اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• أعيدوا مفيد الجزائري وزيراً للثقافة

نعيم عبد مهلهل

أعيدوا مفيد الجزائري وزيراً للثقافة

 

لم أتعرف على السيد مفيد الجزائري ولم أقابله في حياتي سوى مرة واحدة عندما حضر إلى مربد البصرة بسيارته الشخصية وتقبل بانشراح طلباً من أدباء الناصرية وقد أوقفوه في ساحة فندق المربد واستمع إلى مطلبنا بإطلاق سراح الروائي محسن الخفاجي الذي كان معتقلاً عند الأمريكان في سجن بوكا وكان اول الموقعين على بيان صحيفة المدى بتوقيع 500 كاتب واديب واكاديمي عراقي لإطلاق سراح الخفاجي.

ولكني كأي عراقي معني بالشأن الثقافي أشعر ان الرجل كان وزيراً مثقفاً وطموحاً وأراد أن يفعل شيئاً رغم قصر مدة استيزاره في وزارة الثقافة التي اعطيت له ضمن موازنة الحصص لا ضمن موازنة الوطن. فكانت من الفتات التي قبل بها الحزب الشيوعي العراقي إيثاراً منه ان خدمة العراق عن طريق الثقافة وبيد لم تتسخ بسخام اللصوصية أشرف ألف مرة من حقيبة النفط أو التجارة أو الدفاع أو غيرها.

هذا الرجل الهادئ المنتمي إلى بروليتارية البيت البابلي، ومنافي البرد الشتائي في براغ، وجبال كردستان، سعى في سنته الوزارية إلى ان يعمل شيئاً على الرغم من أن الدولة كانت حينها تبحث عن الزرقاوي وليس عن قصيدة شعر أو رواية.

هذا الرجل قدم للثقافة العراقية انجازات يمكنها أن تتفوق على ما ظل وزراء الثقافة بعده ليقدموها للثقافة العراقية عندما جمع شتات الثقافة العراقية في أيام متعددة المناشط والورشات في الملتقى الثقافي العراقي الأول عام 2005 الذي أقيم بالتنسيق بين وزراة الثقافة واليونسكو وكانت الغاية منه رسم ستراتيجية وخارطة طريق لثقافة العراق القادمة وشكلت ورشاً عدة اجتمعت لثلاثة أيام وأقيمت ندوات وكتبت محاضر وأقيمت معارض كتب على هامش المؤتمرات، لكن جميع التوصيات التي وعد الجزائري بتنفيذها ذهبت ادراج الرياح، ليس بسببه بل بسبب الذين أستوزروا من بعده وكلهم تقريباً ليس لهم أية علاقة بالثقافة بين ضابط شرطة متقاعد وتاجر حبوب في "جميلة" وإمام جامع وعسكري محترف كان قبل أن يأتي لوزارة الثقافة وزيرا للدفاع ليشهد هذا البلد أغرب تحول في المناصب الوزارية وان تضع العسكري المحترف قائداً للثقافة التي هي أصلاً في تضاد مع فوهات المدافع وسرفات الدبابات وأرتال الأفواج المتجحفلة.

هذه الوزارة التي قال لي المرحوم الشهيد "كامل شياع" مرة، في الملتقى الاول للثقافة العراقي، أنه يبقى مع الوزير الجزائري ساعات طوالا لينقل إليه رؤى المثقفين ومشاريعهم، وكان شياع يراهن على إن عافية الثقافة العراقية ستستعيد مجدها السبعيني حين تلتفت الحكومة إلى أطوال القماش من الورق التي دوّن عليها مثقفو عراق الداخل والخارج أمانيهم ليعود بريق المفردة العراقية متوهجا بهاجس الحلم والعقل والجمال لكن كامل شياع كمن له الشر والإرهاب والحقد والتخلف على طريق محمد القاسم وتم إغراق جسده النبيل برشقات الرصاص قبل أن تأتي موضة كاتم الصوت في اغتيال الشرفاء وأبرياء الصوت الوطني.

فيما ذهب الجزائري إلى الكرسي البرلماني ولم يعد بمقدوره تحقيق أي شيء من أحلام ثقافة العراق في هوس من فوضى المحاصصة ودكاكين الموازنات والمناصب والمنافع والوزارات الدسمة والوزارات النحيفة، ولم تكن وزارة الثقافة التي قد تحتاج إلى مثقف مثل مفيد الجزائري فشلت بعد 8 سنوات لتكون وزارة بمستوى قامة العراق الثقافية. أهملتها الدولة بشكل غريب ومقصود وجعلت مناشطها ومطبوعاتها كسيحة وخاضعة لرؤيا محاصصية تتكالب عليها منافع البعض وإيفاداتهم وربما تصريحين قبل إيام للوكيل المعمر فيها الشاعر جابر الجابري الذي ظل يعيش صراع وجوده وامنياته في تخطي الوزارة لمشي السلحفاة هذا مع جميع الوزراء ما بعد الجزائري حد الذي جعلهم يقلصون صلاحياته.

أنا أقول بعد 8 سنوات، متى يأتي هذا الطموح؟ ومتى نستطيع ونحن البلد الممتلئ بالإمكانات والإبداعات أن نقيم محفلاً ومهرجاناً يليق بأحلامنا وفقرات دستورنا المهيب الذي أعطى للمعرفة والديمقراطية والمساواة أولوية الفقه والتشريع، وتخلصنا من الهيمنة القديمة للذات الواحدة، ويقبل منا كل هفوات التصفيق ويجعل اعتذارنا مسافة للمصالحة والمسامحة وجعل العبارة بوابة لبناء وطن متحضر ومتجدد ومبدع وكأننا نعيد عبارة "مانديلا" يوم قال لسجانيه: أنا أستفدت منكم كثيراً لأنكم علمتموني كيف اكون قديساً حين أصافحكم.

دعوة إلى حكومة لها رئيس وزراء واحد يحب العراق وارث العراق أن يخلص البلاد من هذا الركود الثقافي الذي منعنا عن التواصل مع العلم بما كان لنا من سطوة في الساحة الثقافية العربية.

أتمنى أن تعطى الفرصة لوزير مثقف وحالم حتى يكون قريباً من رؤى المثقفين في أن يعاد دورهم وتعطى لهم الحرية في اختيار من يمثلهم ويمسك زمام المبادرة في قيادة أحلامهم إلى أرض الواقع وأعتقد ان السيد مفيد الجزائري لقادر على إن يرمي الحجر في البركة ويحرك هذا الماء الراكد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "البينة الجديدة"

الخميس 5/1/2012

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.