اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مقاتل العراقيين // د. مهند البياتي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

مقاتل العراقيين

د. مهند البياتي

ـ اكاديمي

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

شهدت ارض وادي الرافدين قيام اولى الحضارات الانسانيه، فلقد عرف شعبها كيفيه زراعه القمح والشعير ومنهم انتقلت هذه الزراعه للعالم، وكانوا اول من دجن الحيوانات. وبسبب خصوبه ارضها ووفره مياهها، استقرت فيها المجاميع البشريه، التي قامت بانشاء وتعمير المدن وتطويرها، وسنوا القوانين التي تنظم حياتهم. ومن هنا انطلقت اولى الحضارات التيطورت الصناعه وعلوم  الري والفلك وغيرها ونشرت الكتابه والاداب، واقامت الدوله المركزيه القويه. لكن وبسبب انفتاحها على الاتجاهات الاربع وسهوله الوصول اليها وكثره خيراتها وخصوبه ارضها وانتشار مراعيها، اغرت الاقوام البشريه المختلفه وعلى مر العصور على المرور بها او الاستقرار فيها كلما كانت الدوله المركزيه او مدنها قويه. وسهلت غزوها واستعمارها عند ضعف دولها ومدنها وقوة مهاجميها وما قد يصاحب ذلك من هيمنه خارجيه واستعمار وظلم يحيق بابناء الرافدين. وكان سكان هذه الارض يثورون على حكامهم كلما ازداد جبروت الحكام وظلمهم، ثم يستكينون لفتره قد تطول وقد تقصر.

 وعُرِف سكان جنوب وادي الرافدين او ما اصبح يعرف بالعراق بعد الفتح الاسلامي بطباعه الحاده وازدواجيه اخلاقه وكثره ثوراته. وفي عصرنا الحديث وبعد التحرر من الهيمنه العثمانيه وتشكيل الدوله الحديثه واكتشاف الثروه النفطيه، آمل الكثير من ابنائها ان يتنعموا بثرواتهم وتستقر امورهم، وخاصه بعد التقدم في مجالات الخدمات التعليميه والصحيه وتوفير فرص العمل لكثير من ابنائها، ولكن ومن منصف خمسينات القرن الماضي، دخل العراق في دوامه الثورات والانقلابات والاحتراب الداخلي والخارجي، وهيمنه الحرب البارده على سياساته الداخليه والخارجيه، وسيطره العقليه العسكريه والديكتاتوريه على الحكم وعلى مجريات الامور، مما ساعد على الاستنجاد بالاجنبي، وكان الناس يأملون اخيرا باستقرار البلاد ونسيان عقود الاضطهاد والحروب والحصار والمجاعات والطغيان، ولكن ظهرت طبقه من الساسه استغلت التنوع الطائفي والعرقي والمذهبي والعشائري لهذا البلد، بل اصبحت تتغذى عليها وتنميها، لتتمكن من الهيمنه على مقدرات العراق، ونهب ثرواته وخراب مجتمعه وفساد ادارته. واصبح لدينا مجاميع من الساسه تدنى مستواهم الفكري والحضاري الى حد العراك بالايادي بسبب تصريحات جوفاء يقابلها تبريرات فجه وكانما خلا العراق من الساسه ولم يبقى الا اناس بهذه الدرجه من الخواء الفكري.

وعندما استرجع حالنا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وحتى العقود التي سبقتها والتي سمعنا وقرأنا عنها، اتسأل دوما لماذا وصلنا لهذا المستوى من خراب المجتمع، وهل نحن نفس ذلك الشعب الذي تحول من كيان ضعيف خارج من التبعيه العثمانيه، الى بلد به مقومات عديده كان من المفترض ان يتحول الى سويسرا الشرق الاوسط كما كانوا يأملون في خمسينيات القرن الماضي. لقد كنا شعبا نتقبل الاخر على الرغم من اختلافاتنا القوميه والمذهبيه والدينيه. اصبحنا مكونات يطلق عليها تسميات مذهبيه وعرقيه ودينيه، يتحكم فيها ساسه وقسم من رجالات الدين الذين يغذون هذا التوجه ويعلنون انفسهم حماة لهذه المكونات وكانما تحولت الاختلافات الفكريه والعقليه والسياسيه بين الناس اختلافات مذهبيه وعرقيه ودينيه. وقامت مجاميع من هذه المكونات تقتتل فيما بينها بسبب من اختلاف المذهب او الاسم، والقيام بزرع الخوف والترهيب بين مكونات هذا الشعب المسالم، وكذلك القيام بالتصفيه الدينيه والمذهبيه والعرقيه وحتى التطهير العرقي في كثير من مدن العراق وريفها المختلط. ويبدو ان حمام الدم الذي ابتدأ منذ عشر سنوات وحصد مئات الالاف من الضحايا لا يريد التوقف، فكانما لا نريد ان نتعض ونتعلم من مآسينا ونحاول ايقاف هذا النزف الحاد.

لقد تعلمت اوربا هذا الدرس القاسي بعد حربين عالميتين، ودفع العالم ثمنا غاليا لذلك. فلقد قتل ما بين 60 الى 80 مليون شخص اثناءها عدا الضحايا بسبب الامراض والمجاعات المتعلقه بها، وهذا كان يمثل اكثر من اثنين ونصف  بالمائه من سكان العالم حينئذ، وكان الضحايا العسكريين يقدرون ما بين 22 و25 مليون، وحتى في العراق كان عدد الضحايا حوالي 500 شخص وهذا يشمل ضحايا الاحتلال البريطاني وحركه رشيد عالي الكيلاني عام 1941. وكان ضحايا الحرب العالميه الاولى اكثر من 35 مليون شخص، منهم 10 مليون عسكري و7 مليون مدني وتوفي 2 مليون بسبب الامراض وفقدان اكثر من 6 مليون شخص. وكان مجمل ضحايا الدوله العثمانيه والتي كان العراق جزء منها بحدود 3 مليون شخص بين عسكري ومدني ولم تكن هنالك احصائيات جيده وكافيه للبلدان التي كانت تحت مظله الدوله العثمانيه. وبسبب هذه الضحايا حاولت اوربا تفادي الحروب فيما بينها على الرغم من اشتداد الحرب البارده بين المعسكرين الغربي والشرقي، بل واتجهت نحو الوحده الاوربيه على الرغم من الاختلافات الكبيره فيما بينها، ولكننا في دول العالم الثالث لم نتعلم الدرس لحد الان ولا تزال الدماء تنزف بين فتره واخرى.

اما في العراق فعلى الرغم من الحرب العبثيه بين العراق وايران والتي تعتبر ثاني اطول حرب في القرن العشرين بعد الحرب اليابانيه الصينيه، كان مجمل الضحايا ما بين الطرفيين يتراوح بين مليون ومليون ونصف قتيل، وضحايا احتلال الكويت والانتفاضه الشعبانيه بحدود 100 الف، اضافه الى ضحايا الانتفاضه الكرديه والتي بدأت منذ عام 1931 بقياده الشيخ احمد البرزاني والتي استمرت لاكثر من سبعه عقود، وذهب  فيها الكثير من ابناء الشعب الكردي واعداد غفيره من الجيش العراقي، وكان منهم ضحايا حلبجه ما بين ثلاثه الاف الى خمسه الاف ضحيه وضحايا الانفال ما بين 50 الى 100 الف ضحيه. ولا ننسى ضحايا ثوره العشرين واحداث الموصل وكركوك عام 1959، وما جرى عام 1963 والانتفاضات التي قام بها الاشوريون وغيرهم. أما بعد احتلال 2003 فلقد دخل العراق في مرحله اختلال امن لداخلي، وصراع طائفي مفتعل. واصبح معضم الضحايا من المدنيين الامنيين، اضافه الى منتسبيي الجيش والامن الداخلي، وجل هؤلاء الضحايا وقعوا بسبب السيارات المفخخه والانتحاريين والمتفجرات بانواعها اضافه للكواتم، مع وجود عدد ملحوظ من ضحايا الاحتراب الداخلي والتطهير الطائفي والاثني.

 وبالرغم من كثره ضحايانا لم تقم ايه جهة حكوميه او مدنيه او سياسيه، برد الاعتبار لهذه الدماء الزكيه التي اريقت على ارض العراق، ولتذكيرنا بهم علنا نتعض ونخفف من غلوائنا. في كثير من مدن اوربا وامريكا وكندا واليابان واستراليا نرى نصب عديده مشيده لتخليد ضحايا الحربيين العالميتيين وحروب اخرى‘ يذكر فيها اسماء ابنائهم الذين ذهبوا ضحايا هذه الحروب كي لا تُنسى تضحياتهم، ونحن في العراق لم نهتم بضحايانا، ولكن ومع شديد الاسف قامت مؤسسه بريطانيه-امريكيه بعمل موقع الكتروني على الشبكه العنكبوتيه سمته (ضحايا حرب العراق) وعرًفته بانه (عبارة عن مشروع مستمر للأمن الإنساني يقوم بحفظ وتحديث أكبرقاعدة بيانات عالمية عامة للقتلى المدنيين جراء العنف خلال ومنذ غزو عام 2003. ويشمل الإحصاء الوفيات من غير المسلحين الذين قتلوا جراء أعمال عسكرية أو شبه عسكرية وإنهيار الأمن المدني الذي تلا الغزو)، وذلك لاحساس القائمين بالمشروع بالخطأ الجسيم الذي ارتكب بحق العراقيين من قبل دولهم.

www. iraqbodycount.org 

إننا في العراق احوج ما نكون لندوٍن اسماء قتلانا جميعا ومن دون استثناء احد، مَن قُتِل في حروب ومعارك العراق الخارجيه والداخليه، ومَن قتل داخل السجون والزنازين ومِن التعذيب والمعدوميين لاسباب سياسيه او دينيه او فكريه او لاختلاف في الرأي، ومن قتل بسبب المتفجرات والمفخخات والحوادث القتاليه، ولمن كان ضد النظام الحاكم او معه، وللعسكريين والمدنيين وافراد القوى الامنيه، وحتى لغير العراقيين الذين قتلوا للاسباب اعلاه في داخل العراق.

 اقترح ان تقوم مؤسساتنا بالمبادره بجمع المعلومات اللازمه لهذا المشروع الكبير وعمل قاعده بيانات يذكر فيها اسم القتيل وتاريخ مولده ومقتله باليوم والشهر والسنه ان امكن، ومكان الحادث، وحالته الاسريه، واسم والدته ان امكن لمنع تشابه الاسماء ،وان تقوم بهذه المهمه بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات البحثيه بالجامعات العراقيه, اضافه لسجلات الجيش والداخليه وقوى الامن ومؤسسه الشهداء وبقيه مؤسسات الدوله، واقترح ان يبدأ التدوين منذ بدايه القرن الماضي، اي من عام 1900 ولحد الان ويترك مفتوحا للمستقبل، ثم نقوم بعدئذ بوضع نصب في معضم مدننا لنتذكر قتلانا، وحتى يشعر معضم العراقيين بالثمن الباهظ الذي دفعوه من دماء ابنائهم، عله يُرجع للبعض منا عقله الذي فقده في حمى هذا الصراع، ويبدأ بالايمان بان هذه الارض تسع الجميع، وان خيراتها يمكن ان تعم على الكل من  دون اقصاء او تهميش، وللخروج من دائره النقاشات التي قد تحصل حول وضع القتيل، هل هو شهيد ام قاتل ام ضحيه ولنجعلها قتيل كما قالها ابو الفرج الاصفهاني.

وليتذكر الجميع ان ابو الفرج علي بن الحسين (المرواني الاموي القريشي) الاصفهاني قام قبل اكثر من الف ومائه عام بكتابه (مقاتل الطالبيين)، وذكر فيه انه( دوًن عن كل قتيل حرب او صريع سم في السلم او مهلكه في السجن أم في مهربه اثناء تواريه عن السلطان)، ولمن لا يعلم فإن ابو الفرج كان امويا شيعي الهوى ، وشيعيا امويا يعطف على الدوله الامويه في الاندلس.

 

مهند البياتي

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.