اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• العراق بين سجال الانسحاب الأمريكي وإستراتيجية بناء الدولة الجديدة (2 -3)

 د.علي العقابي

 العراق بين سجال الانسحاب الأمريكي

وإستراتيجية بناء الدولة الجديدة

(2 -3)

إستراتيجية بناء الدولة العراقية

 

وهي الفرصة الثانية للولايات المتحدة الأمريكية للاستمرار في علاقة غير متكافئة مع العراق أذا اخطأ رسم بناء استراتيجي للدولة العراقية, وللعراق لكي يثبت أنه مؤهلا فعلا لقيادة مرحلة البناء.

ويتدافع داخل الحياة السياسية في يومنا هذا, اتجاهان رئيسيان:

الأول ويدعو للتخلص من المحاصصة واستئصال جذورها, والثاني يتشبث بالمحاصصة ويستقوي بمنتجي ورعاة جذورها, حتى أضحى العراق اليوم قبائل متحاربة وأعراق متناحرة, وطوائف متذابحة, وأديان متناقضة, ومناطق متنازعة. فنتج عنه, أشكال مشوهة لقمة السلطة أبتداءا بمجلس الحكم الانتقالي ومجلس الرئاسة وحكومة "الوحدة الوطنية" ومجلس النواب الفاقد للإرادة الدستورية والقرار الوطني, ومجلس القضاء الأعلى المكبل بالخوف من الأدنى, والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات (الغير مستقلة في واقع الأمر) وهيئة النزاهة (الفزعة للسراق الصغار). ولبناء الدولة العراقية الجديدة لابد من الارتكاز على الأسس التالية :-

1 – بناء دولة الوطن والمواطنة.

2 – تكوين برلمان يحتوي الحكومة والمعارضة.

3 – اعتماد حكومة تكنوقراط وطنية معيارها الأساسي الوطن والمواطنين والتنمية  الوطنية الشاملة.

4 – تأمين حقوق ومصالح ومطامح جميع العراقيين دون تمييز.

5 – تحقيق السيادة الوطنية الكاملة والتمسك بمقوماتها و مستلزماتها.

6 – حماية الثروات الوطنية كملك نافع لجميع العراقيين وليس كغنائم مقتسمة بين المتسلطين على الحكم.

7 – تطهير الدستور من القنابل والألغام الخفية والمكشوفة فيه.

 

 أن كل هذا يتطلب العمل الجدي والمثابر من أجل حلحلة الأوضاع الأمنية-السياسية والاقتصادية - الاجتماعية ومعالجة الخدمات وخاصة النظام الصحي والتعليمي والوظيفي وكذلك معالجة أزمات المهجرين والمهاجرين سواء في الداخل أو الخارج. فالأرقام سائرة  في اتجاه "التدهور وهي مخيفة, فهناك في العراق 43% من العراقيين يعانون من الفقر المدقع , وتدهور في الطعام والمأوى والماء والنظام الصحي والتعليم والتوظيف, حسب ما أفادت به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين , وهناك نسبة 60% من العراقيين يعانون الأمراض و28% من الأطفال يعانون سوء التغذية, كذلك هناك أربعة ملايين عراقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي وبحاجة ماسة إلى أنواع مختلفة من المساعدات الإنسانية.

فضلا عن ما يزيد عن مليوني نازح داخل العراق, وأكثر من مليوني عراقي يعيشون في الدول المجاورة خاصة سوريا و الأردن, مما يشكل أسرع أزمة لاجئين تناميا في العالم ".(18)

وعلى الرغم من كون العراق بلد متوسط الدخل فهو يواجه التحديات الشائعة في بلدان مستويات الدخل الأدنى, وهذه تشمل:-

1- الإيرادات بشكل دائمي تقريبا.

2 – احتياجات كبرى لإعادة بناء البنية التحتية وإعادة التأهيل .

3 – انخفاض مستويات المعيشة المطلقة .

4 – تحديات أمنية وسياسية ومؤسسية .(19)

        لقد أصبح العراق مجتمعا مريضا حيث يستشري الفساد فيه وبشكل عميق , وهذا يعود إلى أربعة عوامل  مترابطة لعبت دورا جوهريا في هذا الانحدار نحو الفساد وهي : -

1 – المثال الذي بادر وفرضه الاحتلال الأمريكي في العراق عبر ثقافة الفوضى بدون حدود وقيود .

2 – الحضور المستمر لبعض دول الجوار الداعمة للأحزاب والميليشيات التي تروع وترهب الناس بوجودها وممارستها .

3 – القوى الإرهابية وخلفها أجندة سياسية ودول إقليمية .

 4 – تدمير وتفكيك وتجزئة الدولة العراقية بكافة مؤسساتها الرسمية والاجتماعية , بما فيها منظمات المجتمع المدني .

أن عالم اليوم قد لاحظ وأشر وبشكل واضح اختزال الوطنية وخاصة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين , حيث اختزلت سيادة الدول إلى ورقة على طاولة الدول الكبرى , ولم تعد القوة العسكرية وحدها كافية لضمان حماية السيادة الوطنية لأية دولة .

إذ دخلت على ذلك عوامل موازية تتمثل في ناحيتين الأولى علاقات الدولة مع جيرانها في إطار الأمن والمصالح المشتركة , وانضباط هذه العلاقات بمبادئ عدم التدخل أو التوسع أو التأمر والثانية متانة الجبهة الداخلية بين مكونات الدولة وشرائحها السياسية والاجتماعية وتماسك نظامها السياسي , بحيث لا يفتح مجالا للإطماع أو مجالا للانتهاكات .

وانطلاقا من ذلك على" القوى السياسية العراقية بمختلف توجهاتها ومشاربها وهي تواجه اختبارا كبيرا أمام الشعب العراقي بمدى صدقيتها أن تكون قادرة على قيادة البلاد بعد الانسحاب الأمريكي إلى مرحلة جديدة من العمل الوطني يتم فيها التسامي على الخلافات , وإعلاء مصلحة الوطن العليا فوق المصالح الفئوية الضيقة كلها وذلك من خلال حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على التعامل مع التحديات السياسية والأمنية والتنموية المطروحة بفاعلية وروح واحدة , خاصة أن هذه التحديات تنطوي على درجة كبيرة من الحساسية والتعقيد والخطورة".(20)

وفي ظل التجاذب والتناحر العقيم , للكتل السياسية , ظلت مسألة بناء الدولة العراقية واحترام سيادة القانون الذي هو أسمى مراحل بناء الدولة موضع خلل لازال ماثلا . أن أهم أسباب غياب إستراتيجية لبناء الدولة وتعثرها تكمن في بما يلي:-

1 – غياب الرؤية الإستراتيجية لعراق ما بعد الدكتاتورية من قبل الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية وخصوصا القوى المتنفذة منها .

2 – غياب الحلول الناجعة لمراجعة المشاكل السياسية - الأمنية والاقتصادية – الاجتماعية الأساسية .

3 – غياب قانون يضمن إنصاف المضطهدين والمظلومين لكل الحقب السابقة .

4 – غياب المشروع الوطني وعدم الارتكاز على البعد الوطني كمعيار لجهود القوى السياسية .

5- غياب وحدة الخطاب السياسي والإعلامي داخل أروقة القوى السياسية وخارجها .

6 – بروز ظواهر مدمرة كالمحاصصة والمحسوبية وظاهرة الفساد المالي والإداري التي ساهمت في تعطيل بناء الدولة المدنية العصرية .

        أن أهم عوامل القضاء على الفساد يكمن في "إنهاء العمل بوصفة الديمقراطية التوافقية كونها أنتجت دستورا افتراضيا غير الذي تم التصويت عليه , أي ترقيعي للعلاج الآزموي وهذا يعني غياب تأسيس دولة القانون والمواطنة والتنمية البشرية "(21) والاقتصادية والاجتماعية" .

7 – تنامي ظاهرة انتهازي النظام السابق ومتقلبي الأدوار ولاسيما من متصيدي الفرص الذين يزاولون مهنة اللعب في الإعلام والمؤسسات عبر التقولب في موازين القوة والانكفاء بسرعة للقفز وراء مصالحهم , وهؤلاء هم  عناصر خطرة ينبغي مكافحتها لأنهم يتلاعبون بمقدرات العراق الوطنية .

8 – غياب الإرادة السياسية بسبب عدم قناعة أطراف سياسية في العملية السياسية, رغم مشاركتهم فيها .

9 – بروز ظاهرة الميليشيات المسلحة الطاغية على المشهد السياسي التي أفسدت الحياة السياسية في العراق .

10 – عدم الشعور بالمسؤولية وغياب روح المواطنة لدى البعض , مما أدى إلى تشتت الولاءات الوطنية وضعف الأداء الوظيفي , وغياب إستراتيجية خدمة الشعب على مستوى الوزارات ومجالس المحافظات .

11 – إشكالية العلاقة بين الجماهير والطبقة السياسية وغياب تنظيم العلاقة بين مجالس المحافظات والوزارات مما خلق حالة إرباك في الأداء الوظيفي والمهني .

12 – غياب الكفاءات الإدارية والعلمية في مؤسسات الدولة والجامعات وغياب الرقابة عليها , بسبب نظام المحاصصة التي دخلت تلك الظاهرة في جميع مفاصل الدولة .

13 – غياب المواقف السياسية الموحدة أمام التحديات الداخلية والإقليمية سواء من قبل الحكومة أو من طرف البرلمان .

14 – غياب الأفق الديمقراطي في صفوف الأحزاب والقوى السياسية بسبب غياب قانون الأحزاب الذي ينضم الحياة السياسية ويحفظ  حرمة الوطن ويضمن حقوق السياسيين داخل أحزابهم .

ولبناء الدولة لابد من تفعيل سلطة البرلمان الرقابية على الحكومة وبصورة عملية لا شكلية , ولابد أن يكون هناك دورا أكبر للمؤسسات المسئولة عن مكافحة الفساد في العراق مثل (هيئة النزاهة , ديوان الرقابة المالية , مكاتب المفتشين العموميين , لجنة النزاهة في مجلس النواب) , مع ايلاء الاهتمام الكبير والواسع بالنقاط التالية التي تمتلك أهمية استثنائية : -

1 – اعتماد التخطيط الاستراتيجي في التنمية .

2 – ربط السياسات بأعداد الموازنات .

3 – العمل وفق الأولويات المهمة (الستة أشهر / السنة / الخمس سنوات) وهكذا للمدى البعيد .

4 – إصلاح وتحديث الإدارة العامة .

5 – العلاقة بين الحكومة المركزية والمحلية , والتوازن فيما بينهما .

 

أن السياسة الواقعية والحكيمة, هي الضمان لتحقيق نجاحات ملموسة في عودة الأوضاع الطبيعية, تتطلب الإمساك بالحلقات الرئيسية , التي من شأن تحريكها, إحداث تحولات و تغيرات في كامل سلسلة إجراءات السلطة. والحاجة ماسة لنظرة شاملة تعبر عن الترابط  و جدل العلاقة بين كل مكونات الأزمة لمعالجتها بجدارة وفاعلية .

 

المصادر

18 - الارتقاء لمواجهة التحديات الإنسانية في العراق , لجنة تنسيق المنظمات غير الحكومية في العراق , تموز 2010 , ص 2-4 .

19 – ملخص كتاب أوضاع العراق (بدون مؤلف) واشنطن , كانون الأول 2010 ص 28 .

20 – تحديات صعبة تنتظر العراق , نشرة أخبار الساعة , أبو ظبي , مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية , العدد 4297 , 10/3/20110,ص2.

21 – د.مصطفى الأمين , الفساد والديمقراطية التوافقية , نشرة رصد , بغداد , المركز العلمي العراقي , العدد السابع , آب 2011 , ص 2 .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.