اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

• الراحلة ابنة القوش البارّة الماس حسيب زلفا

باسل شامايا الراحلة ابنة القوش البارّة الماس حسيب زلفا

يتحدث التأريخ على صفحاته عن نساء تعجز الأقلام عن وصف بطولاتهن وتضحياتهن الجسام ، مثلهن لا يمكن ان تغادرن الذاكرة خصوصا اللواتي تجودنّ بارواحهن من اجل القيم والمبادئ خدمة للوطن والصالح العام ، وقد كان عطاء بعضهن بمستوى اللاتي خلدهن التأريخ ، لكنّ كابوس الاجرام الجاثم على صدر العراق كان يحول دوما دون استذكارهن .. فلهنّ الق يضيء المدى وخطى تتوهج في سفر الايام اقسمن ان تبقى ينابيع عطائهن معطاءا لا يجف ابدا .. في مقالتي ساتحدث عن احداهن التي عرفناها منذ زمن الدكتاتورية البغيضة طودا شامخا لا تساوم ، تستميت دفاعا عن المبادىء والقيم العظيمة التي آمنت بها وارتضت مصاعب الحياة دفاعا عنها ، وقفت الى جانب شريكها الذي توسد الصخور وافترش عشب البراري والتحف السماء سعيدا مؤمنا بقضيته العادلة من اجل الدفاع عن حقوق الفقراء والمظلومين .. كانت دفقا من الانسانية وشلالا من العطاء الذي لم تخفت جذوته .. عانت وخزنت بين اضلعها كماً من الاحزان تلك التي خبأها لها الزمن .. حزنها على تشتت عائلتها وعدم استقرارها ، وحزنها على بيتها الذي هدمه واحرقه الاوغاد ، وحزنها على فلذ كبدها الذي خطفته ايادي الخسة والرذيلة وهو يؤدي واجبه الوظيفي بكل اخلاص ونكران الذات .. كانت امراة قوية صلبة ، لم تتقاعس يوما عن اداء واجبها كأم وزوجة ومناضلة .. كان لها احساس عالي بالانتماء الى المظلومين والمضطهدين .. عاشت حياتها صابرة على البلاء والنقمة التي ابتليت بها من ازلام الانظمة الرجعية المتعاقبة ، تحملت اوصاب الحياة في شتى صنوف الويلات والمعاناة ، جابهت بكل عزم واقتدار معضلات الحياة الكثيرة التي مرت بها ، كانت شعلة من العطاء منتصبة دوما بوجه العواصف مبتسمة للحياة رغم احزانها وهمومها ، وواجهت مأساة اسرتها لوحدها بسبب غياب شريك حياتها الذي كان يقارع الظلم الدكتاتوري المجرم منطلقا من جبال كردستان .. وقفت الى جانبه عندما رفع راية حزبه المناضل عالية خفاقة في سماء الوطن ، متحديا السلطات الرجعية على امتداد السنين .. ولا ننسى مواقفها البطولية المشّرفة حينما كانت بلدتها تتعرض لأطماع ومخاطر الغزاة ، حتى دفعت ثمن ذلك مضايقات وملاحقات أزلام السلطة لأسرتها . كان لها مكان متميز في قلوب اهالي القوش صغارا وكبارا ، انسانة متواضعة محبة نذرت حياتها من اجل خدمة ومساندة قضية شعبها العادلة .. تسلحت خلال حياتها القصيرة بالصبر والمحبة الغامرة لكل الناس القريبين منها والبعيدين . هكذا كانت ابنة القوش المناضلة الراحلة المس حسيب زلفا ( ام جوزيف ) ، التي هلّ فجر ميلادها عام 1933 في بلدتها القوش ..انحدرت من عائلة معروفة بالخدمات الجليلة التي قدمتها لأهالي البلدة ، وبمواقفها الوطنية والاجتماعية المشهودة والتي كان رصيدها في هذا المجال يؤهلها ان تحتفظ بعلاقات طيبة مع جميع اهالي البلدة حتى المناهضين لتوجهاتها الفكرية .. كان والدها رحمه الله ضريرا وعلى الرغم من ذلك لم يتقاعس يوما عن تقديم الخدمة للناس دون تمييز وذلك من خلال معالجته المرضى بواسطة طب الاعشاب ، يساعده بذلك ابنه الأكبر المرحوم عبو .. كان لها خمسة أشقاء وشقيقة واحدة جميعهم يعيشون مع ابويهم بمحبة وتعاون وعلاقات طيبة وطيدة مع الاقرباء والجيران .. تزوجت مبكرا في عام 1946 حيث ارتبطت بشريكها المناضل توما توماس وانجبت منه خمسة بنين وابنتين .. في عام 1950 رافقت زوجها الى مدينة كركوك حيث كان يعمل حينها في شركة نفط كركوك وفي عام 1961 غادرت العائلة الى القوش(ملاذهم الآمن ) بسبب ملاحقة رجال السلطة لشريكها واصدارها امر القاء القبض عليه . وبعد ان تنفست العائلة الصعداء بعض الشيء في القوش اسس الفقيد معملا للثلج وحقلا للدواجن ، وبات منزلهم مضيفا لأهالي المنطقة والمناطق المجاورة ومقرا لتجمع المناضلين الأنصار .. كانت تستقبلهم وتستضيفهم بابتسامتها المعهودة .. لكن الظروف السياسية التي اقتحمت البلد عموما بمجيء انقلابيي 8 شباط الاسود 1963 أبت ان تذوق ام جوزيف مع افراد العائلة مزيدا من الاستقرار ، ففتح الوضع السياسي الجديد صفحة جديدة من المأساة فوجع بها شعبنا العراقي الصابر .. مما اضطر الفقيد الراحل ابو جوزيف للالتحاق بالحركة الثورية في كردستان العراق ، وهناك تم تشكيل فصائل الأنصار الذي قاد بطولاتهم ومعاركهم ضد السلطة حتى وفاته ..

ونتيجة تلك النشاطات المناهضة لسلطة الدكتاتور تم مصادرة المعمل وحقل الدواجن وسيارتهم الخاصة وأثاث المنزل وحتى المواد الغذائية ، ولم يكتفوا بذلك بل قادهم حقدهم الدفين الى حرق المنزل ومصادرة نصفه وبيع بالمزاد العلني .. وبسبب ذلك الحقد الأسود اجبروا الناس حتى المقربين من العائلة لمقاطعتهم اجتماعيا وعدم القيام بزيارتهم وقرروا محاسبة كل من لا يلتزم بذلك حسابا عسيرا .. فكلفوا مرتزقتهم بالتجسس وكتابة تقارير يذكر فيها التفاصيل اليومية للعائلة من الزيارات واللقاءات ونشاطات اخرى .. وكان رجال السلطة في الموصل وحسب التقارير التي تصلهم من الواشين يستدعونهم الى دائرة الامن لأستجوابهم هناك وانت أدرى عزيزي القارىء الكريم بالاساليب الحقيرة التي كانت تتم فيها عملية الاستجواب .. وجاءت فاجعة العائلة الكبرى حينما خطط زبانية السلطة وبالتعاون مع المرتزقة لتسهيل عملية القاء القبض على ابن المناضل توما توماس ( منير ) الذي كان يعمل ( معاون طبي ) في مستوصف القوش .. فأصدروا امرا اداريا بنقله من القوش الى مدينة الحضر وهناك اختطفته ايادي الخسة والرذيلة واودع زنزانات الجناة ومكث فيها تحت ابشع انواع التعذيب الجسدي والنفسي ( ثلاث سنوات ) حتى اعدم عام 1984 .. لم تثنها قسوة الحياة عن مسيرتها وظلت صامدة في تلك الظروف الحالكة وواصلت نضالها دون أن تبدي اي تذمر يؤثر سلبا على علاقتها الأسرية ، لذلك كانت جديرة بتقديرشريكها واحترامه .. وكان تقييمه لها انها حقا مناضلة من طراز خاص ، تتسلح دوما بالشجاعة والصبر.. ولم تقتصر خدماتها الجليلة في مجال واحد بل في مختلف المجالات الحياتية ، فبالرغم من التزاماتها وانشغالاتها الكثيرة كانت العين الساهرة على خدمة حماتها المسنة وتضاعفت رعايتها لها بعد رقودها على فراش المرض فترة طويلة حتى وافتها المنية في 1982 ، وبعد ان وريت الثرى وبسبب ازعاجات رجال الأمن للعائلة اضطرت ام جوزيف للألتحاق بفصائل الانصار في كردستان العراق ليجتمع هناك شملها بزوجها واولادها . غادرت القوش سرا مع اولادها ( منى ، سردار ، ماريا )الى حيث شريك حياتها فعاشوا سوية تغمرهم السعادة بالرغم من تلك الظروف العصيبة والتي فضلتها على تلك الايام التي كانت تتعرض وبشكل يومي الى ملاحقة اولئك الاراذل .. وهناك في جبال الحرية بدأت مرحلة أخرى من حياتها ، اصبحت اماً للأنصار المقاتلين الذين نذروا حياتهم قربانا للانسانية التي تشبعوا بقيمها العظيمة .. وسهرت على راحتهم ورافقت نضالهم .. تتعامل معهم وكأنهم اولادها وبناتها ، تحسسهم بالحنان الذي حرموا منه ..تجد السعادة في تقديم الخدمة لمن يحتاجها .. لكنها لم تتمكن من الاستقرار مع اسرتها بسبب فقدانها لصحتها والمرض الذي داهمها منذ اختفاء ولدها ، فلم تجف لها عين بسبب فقدانه ، فاضطرت للرضوخ الى رأي العائلة للسفر الى سوريا وتلقي العلاج ولتأخذ هناك قسطا من الراحة من مصاعب الحياة ولكنها كانت أضعف في مواجهة قدرها المحتوم فرحلت رحيلا ابديا في 1/6/1991 .. وهكذا رحلت هذه السيدة المبجلة وعيونها شاخصة نحو الوطن الذي تركت فيه فلذ كبدها بين انياب الوحوش الضارية، تاركا لها الصمت والانتظار حتى التحقت به دون ان تتحقق امنيتها وتكتحل عينيها بلقائه .. برحيلها فقدت القوش ابنة بارّة مناضلة باسلة لم تنحن يوما للطغاة رغم ظلمهم وجبروتهم ، بل عاشت وماتت أبيّة شامخة كالجبل امام الأهوال . كانت امنيتها التي تراودها ، اللحاق بآبائها وأجدادها لتدفن الى جوارهم في تلك الارض التي عطّروها بثراهم ، لكنّ امنيتها لم تتحقق بوجود الأوباش ..

ومع مرور الايام والسنين استجاب لها صوت الحق ليحقق ما تهفو اليه برحيل الكابوس الجاثم على صدر العراق في 2003 .. وجاءت مبادرة اسرتها بنقل رفاتها من سوريا ، وتزامن ذلك مع نقل رفات رفيق دربها المناضل توما توماس من دهوك الى حيث مقبرة الآباء والأجداد في القوش وسط حضور جماهيري غفير ، ووريا الثرى جنبا الى جنب ، فاجتمعا بعد ان عاشا حياتهما مفترقين . وقبل ان انهي مقالتي احب ان اكتب إهداء المناضل توما توماس لمذكراته التي كتبها الى شريكة حياته قائلا : ( الى شريكة حياتي التي افتقدتها قبل الأوان ، الى التي هاجرت عبر الجبال الى سوريا واستقرت بدمشق وهي تنظر الى الوطن الذي تركت فيه ابنها (منير) في سجون الفاشست ومنذ عام 1981 .. أهدي مذكراتي اليك أيتها الشريكة الراقدة في مقبرة كنيسة الكلدان في دمشق تنتظر العودة الى الوطن عند زوال الدكتاتورية .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.