اخر الاخبار:
غوتيريش يحذر من اقتراب "الدمار" المناخي - الخميس, 06 تشرين2/نوفمبر 2025 20:33
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الكتابة بحليب التين// مراد سليمان علو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مراد سليمان علو

 

عرض صفحة الكاتب 

الكتابة بحليب التين

مراد سليمان علو

 

(1)

في أعياد رأس السنة، وكما في كل مرة حين يضجّ العالم بالتهاني والتبريكات، ينسلّ هو من بين الضجيج، لا يرسل لأحدٍ شيئًا.

يقف أمام المرآة، يتأمل وجهه كما لو أنه يقرأ فصلاً من كتابٍ نسي أن يكتبه.

يمضي في شوارع المدينة الغريبة، ليلها طويل، وأضواؤها لا تسأله عن شيء.

وإن صادف قلبًا وفيًا، وروحا صالحة؛ يكتفي بابتسامة خفيفة، ثم يعود إلى صومعته، حيث لا أحد ينتظر، ولا أحد يغيب.

 

(2)

فعلتُ أشياء كثيرة،

أشياء قبيحة كثيرة، وأشياء جميلة كثيرة!

ولكنني أبدًا لم أقرأ كثيرًا!

كل الذين يجيدون التكلم مع الحيوانات في تلك القصص المسلية، من أيام طفولتنا المسروقة؛ إنما يفعلون ذلك ليعذروا أنفسهم، لأنهم يجيدون التكلم!

 

(3)

سأمُ اللحظة لا يطرده فيلمٌ جميل، ولا قطعةٌ موسيقيةٌ عذبة، ولا ذكرى آيروتيكية.

لا يطرده إلا النهوضُ من الكرسي!

وتدرك فجأة أن المشكلة ليست في الذاكرة...

وأن ذلك الحَجَل، ربما كان يحذّر إخوته من الاقتراب من الفخ، لكنهم أصرّوا على إنقاذه منه؛ فوقعوا فيه مثله!

 

(4)

كانت مساءاتنا أغاني ماجدة الرومي...

والآن أيامنا بلا شمس.

وسؤالنا الوحيد: ما هي الجرعة المناسبة من فيتامين (D) التي علينا أخذها في اليوم؟

ولأنك بالون هذا العمر، تصبحين كل فيتامينات حياتي، زائدا شمس العراق.

 

(5)

إنها الحياة، فيها أوجه جميلة...

نومة السطح على دارنا القديم في قرية (السكينية العليا.)

أول درهم فضي، هدية من أمّي، اشتريت به (كوكاكولا) من دكان (حسن مراد جروت)، وتقيأت على درج الدكان قبل أن أكمل شرب القنينة.

المهم، غرامنا الشبيه بدندنة عزف جاري خلف قاسكي على طنبوره الشنكالي، وقلائد التين التي كان يهديها عمي إلى موزارت.

 

(6)

هي فلسفة وجودية أن تضع في جيب قميصك باكيت (الروثمان)..

لكنني لم أفهم حينها مزاحمة قلم الحبر (الباركر21) مع باكيت (الروثمان) ذات اللون الحليبي والبحري في جيب قميص أبيض شَكَري اللون من ماركة (ألفا).

طوال فصل الصيف كنت محتارا...

أين، إذن، أضع صورة نادية لطفي؟

 

(7)

المعضلة أن تتعرف على ذاتك. وتودع طفولتك...

قبل أن ترمي أول عقب سيجارة، ترى طفولتك مرسومة عليه..

تتأمل صور الفنانين الذين كنت تلعب بهم مع أقرانك، فتدرك أنهم كانوا مجرد صور... لا أكثر.

ونادية لطفي لا تعرفك، ولا الملك فيصل الثاني صديقك. صديقك هو باكيت سجائرك، وثمن تذكرة الدخول إلى فلم (أبي فوق الشجرة).

 

(8)

جائزة الحياة لنا...

ليس في السباق فائزٌ ثانٍ، ولا ثالثٌ يتبع الخطى.

هناك فائز أول، يحمل في جيوبه الكثير من الحصى من وادي الذكريات، وهناك خاسر أول لا يحمل في جيبه من رمل سيباى حفنة.

نحن جميعا فائزون وخاسرون نقف على حافة عيد الحب، لا نملك سوى شباكٍ قديم، تتدلّى منه باقة ورد، وكتاب أشعار لنزار قباني، ومسجلة (ناشيونال) من زمن السبعينات فيها شريط خدر فقير.

 

(9)

كما صوت (قبال) يلعلع في كازينو صيفي في سنجار، سنجار المحرومة من زيارة البابا.

سنجار تشبه بابل، وتشبه دهوك، وتشبه الموصل. وقصتها تشبه أفلاما هندية كانت تعرض في سينما السندباد في أيام الحرب مع إيران.  الاختلاف هو في ترتيب الحروف ووضع (خمسها) في كأس شيخادي الأول.

الظل... هو المخلص الأول والأخير. كان صديق بوذا في وحدته تحت الشجرة، ولم يخن الحسين في ثورته. وهو أنيس السبية في محنتها تشكو له همومها دون خوف. يا جماعة الظل هو الوجه الآخر للشمس.

أما اللسان... فلا ظل له. يحتمي بكهف الفم، ويظل يثرثر بلا طائل.

 

(10)

توسلت بمديرة مكتبة سنجار الفرعية أن تسمح لي باستعارة كتاب (الأنف العجيب) للمصري محمد الأبراشي، ولكنها رفضت بحجة كرهها للفرعون.

عند زيارتي الأخيرة لـ (ديزني لاند) حكيت الحكاية لـ (بونوكيو) ابتسم، وبدأ يبرر فعل أمينة المكتبة ويحدثني كيف تعاون على أرض الفراعنة مع الجنيات الثلاث في بناء أهرامات الجيزة دون أن يطول انفه ولو سنتمرا واحدا.

أنا أحمل صوت الجبل، وصدى مقاهي سنجار، ومقهى أم كلثوم في شارع الدواسة، وفي جيبي بقايا بوستر فلم (أفواه وأرانب).

وفي آخر الليل أرتب مقاطع قصيدة (حياة من طين)، وكأنني أرتب فوضى حياتي من ضجر أمينة مكتبةٍ رفضت أن تُعيرني كتابًا، إلى مدينةٍ تُعيرني شخوصها خيالًا.

 

(11)

 عشتُ معكم في قلب المكان، وفي أول حلم أدركتُ أن الأيزيدي لا مكان له. قلبه تينة جبلية، تتجمع عليها الفراشات البرتقالية، والسنونو الأنيق، والضفدع الأخضر المغرور. وتخرج من بابه صحون اللبن والخبز الحار للجيران.

جميعهم تركوني... المندائيون بملابسهم البيض، التي تشبه قلوب الفراشات. اليهود بجيوبهم المليئة بالجوز واللوز. المسيحيون بخشب الصندل، الذي يصنعون منه صليبًا جديدًا للمسيح. الأرمن الذين تجمعوا حول نار ديوان (حمو شرو). والزرادشتيون الذين يكفّرون نيتشه لأنه سرق المطرقة. وجميع أصحاب تسجيلات سوق الهرج...

وحدها المرايا تفضح النحيب...

وحدهم العصافير ينقلون دموع المهاجرين.

 

(12)

كتبتُ بعطر أميرات باعذرا،

وبحليب تين سنجار،

وبقلم رصاص، هدية من الأستاذ عيسى حليمة، حين كنتُ في الصف الرابع الابتدائي.

نقلتُ لكم من ذاكرة قرى الطين في حوض جبل شنكال، إلى أن طلع الصباح.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.