كـتـاب ألموقع
ألْحُرْمَانُ مِنَ الْعَمَلِ!// د. ادم عربي
- المجموعة: ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 06 شباط/فبراير 2024 20:14
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 1415
د. ادم عربي
ألْحُرْمَانُ مِنَ الْعَمَلِ!
د. ادم عربي
لَا يدْرِكُ قِيمَةَ "الْعَمَلِ" إِلَّا مَنْ حُرِمَ مِنْهُ ؛ فَهُوَ الْوَحِيدُ الَّذِي يمْكِنُهُ أَنْ يُخْبِرَكَ عَنْ فَضْلِهِ وَيُوضِحُهُ لَكَ. فَمَنْ يَفْتَقِدُ شَيْئًا (وَمِنْ ثُمَّ فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى منْحِهِ) هُوَ أَحْسَنُ مَنْ يُعَلِّمُكَ بِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الشَّيْءِ. الْعَمَلُ (الَّذِي أَقْصِدُهُ هُنَا عَمَلُ الْعَامِلِ فِي النِّظَامِ الرَّأْسِمَالِيِّ) هُوَ نِعْمَةٌ بِمَفْهُومِهَا النِّسْبِيِّ، فَـ "كَأْسُ الْعَمَلِ" نِصْفُهُ مَلِيءٌ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ خَالٍ. وَأَنَا أَشِيرُ إِلَى الْجُزْءِ الْفَارِغِ مِنْهُ إِلَى جَوَانِبِهِ السَّلْبِيَّةِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ. وَالْإِنْسَانُ الْحُرُّ، الَّذِي يَنْبَثِقُ مِنَ الْمُجْتَمَعِ الْحُرِّ أَوْ الَّذِي يَلِدُهُ الْمُجْتَمَعُ الْحُرُّ، هُوَ الْإِنْسَانُ الَّذِي نَجَا مِنْ اسْتِعْبَادِ الْعَمَلِ الرَّأْسِمَالِيِّ.
"لَا يَأْكُلُ إِلَّا مَنْ يَعْمَلُ"؛ فَهَلْ فَهِمْتُمْ مَا يَحْمِلُهُ هَذَا الْمَبْدَأُ (أَوْ الشِّعَارُ) مِنْ دَلَالَاتٍ، وَعَلَى مَا يَكْتَنِفُهُ مِنْ إِيجَابِيِّ الْمَعْنَى وَسَلْبِيِّهِ؟ "مَنْ لَا يَعْمَلُ لَا يَأْكُلُ"؛ وَمَنْ لَا يَأْكُلُ يَفْنَى جُوعًا (وَوَبَاءً، وَتَهْلُكَ مَعَهُ عِزَّتُهُ وَكَرَامَتُهُ الْبَشَرِيَّةُ).
وَالْعَمَلُ هُوَ أَنْ تُقَدِّمَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَلِمَ، وَحَتَّى تَسْتَلِمَ؛ فَالْعَمَلُ مِثْلُ الْقَرْضِ ؛ الْعَامِلُ هُوَ الدَّائِنُ، وَصَاحِبُ الشُّغْلِ هُوَ الْمَدِينُ؛ وَمَا الْأُجْرَةُ الَّتِي يَنَالُهَا الْعَامِلُ عَلَى شُغْلِهِ إِلَّا قَرْضًا لَهُ عَلَى صَاحِبِ الشُّغْلِ يُسَدِّدُهُ هَذَا "الْمَدِينُ" فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ (شُغْلٍ). وَلَكِنَّ هَذَا "الْقَرْضَ" غَيْرُ مُشَابِهٍ لِلْقَرْضِ الْمَعْرُوفِ؛ فَـ الْمَدِينُ، فِي الْقَرْضِ السَّائِدِ الْمَعْهُودِ، يُعْطِي رِبْحًا ؛ وَأَمَّا هَذَا الْمَدِينُ، أَيْ صَاحِبُ الشُّغْلِ، فَلَا يُعْطِي رِبْحًا، وَلَا يُسْدِّدُ الْقَرْضَ كُلَّهُ؛ إِنَّمَا يُعْطِي جُزْءًا مِنْ هَذَا الْقَرْضِ، مُسَمِّيًا هَذَا الْعَطَاءَ أُجْرَةً مُنَاسِبَةً (وَإِنَّهَا لَـ مُنَاسِبَةٌ بِمِقْتَضَى أُصُولِ الْعَدْلِ الرَّأْسِمَالِيِّ).
أَنَا أُؤَيِّدُ هذه الْقَاعِدَةَ (مَنْ لَا يَعْمَلُ لَا يَأْكُلُ) إِذَا كَانَ الْهَدَفُ مِنْهَا (فِي التَّطْبِيقِ) هُوَ أَنْ يُجَازِيَ الْمُجْتَمَعُ كُلَّ مَنْ لَا يَشْتَغِلُ وَهُوَ مُؤَهِّلٌ وَقَادِرٌ عَلَى الشُّغْلِ (وَعَلَى شُغْلٍ مُتَاحٍ لَهُ).
وَلَكِنَّ هذا الذي تُرِيدُونَ مُعَاقَبَتَه (بِتَطْبِيقِ ذلك القَانُون) لا يُمْكِنُ مُعَاقَبَتُه؛ لأنَّه لا يَحْتَاجُ إلى الشُّغْل؛ فهو ثَرِيٌّ بِمَا يَجْعَلُه مُسْتَقِلاً عَنِ الشُّغْل؛ إنَّه مِنَ الذَّوات(أو مِنْ أبنائهم)؛ فلا تُهَدِّدُوه بِهذِهِ المُعَاقَبَة حتى لا يَسْتَهْزِئَ بِكُمْ، ويَسْخُرُ؛ وهو أقوى مِنْكُمْ حَتَّى فِي المنطق؛ فإذا جَرَّبْتُمْ إقناعه بِأنَّ مَنْ لا يَشْتَغِل لا يأكل، فهو سَيَأْتِيكُمْ بِحُجَّة قَاطِعَة عَلَى أنَّ مَنْ لا يَشْتَغِل (مِنَ الذَّوات، ومِنَ الطَّبَقَة المفضَّلة على العالمين) يَمْتَلِكُ، وعَلَى أنَّ مَنْ يَشْتَغِل (مِنَ العاملين) لا يَمْتَلِكُ. إنَّه يَمْتَلِكُ مَا يُؤَهِّلُه لِأَنْ يُجْبِرَ مَنْ لا يَمْتَلِكُ عَلَى الشُّغْل لَدَيْهِ، ووما يُسْبِغ عليه نِعْمَة التحرُّر من عبودية العمل؛ أمَّا مأكله (وسائر أوجه عيشه الرغيد) فيحسده عليه أهل الفردوس.
"مَنْ لا يَشْتَغِل لا يأكل" ليس إلَّا قَاعِدَة للإِجْرَام، يَنْتَهِكُهَا أُسْيَاد الشُّغْل ، بِمُشَارَكَة دُوَلِهِمْ وَحُكُومَاتِهِمْ، ضِدَّ مَنْ لا يَشْتَغِل؛ لِأَنَّه لا يَعْثُر عَلَى شُغْلٍ (وهو القَادِر عَلَى الشُّغْل، الصَّالِح لَهُ).
إنَّهم يَعْتَبِرُونَ كل مَنْ تَضَيِّقُ بِهِ سَوْقُ الشُّغْلِ الرَّأْسِمَالِيَّة (التي بِضَيْقِهَا إنَّمَا تَنْعَكِسُ مَصَالِحُهُمُ الفَئَوِيَّةُ والطَّبَقِيَّةُ الضَّيِّقَةُ) عَلَى أنَّه مِنَ الزَّيَادَةِ السُّكَّانِيَّةِ، ويَسْتَحِقُّ "عُقُوبَةَ مَالْتُوس"، عُقُوبَةَ الفَنَاءِ جُوعاً (ومَرَضاً)، وسَحْقَ عِزَّتِهِ وكرامته.
وفي قِسْمٍ مِنْ هذِهِ الفَئَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ العَرِيضَةِ ، يَسْتَثْمِرُونَ جُهُوداً هِيَ لِجِهَةِ أَغْرَاضِهَا وَنَتَائِجِهَا شَرٌّ اجْتِمَاعِيٌّ وَأَخْلَاقِيٌّ… ؛ فَمِنْ هذِهِ الفَئَةِ (التي لا هَمَّ لِأَفْرَادِهَا إلَّا أنْ يَنْجُوا بأَنْفُسِهِمْ خَطَرَ الفَنَاءِ جُوعاً) يَسْتَقْطِبُونَ أُنَاساً لِأَعْمَالٍ تترفَّع الحَيَوَانَاتُ عنها.
وكَثِيراً مَا شَاهَدْنَا جيش العاطلين (وهُمْ فِي بِلَادِنَا جيشٌ، أَفْرَادُهُمْ مُهَدَّدُونَ بِالهَلَاكِ جُوعاً) يَمَارسُونَ إِكْرَاهاً فِي سَبِيلِ خَفْضِ مُسْتَوَى الإِنْسَانِيَّةِ فِي أُجُورِ وَمَرْتَبَاتِ العُمَّالِ وَالمُوَظَّفِينَ الصُّغَارِ، وَسُوقاً تَنْمُو فِيهَا حِرْفة النَّخاس؛ وَهُنَاكَ نخَّاسُونَ كُثُر يَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ السِّلَعِ الإِنْسَانِيَّةِ الزَّهِيدَةِ فِي أَدَاءِ أَعْمَالٍ (وَوَاجِبَاتٍ) قَذِرَة، لا يَرْضَى بِأَدَائِهَا إلَّا إِنْسَانٌ أَفْقَدَه افتقاده العيش الكريم ، الآتِي مِنْ شُغْلٍ تَصَعَّبَ عَلَيْهِ الوُصُولُ إِلَيْهِ، البقية البَاقِيَةُ مِنْ إِنْسَانِيَّتِهِ، فَصَارَ آلَةً مُطِيعَةً فِي يَدِ وليِّ نعمته الذِي هُوَ مِنَ الأَثِرِيَاءِ الذَّوات، السَّادِةِ عَلَى الاقْتِصَادِ وَالسِّيَاسَةِ… عَلَى المجتمع وَالشَّعْبِ.
وَقَدْ ابْتَلَانَا اللَّهُ، نَحْنُ سُكَّانَ الشَّرْقِ، وَالشَّرْقِ العَرَبِيِّ بِشَكْلٍ خَاصٍ، بِمَالِكِينَ وَقَادَةِ مُؤَسَّسَاتٍ وَأَعْمَالٍ لَا يُفَرِّقُونَ أَبَدًا بَيْنَ خِدْمَةِ العَامِلِ وَالمُوَظَّفِ لَهُمْ ( بِصِفَتِهِمْ الوَظِيفِيَّةِ وَالمِهْنِيَّةِ) وَبَيْنَ جَعْلِهِ خَادِمًا (شَخْصِيًّا) لَهُمْ، يَقُومُ بِأَعْمَالٍ لَا عِلَاقَةَ لَهَا بِعَمَلِهِ الحَقِيقِيِّ أَوِ الرَّسْمِيِّ؛ فَإِمَّا أَنْ يَذِلَّ وَيُوَافِقُ (وَهُوَ ابْنُ مُجْتَمَعٍ تَنْتَهِكُ فِيهِ الحُقُوقُ) وَإِمَّا أَنْ يَجِدَ نَفْسَهُ، مَعَ أَسْرَتِهِ، فِي الشَّارِعِ، مُضَاعِفًا جَيْشَ العَاطِلِينَ عَنِ العَمَلِ.
ثُمَّ بَعْدُ (وَشَرُّ البَلِيَّةِ مَا يُضْحِكُ) يَتَسَاءَلُونَ فِي حَيْرَةٍ وَتَعَجُّبٍ (وَكَأَنَّهُمُ الفَضِيلَةُ تَشْكُو ضَعْفَهَا إِلَى أَرِسْطُو) قَائِلِينَ: لِمَ كُلُّ هَذَا العُنْفُ فِي سُلُوكِ طَلَابِنَا وَشَبَابِنَا؟!.
لَقَدْ غَرَسُوا الأَشْوَاكَ ظَنَّاً مِنْهُمْ أَنْ يَقْطِفُوا عَنْهَا عَنَبًا، وَأَنْ يَحْصِدُوا مِنْهَا وَرْدًا!
فِي شَبَابِنَا فَنِيٌّ وَمَاتَ كُلُّ مَا يُحِبُّونَ؛ فَهَلْ نَعَاتِبُهُمْ إِذَا مَا كَرِهُوا حَتَّى أَنْفُسَهُمْ؟!.
المتواجون الان
585 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع