اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• واخيرا استقال الرئيس الالماني: درس ديمقراطي جديد

محمود حازم رشيد

واخيرا استقال الرئيس الالماني: درس ديمقراطي جديد

حرية الصحافة و الشفافية

 

إستقال اليوم الجمعة 17.02.2012 الرئيس الالماني كريستيان وولف بعد عشرون شهرا (598 يوما )  قضاها في منصبه على اثر موجة من التداعيات تفاقمت مع بداية العام الميلادي على كافة المستويات الاعلامية والرسمية والحزبية والقانونية . وددت ان اكتب عن الموضوع منذ تداعياته الاولى ولكني اجلت ذلك انتظارا لاكتمال الصورة بالاستقالة.

جاء كريستيان وولف الى الرئاسة الالمانية بعد منافسة شديدة كمرشح للحزب الحاكم ( الحزب الديمقراطي المسيحي ) بزعامة المستشارة انجيلا ميركل ضد كاوك مرشح المعارضة وبعد ثلاثة جولات ترشيح في مجلس النواب الالماني. رافق انتخاب وولف توصيف اعلامي جيد على انه جدير بصيانة شرف وحصافة منصب الرئاسة الالماني الشرفي. واذكر قرائتي لاضطرار الرئيس اثر انتقاله من هانوفر الى برلين انه اضطر للانتظار عدة شهور ريثما يفضى كرسي لطفله في احدى رياض الاطفال البرلينية حاله حال اي مواطن آخر عندما لا يتوفر له المكان في الحال. ولنقيس على ذلك مستوى النزاهة والشفافية التي رافقت وولف لدى تبوئه منصب الرئاسة.

على ان اللغط بدأ عندما تسربت معلومات عن علاقات الرئيس بالمستثمرين ورجال الاعمال والرسالة الصوتية التي سجلها الرئيس وهو في عطلته على هاتف كاي ديكمان رئيس تحرير صحيف بيلد الالمانية يستوقفه فيها عن نشر تقرير حول قرض من احد البنوك يبلغ نصف مليون يورو بتسهيلات وفوائد رمزيه بمساعدة زوجة رجل اعمال صديق. لم يحضى بعدها الرئيس بالراحة ودخلت الصحافة والاحزاب في حيثيات عديدة كان اهمها مسألة الثقة بمنصب الرئاسة وثلمة الديمقراطية وتعريض سمعة وشرف منصب الرئاسة للخطر.

الرسالة الصوتية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل العربي. فكيف لرئيس الجمهورية الذي اقسم على صيانة الدستور وبالتالي انه المعني الاول بحماية حرية الصحافة ان يعمد بنفسه الى ممارسة الضغط على الصحافة وينتزع منها حقها في متابعة المعلومة والنشر ؟ وكيف لمن يصون الممارسات الديمقراطية وعليه توفير اجوائها ان يتصدى لها بهذا الشكل المخيف؟ هل لمثل هذا الرئيس ثمة مصداقية متبقية لدى الراي العام وهي كل ما لمنصب الرئاسة من اجلال واحترام لدى الشعب الالماني؟ تصدى الاعلام بكل قواه وعلى اختلاف مشاربه لهذا الامر بالتحقيق والتدقيق والبحث عن كل ماقضى ومضى . وبدات المقابلات التلفزيونية مع وولف نفسه ومن ثم مع محاموه واستمر سيل الاسئلة بدون انقطاع وبدا الرئيس وحيدا امام الرأي العام برمته. لم يصطف معه حزبه ولم يتجرأ احد غير محاموه للدفاع عنه ولا حتى المستشاره ميركل التي رشحته وحزبها للمنصب وقالت ان على وولف ان يدافع عن نفسه . بل ان نائب من الحزب المسيحي البافاري الشريك  مع حزب ميركل طالب باستقالة وولف منذ البداية. أما الشريك الثاني في الحكومة فقد طالب على لسان بيرجيت هامبورغر نائبة رئيس بالحكومة الالمانية عن الحزب الديمقراطي الحر ان يرد وولف على اتهامه بمحاولة التأثير على الصحافة انقاذا لسمعة الرئاسة الالمانية . أما الاحزاب المعارضة والتي خارج الحكومة كالحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر فقد وجهو لوولف انتقادات عنيفة وانه ليس لديه اي مبرر لتلقي الهدايا واستخدام موقعه في التاثير على الصحافة. خاضت  دور النشر والصحف الالمانية حرب تعضيد الرأي وحقوق السلطة الرابعة ودعم الديمقراطية بغض النظر عن التزاماتها الايديولوجية مؤكدين ان لاغنى عن النزاهة والشفافية لديمومة الديمقراطية.

رغم ان الرئيس المستقيل لم يسرق احدا ولم يغتصب مالا خاصا او عاما ولم يجري تحقيق قضائي بالموضوع ماعدا تحقيق المدعي العام في هانوفر على خلفية قضية اخرى مع مدير مكتب وولف ايام كان رئيسا لحكومة ولاية سكسونيا السفلي لم يشا الصحفيون والمعنيون ان يتركوا الامر يمر بسلام . استبعدت شخصيا استقالة الرئيس وقتذاك بعد ان اصر على بقائه في منصبه ولم تمارس تدابير وضغوط قويه ضده. لكن غيرت رايي عندما ظهر غلاف مجلة ديرشبيغل الاسبوعية منذ شهر تقريبا وهو يحمل صورة للرئيس وولف وعليها عبارة ( في الرئاسة وسأستمر) وفوق كلمة استمر علامة اكس مما يعني انهم لن يتركوه في المنصب.

الامر القضائي الذي استحصله المدعي العام في هانوفر بالامس لرفع الحصانه عن الرئيس وولف من قبل مجلس النواب لغرض التحقيق في علاقة الرئيس مع رجال الاعمال هو الذي رفع درجة الانذار لتفادي ما لم يقع في يوم من الايام وهو رفع الحصانة عن رئيس الجمهورية وتعريض سمعة منصب الرئاسة لمثل هذا الحال. اعلن وولف استقالته وتاسفت ميركل لذلك بحكم البروتكول ووعدت ان تبحث عن مرشح مشترك تدعمه كافة الاحزاب .

يقول رونالد نيلز على موقع دير شبيغل اون لاين الدولي هذا اليوم  تحت عنوان  " رجل صغير جدا لمركز الرئاسة " ( استقالة الرئيس الالماني كريستيان وولف هو " جيد للثقافة السياسية والديمقراطية" . )

http://www.spiegel.de/international/

 وعلى موقعها الالماني عبارة فوق صورة له تقول ( لقد افسده ) وتعني مركز رئاسة الجمهورية.

http://www.spiegel.de/

ان مركز الرئاسة في المانيا لايتطلب فقط الاغلبية بل اغلبية الشعب العظمى لذلك يبدو ان الجميع انتشى وتنفس الصعداء بعد ان نجحوا في عدم تعريض هيبة الرئاسة لمسالة رفع الحصانة ودفع ثمن الاستقالة الباهض من قبل وولف شخصيا وتأكيد ان لا احدا يجرؤ في بلد ديمقراطي على تكميم الافواه ومنع انسياب المعلومات. ان المكاسب البسيطة والرخيصة التي يجنيها ذوو المراكز الحساسة في الدولة ستكلفهم غاليا جدا في السمعة والمستقبل السياسي وعلى المستوى المادي ايضا حيث تشير التقارير ان وولف لن يحصل على التقاعد المخصص لرئيس الجمهورية في الاحوال الاعتيادية. وختاما فأن كانت غلطة الشاطر بمئة فإن غلطة السياسي هي النهاية ولاتقدر بثمن.

المانيا في 17.02.2012

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.