اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ما هو الحزب؟ أداة للفساد أم سلاح المواطن ليحكم لبلاده؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

ما هو الحزب؟ أداة للفساد أم سلاح المواطن ليحكم لبلاده؟

صائب خليل

11 تموز 2020

 

يأمل المواطن في النظام الديمقراطي، من خلال صوته، أن يكون له تأثير في توجيه مسيرة بلاده، فيعطيه للمرشح الذي يعد بأن يسير بالبلاد في ذلك الاتجاه. ولأن المرشح المفرد (المستقل) أضعف من ان يؤثر في المسيرة بشكل ملحوظ، يتجمع المرشحون المتشابهو الأهداف في تجمعات تسمى "الأحزاب"، تعلن برنامجا يبين لناخبي الحزب أين ستذهب أصواتهم وبأي اتجاه ستدفع البلاد. فإذا فاز حزب بالأصوات الأعلى، شكل الحكومة واختار الوزراء من بين أعضائه (ومن أحزاب قريبة من توجهه) وسار بالبلاد كما وعد برنامجه.

 

هذا هو الشكل المثالي، وربما انتبهت الى ذلك عزيزي القارئ، قبل ان اخبرك، وربما صرخ في داخلك اعتراض يقول: وما قيمة المثالية في الواقع؟ لماذا لا تتكلم لنا عن الواقع الفعلي الذي تتقاسم فيه الأحزاب المنافع بالمحاصصة ويسيطر الفساد والرشاوي على البلاد، وتباع المناصب بالمزاد؟

ببساطة: لأن معرفة الشكل المثالي أهم لفهم الحاضر وتخطيط المستقبل، من كل اشكال الواقع!

لماذا؟ لأن الشكل المثالي هو البوصلة التي يجب أن تتجه اليها الحالات الواقعية المشوهة. لأن الشكل المثالي هو المقياس الذي تقاس جودة الواقع. لأنه المؤشر الذي يقول لنا ما الذي ينقص واقعنا بالضبط لكي يتحسن.

 

الرسام يتعلم ان طول جسم الانسان المثالي يساوي 7 أمثال طول الرأس. ورغم انه من النادر ان تجد انساناً "مثالي" الطول، فلن تجد رساماً يحتج على تعليمه ما هو "مثالي"، ولا يقول ماذا افعل بقياس لا يشبه أحدا في الواقع. فهذه المعلومة تبقى مهمة جداً لتنبه الرسام ان الرجل الذي رسمه قصير أو طويل، ثم له ان يقرر إن كان هذا ما يريده، ام هو سوء تقدير منه.

 

نفس الامر ينطبق على النظام السياسي. ويمكن للشكل المثالي ان يساعدنا كثيراً على فحص النظام السياسي العراقي الفعلي لنعرف اين ابتعدنا عن المثالي وكم ابتعدنا في كل نقطة وبأي اتجاه.  وغياب الشكل المثالي ادى الى موقف خاطئ في موقف الناس من الحزب، فاعتبروه رمزاً للفساد بدلاً من ان يكون مؤشراً لتطور الوعي السياسي في البلاد، وأداة المواطن الحاكم لإمساك السلطة في بلاده

 

وقد ساءت سمعة مفهوم الحزب حتى صار من الأشياء التي يفاخر بها السياسي العراقي هو قوله أنه "مستقل" غير مرتبط بحزب. فالفساد صار في مفهوم الناس، جزءاً من الهيكل او التنظيم المسمى حزب، والحزب فاسد بالضرورة كنظام وليس كحالات خاصة، والحزبيون لم يتجمعوا من أجل تحقيق هدف سياسي، بل سجلوا في احزابهم لكي يتقاسموا المناصب وينهبون الوزارات بحماية الحزب.

 

الحزب الصحيح هو أداة المواطن لإيصال صوته وتحويله الى ضغط لتوجيه الوطن بالاتجاه الذي يرتئيه. وهذه هي وظيفة الأحزاب في كل العالم، ولا يبدو أن هناك أي طريق اخر لتحويل رأي المواطن إلى ضغط لتوجيه سياسة البلاد. فبدون التنظيم لا توجد طريقة للضغط، وأي تنظيم سياسي للأفراد هو "حزب" بمعنى ما.

كيف تحولت هذه الأداة العظيمة الى شيء يشمئز منه العراقيون؟

 

من المفهوم أن أحزاب العراق عموما، أحزاب فاسدة وجاهلة، لكن هذا لا يعني ان مفهوم الحزب ذاته فاسد، وأنه يجب تجنب تشكيل الأحزاب. كما ان القياس على شدة انتشار الفساد بين الأحزاب في العراق، ليس قياساً سليماً لقدرة هذا الهيكل السياسي على مقاومة الفساد، لان العراق بيئة موبوءة باحتلال يهدف الى تدميره قصدا. وبالتالي تعرضت أحزاب العراق الى إفساد متعمد وتصفية لإبعاد الشرفاء، بالقتل والإقالة وتزوير الأصوات والتهديد وغيرها. إن الحكم على مفهوم الأحزاب من خلال قياس الأحزاب العراقية اشبه بالحكم على الإنسان بقياس نزلاء مصحة عقلية، لا يسمح ان يبقى فيها أصلا غير المرضى.

 

كيف انتقلت السمعة السيئة اذن من احزابنا إلى مفهوم الحزب ذاته؟ الخلل هو في الجهل السياسي المخيف الذي يسيطر على البلاد. كذلك فهناك جو مقيت من عدم  الإحساس بالمسؤولية واستسهال مسايرة الخطأ، ممن يعرفون الصحيح.

 

والغريب ان الأحزاب نفسها لم تحاول ابداً ان تدافع عن نفسها أو نظامها بوجه هذه السمعة السيئة، ولا  ان تصلح فسادها وتقدم نفسها بصورة جديدة للمواطن، بل انكمشت على نفسها في موقف دفاعي غريب. فاستسلمت لصورة الحزبي الفاسد، والمستقل الشريف، كأنها حقيقة لا يمكن عمل شيء بشأنها. ودخل الخلل القائل ان استقلال السياسي شرط لنزاهته إلى المجتمع وكأنه حقيقة ثابتة ومنطلق تنطلق منه التقييمات. فالكتلة التي تحتوي اكبر عدد من المستقلين هي الأفضل، والوزير المستقل هو المعتمد عليه، والنظام الانتخابي الذي يعطي فرصة اكبر للمستقلين هو النظام الصحيح والعادل، وبغض النظر عن أي شيء آخر. ووصل الأمر أن يكون من شروط المرشح الأساسية أن يكون "مستقلاً"، ودخل هذا الشرط ليس في خطابات الدعاية والتظاهرات فقط، بل كان على رأس قائمة شروط المرجعيات الدينية في توصياتها. وصارت التنظيمات السياسية تسمي نفسها بأسماء مختلفة مثل "تيار" و "تجمع" او "كتلة"، لمجرد تجنب الكلمة سيئة الصيت: "الحزب"!

 

اتخيل ان الأجيال القادمة ستضحك منا كثيراً عندما تقرأ هذه الأسطر يوما.. او ربما تبكي كثيرا.. أو ربما لا تعرف القراءة أو حتى لا تكون موجودة! نعم الخلل هائل، فالكثير من المفاهيم مقلوبة، فنحن نكره الكثير مما يجب ان نحب، ونحب ما يجب ان نكره ونحترم ما يتوجب احتقاره ونحتقر ما يستحق الاحترام، الشعب والبلد في كف عفريت!

 

لكي نعيد تقييم الأشياء دعونا نلقي نظرة على هذا النظام المسمى: الحزب، وكيف يتعامل العالم معه وما هو تاريخه.

 

تاريخ نشوء الأحزاب قديم، وإن كان تحت أسماء مختلفة. فقد أشار افلاطون في كتابه "الجمهورية"، قبل اكثر من الفي عام، إلى "المجاميع" التي تتكون من افراد ذوي مصالح مشتركة. كذلك ناقش ارسطو في "السياسة"، ميل مختلف أنواع الحكم، إلى فرز “مجاميع” متميزة.

 

من ناحية أخرى، بدأت الديمقراطية بما يسمى "الديمقراطية المباشرة" حيث يصوت الناس مباشرة على القرارات السياسية وانتخاب الرؤساء و الشخصيات المهمة، حين كان عدد الناخبين محدوداً بسكان مدينة. لكن بعد زيادة السكان اصبح ذلك مستحيلا، فظهرت الديمقراطية النيابية، حيث ينتخب الناخبون ممثلين عنهم يقومون بالتصويت على القرارات، كما هو الحال في العالم اليوم.

وتطورت أنظمة الانتخابات النيابية من شكلها البدائي المقسم الى مناطق صغيرة ينتخب في كل منها نائب واحد في الغالب (النظام الفردي الذي سيستعمل في العراق مستقبلا)، حتى النظام الانتخابي النسبي الذي يوزع المقاعد بأفضل شكل على اصوات الناخبين (وهو النظام السابق الذي تخلى عنه العراق لصالح الفردي أعلاه، أي انه سار الى الوراء من افضل نظام الى اكثرها بدائية!).

 

ومع تغير الديمقراطية، تغير شكل الأحزاب كثيراً. ونشأت الأحزاب بمفهومها الحديث في الفترة الفاصلة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، في أوروبا ثم في الولايات المتحدة، وتميزت "الأحزاب" عن "المجاميع" السابقة بامتلاكها أهدافا سياسية محددة وشعارات وأسماء مناسبة.

 

للأحزاب السياسية أهمية مركزية في عمل النظام الديمقراطي. فهي التي "تنظم المنافسة السياسية" و تخلق القرار السياسي. وللأهمية الكبيرة للأحزاب في توجيه سياسة البلدان، فأن علماء السياسة والاجتماع قد بذلوا جهوداً كبيرة، وبشكل خاص، منذ أوائل القرن الماضي، لفهم الطريقة التي تنشأ بها الأحزاب، وكيف تدام، وكذلك المصالح التي تخدمها تلك الأحزاب والوظيفة التي تقوم بها. وكانت نتيجة ذلك نظريات مختلفة أعطت أجوبة مختلفة على هذه الأسئلة، وبالتالي انتجت "توقعات" مختلفة لحركة وتصرف الحزب في مختلف الظروف.  ويعتبر الانتقال من "التجمعات السياسية" الى الأحزاب قفزة كبيرة في تطور السياسة، ويعتبر حزب المحافظين البريطاني أقدم الأحزاب التي مازالت على قيد الحياة.

 

هناك نظريات مختلفة لتفسير ظهور الأحزاب وعملها ولوضع النماذج لوصفها. ووفق نظرية منها، الحزب هو : "تحالف لمجموعة تطالب بقوة بتطبيق سياسة ما"، و تقوم هذه المجموعة من خلال انتخاب قيادات الحزب، بإيصال المخلصين لأهداف المجموعة إلى مركز يمكنهم فيه ان يدعموا السياسة المطلوبة.

ويسعى أعضاء الحزب، من أجل ترويج مبادئهم وتثبيت مسيرة البلاد باتجاهها، ليس فقط الحصول على منصب الرئيس (في أنظمة الحكم الرئاسية) أو رئيس الحكومة (في النيابية) وانما اكبر سلطة ممكنة يتيحها النظام على المؤسسات الأخرى مثل مجلس النواب ولجانه والمحاكم العليا ومجالس إدارة المحافظات والمدن وكل ما له تأثير على اتجاه البلاد.

 

تجمع السياسيين في تنظيم حزبي يزيد كفاءتهم في كتابة وتمرير القوانين ويقلل كلفة العمل، وكذلك يزيد من قابلية السلطة التشريعية على محاسبة السلطة التنفيذية، وان يمثل برنامجا مستقراً ويكون اكثر قدرة على تسجيل تاريخ له أمام ناخبيه، يمكنه ان يركن اليه لكسب مصداقيته.

 

وهكذا كما نرى، فالحزب ليس "عصابة" لنهب البلاد وتمكين الفساد من الصمود بوجه القانون، كما هو شائع عندنا. إنه بالأساس اختراع ثمين من اختراعات الإنسان ليمارس كمواطن، سلطته على بلاده، وللتغلب على مشكلة التشتت الذي يعاني منها هذا الكائن الذي اسمه الشعب، وتجزئه إلى ملايين المواطنين التي تحتاج الى طريقة ما لتوحيد موقفها. وبالتالي فأن التخلي عن هذا الاختراع يفقد الشعب أهم ادواته في معركته على السلطة في بلاده، ويترك الميدان خالياً امام الجانب الآخر، سواء كان هذا الآخر، دكتاتوراً او محتلا.

 

لذلك كله، لا نستبعد ان يكون التشويش في مفهوم الحزب ونشره، عملا مقصوداً تم تسريبه الى الرأي العام من قبل جهات تريد شل المواطن عن التأثير، وتأمين السيطرة على البلاد

وإن كان الأمر كذلك، فالمهمة الأولى للمواطن الذي يصر أن يحكم بلاده بنفسه، هي إيقاف الخلل في مفهوم "الحزب"، واستعادة هذا السلاح بالسعي لتكوين حزب او أحزاب تمثله تكون خالية من الفساد قدر الإمكان وتخضع لمراقبة الشعب وتصحيحه لأي خلل في مسيرة الحزب، وإلا فليس للمواطن فرصة امام منافسيه على السلطة في بلاده وثرواتها، والانتقال من صورة “المواطن المحكوم” إلى “المواطن الحاكم”!

 

في المقالة التالية سنتحدث عن الخلل الشديد الشائع في مفهوم المناصب في الدولة، وكيف يتوجب على "المواطن الحاكم" ان يتعامل معها.

 

تلغرام  https://t.me/saieb_khalil

تويتر https://twitter.com/saiebkhalil

فيسبوك www.facebook.com/saiebkhalil

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.