د. ادم عربي
أرابيوس الذي تعلَّمتُ منه معنى الحياة!
د. ادم عربي
الشَّيْءُ لا يُرَى بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، عَلَى أَنْ تُفْهَمَ العَيْنُ الطَّبِيعِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا انْدِمَاجٌ مَعَ عَيْنِ الوَعْيِ، فَلَوْ كُنْتَ فِي رَحْلَةٍ إِلَى نَهْرٍ، وَنَظَرْتَ إِلَى النَّهْرِ بِعَيْنِ الفَيْلَسُوفِ أَوِ الفَنَّانِ لَوَجَدْتَ النَّهْرَ يَخْتَلِفُ فِي رَؤْيَتِهِ وَمَا يُرَى مِنْهُ وَمَا يُرَى فِيهِ، وَلْنَتَذَكَّرْ نَهْرَ هِيرَاقْلِيطُسَ، حِينَ قَالَ: "بِأَنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ السَّبَاحَةَ بِمَاءِ النَّهْرِ مَرَّتَيْنِ".
أَيُّهَا الْمَارُّ مِنْ هُنَا، كَمَا أَنْتَ الْآنَ كُنْتُ أَنَا، وَكَمَا أَنَا الْآنَ سَتَكُونُ أَنْتَ، فَتَمَتَّعْ بِالْحَيَاةِ؛ لِأَنَّكَ فَانٍ!
إِذَا يَئِسْتَ مِنَ الْحَيَاةِ، أَوِ اسْتَعْصَى عَلَيْكَ فَهْمُهَا، أَوْ إِذَا مَا كُنْتَ رَاغِبًا فِي حُسْنِ الْفَهْمِ وَالتَّعْلِيلِ لَهَا، فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى زِيَارَةِ بَلْدَةِ جَدَارَا فِي أُمِّ قَيْسَ بِالْأُرْدُنِّ؛ عَلَى أَنْ تَزُورَهَا زِيَارَةً فَلْسَفِيَّةً، تَسْتَهِلُّهَا بِالْوُقُوفِ وَقْفَةَ تَأَمُّلٍ عَمِيقٍ أَمَامَ حَجَرِ الشَّاهِدِ لِقَبْرِ أَرَابِيُوسَ، وَالَّذِي نُقِشَتْ فِيهِ كَلِمَاتٌ عَظِيمَةٌ، خَاطَبَ فِيهَا هَذَا الشَّاعِرُ الْقَدِيمُ الْعَظِيمُ الزُّوَّارَ قَائِلًا: أَيُّهَا الْمَارُّ مِنْ هُنَا، كَمَا أَنْتَ الْآنَ كُنْتُ أَنَا، وَكَمَا أَنَا الْآنَ سَتَكُونُ أَنْتَ، فَتَمَتَّعْ بِالْحَيَاةِ؛ لِأَنَّكَ فَانٍ!
زُرْهَا.. وَلا تَنْسَ قَبْرَ مَيْلِيغْرُوسَ الَّذِي يُخَاطِبُكَ صَاحِبُهُ قَائِلًا: إِنْ كُنْتَ سُورِيًّا، فَلَكَ مِنِّي تَحِيَّةٌ، وَإِنْ كُنْتَ فِينِيقِيًّا، فَلْتَعِشْ يَا سَيِّدِي، وَإِنْ كُنْتَ يُونَانِيًّا، فَأَتَمَنَّى لَكَ الصِّحَّةَ، وَأَمَّا أَنْتَ، فَأَجِبْ عَلَى التَّحِيَّةِ بِمِثْلِهَا.