مبدعون وابطال الحرية
ذكرياتي عن الشهيد خالد محمود أحمد الأمين// د. سناء عبد القادر مصطفى
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 10 شباط/فبراير 2022 19:39
- كتب بواسطة: د. سناء عبد القادر مصطفى
- الزيارات: 3273
عرض صفحة الكاتب
ذكرياتي عن الشهيد خالد محمود أحمد الأمين*
أ.د. سناء عبد القادر مصطفى الموصلي
تربط عائلتنا وعائلة الشهيد خالد الأمين علاقة جيرة قديمة منذ أربعينيات القرن الماضي في محلة السراي بمدينة الناصرية حيث يقع بيتنا مقابل سراي الحكومة ويبعد عن بيت الحاج محمود أحمد الأمين قرابة الخمسون مترا حيث يقع بجانب بناية مصرف الرافدين القديمة التي اعيد بنائها في العام 1961حينما كنت تلميذا في الصف الخامس بمدرسة الجمهورية الإبتدائية للبنين.
كانت عائلة الشهيد تلقب بعائلة الحاج محمود الكردي كونه ينحدر من مدينة السليمانية بكردستان العراق وتزوج امراة عربية من مدينة البصرة. كان الحاج محمود يملك مستودعا (خان) لحفظ وبيع الأنواع المختلفة من التمور وفي مقدمتها الشويثي الذي يفضله سكان مدينة الناصرية على الأنواع الأخرى بسبب طعمه اللذيذ وكذلك بقية أنواع الحبوب من حنطة وشعير ورز ..الخ..
ولد الشهيد خالد في العام 1945 في عائلة يبلغ عدد أفرادها 11 نفرا : أخوانه : شاكر(مدرس لغة انكليزية وخريج دار المعلمين العالية في العام 1952. عمل في اعدادية الناصرية للبنين ومن ثم في الاعدادية المركزية في بغداد) وكامل وماجد وخالد ووليد بالإضافة الى خمسة أخوات.
ربطت الشهيد خالد وأخي الشهيد سمير(مواليد 1942) علاقة صداقة وثيقة وحميمية انطلاقا من فكر الطبقة العاملة والأفكار اليسارية في مدينة الناصرية التي هي معقل مهم من معاقل الحزب الشيوعي العراقي، إذ لا ننسى انها المدينة التي أعلن فيها تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 أذار 1934 وتشكلت أول خلية حزبية من عمال معمل ثلج طوبيا الذي كان يعمل فيه الرفيق الخالد يوسف سلمان فهد. أن المناخ الثقافي العام في المدينة كان عامل جذب لكثير من الشباب للانخراط في تنظيم الحزب الشيوعي العراقي.
كان خالد يتردد على بيتنا كثيرا، يتكلم ويتحاور مع اخي سمير بمواضيع مختلفة كنت لا أفهمها بسبب صغر سني. وهم ينتمون في نفس الوقت الى تنظيم اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية فرع مدينة الناصرية الذي كان مقره في الشارع المطل على نهر الفرات. كان يقود الإتحاد الطلبة الشيوعيون والاثنين (سمير وخالد) عضوين نشيطين في الإتحاد قبل أن يصبحا عضوين في الحزب الشيوعي العراقي. يزداد نشاطهما أيام التحضير لاحتفالات ذكرى ثورة 14 تموز. كانت ساحة الاحتفالات (مرفق بالمقالة أدناه 3 صور عن ساحة الاحتفالات) الواقعة بين مدرسة الجمهورية الابتدائية للبنين وبريد المدينة والمكتبة العامة حتى بناية بلدية الناصرية من جهة وفي المقابل الجامع الكبير ومدخل سراي الحكومة الرئيس مكانا مهما للفعاليات الثقافية والمظاهرات الشعبية ولهذا السبب كانت تزين بالشعارات الوطنية والإنارة الجميلة مع إقامة أقواس وأبراج جميلة من الخشب ومنصات ذات تصميم تشكيلي جميل يساهم فيه فنانون تشكيليون من المدينة وفي مقدمتهم المرحوم اسماعيل فتاح الترك الذي كانت عائلته تسكن الناصرية وقتذاك ويزورها في العطل الصيفية اثناء دراسته في ايطاليا.
كان خالد وأخي سمير وأصدقائهم مثل فؤاد صالح وأخيه نهاد، عبد الله حسوني، صلاح رشيد، رزاق رشيد والمرحوم كمال السيد طالب وآخرين لا أتذكر أسمائهم يتسامرون في خيمة وكوخ صياد السمك عبد الحسين الواقع على ضفاف نهر الفرات في الناصرية. يقرأون الكتب والأشعار الثورية ويعزف كمال السيد طالب على العود في حين ينشد الآخرون مختلف الأغاني الثورية بصوت منخفض تحسبا من وكلاء الأمن اللذين أدركوا سر لقائهم واجتماعهم وكان هذا في أواخر سنة 1962. بعد انقلاب 8 شياط 1963 اعتقل كل من أخي سمير وخالد الأمين وعبد الله حسوني وفؤاد صالح وأخوه نهاد ورزاق رشيد. قامت مديرية أمن الناصرية بطرد صياد السمك عبد الحسين من المكان الى منطقة خارج المدينة تسمى الموحية على ضفاف نهر الفرات ايضا.
أكمل الشهيد خالد الدراسة الاعدادية في ثانوية الناصرية للبنين في العام 1962/1963 . اعتقل في العام 1963 من قبل الحرس القومي في الناصرية وبقي موقوفا الى ربيع العام 1964 حيث عقد المجلس العسكري العرفي الثاني جلساته بمدينة الناصرية في بناية القسم الداخلي لطلبة المتوسطة والإعدادية المقابل لبناية بهو الإدارة المحلية. وقد افرج عنه المجلس كونه لا زال يافعا ولقلة الأدلة ضده وبمساعدة زوج اخته الكبيرة (النقيب الحقوقي أبو نادية)الذي كان عضوا في المحكمة أنذاك.
واصل دراسته الجامعية في كلية الإقتصاد والعلوم السياسية- قسم الإقتصاد بجامعة بغداد حيث تخرج منها في العام 1968.
ومن باب الصدف ان التقيت بالشهيد خالد في بداية العام الدراسي 1968-1969 في مدخل بناية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بعد أنهيت دفع قسط التسجيل في نفس الكلية وكان معي صديقي العزيز المرحوم عبد الرزاق حميد النجدي الذي تم قبوله معي في نفس الكلية. قال لي خالد بالحرف الواحد: "سناء غادر بناية الكلية بسرعة لأن الأمن موجود بكثرة هنا" وأتذكر كان أحد الطلبة يوزع منشورات على المتواجدين في مدخل الكلية. خرجنا مسرعين وأنا لم أدرك ماذا يقصد الشهيد خالد وما هو السبب؟؟!! علمت في اليوم التالي أنه كان حفل تأبين الشهيد سامي الهاشمي، الطالب في السنة الثالثة من قسم الاقتصاد الذي قتل في ظروف غامضة واتهم في حينها أحد طلبة كلية الحقوق بسبب الخلاف بين القيادة المركزية التي كانت تتمتع بجماهيرية كبيرة في الكلية واللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.
التقيت آخر مرة بالشهيد خالد في خريف العام 1968 حينما كنت في الناصرية لمراجعة دائرة التقاعد. قمت بزيارته في مديرية الضمان الإجتماعي فرع الناصرية حيث كان الشهيد مديرها. رأيت عنده زميلنا الأخ فليح حسن الذي تخرج قبلي بسنتين في العام 1969 من كلية الإقتصاد والعلوم السياسة- قسم الإقتصاد وكانوا يتكلمون بصوت خافت، فهمت حينها انه حديث سري وخاص وحينها شربت الشاي الذي طلبه لي الشهيد خالد بسرعة وخرجت من الدائرة الى لقاء أخي سعد الذي وصل للتو بالقطار من بغداد لإتمام معاملة التقاعد.
في خريف العام 1971 زارنا أخ الشهيد خالد وصديق الطفولة المرحوم وليد في بيتنا بالأعظمية. كان ظاهرا على وجهه قلق كبير وحزن وقال حينها :"في هذه المرة سوف لن يخرج خالد من السجن حيا". أصابنا أنا وأخي سعد اضطراب واستغراب كبيرين لكلمات وليد وكأنها صاعقة وقعت فوق رؤوسنا. أخذنا نهدىء من روعه ونسأله عن امكانية الحصول على مساعدة أبو نادية زوج اختهم الكبيرة، قال وليد وقتذاك: لا يتمكن أبو نادية هذه المرة من تقديم أية مساعدة لأن مدير الأمن العام ناظم كزار لا يمكن الوصول اليه ويعمل من أجل إبادة الشيوعيين والبطش بهم وخصوصا جماعة الكفاح المسلح- تنظيم القيادة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي.
اعتقل الشهيد خالد في خريف العام 1971 من قبل جلاوزة مديرية أمن الناصرية وعلى رأسهم العقيدعبد العزيز الحديثي مدير امن الناصرية في ذلك الوقت في نادي الموظفين. بعدها أرسل الى قصر النهاية في بغداد حيث قاموا بتعذيبه تعذيبا همجيا وممنهجا. أصيب جسمه على اثر ذلك بالهزال وهو بالأساس ضعيف البنية ولا يتحمل التعذيب أصلا. وبسبب ظروف الإعتقال الصعبة أصيب بالغانغرينا ونقل على أثرها الى المستشفى. سمعت رواية من الأخ رعد سعدون أن المرحوم أستاذ سعد الحران شاهد خالد الأمين في احدى المستشفيات وهو مصاب بالغانغرينا ومرمي على السرير دون عناية. بعدها نقل الى قصر النهاية حيث استشهد هناك وقاموا برمي جثته في حوض مليء بحامض النتريك (التيزاب).
كان الشهيد خالد الأمين يتمتع بأخلاق عالية وأنيق في هندامه، كان يخيط جميع بدلاته الشتوية والصيفية عند خياط مشهور في بغداد وهو وليد متاب في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد (كان سعر خياطة البدلة الواحدة آنذاك 20 دينارا عراقيا وهو مبلغ يعادل نصف راتب موظف يحمل شهادة جامعية). هذا من جهة ومن جهة أخرى فهو انسان مثقف ويكتب الشعر الحر. نشر بعض من قصائده في المجلات الدورية في بغداد والقسم الأكبر لم ينشر. جمع الشهيد خالد بين الثورية والسريالية والرومانتيكية بالإضافة الى روح النكتة والدعابة ولهذا فإن الإنسان المتلقي لايضجر من أحاديثه وإنما على العكس يتفاعل معها وينسجم معه.
رحم الله الشهيد خالد الأمين وأدخله فسيح جناته.
المجد والخلود للشهيد خالد الأمين ولجميع شهداء الحزب الشيوعي العراقي اللذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل وطن حر وشعب سعيد.
• أتقدم بجزيل الشكر والإمتنان الى الأصدقاء الأعزاء اللذين ساهموا بتزويدي بمعلومات أو صور أو بحثت معهم تواريخ ولادة والتخرج من الجامعة واعتقال واستشهاد الرفيق خالد الأمين مثل: منعم القيسي، الأخت شذى القيسي، رعد سعدون، محمد أحمد آغا، صاحب محمد الزيدي، عقيل حبش الجنابي، محمد الجنابي، الدكتور عقيل الناصري، كاظم ناصر الغرباوي، محمد عبد عيد. وكذلك أخي سعد المرحوم الذي استذكرت معه الحوادث والتواريخ المهمة في حياة الشهيد خالد.
الشهيد خالد محمود أحمد الأمين- مواليد مدينة الناصرية 1945. (من ارشيف اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في الناصرية ونشرت في الفيسبوك من قبل عدة أصدقاء في الناصرية مسقط رأس الشهيد).
الشهيدين أخي سميرعبد القادر مصطفى الموصلي (من اليمين) وخالد محمود أحمد الأمين (من اليسار) على سدرة النبق في بيتنا الواقع في محلة السراي في الناصرية في العام 1957. (من أرشيف العائلة، أرسلها لي أخي سعد عبد القادر مصطفى الموصلي).
على سطح بيتنا في الناصرية في صيف العام 1957 . الظاهرون في الصورة من اليمين: أخي الشهيد سمير عبد القادر مصطفى الموصلي وأخي سعد عبد القادر مصطفى الموصلي وأنا والشهيد خالد الأمين الواقف الى اليسار. (من ارشيف العائلة، أرسلها لي أخي سعد عبد القادر مصطفى الموصلي).
من اليمين: منعم القيسي، الشهيد خالد الأمين، عبد الزهرة مجيد جاسم الزبيدي، المرحوم حسن ابراهيم في نادي المعلمين بالناصرية في شهر شباط العام 1970. (من أرشيف الأخ منعم القيسي).
مركز مدينة الناصرية، ساحة الاحتفالات حيث يظهر في يسار الصورة مدخل سراي الحكومة والمحافظة والجامع الكبير. وفي يمين الصورة البدالة الأتوماتيكية، 1972. من أرشيف شذى القيسي.
مركز مدينة الناصرية، 1972. ساحة الاحتفالات حيث يقع في الجانب الأيمن بريد مدينة الناصرية القديم وخلفه كورنيش الناصرية المطل على نهر الفرات. في الجانب الأيسر من الصورة يظهر قسم من حديقة بناية المحافظة. من أرشيف شذى القيسي.
المتواجون الان
479 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع