مبدعون وابطال الحرية

الشهيد الخالد أونير بطرس اسطيفانا// نبيل يونس دمان

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

الشهيد الخالد أونير بطرس اسطيفانا

نبيل يونس دمان

 

بمناسبة 14 شباط يوم الشهيد الوطني:

 

 

 

أبصر اونير النور في القوش عام 1954 وفي كنف بيت اسطيفانا المعروف بوجاهته وفي بأس وشكيمة ابنائه، انه من اوائل بيوتات القوش التي دخلتها الافكار التقدمية منذ الاربعينات في شخص يوسف حنا اسطيفانا، وبعده مباشرة ابناءه سالم وسعيد. اما والده بطرس جبرائيل فقد عرفته خياطاً ماهراً في السوق، منكباً في عمله بصبر وتواصل، يمتاز بالتفكير السليم، وهو مرجع الاستشارة في هموم البلدة، واصبح لذلك السبب مختارا لمحلة سينا في الستينات، كان مثقفا بمقياس جيله، ومتكلماً جيدا في امور الدين وفي السياسة، وحسب علمي لم يسبقه احد في البلدة في تسمية ولده الصغير( اونير) لكن يقينا سيتسمى العديد من مواليدها باسم الشهيد الذي ضرب المثل في النضال المتفاني، وفي الاستشهاد في سبيل القيم والاهداف النبيلة.

 

     قضى اونير طفولته في بلدة ابائه واجداده، فتشبع من منابع البطولة والإباء، واختزن ذلك في سنوات عمله في بغداد، كعامل على آلة الخراطة (التورنة) حتى حلت فترة سوداء من تاريخ العراق في نهاية السبعينات، عندما اغتصب صدام حسين السلطة. في تلك الفترة اشتد اضطهاد حملة الافكار التقدمية من امثال اونير، فرجع الى القوش وعمل في قطاع المقاولات في الموصل مع قريبه صدّيق موسى رئيس، ولم يستمر في عمله طويلا، حتى تزايدت الضغوطات عليه فتلمس طريقه في بداية الثمانينات، الى احضان الحركة المسلحة المنطلقة من كردستان. فكان موضع ثقة رفاقه منذ وصوله مواقعهم، لم يدم الحال، حتى كلف باصعب المهام المتعلقة في التنظيم الداخلي، واعادة الصلة بالمنقطعين، وتسهيل ايصال الملتحقين الجدد، وايصال الادبيات الى الجماهير، فكان تواجده في سهل نينوى وفي تماس شبه يومي مع السلطة وعملائها، وفي عدة مرات اصطدم بكمائنها واستبسل في القتال بسلاحه الآلي ونجا بنفسه من مهالك لا تحصر. وفي احدى مرات تواجده في البلدة، خرج في عز النهار بكامل عدته القتالية بما فيها الرمانات اليدوية، امام انظار الناس وفي تحد واضح للسلطة، ارتقي جبل بلدته حتى بلغ مواقع رفاقه.

 

     ضرب اونير المثل في الشجاعة في اداء واجباته، كان دائما يقول انه ماض في طريقه حتى النهاية ومهما كانت النتائج، يقضي اياما في القصبات والقرى مختفيا او متنكرا من اعين مرتزقة السلطة المتزايد عددهم في تلك الايام. في احيان كثيرة كان يغادر على عجل ليبحث بمفرده عن موقع آمن في العراء او في الكهوف الجبلية المحيطة، لا يقيه بردها وحرّها، سوى ايمانه بحتمية زوال الظلم، وانتصار قضيته الوطنية التي تحمل من اجلها القهر والحرمان. واصل نضاله سنوات عدة، ونظرا للدور البارز الذي كان يقوم به، اقدمت السلطة على اعتقال واضطهاد افراد عائلته، ثم اخرجتهم من بيتهم المبني على الطراز القديم، وازالته من على سطح الارض باستخدام الجرافات، وذلك في عام 1987.

 

     في ليلة حالكة السواد وفاصلة من حياة هذا الشاب، وفيما هو يقضي احدى مهامه في مسقط راسه وبمكيدة محكمة من السلطة وعملائها، دوهمت الدار التي كان فيها، فجرى اعتقاله من قبل جلاوزة الدكتاتورية المقبورة، وضاع كل اثر له منذ تلك الليلة من عام 1988، ليمضي في طريق الشهداء، وليسطع اسمه في سجلهم الخالد.

     سيبقى اسم اونير بطرس اسطيفانا( عامل) نيّراً في قلوب عشاق الحرية، وبناة الوطن السعيد.