اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الاستقطاب السياسي في واشنطن الى اين؟// د. حسين الديك

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. حسين الديك

 

عرض صفحة الكاتب 

الاستقطاب السياسي في واشنطن الى اين؟

د. حسين الديك

 

لطالما تصدرت الديمقراطية الامريكية النموذج الغربي الذي يحتذي به في ارساء قواعد الحرية الفردية والعمل السياسي و المواطنة والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات استنادا الى مبدا سيادة القانون وسمو الدستور الامريكي فوق كل الاعبتارات ،  وتميزت الساحة السياسية  في الولايات المتحدة الامريكية منذ عقود طويلة بثنائية حزبية سيطر فيها كل من الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي  شكلت ضمانه للعملية الديمقراطية وتقاسم السلطة بين الحزبين وفق الاعراف الدستورية السائدة ، ولطلما ايد الكثيرون من الحزب المعارض للبيت الابيض مشاريع قانونية وسياسية يقرها او يقترحها حزب السلطة الحاكم صاحب الاغلبية وكان هناك نوع من التناغم والتعاون والتماهي السياسي بين الحزبين خدمة للشعب الامريكي وخدمة للمصالح القومية العليا في الولايات المتحدة الامريكية .

 

ان حالة التحول الكبير التي حصلت في الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة الامريكية تعود على عدة عوامل نمت وتطورت عبر سنين طويلة حتى وصلنا الى هذه الحالة السياسية المعقدة التي نعيشها اليوم في واشنطن عاصمة القرار العالمي ، والتي بدات تلك الظاهرة تطفو وتتجلى منذ نجاح الرئيس الاسبق بارك اوباما في الانتخابات الرئاسية في العام 2008 وتسلمه البيت الابيض من الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الابن ، اذ شكل هذا الانتصار الديمقراطي نقطة تحول كبيرة في الولايات المتحدة الامريكية وكان اختبارا صعبا للديمقراطية الامريكية وللنموذج السياسي الامريكية والنظام التشاركي بين الحكومات المحلية والحكومة الفدرالية في واشنطن.

 

ادى هذا التحول الى حالة من الرفض المخفي والغير علني لنتائج الانتخابات الرئاسية في العام 2008 ولكن هذا لم يظهر للعيان ولم يكن له اية اصداء واضحة وحقيقية بل بقي طي الكتمان وطي المؤسسات الفاعلة في واشنطن ولدى قطاعات واسعة من اليمين الديني في الولايات المتحدة الامريكية والتي بدات كلها مجتمعه بالعمل الجاد لاعادة الاعتبار لنظرية الرجل الابيض والتفوق العرقي والتشدد اليميني المسيحي والذي يستند الى نظرة دينية يمنينة متشددة  .

 

واستطاعت تلك اللوبيات والجماعات المتشددة بالتوغل السرطاني داخل اروقة الحزب الجمهوري وايصال مرشح يميني متشدد يدعى دونالد ترامب الى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ليصبح بعدها مرشح الحزب الفائز وبعدها مرشح للانتخابات الرئاسية في العام 2016 ورئسيا للولايات المتحدة الامريكية، اذ كان الرئيس ترامب نتيجة للاحتقان السياسي والتجاذبات الساسية ردا على فوز بارك اوباما في الانتخابات ، فالرئيس ترامب هو نتيجة وليس السبب فيما نشهده اليوم من حالة احتقان سياسي وحزبي وتشنج في واشنطن العاصمة وفي كل الولايات الامريكية.

 

فلم يحصل في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ان وصلت التجاذبات السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الى هذا المستوى من التشنج اذ انها لم تقتصر على القطاعات الشعبية او الحزبية فقط بل وصلت الى البيت الابيض واعضاء الكونغرس وحكام الولايات واعضاء الكونغرس المحلي لكل ولاية امريكية وهي ظاهرة فريدة من نوعها و غريبة في الولايات المتحدة الامريكية.

 

ان حالة الاستقطاب السياسي الحاد في واشنطن والتي تتجلى في تصريحات الرئيس جوزيف بايدن وتصريحات الرئيس السابق دونالد ترمب وفي تصرفات حكام الولايات وخاصة ولاية تكساس معقل الحزب الجمهوري و ولاية كاليفورنيا معقل الحزب الديمقراطي تبين وبشكل لا لبس فيه الدرجة الكبيرة من التجاذبات السياسية وحالة الاحتقان الشديد السائدة اليوم في الولايات المتحدة الامريكية وقد يكون ذلك مؤشرا خطيرا على النظام السياسي الامريكي برمته.

 

ان مواجهة هذه الظاهرة وتجلياتها وتداعياتها يتطلب مزيدا من العمل من قبل الحكومة الامريكية الفدرالية ومن الكونغرس الامريكي الفدرالي من اصلاحات للنظام الانتخابي الامريكي واعطاء مساحة اكبر للقوانين الفدرالية على حساب القواني المحلية للولايات ومنح الحكومة الفدرالية مزيدا من الصلاحيات على حساب الحكومات المحلية وخاصة في القضايا الخلافية واهمها الاجهاض وحمل السلاح وقضايا المثلية  والهجرة وغيرها والتي تسبب اليوم شعلة النار في الاحتقان والتجاذبات السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وانصارهما  في الولايات المتحدة الامريكية .

 

ان الدستور الامريكي الذي كتب في العام 1787م  وتعديلاته ال 27 تعديل والتي كان اخرها في العام 1992م بحاجة الى المزيد من الاضافات والتعديلات ، ولكن هذا مستحيل في ظل حالة الاحتقان والتجاذبات السياسية التي تعيشها واشنطن في هذه السنوات لان التعديل الدستوري بحاجة الى ثلثي اعضاء  مجلس الشيوخ وهذا مستحيل ان يحققه اي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمفرده  الا ان يكون هناك حالة من التوافق ، ولكن التوافق على القضايا الخلافية مازال بعيد المنال وخاصة تعديل النظام الانتخابي في انتخاب رئيس الولايات المتحدة الامريكية وعضوية مجلس الشيوخ لكل ولاية ، اذ يؤكد الحزب الديمقراطي ان نظام مجلس الشيوخ هو نظام سياسي ظالم للولايات المتحدة الامريكية فعلى سبيل المثال ولاية مثل فيرمونت لديها عضوان في مجلس الشيوخ وعدد سكانها حوالي  600.000 نسمه ، بينما ولاية مثل كاليفورنيا لها ايضا عضوان في مجلس الشيوخ ولكن عدد سكانها حوالي 40.000.000 نسمة وفي هذا ظلم حقيقي في التمثيل في مجلس الشيوخ الامريكي، اضف الى ذلك نظام المجمع الانتخابي لانتخاب الرئيس الامريكي هو غير عادل فعلي سبيل المثال حصلت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في العام 2016 على حوال 62.000.000 صوت في التصويت الشعبي ومنافسها دونالد ترامب حصل على حوالي 59.000.000 صوت ولكن الذي اصبح رئيسا للولايات المتحدة الامريكية هو دونالد ترامب وذلك بسبب نظام المجمع الانتخابي الموزع بين الولايات المتحدة الامريكية وليس بحسب اصوات الناخبين.

 

ان هذه التعقيدات في النظام الانتخابي الامريكي ستستمر بالضغط الكبير نحو حالة من التجاذبات السياسية والاحتقان الشعبي والحزبي الداخلي ما لم يكن هناك مبادرة توافقية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي للوصول الى قواسم مشتركة وتفاهمات لكافة القضايا الخلافية التي تؤثر في الراي العام الامريكي وتؤثر على توجهات الناخبين سواء بالنسبة للنظام الانتخابي او القضايا الخلافية المحورية مثل الهجرة وحمل السلام والاجهاض والمثليين.

 

د. حسين الديك

 اكاديمي ومحلل سياسي وخبير في الشان السياسي الامريكي ، وكاتب مقالات في عدد من الصحف الامريكية والاوروبية  والعربية، باحث متخصص في  قضايا الحوار والمصالحة وحل النزاعات ، له العديد من الاوراق والمساهمات البحثية المنشورة في مجلات علمية دولية محكمة.

 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.