اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

• إلى الشهيدة رضية السعداوي: لابد ان نلتقي! -//- يوسف أبو الفوز

إلى الشهيدة رضية السعداوي: لابد ان نلتقي!

يوسف أبو الفوز

(ملاحظة : كتب النص ونشر عام 2003 ويتم اعادة نشره وفقا لطلبات بعض الاصدقاء )

رضية … !

لم نتفق هكذا ؟!

لم نتفق ان نلتقي بهذا الشكل ؟!

الكثير من الرفاق والأصدقاء يعرفون اتفاقنا ، وسيحتج عليكِ الكثيرون !

أنتِ نفسكِ لمتيني مرة حين تحدثتُ عن هذا الشكل من اللقاء ، في رسالة حنين مفتوحة وجهتها للأصدقاء البعيدين ، فكيف تسمحين لنفسكِ بما كنتِ لا توافقيني عليه ؟!

كانت الدنيا لا تسع أحلامنا وحبنا للحياة ، وصار لنا موعدنا "التاريخي " المنتظر ، الذي طورناه ، بعد ان ابتدعه صديقنا العزيز"عدنان سرور"، في واحدة من تجلياته عام 1978، أيام كانت قطعان ذئاب البعث تطاردنا من مدينة الى مدينة، ومن شارع الى شارع ، لتسلبنا حياتنا وأفكارنا وأحلامنا، ولكن تمسكنا بالمستقبل كان اكبر من إرهابهم وزنازينهم وحقدهم على أصحاب رأي مغاير وكرههم للأفكار المتنورة الديمقراطية. كنا نفكر بالمستقبل والعراق الجديد ، ورغم ان الواحد منا كان أيامها لا يملك مكانا يأويه ، ليخفيه عن ذئاب عفالقة العراق ، كان يملك كل العالم بأمانيه . فهل يعقل ان تتخلفي عن الموعد ، وأنتِ التي ما ان عرفتي به حتى رحتي تبلغين الأصدقاء والرفاق للمشاركة ؟

ــ كل عام ، وفي ليلة راس السنة الجديدة ، الساعة الواحدة تماما ، أول ساعة من العام الجديد ، عند جدارية جواد سليم ، تعالوا انتم وأطفالكم ، سنلتقي هناك وسيكون لقاءا تاريخيا !

كان موقفا احترازيا منا ، من حفنة أصدقاء ، لمواجهة عوادي الزمن ، التي ستشتتنا وتبعدنا عن بعضنا الآخر. كان تمسكا بمُثل الرفقة والصداقة والاخوة. كان إعلان ثقة بالمستقبل والحياة الجديدة والمُثل الحية.

ـ في العراق الجديد ، الديمقراطي الحر ، عند جدارية جواد سليم ، كل عام ، وفي ليلة راس السنة ، الساعة …

ضحك منا البعض وقتها. قالوا اننا مجانين. التفكير بموعد بعد سنين طويلة لا يعرف أمدها ، صاحوا بنا :

ـ من منا سيضمن الحياة ليوم غد ؟

ولكنكِ يا رضية يوم عرفت بذلك فرحت مثل طفلة ، ورحبتِ بالفكرة ، وتحمستِ لها جدا.

مرة ... وفي حديث عن الأصدقاء ، أشرتِ إلى انكِ تفهمين جيدا لماذا اختم رسائلي لأصدقائنا البعيدين دائما بعبارة : سنلتقي ... لابد ان نلتقي !

ومنذ لقائي الأول بكِ عرفتُ مدى حبكِ للحياة ، ولكن بنفس الوقت عرفتُ مدى استعدادكِ للعمل والكفاح من اجل ان يعيش فقراء الناس حياتهم بشكل افضل.

أول لقاء لي بكِ كان عام 1975. كان لنسمات شط العرب أيامها مذاق البمبر وسط دفء الأصدقاء والرفاق وفرحهم بالوجوه الجديدة القادمة من شتى أنحاء العراق الجميل . كنتُ لا ازال متلفعا بخجل الطالب الجامعي في أيامه الأولى ، وكنتِ في سنتكِ الدراسية الأخيرة ، في كلية الآداب. كان الصديق "خليل درويش " زميلا لي في الإدارة والاقتصاد ، في سنته الأخيرة ، وعلى ما اذكر، هو من قدمني لكِ في زحمة النادي الصغير لكلية الإدارة والاقتصاد . وكان حظنا ان كلية الإدارة والاقتصاد وكلية الآداب يشغلن بناية واحدة عند باب الزبير ليس بعيدا عن ساحة سعد . كانت لقاءاتنا شبه يومية ، ورحتُ انا الطالب المستجد ، البدوي ، كما تشاكسيني، القادم من السماوة ، لا ارحمكِ بأسئلتي ، ومنكِ وبتفهم كبير كنتُ اسمع أجوبة واضحة وصريحة وجريئة ، ولأتعلم منكِ الكثير، عن الحياة الجديدة ، وعن المجتمع الطلابي الجامعي ، وأسراره وتقاليده ، وعن صلف ازلام البعث وأساليبهم في إذلال الطلبة وسلبهم حقوقهم ، وعن الشجاعة في مواجهتهم والتصدي لهم. كانت جرأتكِ تغيض ليس البعثيين وحدهم ، بل كانت تثير حتى البعض من المعارف والأصدقاء . وهناك الكثير من التفاصيل والأمثلة يا رضية ، التي تعكس فهمكِ الناضج لطباع الناس وزيف الأقنعة، وكانت صراحتكِ في مواجهة ذلك تجلب لكِ حنق الكثيرين ، لكن روحكِ المتسامحة لم تعرف الحقد الإنساني المريض ، وكنتِ ترثين للبعض بقدر ما يكررون أخطائهم . كنتِ تكرهين الكذب وتقدرين الصدق والشجاعة عند الناس، وهذا حفظ لكِ الاحترام حتى عند من لا تروقهم جرأتك في سلوككِ الاجتماعي. وكانت ثقافتك المتميزة وسعيك الدائم للتزود بإسرار المعرفة تضفي على شخصيتكِ المزيد من الجدية ، رغم ما عرف عنكِ من حبك للمرح والحياة . كنتِ بسلوكك اليومي تترجمين مقولة رامبو ( الحياة جميلة فلنعشها بجد ) حتى من دون ان تقوليها. وكنتِ تقدرين الصداقة حقها ، وهكذا حين تطلب منكِ في كردستان ، عند التحاقك بقوات الأنصار ، ان تستخدمي اسما مستعارا فورا استعرتِ اسم اقرب صديقاتك : " رجاء " ، ليعرفكِ به الأنصار طيلة أيام وجودكِ بينهم نصيرة مناضلة ، باسلة ، وامرأة عراقية شجاعة ، تخلت من اجل شعبها وقضيتها عن العيش الرغيد ، وعن مستلزمات نسائية عادية ، وارتضت مشاركة رفاقها الأنصار شظف العيش ، وصعوبة حياتهم . الأنصار الذين أحبوك وعرفوك رفيقة شجاعة وأختا حنونه.

آه يا رجاء … كيف لكِ ان تخلفي موعدكِ معنا ألان ؟

في ليلة من شتاء الأنصار في ريف السليمانية، حين قرأت لكِ ما كتبته تحت تأثير الحنين لأصدقاء ، والذين تناثروا تحت سماوات عديدة ، بسبب سياسات النظام الديكتاتوري ، وانقطعت أخبارهم عنا ، وخاطبتُ بكلماتي صديقي مجهول المصير، الغالي "وافي كريم مشتت " (1) بقولي ( سنلتقي … حتى ولو على أوراق النعي ) لمتيني على هذا ، وطلبتِ مني ان أتمسك بتفاؤلي ولا انس ان هناك موعدا تاريخيا ينتظرني والأصدقاء .

لماذا يا رجاْء تسمحين لنفسكِ ألان بان نلتقي على أوراق النعي ، وتخلفي موعدنا التأريخي ؟

على صفحات "طريق الشعب " قابلت صورتكِ مع كوكبة بهية من شهيدات وشهداء الحزب الشيوعي العراقي. كانت صوركم منثورة مثل حقل ورد على صفحات الجريدة . صورتك قديمة يا رضية ، ربما تعود للسنوات الأولى من دراستكِ الجامعية . ظهرتِ فيها بدون ضفيرتكِ الافعوانية ، ولكن نظرتكِ الجادة ، الواثقة ، تبقى واضحة وتأسر الناظر وتحكي الكثير عنكِ ، عن روحكِ المترعة بالجمال وبالأمل والوفاء .

ليلتها وسط حزني وشهقاتي ودموعي ، أمام صورتكِ أشعلنا لكِ ـ أنا وزوجتي ـ شمعه ، مثل روحك التي ذوت من اجل الآخرين . ونثرت أوراقي وذكرياتي ، وكنت ضيفتنا الغالية ، وجليستنا طوال تلك الليلة الحزينة. حكيتُ لزوجتي عنكِ . عن المرأة الشيوعية الباسلة ، عن صداقتنا ، وعن شخصيتكِ الجذابة ، وقوة شخصيتكِ ، بل ونقاط ضعفكِ من وجهة نظري ، وعن خوف بعض زميلاتك الطالبات من جرأتكِ ، وعن آمالك وأحلامكِ ، عن طرائفك و شجاعتك وإقدامك. في صفحات " تضاريس الأيام في دفاتر نصير " (2) بحثتُ عن ظلالكِ ، فوجدتُ انكِ هناك ، بل وموجودة من الصفحات الأولى . ففي مشهد عن الحياة اليومية للأنصار أشرت إلى ولعكِ بالحياكة وبشوارع مدينة عفك (3)، ولم تكن هذه سوى إشارة إلى وفاءك لأصدقاء أعزاء تربطنا بهم صداقة مشتركة. وعن بهاء المرأة الشيوعية العراقية ، ومساهمتها البارزة في الكفاح المسلح لمقارعة النظام الديكتاتوري ، وجدت اني اخترتك مثالا للحديث ، ونقلت شئ عن لقائنا في كردستان …

" … يوما ، مفرزة أنصارية قادمة من موقع ناوزنك إلى موقع بيتوش ، ومعهم صديقتي الغالية (…) ، هاهي بابتسامتها العريضة ، وضفيرتها التي تلتف كأفعى هندية ، لا زالت علامة فارقة لأنوثتها ، على وسطها بدل الأحزمة الرفيعة الملونة التي اعتادت لبسها ، حزام عسكري يبرق عليه مسدس ميكاريوف ، ولشوقي احتضنها طويلا وسط دهشة الاخرين واستنكار الشيوخ ، نتبادل قبلات أخوية ، حارة ، على خدها أرى لؤلؤة تلتمع ، تقول لي :

ـ لم تتبدل كثيرا ، وكأننا افترقنا البارحة ، تبدو خشنا قليلا !

لم اتمالك نفسي أمام هذه العراقية البهية ، فرددت لها الدمعة باثنتين ." (4)

وعن حنانك كصديقة واخوتك الفياضة كتبت :

لعيني رفيقة ،

ودعتني وهمست :

" كن حذرا ، يجب ان تعود لنا "

سأطلق نصف رصاصاتي . (5)

وكنت أعنيكِ يا رضية بهذه الكلمات ، ساعة عانقتيني ومنحتيني شعور قلق الأم ، وحنو الأخت الكبرى وتوق الاثنتين لسلامة الابن والأخ ، يومها كنا مجموعة أنصارية متوجهين لعملية استطلاع مواقع النظام الديكتاتوري عند معسكر ماوت في أطراف السليمانية.

في جعبتي الكثير من الحكايات الطيبة عنكِ يا رضية . كنت أأمل ان نستذكرها معا عند جدارية جواد سليم ، ولتكون أبهى بتعليقاتك الجريئة الساخرة . ولكنك يا رضية رغم اختيارك اللقاء على أوراق النعي ، فانك ستكونين دائما معنا ، وفي كل مكان وزمان . وهناك ، على ارض العراق الحبيب ، الذي وهبتيه روحك المعطاء وحياتك الزاهية ، وشبابك البهي ، ليس بعيدا عن دجلة الخير ، ليلة راس السنة الجديدة ، الساعة الواحدة تماما ، أول ساعة من العام الجديد عند جدارية جواد سليم ، ستكونين مع رفاقك يا رضية . من سيتذكر الموعد من رفاقنا وأصدقائنا المتناثرين في ارجاء المعمورة ؟ ومن سيكون سعيد الحظ وينجح في حضور اللقاء الأول ؟ ولكنك ستكونين من أول الحاضرين لتلتقي من ستتوفر له الفرصة يومها للقدوم للموعد القادم التأريخي ، هذا العام أو بعده. سيتم هذا اللقاء يوما ما حتى لو تعثر في العام الأول أو الثاني . لابد ان نلتقي . وسيجدك رفاقك وأصدقائك هناك متألقة ، بهية ، أنيقة ، جميلة . سيكون الى جانبك مجللا ببهاء الشهادة والمجد وافي كريم مشتت ونجيب هرمز وجواد كاظم وزهير عمران وجبار شهد وناظم عبد الرزاق وعميدة عذبي حالوب وعبد الحسين كحوش وفؤاد يلدا وياسين حمه صالح ، و… انهم كثيرون يا رضية ممن عرفوا بالموعد وأعجبتهم الفكرة ووعدوا بالحضور والمشاركة ، فهم أوفياء لأصدقائهم ومُثلهم . أوفياء لموعدهم مع العراق الجديد ، فحصان جواد سليم ترجل أخيرا وملأ العراق صهيلا . انتهى كابوس البعث المظلم ، الذي جثم على قلوب العراقيين طويلا . حانت أيام العمل والبناء وأنت ستكونين حاضرة. ويا أيها الأصدقاء والرفاق الأحبة يا من ستتوفر لكم الفرصة في حضور الموعد الأول لا تنسوا علامة اللقاء ... وردة في اليد اليسرى الى جهة القلب . اي وردة ... جوري ، رازقي ، نرجس ، قرنفل ، وحتى سعفة ،... المهم ان تكون حديقة الورد العراقي حاضرة ، وستكون رضية هناك مع من سيحضر ، مع رفاقها وأصدقائها ، بشجاعتها وإخلاصها لقضيتها وشعبها ووطنها وآمالها التي لا تسعها السماء الفسيحة.

رضية … صديقتي الغالية ... أيتها العراقية البهية ... سنلتقي ... لابد ان نلتقي !

22 أيلول 2003 ــ سماوة القطب

ملاحظات

* الشهيدة رضية ياس خضير عباس السعداوي. مواليد عام 1952 في كربلاء / الهندية . خريجة كلية الآداب ــ جامعة البصرة ، قسم اللغة العربية . التحقت بقوات الأنصار عام 1983 قادمة من اليمن الديمقراطية. عملت بين كردستان والداخل . اعتقلت أواسط الثمانينات واختفت أخبارها ، وتأكد استشهادها بعد زوال النظام الديكتاتوري.

1 ـ وافي كريم مشتت : الاسم الحركي " أبو فكرت ". مواليد مدينة الثورة 1956. طالب في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة البصرة من عام 1975 . ترك الدراسة عام 1978 واختفى في بغداد . اعتقل أوائل ثمانينات القرن الماضي . قال سجناء سابقون في سجن " أبو غريب " انه اعدم ولم تسلم جثته إلى أهله.

2 ـ تضاريس الأيام في دفاتر نصير . يوسف أبو الفوز . إصدار دار المدى 2002 دمشق

3ـ المصدر السابق ص 24

4 ـ المصدر السابق ص 112

5 ـ المصدر السابق ص192

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.