اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

الشهداء يحبون الحياة !// يوسف أبو الفوز

الشهداء يحبون الحياة !

يوسف أبو الفوز

 

الصورة المعروفة عن المناضل الشيوعي، عند كثير من الناس، تتعلق بكون حياته مليئة بالمعاناة، فهي تمتد بين ما خلفته في روحه سنوات العمل السري ومضايقات الاجهزة الامنية للأنظمة الديكتاتورية، وسنوات الاعتقال والسجون والاختفاء والكفاح المسلح في الاهوار والجبال، وكل ذلك بعيدا عن الاستقرار ودفء الحياة العائلية في ظل حياة طبيعية ،فحياته تمضي بين اجواء من التوتر والترقب، وكل هذا قد يجعل صورته عند البعض جادا ومتجهما، غارقا في امور معقدة، ولا وقت لديه للاسترخاء والمرح. لكن الشيوعيين، هم ابناء هذا الواقع، هم بشر مثل غيرهم، لديهم نقاط قوتهم وضعفهم وتناقضاتهم، ولكن وعيهم الطبقي وثقافتهم العالية، وايمانهم بمباديء سامية تهديهم للنضال لاجل كرامة وسعادة الانسان وحرية الاوطان، تجعلهم يروضّون نقاط ضعفهم، ويتسامون على مغريات الحياة ومغرياتها وصغائرها، ويكونون مستعدين لمواجهة مختلف الصعوبات والضغوطات، وتكون لهم مواقف متميزة تصل حد التضحية بالنفس، وبكل شجاعة لاجل صيانة أسم الشيوعي ، وحياة افضل للاخرين .

يوما في سبعينات القرن الماضي، قال القائد الشيوعي والكاتب السياسي رودني اريسمندي (1913 ــ 1989)، من الاورغواي: "نحن الشيوعيون لسنا نوعا خاصا من  البشر، نحن من الطبقة العاملة ومن هذا الشعب ونحن بالنتيجة مواطنون عاديون مرحون ومتواضعون مغرمون بالحياة ومسراتها، مغرمون بزوجاتنا واطفالنا، بالسلام وبدفء الصداقة، بالغيتار والاغاني وبالنجوم والازهار".  والشيوعيون العراقيون، جزءا من هذا الكلام ، وشهداؤهم ايضا.

ومن بين الشهداء الشيوعيين العراقيين، ثمة مناضلون، يحفظ لهم رفاقهم، الذين عاصروهم، والناس الذين عرفوهم،  اضافة الى مواقفهم البطولية وشجاعتهم، حبهم للمرح والنكتة وصنع المقالب الطريفة للاخرين. هكذا، مثلا، عرف الانصار الشيوعين في سنوات الكفاح المسلح الصعبة ، في جبال كردستان، الشهيد العامل حاتم محمد نمش ـ ابو كريم (استشهد 1987). انسانا ممراحا، ممحب للنكتة، سريع البديهة، ويقدم ملاحظته الناقدة باسلوب ساخر، فيثير الابتسام من حوله،ويشيع جوا صداقيا ودودا وحميميا من حوله، مترع بالحبا دون ان يغيض احدا ما. هكذا التقيته شخصيا، لاول مرة في "كلي هصبة "( وادي الخيول) مقر أنصار الفوج الثالث صيف عام 1985، وعملنا لفترة معا، جنبا الى جنب في بعض المهمات الحزبية والانصارية . كان شديد الذكاء ولماحا ومحبا لرفاقه والناس والحياة.

 كتب النصير داود امين ـ ابو نهران ، في مجلة "الثقافة الجديدة" العدد  المزدوج 203 ـ 204 الصادر عام 1988 تحت عنوان " أبو كريم يعيش في قلوبنا" قائلا : (قبل التحاقي بالآنصار، ووصولي إلى كردستان، كنت أسمع عن "أبو كرّيم" فالآنصار القادمون من كردستان كانوا يتحدثون عنه بمتعة وإعجاب، يروون طرائفه ونكاته، ويتحدثون عن بطولاته وجرأته، عن إنضباطه الحزبي والواعي، وعن موقفه الآصيل من العمل، ومن المظاهر السلبية في الحياة الحزبية ). ولشد ما كره الشهيد ابو كريم البيرقراطية في العمل الحزبي، فوجه نيران سخريته لبعض الممارسات التي وجدها تعيق نشاط الحزب وتطوره، وتعيق مبادرات المناضلين المخلصين في العمل، فبعض"الكوادرالحزبية" التي يجدها تتحسس من طرح رأي ناقد وتشخصّن الملاحظات كان يسميها "الكوارث الحزبية". وأما مفارز الانصار التي يصدف وتضم كبارا في السن ومرضى كان يسميها "مفارز القناصة".كان له قاموسه الخاص ،ويلعب بالكلمات ويحورها، ويحملها معان أخرى تثير الابتسام. سماه النصير عمار علي" قارع اجراس الفرح" ــ طريق الشعب 4 أيار 2014 ـ وكتب عنه محاولا تفسير حبه للمرح : "يلتقط الاشياء النادرة، يحولها الى سخرية، ربما قسوة المكان تستدعي وجود قوة رفض الواقع العدائي الثقيل. قوة تكسير حجر القسوة. تهزم اليات الضجر والرتابة. كان يراوغ جنيات الطبيعة، يعاند موج العزلة الهائج. كان يستقبل القادمين الى جنة الوادي الموحش بالزغاريد والاغاني والحنين.". كان يمازح الجميع، اهل القرى والقادة المسؤولين من الاحزاب الاخرى، والاطفال، ورفاقه الانصار، ورفيقاته. لم يكن احد يسلم من لذع لسانه، ولم يكن احدا يسئ فهم مزاحه الذي لا يحمل اي ضغينة او تحامل. قال لي النصير مزهر بن مدلول ـ ابو هادي : (أذكر يوما، ممازحته لاحد الرفيقات، حين قال لها "حركاتك" اجمل من كل حركات التحرر الوطني في العالم !).  لم تزعل الرفيقة، لانها تفهم شخصية ابو كريم ولعبه باللغة والمصطلحات. الرفيق ابو نهران ، يروي عنه: (كان الحديث عن سلاح الستريلا، المضاد للطائرات يشغل جميع الآنصار طوال عامي 1981 و1982، فالكل يتحدث ان حزبنا يمتلك كميات من هذا السلاح، ولكن الصعوبة فقط في إدخاله الى كردستان! فهو سلاح ثقيل وحساس جداً عند النقل! وفي صيف 1982، وصلت مفرزة من الخارج، وكان بين أنصارها الرفيق "ابو عليوي" وهو رفيق بدين، وما ان شاهده ابو كريم حتى صاح: "يكولون ما نكدر ندخل ستريلا .... جا هذا الرفيق شلون دخل !؟ " ثم إقترب منه وقال له " كلي رفيق انت كم واحد، ياالله قدر يكسبك للحزب؟ أكيد لجنة كاملة فرغوها لكسبك !" وضحك الرفيق ابو عليوي مرتبكاً، فمن المؤكد أنه سمع عن ابو كرّيم !)

مثل ابو كريم، كان هناك العديد من الشيوعيين، والعديد منهم استشهدوا، لن اذكر اسماءا هنا حتى لا اظلم احدا اذا نسيته، فجميعهم كانوا يمنحون الحياة من حولهم رونقا خاصا بشخصياتهم المحبة لفرح، وينثرون المحبة والابتسامة بين الناس، مثلما ينثرون الامل بالحياة السعيدة والتمسك بالاخلاق الفاضلة والمباديء السامية. الشيوعيين عشاق الحياة، يمنحون حزبهم ومبادئهم زهرة شبابهم، لهم مواقفهم المشهودة في عدم الرضوخ والتنازل امام صعوبات الزمن وعسف الديكتاتوريات، وفي خضهم كل ذلك يمارسون حياتهم بكل مدياتها، وشهداؤهم يضحكون دائما ويحبون الحياة !

 

 طريق الشعب العدد 133 ليوم الخميس 19 شباط‏ 2015

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.