كـتـاب ألموقع
قراءة في ازمة الشرعية لدى النظام السياسي الجزائري// انغير بوبكر
- المجموعة: انغير بوبكر
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 16 آذار/مارس 2019 18:51
- كتب بواسطة: انغير بوبكر
- الزيارات: 2394
انغير بوبكر
قراءة في ازمة الشرعية لدى النظام السياسي الجزائري
انغير بوبكر
حصلت الجزائر على استقلالها السياسي يوم الخميس 5 يوليوز 1962، بعد نضال مستميت خاضه الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي بعد 130 سنة كلها قهر واحتلال وسلب للثروات ونهب للخيرات، وبعد حرب تحريرية خاضها ابناء الجزائر الابطال، مجسدين اعلى معاني التضحية والفداء من اجل عزة وكرامة بلدهم وكبرياء وطنهم، حصل الجزائريون باستحقاق على حريتهم واستقلالهم السياسي في 5 يوليوز 1962. لكن القصة بدأت قبل ذلك بشهور، ففي 18 مارس 1962 اجبرت المقاومة المسلحة التي يخوضها الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، الفرنسيين الى بدء مفاوضات ايفيان بين ممثلي الثورة الجزائرية ووزير خارجية الحكومة الجزائرية المؤقتة أ كريم بلقاسم ووفد فرنسي مكون من لويس خوسي وروبير بوران وجون دو بروكلي (LOUIS JOXE – JEAN DE BROGLIE – ROBERT BURON) كممثلين لنظام فرنسا الديغولي. يوم 19 مارس 1962 اعلن الرئيس الفرنسي دوغول والرئيس الجزائري المؤقت المقيم بتونس انتهاء العمليات العسكرية على التراب الجزائري وبداية اجراءات استفتاء اشرف عليه دوغول والذي بمقتضاه تعطى الجزائر استقلالها السياسي، وبالفعل في 3 يوليوز عرض الرئيس الفرنسي نتائج الاستفتاء المؤيدة لاتفاقية ايفيان على أنظار مجلس الوزراء الفرنسي الذي صادق على القرار، رغم معارضة عدد كبير من السياسيين الفرنسيين ومنهم من حمل السلاح فيما بعد ضد قرار استقلال الجزائر كما هو حال المنظمة السرية الفرنسية OAS.
اذا كان تاريخ الجزائر ناصعا بالمقاومة الثورية من اجل الكرامة والحرية، فان طموحات الشعب الجزائري في نظام ديموقراطي تعددي ينقل البلاد من وضعية التخلف والتهميش والتبعية للمتربول الأجنبي، قد تبخرت خصوصا مع سيطرة الحزب الواحد في الجزائر على مقدرات الامة الجزائرية، حيث سيطرت جبهة التحرير الوطني والجيش الذي اغلب قياداته كانت متعاملة مع المستعمر الفرنسي، على مفاصل السياسة الجزائرية كما تم نفي جميع القيادات الثورية التي أفلتت من التصفيات الجسدية، فبعد الاستقلال مباشرة تم الانقلاب على الحكومة المؤقتة وتم الاتيان باحمد بن بلا الذي كان يعد ويخطط لاحتضان الجزائر للمؤتمر الافرو الاسيوي، لكن الجيش الجزائري بقيادة الهواري بومدين انقلب على بن بلا واعتقله في سجن انفرادي اكثر من 15 سنة قبل ان يفرج عليه الشاذلي بن جديد، الذي كان اختياره من قبل الجيش مفاجأة غير سارة لوزير خارجية الرئيس الراحل هواري بومدين ونقصد به عبد العزيز بوتفليقة الذي كان اقرب المقربين من الرئيس هواري بومدين وصندوقه الاسود، حيث ان عبد العزيز بوتفليقة هو الذي قرأ رسالة التعزية في رحلة وداع بومدين وهذا دليل على متانة العلاقات الاخوية بينهما، لكن لان الجيش والمخابرات تحديدا هي الحكم والفيصل في الجزائر فان اختيار الشاذلي بن جديد كان بداية للتخلص من الارث البومدياني الذي ورث البلاد عقيدة اقتصادية كارثية وسياسة داخلية متوترة، سرعان ما ستطفو على السطح لتتحول الى عشرية سوداء، بدأت منذ بداية التسعينات عند الانقلاب على نتائج الانتخابات، التي سيطرت عليها جبهة الانقاد الاسلامية، الى بداية ما يسمى بالوئام المدني بقيادة عبد العزيز بوتفليقة، الذي استقدمه الجنرال القوي في الجزائري محمد مدين الملقب بتوفيق (تم الاستغناء عنه مؤخرا سنة 2016) الى جانب اسماعيل العماري (المتوفى) واخرون في المؤسسة العسكرية، التي كانت مضطرة الى البحث عن مرمم لصورتها الخارجية بعد ان اكتشف العالم تورط الجهاز العسكري الجزائري في المذابح الجماعية ضد الشعب الجزائري وضد حتى الاجانب، كما وقع في مذبحة تبحرين ضد الرهبان الفرنسيين.
النظام السياسي الجزائري عاش ومازال يعيش ازمة شرعية شعبية داخلية وخارجية دولية، حيث ان الجيش الجزائري ومخابراته متورطون في اعمال قتل المفكرين والفنانيين والسياسيين منهم اغتيال الرئيس محمد بوضياف والمعتوب لوناس وسجن العديد من الصحفيين، وتهريب اموال الى الخارج لشراء الاقامات الفاخرة خصوصا في باريس، ولعل مذكرات العديد من الجنرالات والضباط والصحفيين الجزائريين الفارين من النظام الجزائري، شاهدة على ما ارتكب من بشاعات في الجزائر باسم محاربة الارهاب والتطرف، هذه العملية الابتزازية للغرب مستمرة الى يومنا هذا حيث يستغل بل ويشجع النظام الجزائري الجماعات الارهابية في الساحل والصحراء من اجل الضغط على الغربيين لإضفاء الشرعية على نظام سياسي عسكري فاسد ومأزوم سياسيا، وبات الغرب متيقنا بانه نظام سياسي يعيش ايامه الاخيرة في ظل وفاة القادة الكبار ذو الكاريزما وفراغ الحياة السياسية والحزبية، ففي سنة 2008 قام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في خطوة غير ديموقراطية في تغيير دستور 1996 الذي اعتمد في عهد الرئيس اليمين زروال ليسمح له بولاية ثالثة، وفي استغراب للجميع قرر الرئيس الجزائري المريض والمقعد (شافاه الله وعافاه) الترشح لولاية رئاسية رابعة تمتد الى سنة 2019 ويتداول في اوساط المقربين من رئاسة الجمهورية ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لن يتوانى ولو دقيقة اذا أسعفته الظروف في اعلان الترشح لعهدة خامسة، محطما كل الارقام القياسية في الولايات الرئاسية محول النظام الرئاسي الجزائري الى نظام شبه وراثي عائلي مع ما يروج بقوة عن سيطرة اخ الرئيس سعيد بوتفليقة على مقاليد الحكم في اطار حكومة الظل، وقد صدق احد اصدقاء عبد العزيز بوتفليقة هو محمد شريف مسعدية حين اسر الى صحفي فرنسي سنة 1999 بان عبد العزيز بوتفليقة يحركه هاجس البقاء في السلطة طويلا والانتقام لاقصائه السياسي سنة 1978 اذ قال الشريف مسعدية، بوتفليقة سيبقى في قصر المرادية الى ان ينقل الى مقبرة العالية.. الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي تجاوز الثمانين من عمره والذي يعاني من متاعب صحية منذ سنة 2005 الى غاية اليوم، تعهد بتطبيق برنامج اصلاحي يتضمن الاصلاح الاقتصادي وتقوية التعددية السياسية واطلاق الحريات الاساسية واحترام حقوق الانسان الى جانب المصالحة المدنية، لكن الارقام الاقتصادية تدل على ان الاقتصاد الجزائري ينهار يوم بعد يوم والدليل هو تدهور قيمة الدينار الجزائري امام اليورو والدولار وتراجع صادرات الجزائر الى الخارج بنسبة 2.5 في المئة سنة 2017 وارتفاع المديونية الخارجية، خصوصا وان الجزائر اكبر مستورد للاسلحة افريقيا مع تناقص مهول لعائدات الغاز الجزائري. نسبة بطالة الخريجين في الجزائر تجاوزت 32 في المئة حسب اخر احصائية لبرنامج الامم المتحدة الانمائي، التعددية السياسية في الجزائر صورية ومتحكم فيها لذلك نرى نفس الوجوه تتكرر في المشهد السياسي يمينا ويسارا، والحزب الحاكم يحتل المشهد السياسي والبرلماني بدون حسيب ولا رقيب. الحريات العامة مقيدة في الجزائر والسجون مليئة بمعتقلي الراي والصحافة الحرة مكبلة بشروط التمويل والاشهار. في هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المزرية، يترقب المهتمون مرحلة ما بعد بوتفليقة بقلق بالغ، حيث يتآكل النظام السياسي بوتيرة سريعة وتعاني الطبقة السياسية الجزائرية من شيخوخة مضنية ويفتقد الشباب الى واجهات الحوار والتنفيس الديموقراطي، فرغم القبضة الامنية والاستخباراتية القوية للنظام الجزائري الى حد الان، وانسداد الافق وتراجع شعبية النخب القائمة، ينتظر الشعب الجزائري ربيعه الديموقراطي الذي حتما لن يطول انتظاره.
انغير بوبكر
باحث في قضايا التنمية والديموقراطية وحقوق الانسان
حاصل على دبلوم السلك العالي في التدبير الاداري من المدرسة الوطنية للادارة.
com.gmail@2012ounghirboubaker
المتواجون الان
483 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع