اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

وأخيرًا.. اِنجلى الحقُّ محلّقًا بأجنحة الملائكة: من رواية قنابل الثقوب السوداء// إبراهيم امين مؤمن

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

إبراهيم امين مؤمن

 

عرض صفحة الكاتب 

وأخيرًا.. اِنجلى الحقُّ محلّقًا بأجنحة الملائكة:

من رواية قنابل الثقوب السوداء

إبراهيم امين مؤمن

 

فور وصول الطائرة إلى مطار القاهرة نُقل فهمان إلى مشفى القوات المسلحة مباشرة لتشخيص حالته، ومن التحاليل تبين أنه مصاب بجلطة دماغية، فأدخل غرفة العمليات على الفور، عندئذ قرر الرئيس مهدي الذهاب إليه بنفسه، وفور وصوله قالوا له بأن فهمان في غرفة العمليات. وقد نجحت العملية بامتياز.

ترك مهدي المشفى ثم عاود بعد أيام ليطمئن عليه مجددًا، فلما دخل عليه مدّ يده ليصافحه وهو يقول: «حمدًا لله على السلامة يا عالمنا العزيز.»

وأخبره الرئيس بأنه كان تحت أعين المخابرات المصرية طيلة الفترة الماضية، فسُر فهمان بذلك، وسأله مهديّ: «أتذكر اليوم الذي أُطفئ فيه مصباح حجرة نومك؟»

أجاب: «أذكره جيدًا سيادة الرئيس.»

قال مهدي: «إن من أطفأه كان أحد رجالنا، كنا نراقبك في صحوك ونهارك دون أن تدري حتى لا يمسك أحد بسوء.» فكر فهمان قليلا، وبعد تدبر تبين له أن زيارة مهدي له بمنزلة فرصة سانحة لردّ شرف أبيه الذي لطخه أمن الدولة سابقًا -عندما اتهم  بالدجل والشعوذة- ساد الصمت لحظات، كان خلالها ينظر  فهمان خِلسة إلي الرئيس ويقول في نفسه: «ليتك تفتح ملف أبي.» بينا الرئيس كان ينظر إليه قائلاً لنفسه: «سبحانه، يخلق من ظهر العالم فاسد ومن ظهر الفاسد عالم.» ثم ّوثبَ واقفًا ونظر إلى رجاله قائلا: «الحمد لله، لقد لطف به وأنقذه من براثن الصهيونيّة.» واتجه ببصره مرة أخرى إلى فهمان وقال: «تماثلْ للشفاء يا فتى؛ فمصر في حاجة إليك، سوف أحقق لك كلّ ما تريد، فقط قمْ وتماثل للشفاء.»

وفور مغادرة الرئيس فتح هاتفه ليطمئن جاك بأمره،  فقرأ رسائل جاك العديدة، ودار بينهما عبر الهاتف حوار طويل، ومن بين ما دار هو إصرار جاك على الحضور إلى مصر بيد أن فهمان مصر هو الآخر بعدم حضوره لانشغاله الشديد في ناسا، وأخيرًا امتثل جاك لرغبة فهمان.

بعدها مباشرة ظلّ فهمان يفكر في كلمات الرئيس الأخيرة، وأول ما تبادر إلى ذهنه كيف يبرّئ أبيه، لذلك، فإن كلمات الرئيس ما برحت تفارقه حتى تماثل للشفاء فيما بعد في غضون أيامٍ قلائل.

لحظات، وطرق أحد الحرس المكلف بحمايته ليخبره بوجود زائر يقول بأنه خاله -مؤيد أصيل- فسرّ فهمان وأشار إليه بدخوله على الفور.

قال مؤيد: «أنا جئت لأطمئنّ عليك، والحمد لله على نجاتك.»

قال فهمان: «الحمد لله، وشكرًا لك أبتِ.»

- «لا داعي لأثقل عليك لأنّي بالفعل أجد حالتك جيدة وليست خطيرة مطلقًا، ولدي، أنا في مهمة لمدة طويلة، ولن أرجع قبل شهور، ولقد رأيت موكب الرئيس مهديّ منذ قليل وهو يغادر المشفى، ولقد علمت بكلّ ما حدث لك في جنيف، ودور الأمن المصريّ في إنقاذك.»

- «رئيس عادل، وإني أحبه.»

شعر فهمان بأن مؤيد يود قول شيء ولكنه متحرج، وبالفعل، بدأ كلامه بخجل شديد وهو ينظر إلى الأرض: «أريد أن أُخبرك بأمر يخصّ والدك.»

فانتبه فهمان بشدة، وتأكد بأن مؤيد يخفي عنه شيئًا، فقال جامحًا وهو يركز نظره عليه: «تكلم يا أبتِ.»

- «ألم تقل منذ قليل بأن رئيسك رئيس عادل؟»

- «بلى.»

- «إذن، آن الأوان لردّ كرامة أبيك وشرفه يا ولدي.»

- «وهذا ما انتويت فعله بالضبط، فأبي لم يكن مشعوذًا أبدًا.»

- «المسألة ليست مسألة دجل وشعوذة، وإنما، إنما..» تمتم مؤيد لحظات ثم قال بصوت حزين: «أمن الدولة أحرق جثة أبيك.»

تفجّع فهمان على الفور، وحزن حزنًا شديدًا ظهر في انهمار دموعه التي غدت تغطي وجهه، ثم قال له بصوت منخفض: «كيف ذلك؟!»

- «كانوا يخشونه، والرئيس السابق أراد محو قضيته دون ترك أي أثر لها.»

- «لماذا؟»

- «كانوا يخشون من تعاطف الجمهور معه عندما يعلمون بموته -لأنه دخل قلوبهم- والرئيس السابق كان ظالمًا ومواليًا لليهود، ومعلوم دوره البارز في خدمة المخطط الصهيوني الشرير.»

- «فعلا، لقد عاش أبي وما آل جهدًا في خدمة أهله من أبناء وطنه.»

مضى مؤيد، وقد خلف وراءه همًا ثقيلا على قلب فهمان إضافة إلى حزنه الشديد عما حدث لأبيه.

بعد أيام جاء اثنان من قصر الرئاسة ليصحباه إلى الرئيس مهدي.

وفور دخول فهمان سلم عليه ثم قال: «أنا سعيد بسيادتكم، وأرجو أن تنهض مصر بكم.»

- «بِِك.»

قال دهشًا: «بي أنا؟!»

- «نعم، بك،المصادم، مصادم الرسالة.»

سكت هنيهات يترحم فيها على أبيه في نفسه عندما علم بمرام الرئيس مهدي، بعدها قال بوجه متهلل: «أتقصد سيادتكم بناء المصادم على أرض مصر؟»

هزّ -مهدي- رأسه بالإيجاب دون أن ينبس بكلمة.

قال فهمان بدهشة: «قد يتكلف مممم..»

أردفه مهدي: «ليتكلف ما يتكلف، مائتا مليار دولار مثلا، ثلاثة، الذين حفروا قناة السويس وبنوا السدّ العالي من المؤكد بأنهم قادرون على بناء مصادم كهذا، فهمان مصر فيها رجال (يتكلم وهو قابض على يده اليمنى ورافعها إلى أعلى) والجيش كلّه رجال، لا تخفْ ولا تحملْ همّاً، قلْ أنت موافق ودعني أقوم أنا بالترتيبات اللازمة.» صمت هنيهة أخرى ثمّ قال: «أتعلم لِم أردت تصميمه على يديك؟»

- «لِم سيادة الرئيس؟»

 قال مكوّراً يديه بحيث باطنيهما في تلقاء وجهه ورافعهما إلى أعلى بمحاذاته: «لأنّي أريد أن يُبنى بأيدٍ مصريّة.» ثمّ أومأ بسبابته إليه: «وأنت صاحب الفكرة، ولن يستطيع بناءه إلّا أنت، وأرجو أن يكون بناءك له عن علمٍٍ لا عن دجلٍ وشعوذة.»

ضربته الكلمة في أوردة قلبه؛ فانتفض جسده على الفور، وانهمرتْ الدموعُ من عينيه، وقال بصوت متهدّج من أثر البكاء: «أبي لم يكن دجّالاً ولا مشعوذًا؛ بل كان وطنيّاً عالمًا، ولولاه ما وصلت إلى ما وصلت له أنا الآن، وقد ساعد المقاومة الفلسطينيّة التي تفضّلتم سيادتكم وساعدتموها من قبل بتمزيق الاتفاقيّة الرباعيّة، وقد حاول الأخذ بثأرنا من قاتل عالم الفندق، بيد أنّه لم يفلح، وخاف علىّ فقام بزرع وجهه، زرعه له بروفيسور بيتر، وكان برنامجه السحريّ يؤديه مقابل قوت يومه، وكان يكره الثورة، والصراع النفسيّ الذي حدث بداخلي كان صراعًا بين أمريكا التي أنعمت علىّ وبين وصية أبي الذي كان دامًا يقول لي بألّا أعمل لديهم، وأنّ تراب بلدي أولى بي، وقال لي لو وفقك الله يا بني فلا تترك رئيس بلدك.»

 بعدها رفع فهمان يده اليمنى إلى السماء مشيرًا إلى الفضاء ودموعه تزداد انهمارًا قائلاً: «وبعد كلّ هذا يتناثر رمادًا محترقاً في الهواء، هذا هو أبي، هذا هو أبي، هذا أبي.»              

انتفض مهدي من مكانه وسأله: «هل تعرف مكان بروفيسور بيتر يا ولدي؟»

- «لا والله.»

- «وكيف علمتَ بأمره مع أبيك؟»

 كذبه وقال: «مِن أبي.»

- «وكيف عرفت أنّ أباك ساعد اتحاد المقاومة؟»

كذبه مجددًا: «من أبي.»

شعر مهدي بأن فهمان كذبه بشأن إعلامه بمصدر معرفته بأمر بروفيسور بيتر، وكذلك بمصدر معرفته بشأن مساعدة أبيه لاتحاد المقاومة، ولذلك قال مهدي في نفسه: «كذبتني يا بني! لا بأس، لا بأس، يبدو أن هناك شخصًا أخبرك بأمر أبيك وتود عدم البوح باسمه حتى لا تعرضه للخطر.»

وفجأة قال له مهدي وهو مطأطأ الرأس: «صدقتَ يا فتى، صدقت، لكن أخبرني، أمتأكد أنت أن أباك كما أخبرتني؟»

فهمان بصوت متهدج: «والله كان كذلك، والله كان كذلك.»

واستدعى مهدي رئيس المخابرات وقال له: «تحريّاتك يا سيادة اللواء غير دقيقة، وسأحاسبك على ذلك، أعدْ تحريّاتك من جديد حول المدعو فطين المصريّ.» ثمّ أشار إلى فهمان بسبابته قائلاً: «والذي هذا هو ابنه، ولن أتركَ هذا الأمر، ولن (ينفى وهو ناظر إلى فهمان الذي خنّ من البكاء) اتركْ هذا الفتى حتى تأتيني بالحقيقة التي أخفيتها عنّي سيادة الرئيس (يقولها سخريّة منه).»

رد رئيس المخابرات: «سمعًا وطاعة فخامة الرئيس، أمهلني ثمان وأربعين ساعة فقط.»

قال مهديّ : «ثمان وأربعين ساعة ليس أكثر، أريد أن أعرف أكان دجّالاّ ومشعوذًا أم كما يقول هذا الفتى وطنيّاً عالمًا.» صمت هنيهة ثمّ أردف: «خذْ فهمان وسله عن أبيه، ثمّ خصص له مكانًا يقيم فيه بالقرب مني .»

وفور خروجه كان مهديّ يخط جواب عزله من منصبه مع عدم المحاسبة لدواعٍ أمنية.

وبالفعل فور انتهاء اليومين حضر رئيس المخابرات قصر الرئاسة وقد كان فهمان حاضرا -فقد استدعاه مهدي- وقال: «سيادة الرئيس، بعد البحث والتقصي مما قاله الدكتور فهمان تبيّن لنا أنّ نظام الرئيس المخلوع هو مَن اتهم أباه ظلمًا بالدجل والشعوذة، ولقد تحرّينا أمر واقعة الفندق الخاصة بالرجل -رحمه الله- فتبيّن لنا بالفعل وقوع معركة شرسة في الفندق -فندق هيلتون طابا- دارت بينه وبين أحد أفراد فرقة الكيدون الإسرائيلية، ولقد غيّر وجهه آنذاك خشية القبض عليه مِن الموساد أو الأمن المصريّ  -رحمه الله- إذ كان يظنّ أن كيدون الموساد قد مات. وقام بعمل سيرك في الشارع بتذكرة رمزيّة من أجل الإنفاق على تعليم ولده؛ إذ كان عازمًا على تسفيره لاستكمال تعليمه في أمريكا، ولم تأتنا أخبار بشأن التحاقه بأنفاق اتحاد المقاومة أو الإنفاق على حقول القوى التي حصّنوا أنفاقهم بها و..»

صرخ فهمان مقاطعًا: «أبي لا نظير له، حمى المجاهدين وحمى الأنفاق و ..»

قاطعه مهديّ قائلاً: «هون عليك يا فهمان.» ثم نظر إلى رئيس المخابرات داعيًا له باستئناف كلامه.

استأنف: «وتبيّن لنا أنّه قد كان يتحصل على أموال طائلة من خلال تأدية ألعاب سحرية تعجيزية، ولم ندرِ أين ذهبتْ، ولقد أخبرنا أحد الفيزيائيين أنّ ألعابه تنبع مِن قوّة في دماغه.» صمت هنيهة ثم أكمل: «لعلّها الخلية الإلكترونيّة التي أخبرنا بها الدكتور فهمان، ولقد مات أبوه قبل أن يأتيه وفد المخابرات الأمريكيّ ليحقق معه بشأن بروفيسور بيتر، أما بالنسبة لحرق جثته -رحمه الله- فقد تم ذلك على يد أمن الدولة، وقد ارتأى لهم ذلك لدواعٍ أمنية؛ إذ إن خروج جثته إلى الشارع قد تحدث ثورة عبر رصدها من صحف المعارضة وتتفكك الدولة وتنهار ال..»

قاطعه مهديّ قائلا: «حسبك، انصرف.»

نظرَ إلى فهمان فوجد الدمعة على خدّيه، قال له بصوت فيه مودة: «اذهبْ أنت الآن يا ولدي.»

وفور خروجه وجد مجموعة من الرجال يصحبونه، فسألهم عن شأنهم فقالوا بأن الرئيس مهدي كلفهم بحراسته في النوم واليقظة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.