كـتـاب ألموقع

الإمام علي عبئا على الأجندة الإسرائيلية// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الإمام علي عبئا على الأجندة الإسرائيلية

صائب خليل

17 حزيران 2017

 

 لفت غيث التميمي الأنظار، وهو أحد خريجي سجن بوكا، والذي عرف بتواصله مع الناطق عن الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي، فانتفش لاحقا في الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وصار "رئيس مجلس إدارة لـ "المركز العراقي لإدارة التنوع"، حين بدأ على موقعه سلسلة منشورات مفاجئة تبدو وكأنها حملة منظمة للتشكيك بأهمية وقيمة الإمام علي، وعند الشيعة بالذات! فيكتب في إحداها: "منح ماركس خصائص تفكير مشتركة للماركسيين، وهكذا داروين الداروينية وفرويد وبياجيه وهيغل وديكارت وغيرهم من العظماء، ماذا اكتسب الشيعة من علي؟!"

 

 لكن هذه العبارة لم تكن الأشد، بل كانت محاولة لترقيع عبارة أخرى أكثر صلافة في صراحتها. فنجده يكتب: ((علي "عبأ" (يقصد “عِبء”) على الشيعة كلفهم قرون من الموت المجاني والغيبوبة الاجتماعية والسياسية والفقر الاقتصادي، ولم يمنحهم في قبالة ذلك ما يميزهم ثقافيا وحضاريا واخلاقيا!)).

 وبعد الضجة التي ثارت على هذه الوقاحة والبلاهة إن لم نقل قلة الأدب، حاول غيث التميمي ان يلوي كلامه ويرقعه وسنعود في نهاية المقالة لمناقشة هذه النقطة، لكن دعونا نحاول ان نفهم أولاً ما مشكلة غيث التميمي مع الإمام علي؟

 

 لاحظت قبل بضعة سنوات، "مثقف" كردي، لديه شهادة دكتوراه ويسمى من قبل البعض "مؤرخا"، اسمه د. مهدي كاكه يي، كتب في نفس الفترة التي قدم بها جو بايدن مشروعه لتقسيم العراق، مقالة تحت عنوان " مشروع مجلس الشيوخ الأمريكي حول تطبيق النظام الفيدرالي في العراق"(1)، هي عبارة عن دعوة للشيعة للانفصال عن العراق. وقد ناقشتها في مقالة لي(2) في حينها. يطرح د. مهدي كاكه يي في مقالته عن "الكيان العراقي" (مستنكفا ان يسميه "العراق")، نظرية أثنية مخصصة لتجزئة عربه، فيها مشكلة اساسية، هي الإمام علي!

 

 تقول "نظرية" كاكه يي أن "العروبيون والإسلامويون السُنة" (كما يسميهم) "كانوا قبائل بدوية بدائية ... ينهبون بعضهم البعض من أجل البقاء." لكننا نعلم أن النهب كان قبل الإسلام، أي أن كاكه يي يعتقد كما يبدو أن "السنة" وجدوا قبل الإسلام! لكن هذا ليس غريباً، فمهمة نظرية كاكه يي أن تحقق هدفها، وهو اثبات ان الشيعة و "العرب السنة" شعبان مختلفان، ولا يسهل تمرير هذا الـ .. دون بهلوانيات كبيرة.

 إنه يقول:" هنا يجب إفهام الطائفيين القذرين بأن الشيعة ليسوا بطائفة، وإنما هم “شعب” عريق في المنطقة، له مميزاته وخصائصه وهويته الخاصة.!" ويكمل: "لو نتحدث عن الأصول التاريخية للشيعة، نرى بأنهم ليسوا من أصول سامية أو عربية وإنما ينحدرون من الأقوام الآرية"!

 

 ويقصد كاكه يي هنا امتداح الشيعة والتودد إليهم، بالقول بأنهم من ذات العنصر “النبيل” الذي يضم الأكراد، مفترضاً انهم سيرقصون طرباً مثله ان يكونوا من ذات العنصر الذي ينتمي إليه هتلر والذي تأسست النازية على أفكاره العرقية!

 

 نحن نعلم تماما أن النبي محمد (وآل بيته بالتالي) كان من أولئك الذين يسميهم كاكه يي "قبائل الصحراء البدائية" والتي أسهب في وصف وحشيتها وهمجيتها المغروسة في جيناتها بشكل لا خلاص منه، مقابل "الشعب الشيعي المجيد" الذي ينتمي للآريين. لكن المشكلة هي: أين يضع كاكه يي الإمام علي؟ إن كان علياً ابن عم النبي، فهو من “الغزاة المتخلفين المتوحشين اجلاف الصحراء”، وهذا غير مناسب للتملق للجهة التي يريد اغراءها! لكن إن قال إن علياً من الشعب الآري، فهو لا ينتمي إلى الرسول، وليس من آل البيت!

 الدكتور كاكه يي فضل ان يتركنا بلا تفسير، واستمر في خطته لتقسيم "الكيان العراقي" إلى "جمهورية عمر" ، "جمهورية كردستان" و"جمهورية آل البيت"! ونلاحظ انه اختار لجمهورية السنة اسماً مكروها لدى الشيعة لينفرهم منه، لكن الغريب أن يعطي اسم "آل البيت"، لمن يسميه الشعب الآري العظيم، الذي لا علاقة له بشعب محمد “المتخلف” ولا "آل بيته" حسب نظريته! هكذا كان الإمام علي “عبئاً” على نظرية كاكه يي وهلوساته..

 

 وكان الإمام علي "عبأ" ايضاً على عميل الموساد المصري الشيخ حسن شحاته أيضاً، والذي يبدو انهم قتلوه ليصنعوا منه شهيداً كما بينت في مقالة لي(3). وكان هذا "الشيخ" من اشد وأبشع السبابين بالصحابة واستمر بالتعبئة ضدهم عشرة سنوات، قبل مقتله. وكان الإمام علي "عبئاً" أيضا على هذا الشيخ المزيف إلى درجة أنه لم يجد تفسيراً طائفياً يناسب مهمته حين أتى الحديث عن علي، سوى ان يصرخ "على فكرة، علي اللي معدود عندهم مش علي بتاعنا. دا بتاعهم همه!"

 إنه يضطر ان يجعل من نفسه مهرجاً، فيخلق علياً وهمياً يستعين به، فقد كان علي الأصلي "عبئا" عليه وعلى خطابه الطائفي البشع.

 

 ونحن نعلم أن كبار علماء الشيعة مثل السيد محمد حسين فضل الله وأحمد الوائلي استندوا إلى صفات الإمام علي بالشجاعة والنخوة لكشف تهافت قصة ضلع الزهرة، التي هي أحد أعمدة إثارة الطائفية بين الشيعة والسنة. فكان علياً "عبء" على هؤلاء أيضاً. وكان عبئاً على دعاة الفتنة ايضاً حين اعطى مثالا بتنازله عن حق الخلافة درءاً للفتنة بالتحديد.

 

 هكذا نرى أن أعداء الإسلام والعراق والعرب، كلهم، أينما التفتوا، يجدون في الإمام علي، "عبئا" بوجه مشاريعهم. فلا غرابة ان يطلقوا على لسان أحد ابواقهم اليوم سلاسل إعلامية بحلقات أملاً بتخفيف ذلك "العبء" الذي يجعل تنفيذهم لأجنداتهم، أمرا صعباً للغاية، بل مستحيلا.

 

 لقد كذب هذا الصفيق حين توالت الصفعات عليه فحاول ان يبرر فعلته، وادعى أنه قصد أن الشيعة "لم يستفيدوا من قيمه" فبقوا بعده كما كانوا قبله. لكن بقية نصه تفضح كذبه. فهو يقول إن علياً "كلف الشيعة قرون من الموت المجاني"، أي ان اتّباعهم له تسبب لهم بالموت "المجاني" كما يسميه. وهي نفس تعابير ابواق اميركا في تسفيه التضحية من أجل الكرامة والمبدأ أو الوطن أو المقدسات. وهو يكرر ثغاء الدواعش الإعلاميين الذين يحاولون أن يساندوا أخوتهم دواعش السلاح، بان يقنعوا ابطال الحشد أن لا مبرر لتضحياتهم. ولا شك أن خطوتهم التالية أن يدعوا أن استشهاد الحسين كان "موتاً مجانيا" أيضاً!

 

 يضيف غيث التميمي إن عليا تسبب ايضاً للشيعة بـ "الغيبوبة الاجتماعية والسياسية والفقر الاقتصادي" وهو يكشف أنه يقف بالضد تماما من مبادئ الإمام علي الذي يوصي بتحمل الفقر والغربة من اجل الحق بدعوته الشهيرة لنا أن "لا نستوحش طريقه لقلة سالكيه".

 أما قوله الأخير أنه "لم يمنحهم في قبالة ذلك ما يميزهم ثقافيا وحضاريا واخلاقيا!" فهو السخف بعينه. فلا يمكن إلا لمخبول أن يتصور أن تراكم ألف واربعمئة عام من التعاطف مع مقولات أخلاقية وفلسفية من أرقى ما كتب، لا تؤثر في تصرفات وخيارات وثقافة من يقرأها، خاصة إن كان القارئ يحترم ويقدس من قالها ويفخر به.

 

 لقد اعجبت ودهشت حين قرأت للإمام علي قبل بضعة سنوات، انه منع أصحابه ان يسيروا معه وهو راكب لأن ذلك مفسدة للراكب ومذلة للسائر! واقشعر بدني حين قرأت اليوم قولا له وهو يحتضر ولا يفكر إلا بمستقبل قومه، فيهتف: "يا بني عبد المطلب لا ألفِينَّكم تخوضون دماءَ المسلمين، تقولون قُتِل أميرُ المؤمنين، لا تقتلنَّ بي الّا قاتلي"! فكيف لا تؤثر هذه المقولات في ثقافة من يقرأها وأخلاقه؟

 

 إذن فقد كان علي عبئاً على أصحاب الأجندات المشبوهة وليس على الشيعة ولهذا السبب بالذات يجهد غيث التميمي وأمثاله فيما يفعلون. لكن غيث محق في نقطة واحدة. وهي ان هناك دائما أولئك الفاشلين ثقافيا وأخلاقياً، في كل الفئات والطوائف، حتى فيمن يدعون إتّباع الإمام علي. ولا تنفع مع هؤلاء أية مقولات أو أمثلة لتعديل طباعهم أو اخلاقهم، وغيث التميمي ذاته، خير تجسيد لهؤلاء!

 

 لكن السؤال المهم هو: هل نجح هؤلاء بخطتهم؟ يجب ان لا نستعجل النفي. صحيح أن هذا التابع لم يحصل إلا على المهانة والتوبيخ، لكنه تمكن من عبور "خط أحمر" بالكلام المسيء إلى الإمام علي واستمراره على العمل، تماما مثلما فعل زميله مثال الآلوسي حين كان اول من يتجرأ على زيارة إسرائيل علنا من الساسة العراقيين العرب. إن نجاح أو فشل هذه الخطة يعتمد على رد فعلنا عليها، فإن كان رد الفعل قوياً كانت فاشلة، وإن ابتلع العراقيون ذلك بصمت، كانت ناجحة بالتأكيد.

 

 دعونا لا نسكت إذن، ولنلقن هؤلاء السفلة درساً، بأن نكتب ونشارك مقولات للإمام علي، وبخاصة تلك التي تحث على الكرامة والتكاتف الإسلامي والدفاع عن الوطن والشرف، وكل ما يزعج أعداء هذا البلد وهذا الشعب، ونجعلهم يندمون على تحريكهم للدمى الغبية التي يمتلكونها نحو أهدافهم الخبيثة. إن وجد هؤلاء علياً عبئا عليهم فلنثقل عليهم به أكثر، بالمزيد من القرب من الإمام علي، والتلاصق بأفكاره واخلاقه وقيمه.

 

(1) مهدي كاكه يي:"مشروع مجلس الشيوخ الأمريكي حول تطبيق النظام الفيدرالي في العراق"

http://www.gilgamish.org/printarticle.php?id=4299

(2) صائب خليل: أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم:2 -"الشعب الشيعي المجيد" و"السنّة القذرين"!

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/22krd2.htm

(3) الشيخ حسن شحاته، شهيد إسلامي أم مكلف بتمزيق الإسلام؟

 

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/544168228973584