اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• الثورات الشعبية في العالم العربي... لكنس النظم الاستبدادية، وليس لجلب أنظمة ثيوقراطية، والتدخل الأجنبي

طلعت ألصفدي
 غزة – فلسطين

 

الثورات الشعبية في العالم العربي... لكنس النظم الاستبدادية، وليس لجلب أنظمة  ثيوقراطية، والتدخل الأجنبي

 

مهد انتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية عام 1945، الطريق لحركات التحرر الوطني لتواصل كفاحها التحرري  في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأنعش أحزاب الطبقة العاملة ونقاباتها العمالية والمهنية، وشهدت سنوات ما بعد الحرب مدا ثوريا متصاعدا ومناهضا للاستعمار العالمي القديم والجديد، وشكلت القوى الثورية الثلاث من الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية، والطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية، وحركات التحرر الوطنية في العالم، قوة جبارة وتكتلا موضوعيا في مواجهة النظام الرأسمالي العالمي والامبريالية الجديدة، وتصاعدت مقاومة الشعوب الرازحة تحت الاحتلال الكولونيالي من أجل استقلالها السياسي والاقتصادي، ونجحت ثوراتها وانتفاضاتها في الفكاك من الهيمنة الاستعمارية، وتصدت لكل محاولات نهب خيراتها، وقادت هذه المرحلة من تاريخها البرجوازية الوطنية بالتحالف مع القوى الديمقراطية والثورية، ورفعت في البدء شعارات الديمقراطية والتقدمية، ولكن بعد انجاز مرحلة التحرر الوطني، وزوال الاحتلال عن أراضيها، واستلامها للسلطة السياسية، تنكرت العديد من قيادات العالم الثالث، وأحزابها السياسية لأهداف الجماهير، وارتدت عن شعاراتها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وصادرت المال العام، وانهمكت في المشاريع والاستثمارات الخاصة، ووفرت بيئة لمظاهر الفساد السياسي والمالي والإداري، وتسابقت في احتكار التجارة غير المشروعة وانخرطت في عمليات التهريب وغسل الأموال، وتجارة المخدرات، وتحول الفساد إلى نمط  حياة  داخل المجتمع بين المواطنين وأجهزة السلطة الحاكمة دون مراقبة ومساءلة أو محاكمة، وتغولت في تصفية رفاق الأمس بسبب معارضتهم لهذه المسلكيات المشينة، وتحولت إلى طبقة رأسمالية كمبرادورية، تسيطر على المجتمع ومقدراته، وتتهرب من تحمل مسؤولياتها الوطنية والمجتمعية تجاه شعبها، مسخرة كل أجهزة الدولة من المخابرات، والاستخبارات، والبوليس والأمن الداخلي، والسجون، ووسائل الإعلام، والمناهج التعليمية لإحكام السيطرة والحكم على مقدرات البلد، وسمحت لعودة النفوذ الامبريالي ومؤسساته المالية للتحكم في مصيرها، ومارست العنف الدموي ضد الخصوم السياسيين، مما عمق التناقضات الداخلية، وزادت معاناة الجماهير الشعبية التي كانت القوة المحركة الأساسية للثورة الوطنية التحررية، وساعد على تعميق اغتراب المواطن عن وطنه، وشعوره بالإحباط واليأس، وعدم جدوى الاهتمام بالأمور العامة، بعد أن أحس بفقدان كرامته، وهويته المعنوية، بسبب القمع وكبت الحريات وحماية القادة الفاسدين والحكام والمتلاعبين بالمال العام مستغلين سلطة الحكم، والمال،والدعم الامبريالي دون محاسبة أو محاكمة، مع غياب سلطة القضاء والقانون، ساهمت في تعميق الأزمة الداخلية، واستفحال التناقضات التناحرية والصراعات الدموية. ومع انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، وسيادة القطب الأوحد على العالم، وانتهاء الحرب الباردة، سارعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للهجوم على البلدان العربية والإسلامية التقدمية، وزعزعتها والانقضاض عليها لحماية مصالحها، وقواعدها العسكرية، ومحاصرة أية تحركات شعبية، وثورات ضد وجودها، وضمان حماية أمن إسرائيل كشرطي في المنطقة.

 

إن التاريخ هو تاريخ الناس، وهم الذين يصنعون حياتهم وتاريخهم، ويحاول كل منظري الطبقات المستغلة إسقاط دور الجماهير الشعبية في صناعة التاريخ، وفي إحداث الثورات الاجتماعية والسياسية.  إن الجماهير الشعبية هي صاحبة المصلحة الحقيقية في إحداث التغيير الحقيقي، وفي رفضها للظلم والقهر والاستغلال والاستبداد، وهي القوة المحركة الأساس للثورة الاجتماعية، وتعبر  أحزابها السياسية عن مصالح العمال والفلاحين والشبيبة والمثقفين الثوريين ورجال الفكر والكتاب والفنانين والفقراء والمهمشين وقوى المجتمع التقدمية، القادرة على هزيمة الأجنبي، والتصدي لمظاهر الفساد، واستبداد الحكام العسكريين والمدنيين، وأجهزة القمع والتخويف، وكل أشكال استثمار الإنسان لأخيه الإنسان، إذا ما انتظمت، وتوحدت لمواجهة كل أشكال القهر والنظم السياسية الرجعية والظلامية، مدافعة عن حقوقها السياسية والاجتماعية والديمقراطية على طريق بناء المجتمع الإنساني، وتعزيز قيم المواطنة الحقيقية، باعتبارها الصانعة للخيرات المادية والفكرية، والمحرك الأول للعملية الإنتاجية في المجتمع، وصانعة التاريخ والفكر والثقافة والفن والحضارة الإنسانية.

 

إن النظم الاستبدادية في البلدان العربية روجت لشعارات دون مضمون حقيقي، إما وطنية أو دينية، لتعزيز سلطتها السياسية والعشائرية، وفرض هيبتها على المجتمع، مستخدمة وسائل الإعلام المختلفة، المسموعة والمقروءة  والمرئية، وحاصرت رجال الفكر والمبدعين المتنورين، ودفعتهم تحت ضغطها البوليسي للهجرة القسرية خارج الوطن أو النفي الذاتي،  وشلت دور الجامعات في تحقيق رسالتها الحضارية القائمة على العلم البحث والإبداع، وحاصرت أساتذة الجامعات المتنورين والتقدميين،  ضمن حدود ضيقة، وفشلت في خلق أجيال تنتهج التفكير العلمي، وبثت روح اليأس والاستسلام في المناهج التربوية والتعليمية، وراهنت على الإسلام السياسي، وأذرعه المختلفة في محاربة الفكر التنويري اليساري العلماني الديمقراطي التقدمي وسمحت بلا حدود وخصوصا عبر الفضائيات على مهاجمته وتكفيره، وإصدار الفتاوى المضللة التي تتناقض مع الروح السمحة للإسلام الذي يرفض التعصب والإرهاب الفكري والجسدي وروجت شعارات احتكارها للمعرفة، والحقيقة المطلقة لضمان استمرار حكمها وسلطتها، والهاء الشعب عن قضاياه الحقيقية في حين تنعم السلطة وقادتها وأحزابها السياسية في الدفاع عن اقتصاد السوق والليبرالية الجديدة، وفي نهب مقدرات الوطن والتحكم في مصيره ليشكل نظاما سياسيا فاسدا ومستبدا، ساهم في إفساد المجتمع، وانتشار الرشوة، والمحسوبية،والسرقة وعمليات التزوير، وهدر المال العام، ولاحقت المعارضين والوطنيين مستخدمة كل أجهزتها الأمنية والبوليسية، وكل أدوات القمع

والإرهاب، وتحاول كل مؤسساتها أن تضفي نوعا من  القداسة على الرئيس والزعيم والقائد الملهم الرباني الذي لا مثيل له، وكأنه حامي الوطن وصانع التغيير، وإذا ما حاولت الجماهير، أن تتحرك وتنتفض على جلاديها، وتطالب بحقوقها السياسية والاجتماعية والديمقراطية، فإن أجهزة الحكم والسلطة العسكرية والبوليسية بالمرصاد، تستخدم كل أدوات القمع ووسائل العنف والقوة لقمعها بالدم والحديد،  ولحماية نظامها السياسي ومصالحها فإنها تنفق  المليارات على التسلح والحرس الخاص، وتستجلب المرتزقة للحفاظ على سلطتها، ولديها الاستعداد لممارسة أبشع المجازر ضد الجماهير المنتفضة وقواها السياسية، ولا تتردد حتى في استدعاء  القوى الأجنبية  للتدخل ولحمايتها من غضب الجماهير.

 

إن التحركات والاحتجاجات الشبابية والجماهيرية في كل من تونس ومصر، وانتقال عدواها المحمودة إلى اليمن والبحرين وسوريا وليبيا ستتجاوز حدود المنطقة الجغرافية في الوطن العربي، ستعيد أولا للدور الريادي والحضاري لمصر إذا لم تقع فريسة للإسلام السياسي الذي يحاول عبر شعارات مضللة وباطنية كسب ود الجماهير، والترويج لمفاهيم معادية للمساواة  بين فئاته المختلفة وشرائحه، واللعب على التناقضات الطائفية التي خلقها النظام البائد، في محاولة لفرط عقد الترابط الاجتماعي المصري، والترويج لنظام ثيوقراطي على المجتمع المصري، وثانيا لن تهدأ العاصفة، أو يتوقف الطوفان حتى تطال مواقع أخرى ونظم سياسية بائدة وإمارات ومشيخات يعتقد البعض أنها في مأمن عن تداعياتها، وكأن رياح التغيير لن تطالها.  لقد فتحت هذه الثورات الأبواب الموصدة لإعادة الاعتبار لدور الجماهير الشعبية وكفاحها من أجل  تقرير مصيرها الوطني والاجتماعي والديمقراطي، ووجهت لطمة موجعة لكل المنظرين والمفكرين البرجوازيين، والقومجيين والمتأسلمين والمدافعين عن النظام الرأسمالي  العالمي، والليبرالية الجديدة، والعولمة المتوحشة، ودعاة الفوضى الخلاقة الذين اعتبروا أن التاريخ  يصنعه الملوك والقادة والشخصيات والفلاسفة، وليس الجماهير الشعبية، محاولين بكل صفاقة سياسية، إخفاء دور الصراع الطبقي في الثورات الاجتماعية، نتيجة انقسام المجتمعات إلى طبقات مستغًلة ومستغِلة، مضطًهدة ومضطِهدة، ويروجون للفهم المثالي للتاريخ  بأن الأفكار (على أهميتها) هي المحرك الحاسم والأساس في تاريخ المجتمعات، وليست القوى المنتجة  وأسلوب الإنتاج، وشروط حياتها المادية السائدة في المجتمع، وكأن الأفكار هي التي توجه نشاطهم، فالوعي الاجتماعي هو انعكاس للواقع الاجتماعي، ويحاول بعض البرجوازيين والليبراليين الجدد ومنظري المنظمات غير الحكومية إحداث قطع عمودي وأفقي بين الثورات الشبابية الحاصلة، وبين الأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية والتقدمية ونضالها الوطني والطبقي، والتقليل من تجربتها وخبرتها المتراكمة في التاريخ الوطني، وتبنيها لقضايا الجماهير والدفاع عن مطالبها السياسية والحياتية والمجتمعية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية، وإغفال ما تعرضت له من التصفيات الجسدية، والقمع والملاحقة، وزجهم في السجون والمعتقلات ومحاولة اختصار التحركات الجماهيرية والشعبية بفئات من الشباب الجامعي المتعلم المتمرد على الواقع المنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وكأنها خارج بنية المجتمع الطبقية، وليست مكونا رئيسا من مكونات المجتمع الطبقي، ويروج البعض لدور النظام الامبريالي في ترتيب هذه الانتفاضات الشعبية وكأنها صناعة أمريكية.

 

لقد نجحت القوى الشبابية والسياسية ومكونات المجتمع المدني في المزج  ما بين السياسي والقانوني والاجتماعي والديمقراطي، فجوهر مطالبها العادلة نحو نظام سياسي عصري يحقق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويصون الحقوق الاقتصادية للجماهير الشعبية، ويعمل من أجل أن يتمتع المواطنون بالمساواة الحقيقية أمام القانون، وبحقوق المواطنة، تصان فيه الحريات الخاصة والعامة حرية الرأي والتعبير والإبداع الفكري والفني والثقافي وحرية الصحافة، وحق التنظيم والتظاهر السلمي، وقوانين تحمي حقوق وكرامة المرأة ويمنحها الحقوق الكاملة والمساوية للرجل. لقد شكلت الاحتجاجات والثورات في بعض البلدان العربية عهدا جديدا بالنسبة لطبيعة النظم السياسية في المنطقة، ولا زالت  تحدث مفاعيل هامة على مستوى العالم العربي والإقليمي والدولي، تستجيب للاحتياجات الداخلية  العاجلة لهذه المجتمعات من اجل الكرامة الإنسانية والديمقراطية والتعددية والإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية، وتحاول أن ترسم خارطة جديدة لعلاقات القوى في المنطقة وفي البلدان العربية بشكل خاص، وهي تشكل نموذجا متميزا في تجربة الثورات أيضا.

 

لقد فشلت الأنظمة السياسية في العالم العربي في مواجهة أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بسبب اعتمادها على المال والحماية الأجنبية، وربط عجلتها بالاقتصاد الرأسمالي العالمي رغم أزماته المتلاحقة، وإهمالها لقضايا الجماهير الحياتية والديمقراطية، ونهبها للمال العام، ورفع من حدة تناقضاتها مع جماهيرها.  ومع نضوج العوامل الموضوعية والذاتية للثورات والاحتجاجات الجماهيرية في العالم العربي، كانت الشرارة الأولى من تونس أعقبها اللهيب ليجتاح الغضب  الشعبي في العالم العربي. انتفضت الجماهير التونسية تحت ضغط  الواقع المر، وتفشي البطالة، ومظاهر الاستبداد في المجتمع التونسي، وتحت تأثير احتراق  الشاب بوعزيز المأساوي الذي هز الجماهير التونسية رغم دموية النظام وعنفه لتنتصر الثورة  في النهاية، ويسقط نظام زين العابدين، لتتنفس الصعداء ولتطل القوى الإسلامية الباطنية برأسها وتعبر في البداية عن  شعارات الديمقراطية والتعددية لكسب ود الجماهير، حتى نجاحها في الانتخابات، ليبرز زيف دعاويها، وتعود شعارات الإسلام السياسي للظهور، كأسلمة المجتمع التونسي، وإضفاء الشرعية الدينية على الحكومة الربانية والحكومة السادسة الراشدة، وإعادة المجتمع التونسي إلى الوراء، مما سيزيد من حدة الصراعات الداخلية والطبقية، ولن تنجح في حل مشاكل المجتمع لافتقارها إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وستتواصل أزماتها المركبة، ما لم تعيد الاعتبار لكرامة الإنسان وحقوقه المشروعة.

 

لقد تحولت الاحتجاجات في ليبيا إلى مأساة حقيقية بسبب عنف وديكتاتورية النظام الليبي الذي استخدم الحديد والنار في قمع المتمردين والثوار، ومعارضة تعجلت في استخدام السلاح بسبب عدم نضوج الثورة وفشلها في مواجهة النظام مما  أضطرها إلى الاستنجاد بحلف النيتو الامبريالي للتدخل الذي وجدها فرصة سانحة لإعادة احتلال ليبيا، ونهب بتروله وخيراته وتحويله إلى مستعمرة جديدة له، حيث نجح تدخل النيتو في إسقاط النظام بعد أن أحدثت فيه الدمار والخراب، ودفع الشعب الليبي ثمنا باهظا  الآلاف من أبنائه ضحايا وجرحى، ولن يفلح الهروب من الدلف إلى المزراب. ومع غياب حياة سياسية في ليبيا منذ ثورة الفاتح، وتكريس سلطة الحزب الواحد، وتعطيل دور الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية ومؤسسات المجتمع، وغياب قوى ديمقراطية وتقدمية حقيقية، فان هناك محاولات من قوى الإسلام السياسي للانقضاض على مصير البلد، وستضطر لدفع فاتورة التدخل الأجنبي من استقلال ليبيا، ومن عرق ودم كل الكادحين.

 

لقد نجحت القوى الظلامية في سوريا، وبدعم من بعض الأنظمة العربية الرجعية، ومن  الولايات المتحدة الأمريكية وقوى النظام الرأسمالي في تحويل الاحتجاجات الجماهيرية السورية السلمية إلى احتجاجات مسلحة بهدف توريط النظام السوري، ودفعه إلى استخدام الحلول الأمنية التي أوقعت مئات الضحايا من المدنيين والعسكريين،  بديلا عن  إجراء الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية التي اعتبرت مطلبا مشروعا للجماهير بعيدا عن سياسات ووصفات صندوق النقد الدولي، واقتصاد السوق التي ألحقت أضرارا بالطبقات الكادحة والفقيرة والمسحوقة بهدف إضعاف دور سوريا في مواجهة الهجمة الإسرائيلية والأمريكية. لقد شنت بعض الفضائيات العربية والأجنبية هجوما شرسا على النظام السوري، محاولة التركيز على نزع الشرعية عن النظام، وخلق تجمعات خارج سوريا بهدف المطالبة بالتدخل الأجنبي في سوريا كما جرى في ليبيا، ومع أن النظام تباطأ في الشروع في إصلاحات ديمقراطية واجتماعية في مقدمتها إلغاء قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وقانون الانتخابات والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية التي اعتبرت طريقا نحو الخروج من الأزمة المستفحلة، والتي لاقت ارتياحا من أوساط المعارضة الوطنية السلمية، أما المعارضة المسلحة والأصولية فإنها ترفض الحوار مع النظام في سوريا، ومعها تتزايد الضغوط  وحملات التهديد، وتشتد الهجمة على سوريا وتحاول قوى عربية وإقليمية ودولية اللعب في الداخل السوري، ودعم القوى الظلامية والأصولية لرفض الحوار مع النظام والتحريض عليه، وتحاول الجامعة العربية التوسط من أجل حل الأزمة على طريق وقف العنف وسفك الدماء، وإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية، وإطلاق الحريات الديمقراطية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي،  والحفاظ على سوريا قوية ومنيعة، وسحب كل دعاوي ومبررات التدخل الأجنبي ضدها، في حين لم تقع المعارضة اليمنية في كمين استخدام السلاح وعسكرة هذه الاحتجاجات الذي حاول النظام اليمني جرها إليه، وبقيت ترفع شعارات سلمية هذه الاحتجاجات مع شعار إسقاط النظام، وتحاول الأنظمة الخليجية التدخل لحماية النظام وإجباره على التوقيع على المبادرة الخليجية، رغما عن مماطلة الرئيس على محمد صالح الذي يتهرب من التوقيع عليها كسبا للوقت، وانتظارا لتراجع الاحتجاجات الجماهيرية والعشائرية ضده.

 

أما الولايات المتحدة الأمريكية التي رعت، ودعمت أنظمة الاستبداد والفساد سياسيا وماليا وعسكريا، وحمت حلفائها في المنطقة لضمان مصالحها الحيوية، ونجحت في تجنيدها لخدمة التحالف الأمريكي – الإسرائيلي، فقد أصيبت بالذهول في البداية من حجم التحركات الشعبية والجماهيرية التي شاركت فيها، وفشلت كل أجهزتها العسكرية والاستخبارية في تحديد ساعة الصفر، وحاولت في البداية التعاطي مع هذه النظم عبر دعوتها  الخجولة للإصلاح السياسي، وتعزيز الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، وطالبت بعدم التعامل مع الاحتجاجات بالعنف، ثم تدحرجت مواقفها لتتخلى عن ركائزها في المنطقة، وتظهر تعاطفها مع الاحتجاجات الجماهيرية والشبابية، ولم تيأس فالمعركة في نظرها لم تنته بعد، وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية والأوربية التدخل بشكل مباشر كما حدث في ليبيا أو غير مباشر كما يحدث في سوريا، لحماية مصالحها النفطية والعسكرية والاستخباراتية، وضمان أمن إسرائيل، سواء في محاولة توجيه الثورات الشعبية والشبابية في اتجاه غير الصحيح لتقويض أهدافها، أو في دعم  قوى المعارضة في الداخل أو الخارج لضمان موطئ قدم لها . لا شك إن التغييرات والتحركات الجماهيرية ضد أنظمة الاستبداد والفساد  تشكل ضربة موجعة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وتعطل مشروع الشرق الأوسط الجديد خصوصا بعد سقوط رؤوس  النظام في مصر وتونس وليبيا، اللذين شكلوا قواعد متقدمة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وتحولوا لجزء من الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، وستحاول الولايات المتحدة الأمريكية إظهار نوايا حسنة في الدفاع عن الديمقراطية، وتعاطفا مع الجماهير المنتفضة على الرغم من دعمها المطلق لأنظمة الاستبداد والقهر، في حين تكيل بمكيالين عندما يكون الضحية هو الشعب الفلسطيني، كما ستحاول إشراك بعض دول الخليج العربي للمشاركة في إجهاض هذه الثورات، أو التدخل العسكري والمالي، وستحافظ على مكانتها السياسية والاقتصادية كما ستحاول استغلال القيود والروابط الاقتصادية والمالية والعسكرية للمحافظة على توجهات السياسة الأمريكية في المنطقة، أو محاولة فرض الانكفاء الداخلي على هذه الدول لتبقى أسيرة أزماتها الاقتصادية والأمنية، وضمان استمرار تبعيتها لها، وبان حجم التحالف بين قوى الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والأخوان المسلمين، ليغرس خنجرا مسموما في قلب الجسد العربي الذي يحتاج  لهمة  القوى اليسارية والديمقراطية والتقدمية، ولدور النقابات العمالية والمهنية ومكونات المجتمع المدني لمواجهة الشتاء العربي، ومنع التفرد الأمريكي في المنطقة العربية، وتحويلها إلى مستنقع ومرتع لها عبر حلفائها  الإسلاميين الجدد.

 

الأحد 20/11/2011

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.