اخر الاخبار:
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

حكاية حميد- ملازم سلام وامه والدواء // كفاح جمعة كنجي

اقرأ ايضا للكاتب

 

حكاية حميد- ملازم سلام وامه والدواء

كفاح جمعة كنجي

 

رنت خطوط الهواتف بلا انقطاع صيف 1985 بين فرقة حزب البعث في بعشيقة واجهزة امنها مع بغداد والموصل يومياً ليهمسوا في آذان اسيادهم بوجود عوائل البيشمركة "المخربين" باعداد كثيرة فيها وينبغي طردهم !! وترحيلهم!! من المنطقة لِدواعي امنية فعوائلهم تتعاون معهم وتنقل لهم الاخبار والمعلومات ويشكلوا خطراً على الحزب والثورة والقائد المهيب صدام حسين.

واقدم بعثيو بعشيقة وبحزاني بكتابة تقاريرهم اليومية من اجل طرد تلك العوائل "المخربة"

 ويأتي الجواب على عجلة "نعم بارك الله فيكم" اطردوهم وإنفوهم الى حيث تواجد ابنائهم "العملاء" عملاء العدو الصهيوني والايراني.

وكان لهم ما ارادوا، حُشرت عشرات الاطفال والنساء دون اي رحمة في سيارات الامن والاستخبارات وبحراسة الجيش الشعبي والجحوش وسرايا ابو فراس الحمداني ونقلوا الى اتروش وتركوا على الطريق المُوصِلة لمصيف (بلكيف) وتطل عليه احدى الربايا الإستراتيجية ،واُطلقتْ النيران نحوهم كَأن هولاء النساء والاطفال حقا احفاد الصهاينة والخميني وفق تصوراتهم المليئة بالحقد ولِحقت الفرق الحزبية للبعث القريبة من بعشيقة وحواليها كالشيخان والقوش وباعذرة بمثيلتها البعشيقية وأخرَجوا من مناطقهم ايضا نساء وأطفال البيشمركة"العملاء"

جميع المبعدين سحبت وثائقهم ولم يسمح لهم من استصحاب اي شىء شخصي بما فيها الدواء واخرجوا فقط بالملابس التي كانوا يرتودنها.

من ضمن المجموعة الاخيرة التي ابعدت عن بلدتها اُم الملازم سلام (حميد دخيل) وقد جاوزت عقدها السادس من العمر وابنتها رزينة... حينها  كان قد مضى على فراقها لولدها (سلام ـ حميد) ما يقرب الـ 7 سنوات وأصيبت بأمراض عديدة  منها ارتفاع ضغط الدم الشديد .

فرحة اللقاء بابنها في اليومين الاولين انستها امراضها واستمدت من الراحة النفسية للقاء قوة تغلبت على امراضها مؤقتاً. لكنها عاودتها الاعراض مجددا في اليوم الثالث لوجودها مع ابنها وأصدقائه. 

دفىء الخريف تلاشى شيئا فشيئاً وحلت نسماته الباردة قليلا، جمعتنا قرية (ميزي) ليلة 29- 30- تشرين الاول  من العام 1985. مُلتفين حول النصير الجريح (كاروان- بير خديدا من سرية الشهيد امين /الفوج الاول)، لم تفلح مساعي الدكتور (جهاد ـ الدكتور عزيز الشيباني) التي استمرت لثماني ساعات من انقاذ الجريح ،مازلت اتذكر حين اطبق الدكتور جهاد يوم 30 تشرين الاول1985 فجراً جِفني الشهيد كروان باصابع يده وتَراجعَ لزاوية الغرفة مُنكفئاً على نفسه ، دافناً رأسه بين ذراعيه وركبتيه يجهش بالبكاء دون ان ينبت بكلمة، ادركنا أنّ كاروان قد ودّع الحياة بعد اصابته باطلاقة كلاشنيكوف تفجرت في ساعده الايسر وهشمت عظامه في ذلك المساء وهو يهم باحضار خثرة اللبن لِامه من جيرانهم وقد فارق الحياة في السادسة صباحاً برغم مساعي الدكتور جهاد الحثيثة لانقاذه.

ونحن نواري الشهيد كروان الثرى بجوار قبر الشهيد الخالد محمود ايزيدي في كاني مازي ..صُعقنا بِخبر آخر جاءنا هذه المرة من من (دشت) - سهل  الموصل يقول ان الشهيد( ملازم سلام) سقط شهيدا هو الاخر اِثر وقوعه في كمين لمفرزة الاستخبارات قرب بيبان .

استشهد سلام ـ حميد .. لم يودع امه وشقيقته الوداع الاخير، عندما سقط شهيداً  لم تكن مهمته عسكرية كما اعتاد كل مرة .. بل ليرد بعض دَينٍ في عنقه لأمه ذهب ليؤمن دواء ارتفاع ضغط الدم لها اِلا ان كمين الاستخبارات حال دون عودته  لها الى الابد.

من سيخبر ام حميد بالخبر الفاجعة؟! ومازال نظرها لم يرتوي من ابنها فقد فارقته منذ سنوات عديدة ،ولم يمضي على لقائهما سوى اقل من اسبوع لا اعرف كيف ومن اخبرها.. الا انني اتذكر اننا انتقلنا بصحبة الدكتور جهاد الى قرية (كهرفا) لعلاج ام حميد التي اغمي عليها حال سماعها لنبأ استشهاد ابنها .. كان ضغط دمها مرتفعاً جداً لهول الخبر .. نامت بفعل دواء الدكتور جهاد لساعات .

في اليوم الثالث بعد الاستشهاد قررتْ العودة بصحبة ابنتها من حيث أتت او ُاخرجت عنوة فقد زالت حجج واسباب ابعادها ..اختارني رفاقي الانصار لارافقها واوصلها الى الدشت - سهل الموصل وفرنا حيوانا ليحملها لهذه المسافات الطويلة والشاقة في الطرق الوعرة ..

بين الجبل ودشت ـ سهل الموصل كانت قليلة الكلام .كنت حريصاً ان اكون بقربها لاسندها وهي على ظهر الحيوان كلما زادت صعوبة الطريق وخاصة اثناء تسلق الحيوان المرتفعات الحادة تحاشياً لعدم سقوطها من على ظهر الحيوان..

بعد مضي اكثر من عشر ساعات مشياً وصلنا لقرية كرسافة وخورزان ونزلنا في منزل رفيقنا (حسين سيسو) و بدوره اتصل باحد سكانها ممن يمتلكون سيارة ليوصلها الى بعشيقة. بعد تردد قبل ذلك الشخص المهمة حين ضاعفنا له اجره .

استقلت ام الشهيد الملازم سلام- حميد السيارة بصحبة ابنتها رزينة وانطلقوا في رحلة العودة لبعشيقة. ظلت عيني عالقة على السيارة في المسافة الممتدة بين خورزان وكرسافة من جهة الجبل وبين قرية بيبان من جهة السهل .. هو ذات الطريق الذي سار عليه ملازم سلام ساعته الاخيرة قبل ان يودع الحياة .. آه ياخالتي ام حميد لو تعلمين انك تسيرين في نفس الطريق الذي سار فيه ابنك حميد من اجل ان يعود لك بالدواء لكنه ذهب ولم يعود .. تخطت السيارة تلك الارض التي تشربت بدماء الملازم سلام ـ حميد لتصل بعدها الطريق المعبدة وتتسارع حركتها وتأخذ معها ام الشهيد حميد ـ ملازم سلام وكانت آخر مرة ارى فيها تلك الام الطيبة التي فجعت بابنها لتنسج حكاية خالدة لايستطيع احدا نسجِها حتى في الخيال.

 

 تشرين الثاني 2013

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.