اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الشريعة ومستجدات الأعراف والعلوم// عادل نعمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل نعمان

 

عرض صفحة الكاتب 

الشريعة ومستجدات الأعراف والعلوم

عادل نعمان

كاتب واعلامي مصري

 

ومازلت عند رأيى: إن الشريعة الإسلامية، فى أغلبها الأعم، تقع فى نطاق وحيز تفسير المفسرين وشرح الشراح وآراء الفقهاء، وليست كما يظن البعض تعتمد فى مجملها على ما جاء فى القرآن والأحاديث الصحيحة، وإذا كان المفسرون والشراح قد استجابوا للظروف والأحداث والمواقف والعلوم المحيطة بالتفسير والتأويل فى حينه قدر المتاح، فإن الأحفاد فى عصرنا الحالى قد وقفوا عند ما وقف عليه الأوائل ولم يتجاوزوه، وصموا آذانهم عما تفرضه العلوم الإنسانية والقوانين الدولية ومستجدات الأعراف والعادات، فمنهم من يرى أن الجهاد ضد الغير واجب مقدس، والتسرى بنساء الأعداء حق، وبيع الأسرى مصدر شريف من مصادر الدخل، ومنهم من يرى أن الحمل يصل إلى أربع سنوات فى حالة غياب الزوج، والزواج بالصغيرة أمر شرعى، ورضاعة الكبير تحرم الزواج، وكذلك أحكام المواريث والطلاق وتعدد الزيجات، وهو فى هذا لا يرى ولا يسمع ولا يستجيب للظرف التاريخى.

 

وتفسير المفسرين وشرح الشراح يجب أن يكون متوافقا، على قدر كبير، مع المتاح من العلوم، ومتجاوبا مع المواقف والظروف والأحداث فى حينها، ومن ثم التأويل أيضا، والتحرى فى النصوص على ما هو حريص على مصالح العباد، ويساير المواقف والأحداث والظروف قدر الطاقة، وألا يكون التفسير أو التأويل حبيس العلوم الدينية فقط، ويتجاهل كل العلوم الأخرى، ولو أحاط الفقهاء مثلا بعلم الاقتصاد إحاطة شاملة، وكانوا على فهم صحيح للقواعد التى تحكم «الإقراض» و«التمويل» مثلا، وأدركوا الفارق الكبير بين الإقراض قديما وشبهة استغلال الدائن للمدين حتى يصل إلى استرقاقه واستعباده حين يعجز عن السداد، ووصف هذا الإقراض «بالربا»، وبين ما يحققه الآن لأصحاب الدخول البسيطة والمتوسطة من القروض البنكية لإقامة مشروعات صغيرة، أو شراء مسكن للزوجية وتربية الأطفال، أو سيارة للعمل تساعدهم على أعباء الحياة، وكذلك لأصحاب الأعمال الكبيرة لإقامة مشروعات عملاقة أو التوسع فى المشروعات القائمة، لتوفير فرص عمل للناس من ناحية، وزيادة الإنتاج لمواجهة الزيادة السكانية من ناحية أخرى، لو أحاط الفقهاء بالمشهد جيدا من كل الجوانب لعلموا أن الإقراض الحالى أو التمويل لا ينطبق عليه وصف الربا، وحلت المنفعة المتبادلة محل الاستغلال والاستعباد، ورفعوا وصف الربا من كل صور الإقراض.

 

والشريعة يجب ألا تنفصل عن احتياجات المجتمع وطموحاته وحركته الدائمة، وتسير مسار الناس ومصالحهم ومنافعهم، ولا تجبر الناس على الانقياد لها وإلا تجمدت حياة الناس وتحجرت وتصحرت، فالمجتمعات الإنسانية لا تتقدم إلا بما تفرزه من نجاحات حصيلة عمل وعلم وقيم إنسانية فاضلة، تتسابق جميعها وتتكاتف فى الوصول إليها، وتبقى الصالح من الأعمال وتستبعد ما دون ذلك فى حركة دائمة، وليس بغير هذا تنجح الأمم، ولا يأتى النجاح بنظم وتعليمات تهبط من السماء دون أن تخضع للتجربة البشرية حتى يكون الاختيار حرا ومجتبى وليس قسرا أو قهرا، ولا أظن أن الله يستبعد أن يكون النجاح وليد الاختيار الحر والتجربة والخطأ، ومن ثم فالشريعة منوط بها أن تسير مع الناس فى تجاربهم واحتياجاتهم واختياراتهم وأولوياتهم، ولا تقف عائقا يحول بين فرص الخطأ والصواب واقتناص النجاح، فليس الإنسان أو المجتمعات على قالب واحد تأتمر بأمر واحد، لكنها مجتمعات متنوعة، وثقافات وعلوم وجهود مختلفة، وفرص فى العمل والنجاح ليست متساوية أمس واليوم وغدا.

 

وهذا ما وجدنا عليه الدين، فما كان ملائما فى الجاهلية وفيه مصلحة للعباد أخذ به الإسلام ولم يخاصمه أو يستبعده، فقطع يد السارق، وكذلك حد الحرابة كانا معمولا بهما قبل الإسلام، وافق عليهما الناس قانونا ينظم حركة الحياة، وأبقى الإسلام عليهما نصا وحكما وقرآنا، وكذلك الحج، وهو شعيرة جاهلية، وإن كانت بهدف التجارة والمصلحة والمنفعة، فأبقى عليه الإسلام عبادة ومصلحة أيضا، والكثير مما كان قائما فى الجاهلية استمر بعد الإسلام، وهى رسالة واضحة أن الشريعة تراعى الأعراف والعادات والمصالح، تذهب معها إن ذهبت ولا تعود إلا معها.

 

إن أحكام الشريعة تتحدد فى الكثير وفقا للعادات والأعراف، ولا تتصادم ولا تتقاطع معهما، فإن ثقل ميزان العادات والأعراف على ميزان الشرائع سارت الأمور مسارها الطبيعى دون تهرب أو تحايل، ولو ثقل ميزان الشرائع على العادات والأعراف تصادما وتخاصما، وتحايل وراوغ كل منهما على الآخر، وليس هذا إلا تحذير للقائمين على هذا الأمر أن تكون مصالح الناس وعاداتهم وما يستجد من علوم هو أصل التشريع، سواء أكان هذا تشريعا بشريا، أو تأويلا للنصوص والأحكام، وهى تتسع عندما نريد، وتضيق إذا أرادوا التضييق على الناس. وفى كل هذا (الدولة المدنية هى الحل).

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.