اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• ما بعد الربيع: زمن طويل من عدم الاستقرار

د. جابر حبيب جابر

مقالات اخرى للكاتب

ما بعد الربيع: زمن طويل من عدم الاستقرار

 

في حوار مع شخصية أوروبية مؤخرا حول الأحداث في منطقتنا، ذكرت أن وصف ما يحصل بعبارة «الربيع العربي» يبدو لي وصفا تبسيطيا ولا يعكس حقيقة الأشياء، حيث المحتجون يموتون يوميا في أكثر من بلد عربي، وهنالك نذر لحروب أهلية وصراعات غير منتهية قد تكون نتيجتها سفكا كبيرا للدماء، وذلك لا ينسجم مع ما يحمله الربيع من براءة ووداعة وجمال. كان رد محدثي الأوروبي أنه إذا كان هذا هو مفهومكم للربيع في العالم العربي، فأنت على حق، ولكننا نفهم الربيع بطريقة أخرى، إنه موسم انتقالي في المنطقة حيث لا يستقر الجو على حال، أحيانا هنالك أمطار غزيرة وبرق ورعد، وفي أحيان أخرى جو مشمس ودافئ تتخلله أقواس قزح. ولذلك لا أرى، والكلام له، ضيرا في تسمية ما يحصل في العالم العربي بأنه ربيع، فهو زمن انتقالي يحمل صورة التغيير والتقلب وصعوبة التنبؤ. هذا التفسير «الأوروبي» للربيع يبدو لي أكثر تجسيدا لما يحصل من تفسيرنا نحن العرب للربيع، وهو تفسير رومانسي ربما مرده أن معظم البلدان العربية لا تعرف موسم الربيع بشكل حقيقي. ما نعتبره في العراق شتاء يراه بعض الأوروبيين الشماليين ربيعا.. فهل هنالك أجمل من نهار بارد مع شمس مشرقة وبلا مطر في أغلب الأوقات؟!

 

التصور بأن إسقاط ديكتاتور ما أو نظام ما يعني ربيعا «من النوع العربي» هو تصور مبسط لأسباب عديدة: أولا، أن الذين انتفضوا في الساحات العامة في عدة مدن عربية وغالبيتهم من الشباب لم يكونوا يعترضون فقط على الديكتاتورية السياسية، بل على مجمل الظرف السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي ضيق أمامهم فسحة الأمل وجعلهم غير قادرين على تصور مستقبل أفضل في ظل استمرار الوضع القائم. وبالتالي فإنه حتى مع تنحي الديكتاتور، فإن تغيير الأوضاع نحو الأفضل هو أمر أصعب بكثير، بل هنالك احتمال بأن حالة عدم الاستقرار الناتجة عن سقوط أو تزعزع أركان نظم مضى عليها عقود في الحكم، غالبا ما تقود إلى تردي الوضعين الاقتصادي والأمني لبعض الوقت الذي قد يطول أو يقصر.

 

ثانيا، أن هؤلاء الشباب يتعرضون لـ«الخيانة» في أكثر من بلد، فلأنهم غير منتظمين بأحزاب سياسية تقليدية ولا يمتلكون علاقات مع السلطة، ولا يستمدون نشاطهم من مراكز اجتماعية تقليدية، يجري دائما التغاضي عن دورهم في المرحلة اللاحقة حينما تنجح الأحزاب القديمة والمنظمة، وبقايا السلطة السابقة، وأصحاب النفوذ والمال، بسرقة المشهد السياسي والمضي بتسوياتهم الخاصة وتجيير العملية الانتخابية لصالحهم بفضل ما يمتلكونه من أموال وتنظيم وخبرات وربما دعم خارجي. بالطبع، أنه في حالات كالمصرية والتونسية واليمنية وحتى الليبية، سيكون شعور الشباب بأن طبقة من السياسيين الشيوخ قد سرقت منجزهم حافزا للتحرك، لا سيما مع طبيعة الظرف السائد في كل مرحلة انتقالية وهو ظرف يتسم بـ«اللااستقرار» والأزمات الاقتصادية، وهو ما يخلق بيئة اجتماعية ساخطة على من يتصدى للحكم لاحقا. الأهم من ذلك، أن هؤلاء الشباب يعتقدون بأنهم يمتلكون شرعية خاصة، هي شرعية الثورة، فبدونهم ما كان التغيير سيحدث، إنهم من صنع التغيير حينما تمرد على السلطة بطريقة اقتحامية تخلو من الوجل خلافا للأحزاب المعارضة التقليدية. إن «ملكية الثورة» هي الشعار الذي سيظل يحرك الشباب ويقربهم أكثر من الاصطدام مع مجمل الطبقة السياسية، في مواجهة ستكون حادة إن حصلت. علينا أن نتذكر دائما أن «الثورات» لا تصنعها الأغلبية، بل هي نتاج عمل الأقلية الحيوية والحالمة والشجاعة بما يكفي للمجازفة بحياتها، بينما «الانتخابات» هي شيء آخر، هي تعبير عن خيار الأغلبية الذي قد يكون بالضد من خيار الأقلية الثورية. لقد رأينا المجلس العسكري في مصر يحتمي بفكرة الاستفتاء، عارضا على المحتجين اللجوء للشعب ليقرر ما إذا كانت الغالبية تريد استمراره بالسلطة أم لا، مما يعني أن المجلس يشعر بأن نتيجة الاستفتاء ستكون لصالحه، بينما يطالب الثوار بمجلس رئاسة مدني يتم اختيار شخوصه من الميدان. إنه منطق الصراع بين ما يسمى بالشرعية الثورية التي لا تبحث عن خيار الأغلبية، لأن تلك الأغلبية عادة خاملة وخائفة وتهتم بلقمة العيش وبالتالي تميل إلى السلوك المحافظ، في مقابل من يتحدث عن شرعية صناديق الاقتراع لأنها وسيلته لجذب تلك الغالبية الخاملة التي لا يستطيع «الثوار» جذبها إلى الانتفاضة.

 

ثالثا، أنه في الوقت الذي ينكسر فيه حاجز الخوف وتفقد السلطة هيبتها التي اكتسبتها بالقمع والتخويف والترهيب، يصبح فرض سلطة جديدة أمرا صعبا، لأن الانتخابات إن صحبها صعود طبقات سياسية جديدة ستتلوها عملية تغيير واسعة في هياكل السلطة والقيادات في ظل وضع لا يقيني وغير مستقر قد يسهم في إضعاف الدولة أكثر، وبالتالي السماح لكل المجازفين والمغامرين، بما في ذلك الجماعات المتشددة، بمحاولة ملء الفراغ. أضف إلى ذلك، أن ضعف مؤسسات الدولة، وتغيير الطبقة السياسية، وتراجع القبضة الأمنية، ستؤدي عرضيا إلى إضعاف قدرة الدولة على القيام بوظائفها القديمة وبالتالي تراكم الإشكاليات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تؤدي إلى معدلات أعلى من الجريمة والصدامات الطائفية.

 

رابعا، أن بلدان المنطقة مترابطة مع بعض سواء عبر اللغة أو التاريخ أو الدين أو الاقتصاد، بحيث إن عملية التغيير في أي بلد، وكذلك الفوضى في أي بلد، لا تحدث بمعزل عن البلدان الأخرى، وقد رأينا أن «الربيع العربي» سرعان ما قاد إلى تصعيد الصراعات الجيوسياسية والتوتر الإقليمي واحتمالات الحرب الأهلية، خصوصا في البلدان ذات التعددية الإثنية والطائفية. هذا التوتر سيترجم إلى مزيد من التخندقات وإلى بروز جماعات وتشكيلات مسلحة، وربما إلى عثور تنظيمات مثل «القاعدة» على بيئات مواتية من أجل استعادة الحياة، كما رأينا من قبل في الحالة العراقية حينما أدى فراغ السلطة والتوتر الطائفي إلى تقوية هذا التنظيم وتعزيز نشاطاته.

 

لذلك يمكننا الاستنتاج أن «الربيع العربي» لا يمكن أن يفهم إلا وفق المعنى الأوروبي للربيع، بأنه موسم متقلب وحافل بالتغيير ولكن أيضا بغياب الرؤية وباحتمالات غير متوقعة، علينا أن نعد أنفسنا لزمن طويل من عدم الاستقرار والتوتر، وربما لفوضى تبقي المنطقة في صدارة المشهد العالمي لسنوات مقبلة.

 

"الشرق الأوسط"

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.