اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

علوم وتكنولوجيا

• الكون والأسئلة الجوهرية 1-2

الكون والأسئلة الجوهرية 1-2

27/05/2011

د. جواد بشارة

كان العالم الشهير ألبرت آينشتين يردد إن الأمر الأكثر غموضاً وغير القابل للفهم في هذا الكون هو أن الكون مفهوم و قابل للفهم.

 

كلما تقدم الزمن وتطور العلم والتكنولوجيا كلما زادت تساؤلات الإنسان تعقيداً. لقد كانت تساؤلات الجماعات البشرية الأولى بسيطة كبساطة حياتهم قبل آلاف السنين لكنها لا تقل أهمية عن تساؤلات الإنسان المعاصر وهي نفس التساؤلات تقريباً التي كانت تطرح منذ فجر الإنسانية إلى يوم الناس هذا. وهناك مستويين من التساؤلات: أولاً الذاتية أو المتعلقة بالإنسان نفسه، وثانياً العامة أو المتعلقة بالكون والوجود وما يتجاوزهما. فمنذ أن نشأ الوعي عند الإنسان سأل هذا الأخير نفسه: من أنا، ومن أين أتيت، وإلى أين سأذهب، وهل هناك حياة بعد الموت، وما شكل تلك الحياة غير المادية، وهل هناك عقاب وثواب وجنة ونار، وهل هناك روح ونفس وما هي ماهيتهما؟ والنوع الثاني من الأسئلة منها ما هو فيزيائي - مادي ومنها ما هو ميتافيزيقي من قبيل: ما أصل المادة التي نتكون منها نحن البشر وباقي الموجودات الحية وغير الحية من البكتريا إلى النجوم والكواكب والمجرات والغازات الكونية، ما أصل الحياة وكيف نشأت ولماذا وهل نشأت فقط فوق كوكب الأرض دون ملايين المليارات من الكواكب الأخرى، ولماذا الأرض بالذات التي تواجدت في المنطقة القابلة للحياة حسب المسافة المطلوبة بينها وبين الشمس ؟ ما هو الكون وماهي حدوده وما هو حجمه وعمره، كيف بدأ هذا الكون، إذا كانت له بداية، وما هو مصيره، في حال ستكون له نهاية بعد مليارات المليارات من السنوات، وكيف نشأت النجوم والكواكب والمجرات ومنها الشمس والأرض التي تؤوينا وتوفر لنا سبل الحياة، وهل هناك فراغ في الكون وما هي طبيعته، وما هي المادة السوداء التي يفترض العلماء وجودها، وكذلك ما هي الطاقة المعتمة أو الداكنة التي تحتل المساحة الأكبر من الكون المرئي، وهل نحن فعلاً أبناء النجوم وجزء منها ومن ذراتها وغبارها، وهل هناك حياة عاقلة وذكية في الكون المرئي، سواء في مجرتنا درب التبانة أو المجرات الأخرى القريبة أو البعيدة عنها، أم أننا وحيدون في هذا الكون الشاسع، وهل من الممكن أن يسافر الإنسان يوماً ما بين النجوم والمجرات ويبحر عبر الزمن ويذهب إلى الماضي أو يتجه إلى المستقبل، وهل إن قوانين الفيزياء ثابتة أم قابلة للتغيير، وهل هناك عوالم وأكوان أخرى متوازية أو متداخلة أو متجاورة تتواجد في أبعاد مكانية أخرى، وماهو مصير هذا الكون المرئي، وأخيراً وليس آخراً السؤال الأهم والأصعب والذي يستحيل الإجابة عليه الآن أو في الزمن المنظور، وهو: هل لدى العلم ما يكفي من الأدلة والمعطيات والبراهين والإثباتات عن وجود أو عدم وجود خالق لهذا الكون المرئي ؟ سنحاول الإجابة، قدر الإمكان، على هذه الأسئلة في سلسلة مقالات متتالية ومتواصلة ومرتبط بعضها ببعض.

 

سبق للعالم البريطاني الفذ ستيفن هوكينغ أن أثار العالم المتدين ضده على الأرض برمتها من يهود ومسيحيين ومسلمين عندما ذكر في كتابه الأخير : (التصميم العظيم) أن الكون ليس بحاجة إلى خالق لينبثق إلى الوجود، وأن الفيزياء الحديثة تنفي وجود خالق للكون، وها هو يعاود الكرة مرة ثانية قبل أيام ويصرح في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، أن الدار الآخرة مجرد خرافة، وانصبت عليه حمم الانتقادات والشتائم من قبل نفس الفئات المتدينة والمؤمنة بالأديان السماوية مرددين نفس المقولات والمسلمات والحجج والذرائع التقليدية المعروفة التي وردت في النصوص الدينية، التي قدموها وكأنها حقائق مطلقة لا تحتاج لإثبات ومن لا يؤمن بها فهو كافر وملحد يستحق العقاب والخلود في نار جهنم. وأنا واثق أن أغلب المعلقين على تصريح هوكيتغ لا يمتلكون عقلية علمية ولم يقرأوا كتب هوكينغ أو يطلعوا على نظرياته العلمية، فهو لا يتحدث عن عبث أو لمجرد الاستفزاز بل ينطلق من معطيات وحقائق علمية راسخة ومثبتة تجريبياً ورياضياً وهي غاية في الدقة والصعوبة والتعقيد بالنسبة لعقول الناس العاديين حيث جاء استنتاجه حصيلة عقود من الدراسة والتمحيص والتجريب، وأنصح من يمتلك ناصية اللغة الانجليزية أو الفرنسية قراءة كتابيه الأخيرين :( طبيعة المكان والزمان والتصميم العظيم الذي صدرت ترجمته باللغة الفرنسية تحت عنوان هل هناك مهندس كبير للكون ) قبل التسرع بالحكم عليه وتكفيره والتشنيع به.

 

غالباً ما تكون الأسئلة كبيرة وجوهرية في مجالات علم الفلك وعلم الأكوان والفيزياء الفلكية والفيزياء النظرية، وبالتالي تكون عمليات البحث مضنية وصعبة ومعقدة وقد تصل إلى نتائج مذهلة وغير متوقعة تنسف ما سبق من نظريات ومسلمات. فالكون شاسع ويمتد على مدى ملايين المليارات من السنوات الضوئية – والسنة الضوئية هي ما يقطعه الضوء من مسافة خلال سنة وبسرعة 300000 كلم في الثانية الواحدة – فأبعد أفق يمكننا رصده يبعد 13.7 مليار سنة ضوئية ، وإن عدد النجوم في الكون المرئي يتجاوز عدد ذرات الرمل في كل سواحل وبلاجات وشواطئ محيطات وأنهار ما يعادل 10000 كوكب يشبه كوكب الأرض في تضاريسه.

 

ومن الشائع في أوساط العلماء المتخصصين في علم الكون هو أن تصميم الكون كما نرصده في تلسكوباتنا المتطورة ليس عبثياً أو عشوائياً مما يحثنا على طرح السؤال البديهي هل هناك هدف من وراء وجود هذا الكون المرئي ؟ إبان المواجهة الشهيرة بين سلطات الفاتيكان والعالم الشهير غاليلو غاليله، نبه هذا العالم إلى ما يفصل بين الدين وعلم الفلك  من هوة وذلك في القرن الخامس عشر عندما قال للمحققين في الكهنوت المسيحي :" إن الكتاب المقدس يعلمنا كيف نتجه إلى السماء لكنه لا يقول لنا كيف هي السماء وما هي حقيقتها" ومنذ عهد غاليله كانت مسألة الله في قلب الخلافات الفكرية بين علماء الفلك والكنيسة الكاثوليكية، وهي أعثد وأخطر مسألة ميتافيزيقية. ويعتقد عدد من العلماء الفطاحل أن كوننا المرئي يخضع لقوانين منظمة بشكل دقيق للغاية لكي يتيح إمكانية ظهور الحياة العاقلة والذكية فيه . فلو كان هذا الكون الذي نعرفه هو الوحيد ولا يوجد غيره فإن المعضلة المتعلقة بعملية الخلق ستضل قائمة إلى الأبد، ولكن إذا صدقنا فرضية أن هذا الكون المرئي ليس سوى واجهة بسيطة لعوالم وأكوان متعددة ولا نهائية فسيكون بذلك كوناً عادياً وليس استثنائياً ولا يتمتع بسمات ومزايا تميزه عن غيره اللهم إلا في مجال الثوابت الكونية وقياساتها، أما القوانين الجوهرية المسيرة له فهي ذاتها في كل مكان وزمان ، وبالتالي فهو لن يكون بحاجة إلى تدخل إلهي لإيجاده لأن وجوده سيكون ضمن صيرورة كونية لا نهائية الأبعاد. وكان غاليلو غاليله يقول للثيولوجيين في الفاتيكان ألا يفسروا على هواهم نصوص الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، بغية تفسير آليات الكون وطبيعة عمله وقوانينه. وقد سبق لعالم آخر، و قبل غاليلو غاليله، أن تحدى الفكر الكنسي، وهو كوبرنيكوس الذي أنزل الأرض من عرشها المقدس كمركز للكون وأعلن أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وفي فلكها وليس العكس مما انعكس بديهياً على مكانة الإنسان في هذا الكون وغدا كائناً عادياً كباقي الكائنات الموجودة على كوكب صغير من بين مليارات المليارات من الكواكب وهو يحتل موقعاً لا أهمية له في هذا الكون المرئي. هذه الفكرة أدت إلى عدم وجود قيمة للإنسان وبالتالي عدم وجود هدف لهذا الكون باعتباره أوجد من أجل الإنسان. وعندما نشر إسحق نيوتن نظريته عن الجاذبية أو الثقالة الكونية سنة 1687 ، تعرض هو الآخر لهجوم عنيف عل الصعيد الديني في حين أن نظريته شرحت فقط آلية حركة الأرض وباقي الأجرام السماوية وفق قانون الجاذبية أو الثقالة من منظور علمي بحت، ومع ذلك اتهمته الكنيسة بأنه كان يروج للفكر الإلحادي بالرغم من تدينه. ومن بعده صرح آينشتين أنه يؤمن بإله يتجلى من خلال الهارمونية المشروعة للعالم وليس بإله يتدخل بكل صغيرة وكبير في حياة البشر ويتحكم بمصير البشرية وإنه سيعاقبها بسادية وحشية لا مثيل لها في يوم القيامة . وعندما يستجوب أي عالم هل يؤمن بوجود الله يكون جوابه البديهي : عن أي إله تتحدثون، وماذا تعنون بكلمة الله؟ أي بعبارة أخرى كيف نعرف الله حتى نتخذ قراراً بالإيمان به أم لا. ويطرح العلماء جملة من الأسئلة عن طبيعة هذا الإله الذي تدعو الأديان السماوية لعبادته مثل: هل الله المقصود هنا هو جزء من الوجود المادي أم متميز عنه وسابق عليه، وماذا كان عليه حاله قبل خلقه للوجود ؟ هل هو خارج الزمن أم داخله؟ هل هو في المكان أم خارج المكان، على افتراض أننا ندرك ماهية الزمان والمكان من الناحية العلمية ؟ كان علماء القرن السادس عشر يعتقدون أن حركة الكواكب خاضعة لإرادة إلهية أي أنها تتحرك بإرادة الله. ولكن أبحاث العالم تيكو براه قادت عالم آخر هو يوهان كبلر للتوصل إلى ثلاثة قوانين تصف حركة الكواكب ودورانها حول الشمس وأحدها هو قانون الثقالة أو الجاذبية الذي تعمق به نيوتن، ثم أستكمل آينشتين المشوار العلمي في هذا المجال وطرح فكرة النسيج الزمكاني المتداخل – أي تداخل الزمكان والزمان وارتباطهما عضوياً وإمكانية تحول أحدهما للآخر- مما قاد العلماء إلى نظرية الإنفجار العظيم التي أعتبرت بمثابة البداية العلمية للكون المرئي. وما يزال العلم يبحث في الأسباب التي أدت إلى حدوث الإنفجار العظيم، وكذلك الأسباب والظروف التي أدت إلى نشوء الحياة على كوكب الأرض وربما على غيره من كواكب مجرة درب التبانة والمجرات الأخرى المنتشرة في الكون المادي المرئي، بيد أن ذلك لا يعني أن العلم صنو اليقين ، على الأقل في الوقت الحاضر. فمبدأ اللايقين هو أحد أعمدة نظرية الكم أو الكوانتا الفيزيائية وكذلك مبدأ اللاحتمية وهي نظرية علمية تدرس ظاهرة الاحتمالات وتصف سلوك الجسيمات الأولية ما دون الذرية للمادة وهي أصغر العناصر المادية المعروفة في الطبيعة، وهو الاكتشاف العلمي الذي قدمه العالم الألماني ورنر هيزنبيرغ سنة 1926 وقال فيه أن الكون يدار وفق مبدأ الصدفة وليس مبدأ اليقين - وهنا يتعين علينا أن نفهم بدقة علمية معنى مصطلح الصدفة وهو قطعاً ليس المعنى السطحي المبتذل المنتشر بين الناس - إلا أن آينشتين رفض هذا المبدأ في أول الأمر وقال عبارته الشهيرة :" أن الله لا يلعب النرد" أي أنه رفض أن يكون للصدفة العلمية تأثيراً على القوانين الفيزيائية. ومن المعروف أنه في مملكة الكوانتا أو الكم، في عالم ما دون الذرة، تتشكل الجسيمات على نحو عفوي ومن ثم تختفي في أقل من طرفة عين. وهناك عالم غريب وعجيب ينجم عن نظرية الكم أو الكونتا والتي بفضلها تحققت تكنولوجيا الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية والستلايت والحواسيب والهواتف المحمولة وغير ذلك. يتبع

 

د. جواد بشارة

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.