اخر الاخبار:
الأمن العراقي يعتقل 22 مروجا لحزب البعث - الخميس, 13 آذار/مارس 2025 18:58
سقوط مسيرة "تجسسية" قرب مقر أمني في بغداد - الأربعاء, 12 آذار/مارس 2025 18:54
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

"نحن" واللغة العربية// خديجة جعفر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

خديجة جعفر

 

عرض صفحة الكاتبة 

"نحن" واللغة العربية ...

خديجة جعفر

 

ملفتة في مناسبة "يوم اللغة العربية"، تلك الفئات المتمترسة جندا مدافعا عن ضرورة الحفاظ على اللغة في مواجهة الهجمات، وفق آليات لا تقرب المصارحة النقدية، الموضوعية، الواقعية لتشريح الاسباب  والوقائع لهذا التهديد..

فمِّمَ الخوف؟؟

هل نخاف على لغتنا باعتبارها جملة حروف مبعثرة معرضة للتهاوي والزوال امام منافسة لغات اخرى كما يحلو للبعض أن يتوهم؟ ام ترانا نخاف على الجماعة المعتبرة "نحن" ترجمة والية وجود من هذه اللغة؟

 

لطالما تداخل التعامل مع اللغات، بين ان تكون بنية قواعد ونحو وصرف كما ارادها سيبويه في كتابه:

"الكتاب" ليصنف بمثابة قرآن النحو مع ما يؤشر ذلك بخير دليل على تقديس اللغة  (وقد روي عنه حادثة تفضيل موت حماره الذي لف الحبل حول عنقه عن ان يخطئ خادمه خطأ لغويا في نقل الخبر).. هذه القدسية التي تجعلنا خدما في محراب اللغة على ان تكون خادما مرنا لتفاعلاتنا الانسانية ونقل المعاني والدلالات من خلال استخدام الرموز الصوتية، انها قداسة تكرس مسافة هشة بيننا وبين لغتنا شكلت خاصرتها الرخوة حال استقبال مهاجمين ، لنخاف علينا باغلب الظن اكثر من اننا نخاف عليها، فنُلبس خوفنا هذا، اقنعة، من هنا وهناك، لخفض منسوب الاعتراف عجزا مقلقا...

 

فان يذهب سبينوزا في كتابه: "رسالة في اصلاح العقل" لاعتبار ان الكلمة هي جزء من مخيلة الانسان، وهذه المخيلة عرضة للخطأ، فلا بد من تنبيه لها تفاديا للوقوف في الخطأ مؤكدا في رسالته على ان الكلمات علامات للاشياء على ما تكون عليه هذه الاشياء في المخيلة ولا على نحو اخر ... بالتالي فقد خلع عنها عزلة قدسيتها ليجعلها خاضعة للمخيلة البشرية وجودا واختيار رموز تبث الافكار، وهو ما يؤكده جون لووك حين اعتبر ان الانسان غير مفطور على اللغة انما هو يمتلك القدرة على استخدامها بفضل قدرات النطق بالاصوات فيعتبر انه حر في ان يختار رموزه اللغوية تعبيرا عن افكاره الخاصة مع ضرورة الاتفاق العام المناسب بين الرموز التي تنقل الى الاخرين ليحدث التفاهم في نقل الفكر بين متحدث ومتلقي ..

 

هذا ويتحدث الدكتور الطيب بوعزة مستحضرا هاجس، الكشف عن مفتاح السر  الموجود في كل اللغات البشرية، للألسني المعاصر "بيل فينست" و "اندريه مارتينيه" في محاولات الكشف عن التشابه العام بين اللغات البشرية، ليؤكدا بدراساتهما على ان اللغات تتشابه في الياتها انما الإختلاف يكمن في الألسن، وان ثمة اتفاق جوهري في اللغات جميعها وفق ما سُميَ ب "التمفصل المزدوج" ويعنى به التشابه في منطق عمل اللغات جميعها بحيث يقول مارتينيه: "ان عبقرية اللغة البشرية، في انها جمعت مجموعة من الأصوات المحدودة جدا وهي (المونيمات) او ما يعرف بحروف ابجدية خالية من اي معنى بحالة عزلتها لانها لو اعطيت معانيها لما امكن ترابطها، اي، (الفونيمات) على شكل كلمات وجمل، ايّ قدرة على تشكل المعاني..

 

فان عبقرية اللغة بحسب مارتينيه، في انها حددت حروفا لا معنى لها ثم فجاة رتبت مجموعة لا متناهية من الكلمات ولكل كلمة معنى يخصها، فصارت الكلمة دالة بمعنى، ليعاد تمفصلها بشكل مزدوج فيعطي دلالة اخرى وهكذا دواليك، على عكس ما يحدث في طبيعة الأصوات الحيوانية العاجزة عن هذا التمفصل ...

 

فما بين ايقاظ غفوة النَحَوي بخطأ اللحن، ما يكرسنا ثباتا افقيا وعلى مسافة منا، وبين تمفصل مزدوج يضعنا بشراكة التأليف الفونيمي المباشر للرموز الصوتية واعطائها دلالات المعنى تحدث الصراعات التي تجعلنا نخاف على لغتنا العربية من هجمة تمفصل مزدوج اقوى...

 

على مستوى اللغة العربية التي تحوي ٢٧ ابجدية وتضم بحسب بعض الاحصاءات الحديثة ما يقارب المليون مفردة... اين يكمن خوفنا؟ وما هي موجبات هذا التخوف؟

انطلاقا من ان اللغة تحتضن تجارب الشعوب الثقافية وليست هي ثقافة مكلقة للشعوب، بل انها مجرد وسيلة تبيان ونقل المواقف واطلاق الأحكام والمشاعر والاراء والافكار.. فهل يبادر الى اذهاننا اننا لمجرد ان نتكلم لغة مستجدة سنمتلك ثقافة وانماط عيش وتفكير مغاير؟

وهل لو قرأنا كتابا فرنسيا، سوف يغادرنا سيباويه وابن جني لنفكر بذهنية تطابق فولتير مثلا؟ لا اظن ذلك بل انه وباغلب الظن سوف يغادرنا سيبويه ناقما حين لا يمكننا تزويده بمادة تضاف على ما تقدم به...

 

لكل لغة خلفية من حياة مستقلة عنها، تنتقل انتقالا، باداء دور الوسيط السردي ليس الا، وان هذا الوسيط حاضر، يثبت ذاته بالحضور معنى وتميزا ووساطة نقل بأقل تقدير، وفي الحضور ثمة تاكيد لوجود الذات امام آخر وليس ضمنه، فهل نخاف على الوسيط، اللغة، من غياب او اندثار في طيات دخيل لغوي وهو الحاضر؟

ام اننا نخاف هذه المواجهة بما تحمله من قدرات تنافسية، ونحن القلقون، لاننا ندرك اننا نمارس اللغة بقداسة، الثبات والاكتفاء، ما يجعل من خاصرتها رخوة؟...

اللغة ليست باكثر من وسيلة لنقل المعنى والدلالات، بالتالي فان هذه المخاوف لا تجد مبرراتها، الا من زاوية ال "نحن"، فالخوف المبرر ليس على اللغة بقدر ما يدور حول النحن.. لغتنا حاضرة، تعبر عنا، تسردنا، تنقلنا.. فأي "نحن" قلق نريد لها نقله؟

 

جميعنا يتقن لغته، يتحدث بها بحكم حضورها، ارثا ومعرفة وتشكلات وعي ولاوعي منا، نقرؤها، نكتبها.. انما وهي بكامل موضوعيتها عاجزة عن نقل ما ليس فينا امام سطوة منافسينا، فنحن لا نحتاج دفاعا عن وجود لغتنا بقدر حاجتنا للانتاج الذي يغني هذه اللغة في عمليات سردها ونقلها ..

 

اللغة وعاءنا، فإن نكن سوائلا ، شكلتنا. ولو نكن ذرات تتفاعل، حفظتنا ،وحفظت وجودنا فيترسخ حضورها.

فأي لغة نريد الحفاظ عليها؟

فهل نريد للغتنا حضورا مسلما به، كونها لغة القرأن تدينا وفقها اكثر منها دعوة ايمان؟ فعلينا اذا أن نتوقع طفرات التطرف والإرهاب الذي سيسيء نقلا ألى اللغة اكثر مما يحفظها وسط المنافسة المقلقة للنحن ..

هل نريدها لغة سردية لذاكرة ماض نحارب كل الحرب لاستمراريته دون حاضر منتَج؟

فسنكون امام لغة تتعفن في كتب التاريخ, تتغنى بالكم، ملايين المفردات، بالتلون اشتقاقا، بالموسيقى الحانا من قواعد النحو  والصرف...

انريدها لغة فن وأدب وشعر وقصص خيال تسير بافقيه اللاحياة المعاشة منا بما لا يشبهنا، تسيرها احلامنا المشتهاة فقدا، لنبعدها عن تجارب عيشنا اكثر فأكثر حتى تعادينا اغترابا؟

 

ندرك تماما ان كل هذه الخصوصيات اللغوية لن تندثر، ولن تتحلل، ولن تقهر،  لكنها ستسردنا واقعا تاريخيا، ماضيا عاجزا في حضوره عن منافسة الان في  الصراع، فيتحول نحو صراع الغائي في ظل ما نحمل من بذور الثبات  الانتاجي...

 

نحن على يقين من ان هذه اللغة التي نخاف عليها ظاهريا، ناضجة كفاية لئلا نخاف اندثارها، نحن نخاف اندثارنا "نحن" ... قوميات، ثقافات وشعوب، فاللغة دون بشرية حامليها، كما الحدود بلا المواطنين، مجرد جغرافيا ضائعة...

فمن هجمة الصراعات الثقافية المهيمنة، لا يجدر الخوف على اللغة، فلن يضر بالعربية لغةً، أيَّةُ استضافة، بقدر ما سيسقط من جودة عناصرها بنىً، وهي عاجزة عن سرد مستجدات تمكنها خوض معركة وجود، ان ذلك التمركز في افعال الماضي وامجاده المستعادة نسخا لا تغتني بجديد من انجازات، سوف يقلق لغتنا ويربكها وفقا لقواعد  التشابه بين الجماعة ولغتها مكونا ثقافيا يخصها ..

 

بقدر ما نستورد افكارا ، معارف وحاجيات، سيكون بديهيا استيراد اللغات والالسن، ولسوف نختفي رويدا رويدا مع كل استيراد غير معقلن. لتبقى قواعد الانتاج مضارعا، فسحة الحماية ، وقوة، لحفظ اللغة العربية ولثقافتنا ، من اي تهديد  ..

 

خديجة جعفر

19 /12 /2024

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.