كـتـاب ألموقع

في عشق العراق- ذكريات كرويّة// هناء عبيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

هناء عبيد

 

عرض صفحة الكاتبة 

في عشق العراق- ذكريات كرويّة

هناء عبيد

 

لم أكره في صغري فقرة على شاشات التّلفاز كفقرة مباريات كرة القدم؛ كانت تمر عليّ الساعات حين عرضها ببطء شديد، فطفولتي لا تستوعب معنى أن يركض أشخاص وراء كرة دون معرفة سبب هذا الجري الذي قد يستمر أحيانًا إلى أكثر من ساعة ونصف، كل ما كنت أتمناه حينها، أن أسعد بمشاهدة أفلام الكرتون؛ ميكي ماوس وباباي وسكوبي دو. أراقب من بعيد وأستغرب سبب استمتاع الجميع بالمتابعة، بينما أنا أتأفف من شعوري بالضجر وأعد الدقائق التي تمر عليّ كالساعات في انتظار انتهاء هذه المسرحية المملة كي أحظى بمقالب توم وجيري، متشوقة للاستمتاع بخطة توم للانقضاض على جيري، وكأن في انتهاء المباراة انعتاق لأنفاسي المحبوسة.

 

تبدل الحال بي بعد مرور بضع سنوات، وبت أقضي أوقاتًا سعيدة في مشاهدة دورات كرة القدم، شاءت الأقدار في تلك الأثناء أن أكون مع عائلتي في إحدى دول الخليج العربي، وهناك أصبحت أتابع دورات كرة القدم المتلاحقة، أصبح لي منتخبات مفضلة أتابع مبارياتها عالميّا وعربيّا، كما أصبحت أشجع لاعبين عن غيرهم بسبب تميزهم في اللعب، منهم على سبيل المثال اللاعب البرازيلي بيليه والأرجنتي مارادونا، وأما على المستوى العربي فقد برزت أسماء كثيرة خاصة في منتخبات الخليج بحكم وجودي في تلك المنطقة، فكان من العراق حسين سعيد، عدنان درجال، أحمد علاوي، أحمد راضي وغيرهم، ومن الكويت فيصل الدخيل أحمد الطرابلسي، جاسم يعقوب وآخرون.

 

في الدورات العربية، لم أشجع فريق دون الآخر فكلهم في القلب سواسية، لكن مع الأيام بت أميل إلى منتخب العراق نظرًا لتميزه في اللعب حينها، قمت بمتابعة جميع مبارياته وكنت من مشجعيه، ومن المضحك أنني بسبب هذا الإعجاب، أغرمت بكرة القدم، وقررت أن أنضم إلى المنتخب العراقي كلاعبة في صف الهجوم، بعدها أصبحت أعدّ نفسي وأتدرب لأليق بهذا المقام، وأتماشى مع جنون أحلام الصّبا، كم لعبت حينها كرة القدم مع أبي رحمه الله وإخوتي؛ إلى أن صفعتني الكرة في إحدى الأيام على وجهي لأفقد توازني، وأسقط على الأرض لأعلن بعدها اعتزالي لكرة القدم قبل انضمامي للمنتخب العراقي، كلمّا تذكرت تلك الحادثة، أضحك بعلو صوتي، ولولا ضيق الصفحة هنا، لملأتها بالهاءات المتشابكة ضحكًا على أماني الصّبا البريئة، السّاذجة.

 

مع مرور الوقت وبسبب الظروف السياسية التي مرت بها بلادنا العربية، توقف منتخبي العراقي المفضل عن المشاركة في المباريات إلى حين، وتوقف معه شغفي الكرويّ، ولكن ظلت ذكريات الصبا تلوح في ذهني بين حين وآخر، وبقيت العراق ساكنة في القلب وستبقى، فعطاء هذا الوطن الأصيل لا يقتصر على التفوق بكرة القدم فحسب، بل يتجاوزه إلى أبعد الحدود. فمن منا لم يتشبّع بثقافة وشعر وأدب بلاد الرافدين؟! من منا لم يعشق قصائد أبي الطيب المتنبي؟! وأي علم ذاك الّذي لم يستق من فيض علماء العراق؟! وأي مثقف ذاك الّذي لم ينهل من ينابيع حضارة هذا البلد العريق.

 

ربما انقطعت عن متابعة المنتخب العراقي البطل في كرة القدم، لكن نهر عطاء هذا الوطن الأصيل يستمر في دفق عذب مائه، وها أنذا أتابع كل ما جادت به أقلام أدباء وشعراء وكتاب هذا الوطن العريق؛ الوطن الّذي تتوج بحضاراته وتراثه وعلمه وثقافته وأصالته، أتابع الأديبات والأدباء، الروائيات والروائيين، الشاعرات والشعراء بكل شغف، كما أشارك في بعض الندوات الثقافية المنبثقة من هذا الوطن الأصيل؛ لأستمع إلى هذه القامات الأدبية السامقة وأنتهل من فائض علمها وتجاربها.

 

حتى الأغاني الخالدة والحديثة منها لها نصيبها في متابعتي، فهي ذات طابع مميز من حيث الصوت واللحن والكلمات والمشاعر، فمن منا لم يستمع إلى ناظم الغزالي وأغنياته التي غردت بأجمل الكلمات وأعذب الألحان؟!

 

سافر أبي إلى العراق وعمل فيها، وعاد إلينا بذكرياته الجميلة الدافئة؛ من بغداد والبصرة وغيرها من المدن العريقة لنعيش معه الأوقات المليئة بالحب، حمل في قلبه العراق وعشقه وأودعه في قلوبنا، فلم ننس هذا الوطن العظيم الذي احتضن في ربوعه الآمنة الخضراء كل الجاليات العربية بحب ودفء، ورواهم من الرافدين بأعذب الماء.

 

ها نحن نعود ثانية إلى كرة القدم واحتضان العراق لدورة الخليج الّتي تتوج بها ليكون بطل دورة الخليج في كرة القدم، فهينئا للعراق وهنيئا لنا هذا الحب.

 

حفظ الله العراق وشعبه بكل خير وحب وأمن وسلام.