اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• في بيتنا شيوعيّ

وديع غزوان

في بيتنا شيوعيّ

 

استأثرت ذكريات رجل خمسيني في سيارة الأجرة "الكيا" انتباه الركاب نساءً ورجالاً، حتى حسب البعض، جراء دفاعه المستميت عن أخلاقيات رجل عاصره قبل ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بأشهر، أنه منتم للحزب الشيوعي العراقي أو كان، لكنه وبخبرة سنوات العمر استدرك قبل نهاية حديثه، فقال: لست شيوعياً، رغم أني نادم  لعدم انتهازي فرصة وجود هذا الرجل كي أنضم إليهم، بل إنني كنت لفترات طويلة أناهض حركتهم بفعل غسيل  الدماغ الذي مورس علينا لترسيخ قناعات  خاطئة عن الشيوعيين مبنية على أساس أنهم ملحدون وغير أخلاقيين! وأسهمت بدوري في التثقيف ضدهم ومحاربتهم في ضوء ما أحمله من مفاهيم قاسية.

بدأ صاحبنا في "الكيا" حديثه فقال: إن سنوات ما بعد 2003 قد أزالت الغشاوة عن قلبي قبل عيني، وأعادتني إلى الأشهر الأولى من عام 1958 عندما حضر خالي إلى بيت جدي ومعه صديق كان قد طلب منا مسبقاً تهيئة غرفة إيجار لهذا الشخص المنقول حديثاً إلى بغداد لبضعة أشهر فقط.. لم نكن نؤجر له غرفة بيننا لولا إلحاح خالي وعلاقته الوثيقة به، خرجنا لإدخال أثاثه المتواضع الذي اشتراه تواً من سوق الهرج وهو عبارة عن سرير وكرسي بسيط ومنضدة، غير أن ما شدّ انتباهنا أكداس الكتب التي كان يوصينا بالحرص عليها. كان رفيقنا في السكن يخرج صباحاً ولا يعود إلا منتصف الليل في أغلب الأحيان، وفي الأوقات التي كنا نلتقي فيها معه على مائدة الشاي التي تدعوه جدتي إليها، كان يركز حديثه على الفقراء والمعدمين والحرمان والثروات المسروقة والحقوق وتعمّد الأنظمة تفشّي الأمية في المجتمع وغيرها من المواضيع التي كان يتوسع النقاش فيها في الصباح مع أخوالي الأكبر منا سناً أثناء ممارسته الرياضة التي ما عهدناه نسيها.

بعد أشهر، كما يقول رفيق الطريق، انبثقت ثورة الرابع عشر من تموز وتهلل وجه الشخص وهتف - من دون إرادة - للعراق وخرج مسرعاً ومعه خالي لتجميع الناس وحشدهم لتظاهرة تؤيد الثورة، كما عرفنا لاحقاً، وسألناه بعدها، في الأوقات القصيرة جداً التي كان يحضر فيها إلى البيت، "عمو انت شيوعي؟"، ضحك وقال: أنا وطني شيوعي.

عدت مسرعاً إلى جدتي لأخبرها أن في بيتنا شيوعيّ كافر! وأنا أنظر بخوف إلى خالي الذي قال بعصبية حاول أن يغطيها، أليس من الإيمان حبّ الشعب والدفاع عنه ونشر العدالة، فكيف نكفّر شخصاً لمجرد انتمائه لحزب دون أن ننتبه إلى أخلاقياته، ثم ذكّرنا بأحاديثه معنا متسائلاً: هل قال شيئا يؤكد تلك الدعايات الكاذبة عن الشيوعيين؟

المهم مع زحامات السير طال الحديث والجدل لكن الرجل الخمسيني ختمها فقال: عرفت متأخراً أن الشيوعي الحقيقي عفيف ونزيه، حيث لم يحصل أي تغيير على وضع ومستوى صديق خالي الشيوعي حتى بعد أن قامت الثورة رغم انه تسلم مسؤولية جديدة، ولم يتمكن من استئجار بيت مستقل لجلب عائلته. وأخذ يقارن بين سلوكيات سياسيي اليوم وركوبهم موجة العمل السياسي من أجل منافع خاصة وبين أولئك المضحين المؤمنين حقاً بالشعب والوطن.

وأضاف: ربما لأجل كل هذا يكثر أعداء أصحاب المبادئ الحقّة لأنها تفضح الفساد بكل أنواعه وتنتصر للحق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "المدى" ـ ص 5

الخميس 9/2/2012

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.