً له.. بأي شريعة قتلت كل هؤلاء المدنين؟.. فأجاب الإرهابي.. بأنهم يختلفون مع ديني، فرد الأب وهل الخلاف مع الدين يوجب القتل بهذه الطريقة.. فصمت الإرهابي، ليتعرى الإرهابيون مرة أخرى.. أمام الرأي العام وهم يدافعون عن حججهم الهزيلة بقتل وإرهاب المدنين وتخريب المؤسسات وضعضعة الوضع العام.

ولازال العديد من المسيحيين العراقيين يعيشون ببغداد وقسم آخر نزح لشمال العراق بإقليم كردستان نحو مناطق أكثر أمناً بانتظار العودة لبغداد.. في حين هاجر الآلاف تجاه أوربا وأمريكا.

ويرى العديد من المراقبين بأن مخطط إرهابي واضح يعمل على محاولة تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين.. ويدعوا عديدين لإجراءات سريعة للقضاء على هذا المخطط وإعادة المهاجرين لديارهم الأصلية.

وعند مغادرتنا الكنيسة.. شاهدت على جدار الكنيسة الخارجي كلمة (النجاة) منقوشة بحرفنة.. فرددت مع ذاتي وبصوت خفيض ايا ليت النجاة لمستقبل بلدي.

 

 

 

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.