اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

الأسطه علي فتاح درويش.. شيوعي لم يهب الموت!// يوسف أبو الفوز

الأسطه علي فتاح درويش.. شيوعي لم يهب الموت!

 

يوسف أبو الفوز

 

تُعرف معاجم اللغة ، كلمة البُطولَةً ، بأنها الشجاعة والاقدام ، أو حين يستشهد المرء في ساحة المعركة دون تردد ، ويتفق الباحثون وعلماء النفس، في كون البطل انسانا مميزا ، يرى ما لا يراه الاخرون، ويتمتع بوعي عميق لما يقوم به ، ويؤمن بالتضحية وبكون رسالته ومبدأه أسمى من أي رغبات اخرى ، حتى حياته. والى كل ما تقدم ينتمي بطلنا المتميز، الكادح "اسطه علي "، وأسمه الكامل علي فتاح درويش ، مواليد عام  1936، في مدينة حلبجة. يشهد كل من عرفه ، كونه انسانا عصاميا. عاش في مدينة السليمانية ، واشتغل منذ صباه المبكر في مختلف المهن ليعيل نفسه ، ثم أستقر في العمل في ورشة تصليح الحاصدات الزراعية لمديرية الزراعة في مدينة السليمانية. حياة الكدح الشاق ، قادته للتعرف الى الشيوعيين، المناضلين لاجل حقوق الطبقة العاملة، فوجد طريقه بشكل مبكر للانضمام لصفوف الحزب الشيوعي العراقي، وتعرض بسبب ذلك للاعتقال.  اجتهد بشكل ملحوظ في تنمية وعيه ومعارفه بالقراءة المستمرة وتعليم نفسه بنفسه. عرفه أبناؤه أبا حنونا ، وحرص على  تربيتهم  بروح الانسانية والتمدن والاعتماد والثقة بالنفس. حين بدأت سلطات النظام الصدامي الديكتاتوري اواخر سبعينات القرن المنصرم، حملتها البوليسية المنظمة ، ضد الشيوعيين العراقيين في كل ارجاء العراق ، ناله من اجهزة النظام البوليسية  الكثير من المضايقات، اذ حرموه من بعثة الى روسيا رشح لها لشراء معدات احتياطية للمكائن الزراعية في مكان عمله، وحرموه من حقه في استلام بيت كان مقررا ان يستلمه من الدولة، كل ذلك بسبب انتماءه ونشاطه السياسي في الدفاع عن حقوق العمال والكادحين . وبسبب من حجم المضايقات وتنوعها وتواصلها ، اضطر لترك وظيفته في الدولة عام 1979 ، وعمل في القطاع الخاص، في قطاع تشييد البيوت، وصار الناس يعرفونه بأسم "اسطه علي"، ولا تزال في مدينة السليمانية ثمة بيوت قائمة من التي ساهم في بناءها تلك الايام. 

قالت لنا أبنته الرفيقة شادمان :

ـ  مع تواصل اجهزة النظام البعثي البوليسية في مضايقة والدي ، انتقلنا عام 1984 الى  مدينة حلبجة، واختار والدي حلبجة لانها قريبة الى الجبل، حيث حركة الانصار الشيوعيين الناشطة، وايضا تواجد كبير لاقربائه من ابناء عشيرته الجاف، وهذه العوامل مجتمعه تكسبه الحماية والقوة ، وهناك واصل نشاطه الحزبي ، وصار من الوجوه المعروفة في عمل ونشاط الحزب الشيوعي في المدينة .

الرفيق احمد رجب ( سيروان ) قال عن الشهيد :

ـ تعرفت على الصديق والرفيق علي فتاح من خلال العمل الحزبي في مدينة السليمانية في سبعينات القرن الماضي ، إنضّم الى هيئة حزبية قيادية وكنت مُنظّماً لها، وكانت الهيئة خاصة بعمال البناء والمشاريع ، وتشرف على عمل عدة خلايا فكان الرفيق علي فتاح لولبا في العمل. كان هاديء الطبع لا يتحدث كثيرا ولكنه يُصغي للآخرين بعمق ، ومن ثم يشرح لهم مهمات الحزب والعمل اليومي في ظروف سياسية صعبة للغاية، وتوثقت علاقتي معه أكثر عندما كنت من ضمن قوام المكتب العمالي الخاص، وفي كل لقاء او اجتماع نتابع معه اتصالاته الجيدة مع العمال، وكان يستلم منهم تبرعات ويهيأ و يُرشح بعضهم لعضوية الحزب. 

تعود أبنة الشهيد الرفيقة شادمان لتقول :

ـ كنت صغيرة، في المدرسة الابتدائية، ولا اجلب الانتباه من قبل رجالات السلطة، حين يرسلني والدي لزيارة عوائل من معارفنا واصدقائنا، وكان يضع  رسائل خاصة في مكان خاص في حقيبتي المدرسية، وعلمني ان لا اتحدث عنها لاحد سواه ، ولا لأي شخص حتى من افراد العائلة، وكان من ازورهم يستلمون الرسائل ويعطوني بعض الهدايا.

الرفيق احمد رجب يضيف :

ـ استطعنا، انا والرفيق علي ، توثيق علاقاتنا مع الاخ رحيم مسؤول نقابة عمال معمل السكر وهو من الحزب اليمقراطي الكردستاني حتى توصلنا معه إلى تنظيم إضراب عام بمشاركة الشيوعيين والبارتيين ضد شركتي كافي وسادي الاسبانيتين، ولعب الرفيق علي دورا متميزا في هذا الامر .

الرفيق نوزاد اسعد كاميشتبه ، علق على صورة الشهيد المنشورة في الفيس بوك ، وكتب :

ـ  اعرف الرفيق علي فتاح جيدا ، كان نشطا ومثابرا، ولطالما جلب البريد الحزبي الى تنظيم قريتنا في كاميشتبه ، التقيته اكثر من مرة  في بيتنا.

الرفيق احمد رجب يضيف في القول :

ـ تواصلت وتوطدت علاقتي مع الرفيق النقابي والشيوعي علي فتاح ، فهو اصبح صديق العائلة، كنا نتزاور ونلتقي في البيت أو مقر الحزب ،  وكان دائما يحمل اخبارا سارة ومعلومات تهم عمل الحزب ، وكان دائم النشاط .

الرفيقة شادمان، تواصل الحديث :

ـ في حلبجة ، كان من ضمن مهمات والدي، استقبال مفارز الانصار وتوفير اماكن لاختبائهم، وتوفير طلباتهم من المواد التموينية والادوية ، ولطالما قام بنفسه بأيصال مواد تموينية لهم الى نقاط محددة للقاء بهم في الجبل ، وكثيرا ما كنت اسهر الليل بأنتظار عودته حين يقوم بمثل هذه المهمات ، وكان يطلب مني ابلاغ رفيق معين لو تأخر عن موعد عودته .

الرفيق الدكتور والنصير فرهاد حسين ، يشاركنا الذكريات ، ويقول :

ـ الرفيق البطل علي فتاح درويش ، لم يبخل يوما في مساعدة مفارز الانصار، اذكر يوما كنا مختفين في احدى الغابات التي تقع بمحاذات مدينة حلبجة ، في غابات كولان، فمن بعد مسيرة طويلة من قرية شةشك ودخولنا المدينة واذا بنا نقع في احد الكمائن والتي كانت منصوبة من قبل المجرمين المرتزقة "الجحوش"، وتمكنا بالقتال من كسر الطوق من دون خسائر والانسحاب نحو غابات كولان والاختفاء فيها . طبعا بعد تلك المسيرة الطويلة والمعركة اخذت طاقاتنا تقل ساعة بعد الاخرى، وبسبب اضطرارنا للانسحاب السريع، لم نستطع ان ناخذ معنا بعض المؤمن اللازمة ، بدأ الجوع يستنزف طاقتنا ، وفي اليوم الثاني وعند الساعة الرابعة عصرا واذ يطل علينا الرفيق الشهيد كالملاك المنقذ حاملا معه (الخبز والتمن الاحمر)، وبقي معنا حتى الغروب  ثم ودعنا، وبدورنا انسحبنا الى وادي مؤردين .عرفت الرفيق الشهيد البطل  جيدا، فلم اجده بخل يوما بأي شيء في مساعدة رفاقه او تكاسل في اداء مهامه الحزبية، وكان يحمل قدرا عاليا من نكران الذات، لم يستطع الكثيرون الوصول لحدها.

الرفيق احمد رجب قال :

ـ  وقد اثبت شخصيته المتميزة وتفانيه العالي لاجل الشعب والوطن وحزبه الشيوعي العراقي عندما استشهد وسجل اسمه في صفحات المجد والخلود . كان بطلا نادرا .

تحدثنا ابنته شادمان عن يوم استشهاده :

ـ يوم 16 اذار 1988 ، المشؤوم ، مع اشتداد القصف من طائرات النظام المغيرة ،  ولم نعرف حينها انه قصف كيماوي، غادرت المدينة الكثير من العوائل ، وقال ابي انه سيرسلنا الى مكان اكثر امنا ، ولكن  عليه ان يقوم بمشوار قصير للاطمئنان على مجموعة من الرفاق كان مسؤولا عن مكان اختبائهم وايوائهم . حاولنا ثنيه عن الذهاب ، لكنا لم ننجح . كنا في ملجأ في منطقة "كاني عاشقان"، والرفاق مختبؤن في مركز المدينة حيث القصف ، غادر الملجأ حزينا ومهموما، لكنه عاد وشد على كتفي وقال لي " ان لم أرجع فأنت مسؤولة عن اخوتك " ،  ذهب ولم يلتفت .

كان المناضل الشيوعي ، علي فتاح درويش ، العامل " اسطه علي "، مدركا لحجم خطورة طيور الشر الحديدية الصدامية التي انتهكت سماء مدينة حلبجة الكردية الوادعة ، لترتكب واحدة من ابشع جرائم النظام البعثي ، لكن ضميره أملى عليه ان يقوم بواجبه حتى وان كان ثمن ذلك حياته. انه حقا بطل نادر !

ذهب ولم يلتفت . ذهب ولم يعد ، لكنه سجل اسمه في صفحات الخالدين .

 

* طريق الشعب / العدد 176 السنة 79 الأحد 4 أيار 2014 / ألملف الخاص بيوم الاول من ايار

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.