اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• النجف..من التنوير إلى التحريم

توفيق التميمي

النجف..من التنوير إلى التحريم

 

 زرت النجف الاشرف مؤخرا للمشاركة في فعاليات مهرجان ثقافة الطفل الاول، وسررت بوقائع حفل الافتتاح التي كانت من فقراته ظهور فرقة انشاد مدرسية لطالبات مدرسة مهدي الحكيم الابتدائية وهن يؤدين اناشيدهن بأصواتهن الطفولية الشجية، كما سررت بصوت منفرد لاحدى هذه البراعم يصاحبها صوت انغام العود الماهرة بانامل مدربها الموسيقي، شيء جميل يحدث مثل ذلك وسط مدينة محافظة مثل النجف، ولكن لم استكمل مشاعر السرور حيث همس بعض من اصدقائي النجفيين من الادباء والفنانين عما يواجهونه من عقليات محافظة تحدّ من انطلاقهم وتقيد من حركتهم لاسيما العاملون منهم في حقول المسرح والموسيقى، وتفاقم تشاؤمي اكثر عندما زرت مع الوفود المشاركة صرح المدينة الثقافية وهي اول مدينة من نوعها تشيد في العراق، ومن ابرز معالمها التي تنتظر الاكمال كانت المسارح الكبيرة والتي حرضتني للسؤال بصوت عال: متى تشهد هذه المسارح الكبيرة استعراض الفنون بكل جمالياتها وتعبيراتها دون ان تجد من يعترض عليها ويدخلها باب التحريم الديني والاجتماعي المحافظ؟، ثم ما جدوى كل هذا الصرح المعماري دون ان تصدح بارجائه ايقاعات الموسيقى التي تهذب الروح وترتقي بها، وسيكون التمثيل على خشبتها بلا روح دون موسيقى تعبيرية تعمق جمالية المشاهد التمثيلية التي ستشهدها هذه المسارح؟ لم تكن اجابات اصدقائي الادباء والفنانين مشجعة بل زادت من دائرة تشاؤمي وعزّزت مخاوفي نفسها.

 هذه المخاوف لايبددها غير نهوض المصلح  محمد رضا المظفر من رفاته الشريف وهو ينثر ازهار التنوير من غرفة الادارة في منتدى النشر الذي اسسّه ثلاثينيات القرن السابق، ولايمكن ان تصدح موسيقى الجمال في هذه المدينة الثقافية دون ان يتذكر النجفيون علماء دين ورجالات عشائر وشباب بأن مدينتهم رغم حدودها الصحراوية واحاطتها بأكبر مقبرة في العالم، لكنها  استنبتت على ارضها اولى بذور التنوير عندما سبقت اغلبية المدن العراقية بدور النشر والطباعة وبواكير الصحافة النجفية الاولى ورائديها الاخوين محمد وباقر الشبيبي، وليتذكروا اهالي النجف ان هذه المدينة المقدسة انطلقت منها قيادات الحزب الشيوعي العراقي "العلماني اليساري" ومن ابرزهم المعلم حسين أحمد الرضي والذي يعرف حزبيا بسلام عادل والذي قتله البعثيون يوم 8 شباط الاسود، ومن تخوم صحرائها السرابية انطلق الجواهري الكبير باجنحته الحالمة يصدح بأغنيات الجمال وقصائد الغزل الى انحاء الدنيا كلها عندما تلقن تلك الدروس من فقهاء ومجاهدين كبار سبقوه في صنعة الشعر ولم يتحرجوا من التغزل بالنساء والخمرة كما فعلها شيخ المجاهدين محمد سعيد الحبوبي، وليس غريبا ان ينطلق موكب المبدعين من هذه المدينة روائيين وشعراء ومفكرين ومن بينهم الروائي زهير الجزائري والقاص موسى كريدي والاديب حميد المطبعي والشاعر المتمرد عبدالامير الحصيري والقائمة لاتنتهي.

وفي مجال الحوزة الدينية التي يخشى اليوم فنانو وادباء النجف من فتاواها التحريمية لمجالات الفنون التعبيرية، انطلقت حلقات التنوير والعصرنة من ديوانيات مرجعية عبدالحسين كاشف الغطاء حتى مرجعية الشهيد محمد باقر الصدر، وكانت النجف ملاذا للعلماء التنويرين الذي يروجون للحداثة ويبشرون بها كالسيد محسن امين العاملي والشيخ محمد جواد مغنية والعلامة فضل الله المحسوب عراقيا اكثر مماهو لبنانيا، ومن ازقة النجف كتب بعض المفكرين سطور تمردهم الاولى ونزقهم المشاكس لما وجدوه من بيئة تشجع على التفكير النقدي وترعاه، كما وجد طريقه الى ذلك المفكر الشهيد حسين مروة والمفكر الراحل هادي العلوي، وظلت الدروس الاولى التي استهدى بها هؤلاء المفكرون زادا لهم في رحلتهم الفكرية وتحولاتها من حال الى حال.

القيود التي يخشاها الفنانون والادباء النجفيون هي قيود مستحدثة وشاذة على البيئة النجفية لاتمتلك جذورا في ارض النجف التي استنبتت بذور التسامح وحرية الفكر واستوعبت غزل الفقهاء بالنساء والخمور.

ــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "الصباح"

الاثنين 21\11\2011

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.