اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الحجاب الديني في فرنسا وغيرها// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب 

الحجاب الديني في فرنسا وغيرها

علاء اللامي

 

 ملاحظات ومشاهدات حول الحجاب الديني في فرنسا وغيرها: خضع موضوع الحجاب الديني الذي ترتديه النساء المسلمات المتدينات للكثير من الجدل والمزايدات السياسية والاجتماعية؛ وتحول في بعض البلدان الى ميدان لممارسات وسنِّ قوانين فُسِّر بعضها على أنه يفوح بالتمييز العنصري والديني ضد المسلمين، وهو تفسير لا يخلو من الصحة بكل تأكيد، وقد كتبت عن دلالاته ومغازيه في مناسبات سابقة/ رابطان. ولكي نأخذ فكرة متوازنة وغنية بالتفاصيل والمعطيات عن الموضوع أدرج أدناه بعض الملاحظات الرصدية والمعلومات من مشاهدتي وقراءاتي الشخصية حول الموضوع:

 

1-لم يكن الحجاب الديني الإسلامي أو العلامات الدينية لجميع الأديان ممنوعة في الدول الغربية إلا منذ بضعة عقود حين نشأت وتصاعدت ظاهرة صعود السلفية الإسلامية بجميع أنواعها. ففي فرنسا مثلا جرى تفعيل قانون قديم صدر في سنة 1905 بهذا الخصوص، وهو قانون يمنع في منطوقه حمل أو ارتداء ما يسمونه العلامات التفاخرية (Signes Ostentatoires) والتي تعني في ما تعني العلامات التي تظهر الأفكار الدينية وتدعو إليها كالملابس الدينية وبعض الأدوات "الأكسسوارات" في المؤسسات الحكومية والتعليمية وفي بعض الأماكن العامة كالمسابح المغطاة وشواطئ البحر. وإذا ما وضعنا جانبا منع ارتداء النقاب الكامل فهو ممنوع في جميع الأحوال والميادين لأسباب بعضها أمني وآخر اجتماعي، فإن القانون المذكور ينطبق على كافة العلامات الدينية لجميع الأديان فحتى اليهود والمسيحيون والهندوس وغيرهم ممنوعون من حمل العلامات الدينية أو الملابس التي تتضمنها مثل الكيبة "القبعة اليهودية الصغيرة على الرأس" والعمامة الهندوسية والصليب المسيحي...إلخ في المؤسسات الرسمية.

 

في الدول الاسكندنافية والإنكلوساكسونية حيث توجد نسخة معتدلة من العلمانية "اللائكية" لا يوجد تشدد في منع هذه المظاهر الدينية غالبا أما في فرنسا ودول أخرى فإن هناك تقييدا وتشددا في التطبيق في بعض المحافظات واعتدال ومرونة في أخرى، وذلك لأن الدولة - خصوصا الفرنسية - أناطت تطبيق القانون وتفاصيله بالمحافظين ورؤساء البلديات وأحيانا برؤساء وأساتذة الجامعات والمدارس.

 

2-فعلى سبيل المثال والشهادة، يُمنع على شواطئ فرنسا وفي المسابح المغطاة ارتداء البوركيني هو نوع من مايوه السباحة الذي ترتديه بعض المسلمات المتدينات ويغطي الجسد كله تقريبا عدا الوجه والكفين والقدمين، وتُمنع النساء اللائي يرتدينه من السباحة به وقد شاهدت بعيني قبل عامين تقريبا على شواطئ مدينة مرسيليا أحد المراقبين "المنقذين" ينادي على سيدة ترتدي البوركيني بالخروج من البحر ويذكر لها رقم القانون الخاص بذلك ومبلغ الغرامة في حالة الرفض والتي تبلغ 490 يورو، فخرجت مكسورة ومقهورة!". أما على شواطئ مدينة صغيرة تقع على مسافة تقل عن خمسين كيلو مترا  غرب مرسيليا فقد شاهدت امرأة محجبة ترتدي البوركيني تسبح مع زوجها بشكل طبيعي ولم يتدخل المراقبون ويمنعوها.

 

3-في المؤسسات التعليمية من المدارس الابتدائية وحتى الجامعات يمنع ارتداء الحجاب النسوي الإسلامي في فرنسا ولكنه في دول أخرى غير ممنوع وفي دول ثالثة لا يمنع في المدارس الثانوية والابتدائية بل في الجامعات ... والأمر ذاته يقال عن الدوائر والمؤسسات الحكومية.

 

4-غير أن الأمر في فرنسا ذاتها معقد بعض الشيء حيث شهدت جدالا ونقاشا عاما حول الجامعات وهل هي مؤسسات تعليمية كالمدارس أم لا وانتهى النقاش الى إقرار أنها ليست مؤسسات تعليمية لأن التعليم الإلزامي الرسمي ينتهي في سن 16 عاما، بل هي مؤسسات علمية مستقلة، وعليه فإن قانون "العلامات الافتخارية" لا يشملها. ولكن الدولة التفت على هذا القرار أو الإقرار فأناطت قرار تطبيق القانون برؤساء وأساتذة الجامعات وكان غالبيتهم مع التطبيق والمنع.

 

5- في المدارس الخاصة الأهلية التي تشكل نسبة 17% من المدارس في فرنسا وبعضها مدارس دينية مسيحية ويهودية وإسلامية ومن هذه المدارس ثمة ما نسبته 97 بالمائة هي متعاقدة مع الدولة وتستلم منها مساعدات مادية ولهذا تلتزم بقوانين الدولة العلمانية. أما نسبة الثلاثة بالمائة المتبقية من هذه المدارس الخاصة فهي مستقلة تماما، ولا تأخذ أية مساعدات من الدولة ولا تتعاقد معها، وهذه المدارس الحرة هي مدارس رافضة للتعليم الحكومي تماما، وبعضها مدارس ليبرالية وتقدمية تأخذ بأساليب تعليمية "بيداغوجية" جديدة وحديثة ترفض التعليم الحكومي الذي تعتبره متخلفا وأخرى دينية وهي قليلة جدا. وفي جميع هذه المدارس الأهلية في التعليم الخاص ترك اتخاذ القرار لإدارة وأساتذة هذه المدارس للتعامل مع موضوع الحجاب والعلامات الدينية منعا وإباحة، مع حق المواطنين ومنظمات المجتمع المدني بالرفض والقبول والاحتجاج، وقد رُفعت عشرات القضايا والشكاوى من قبل مسلمين وغير مسلمين من ضحايا المنع إلى القضاء.

 

6- ومن الطريف والباعث على التفكير في هذا الخصوص أن بعض المسلمات المتدينات المحجبات لجأن لارتداء القبعات والكاسكيتات ذات الحواف التي تغطي شعر الرأس لتفادي منع الحجاب ولكنهن جوبهن بالرفض أيضا إذ أن نزع القبعات في دور العلم والعبادة وحتى في المساكن تقليد غربي سائد، والطريف أن هذا التقليد ذو جذور دينية كاثوليكية تلزم الداخل للكنيسة بنزع قبعته أو غطاء رأسه، هذا ما يفعل عكسه اليهود الذين يلزمون الداخل الى كُنسهم بوضع الكيبة "القبعة" الصغيرة على رؤوسهم.

 

5-في الأماكن العامة تُمنع التظاهرات الدينية وأداء الصلاة وغيرها لجميع الأديان وعلى هذا منع المسلمون من أداء الصلاة في الشوارع في حال اكتظاظ الجوامع بالمصلين. وحين زار بابا الفاتيكان فرنسا سنة 1997 وأقام صلاة عامة حضرها أكثر من مليون شخص وقد حُدد ملعب كبير لإقامة الصلاة، ولكن مئات الآلاف من المصلين بقوا خارجه وهنا احتج علمانيون فرنسيون على إقامة هذه الصلاة ورفعوا دعوى قضائية ضد من أجروا ووافقوا على إجراء الصلاة في مكان عام وقد قبل القاضي الدعوة ولكن الموضوع تمت "طمطمته" لاحقا بتدخل من الجهات الرسمية وسُكِتَ عنه. وفي سنة 2011 وبإحدى دوائر باريس المؤلفة من 20 دائرة وهي الدائرة 18 سمح المجلس البلدي الذي يسيطر عليه الشيوعيون والاشتراكيون والخضر للمسلمين بأداء صلاتهم في الشوارع المحيطة بجامعهم في حالة الاكتظاظ وهنا أيضا رفع مواطنون دعوى قضائية إدارية ضد رئيس البلدية اليساري دانيال فايون ولكن القضاء الإداري لم يحكم لمصلحة المشتكين "المدعين" وترك الأمر ليأخذ مجراه عمليا واستمر المصلون يصلون في شوارع بلديتهم طالما كانت البلدية هي المسؤولة فعليا عن إدارة البلدية وشوارعها.

 

6-من التطبيقات القانونية في فرنسا وبعض الدول الغربية والتي تمتُ بصلة لهذا الموضوع أن القانون الفرنسي والسويسري مثلا يمنع النساء من تعرية صدورهن والأجزاء الحساسة من أجسادهن على الشاطئ أو في المسابح ولكن تطبيق هذا القانون يتم غض النظر عنه غالبا.

 

وحتى الرجال في فرنسا ممنوعون من تعرية صدورهم بعيدا عن موضع السباحة؛ يروي لي صديق أنه خرج من الشاطئ ذات مرة وذهب ليجلب شيئا من سيارته الواقفة على مسافة كيلو متر تقريبا من الشاطئ فاعترضه شرطي وأبلغه بأن سيره عاري الصدر في الشارع ممنوع وعليه أن يعود الى الشاطئ!

 

7-خلاصات: من المفيد لنا جميعا أن نقارب هذا الموضوع بعد الإلمام بثناياه وتفاصيله الدقيقة وليس انطلاقا من منطلق "نحن وهم"؛ نحن المسلمون وهم الكفار أو غير المسلمين، فالمشكلة أكثر تعقيدا واتساعا من ذلك كما لاحظنا. أما القناعة التي أؤمن بها عميقا فهي أن الإجبار في موضوع الحجاب والسفور أمر مرفوض ولا إنساني، ويجب أن يكون مرفوضا قانونيا أيضا وليس كوجهة نظر فقط، فمَن يجبر المرأة على ارتداء الحجاب هو كمن يجبرها على السفور أو التعري لأسباب تخصه هو وليس هي، وعلى هذا يجب أن يُترك هذا الأمر للمرأة نفسها فهي التي تقرر بكامل حريتها وإرادتها إنْ كانت تريد أن تتحجب أو أن تكون سافرة.

 

غير أن هناك أمرا آخر، وهو دور البيئة الاجتماعية التي تمارس غالبا دور المتعسِّف والممارِس غير المرئي للإجبار بفعل صعود وهيمنة الأحزاب أو المليشيات السياسية الإسلامية والتي تخلق جوا عاما من العسف والقسر والهيمنة ما يجعل المرأة مهددة ومنقادة وخاضعة لهذا الجو القسري ولما يترتب عليه من قهر واضطرارات تقوم بها المرأة للحفاظ على سلامتها وتفادي التحرش والتنمر وحتى الاعتداء البدني عليها من قبل أنصار وأعضاء مليشيات وجهات وشخصيات دينية وطائفية، وهذا موضوع آخر يتعلق بجملة أسباب وأوضاع ذات علاقة بطبيعة الدولة والإعلام والتراث والبيئة الاجتماعية وحقوق الإنسان والتعليم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية والتي يعيش فترة انتقالية -امتدت لأكثر من قرن-  من مرحلة تكريس التبعية والتقليدية والمحافظَة إلى مرحلة  التحرر والتجديد والاستنارة من أخرى... وهذا موضوع آخر يحتاج إلى وقفات كثيرة وليس إلى وقفة سريعة وخفيفة وتعريفية كهذه. 

 

*حول الإسلام والمسلمين في فرنسا، أدرج أدناه رابطين لمقالتين نشرتهما قبل أشهر قليلة:

 

1-مقاربات ماكرون السياسية للشأن الديني وإهدار السياق التاريخي

 

https://al-adab.com/article/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8%

D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%A7%D9%83%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%A5%D9%87%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A

 

 

2-ما المشكلة في مقاربات ماكرون للشأن الإسلامي؟

https://al-akhbar.com/Opinion/296635/%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%A7%D9%83%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D

8%A7%D9%85%D9%8A

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.