ماهي العمارة؟ ومن هم المعماريون؟
د. هاشم عبود الموسوي
( من ضمن مقالات: العمارة للجميع )
مستل من كتابي الجديد" سيمياء العمارة "
والذي سيصدر قريبا عن دار حوران في دمشق .
تعتبر العمارة هي أم الفنون وأعرقها وأكثرها إحتكاكا بالإنسان، فهي تحتوي الحياة الإنسانية بمختلف صورها. حيث يولد الإنسان ويعيش في مساكن وعمارات متباينة الإرتفاعات، ويعمل في مباني مكاتب ومصانع، ويشتري حاجياته من مراكز تجارية وأسواق، ويلهو ويمرح في المباني الترفيهية، ويلعب في ملاعب رياضية مكشوفة ومغطاة، ويتعلم في مدارس ومعاهد وجامعات، ويتثقف في في مكتبات ومتاحف ومسارح، ويتعبد في مساجد أو كنائس أو معابد ... الخ. كل هذه الفراغات التي تمثل لنا قيمة عالية لما تخلقه في نفوسنا من متعة فنية في ذاتها وتكوينها، وتنقلنا الى حالة غنية بالحواس والأحاسيس والفكر، إنما هي من إبداع ذلك الإنسان الذي ندعوه بالمعماري وهوالذي يحاول أن يشعرنا (من خلال مكوثنا طوال حياتنا بهذه الفراغات) بالمتعة المادية والنفسية والفكرية .
تتعدد التعاريف للعمارة حسب اتجاهات طروحاتها، إلا أنها تتفق في مفردات تكوينها، الاّ وهي:
1. المكان Place :
مسرح قيام العمارة وهو حاوٍ لها ولفعالية الإنسان، له حدود معّرفة فيزياويا ذات صفات وظواهر واضحة، وحدود معرفة معنويا مرتبطة بكيان الإنسان وحضارته.
2. الزمان Time :
عنصر استمرارية العمارة، ويمثل أطار شمولية الأحداث التي تكون وحدة الحياة، ولا يمكن فصله إلى أجزاء وهو بمستويات:
- مستوى الحدث الماضي Happened
- مستوى الحدث الحاضر Happening
- مستوى توقع الحدث المستقبلي To Happen
إن هذه المستويات متواصلة وهي بحركة اتجاهية نحو المعرفة والأكتشاف، فلا يمكن معرفة الحاضر والمستقبل من دون معرفة الماضي، والموقف المجرد غير موجود، فإن الحدث لا يموت بل يعتبر متمما للوجود Existing الحاضر، كما أن الزمن غير محدد بوقفات مستقرة وتجزئته إلى مستويات هي لغرض تحليل الأحداث وتأثيرها.
3. الإنسان Man :
محور وجود العمارة كفرد Individual أو ضمن الكيان الأجتماعي Social Entity.
تقوم العمارة تلبيةً لحاجات مادية وروحية له Physical and Moral Needs، وتكون العلاقة بينه وبين العمارة على أساس إدراك كفاية Fulfillment تلك الحاجات.
إن تلك الأسس الإدراكية للإنسان (فردية أو اجتماعية) تنبع من أبعاد الفكر الإنساني التالية:
- علاقة الإنسان / بالإنسان، والفرد / بالمجتمع.
- رابطة الإنسان / بالمكان.
- البعد الزمني لفعل الإنسان.
إن العمارة تصبح بهذا فعالية إنسانية واجتماعية، تتبلور مفاهيمها من تلك العلاقات كما يلي:
1.3 الإنسان الإنسان: السلوكيات Behaviors والأفكار والقيم الناتجة من ارتباطه بالكيان الاجتماعي والفكري والثقافي لحضارته التي تمثل (الكل) ويكون الإنسان فيه جزءاً من ذلك الكل.
2.3 الإنسان الزمن: علاقة الإنسان بالزمن، نشأته، مراحل تطوره وأحساسه بالحدث، وهذا الأحساس هو الذي يميزه عن بقية الكائنات، فهو كائن متذكر ومتوقع في آن واحد وقياس انسانيته يعتمد على مستوى تذكره وتوقعه وعلى قدرته على تواصلهما وتفاعلهما.
وهو بهذا يعبر عمليا وفعليا عن استيعابه لتأثير الزمن كما يعبر روحيا ومعنويا عن تأثير الوقت (وجوده الزمني الحياتي القصير) برموز ودلالات عمارته ونتاجه الفني، محاولاً تحقيق البقاء والديمومة والتغلب على الزمن.
3.3 الإنسان المكان: تماس الإنسان بظواهر وخصائص المكان الجغرافية والطبيعية يوجد مجموعة من الحقائق المدركة، تتأكد لديه من خلال ثباتها النسبي عبر الزمن، ويحاول الإنسان الوصول إلى التوازن والتعايش معها ضمن الحدود الفيزياوية Physical Boundaries لذلك المكان.
إن تأثير الحدود المعنوية والنفسية Psychicbounderies تبعاً لأدوارد كيسي Edward Casey "يعود للقوة التي يملكها ذلك المكان في ممارسة تأثير فعال على الإنسان حيث يحتفظ بمواقع (جذب وتذكر) في نفسه"ويرتبط الزمن بالمكان، ويحاول الإنسان التغلب على ضعفه وخوفه من المجهول باحثا عن الأستقرار من خلال أماكن ذكريات.
والإنسان الذي يعيش ضمن هذا المدى (رابطة الزمن بالمكان) يصبح جزء من الشعور العام للحضارة، وتختلف هذه الرابطة من مجتمع إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى حسب طبيعة تلك الحضارة.
وتمثل هذه الأسس الثلاثة الأصل في فعالية العمارة، وتأثيرها بصورة شاملة ومتكاملة بأضافة غير حسابية (الكل إلى الكل).
4. قيام العمارة The Rise Architecture :
يعتمد قيام العمارة على ثلاثة مستويات:(*)
- القصد Intention
- الأداء Performance
- التقبل Percipiency
1.4 القصد Intention :
فكر يعني فيه الإنسان وجوب تحقيقه لحاجة (مادية أو روحية) لأيواء نشاط إنساني معين من خلال فعل معين.
ويكون التأكد من القصد أو الغاية هو المنطلق الأساس الذي يسبق الفعل لأي أنتاج (فكري أو عملي) وهذا التأكد سوف يثير قابليات الإنسان في التطبيق الذي يتطلب توظيف قدراته بالأختيار والقرار والتصميم، أن هذا التأكد يتمثل في وضوح المطلب ووضوح التوجه.
2.4 الأداء Performance
نشاط في المجتمع، هو حصيلة التقنية الاجتماعية من عمل فكري وتراكم استيعابة (الخبرة) واستمرار اكتشاف معطيات جديدة، إضافة إلى ممارسة عملية مادية يدخل ضمنها، عوامل: المواد Materials وصفاتها الكيميائية والفيزيائية المكونة لبيئة ومحيط الأنتاج المعماري، وهذه التقنية يوظفها المجتمع لتحقيق متطلبات الأنشاء والفعل التنفيذي في تحقيق العمارة.
ويؤثر المكان (البيئة) Environment في أداء العمل المعماري حيث يشير باولو بورتوغيزي Paolo Portoghesi إلى ظهور هذا التأثير في نوع من التحالف المنفعي Beneficial alliance بين المجتمع والبيئة، واوضح دلالاته في العمارة هو المادة Materialالتي يضعها المكان ضمن المقررية الفيزياوية والجغرافية بين يدي الإنسان كعامل أولي قابل للتطوير والتحوير، إن هذه المادة تكون العالم الطبيعي Natural World الذي يعيش فيه وبدورها سوف تكون العالم الأصطناعي Artificial world.
وعندما استعملت العمارة هذه المادة في تحقيق تنفيذها ضاعفت واسست دورها بجعلها مقوم أساسي لهذه الطبيعة الثانية (المصنوعة) التي تمثل (الأرض محورة من قبل الإنسان). شكل رقم (1.1).
وحيث أن الإنسان له قابلية كبيرة على التكيف فقد سعى دائما إلى محاولة استعمال الأساليب الكامنة Passiveفبتوجهه في التعامل مع ظواهر بيئية في تلبية الحاجات الأولية له، كالمأوىٰ ومواقع الحياة العملية اليومية.وبتقادم الزمن يتعلم الإنسان ويكتشف ويختبر نشاطات أدائية جديدة يضيفها إلى (كم) استيعابه ويوظفها في تلبية حاجاته.
3.4 التقبل Recipiency:
تفاعل بين الإنسان والعمارة بترابط الحس الفطري Sensory Intuition مع قابلية الإنسان العقلية في استعادة المعلومات وأعادة تركيبها في عملية تقييم، حيث يخزن الإنسان المعلومات والأحداث في عقله ويسترجعها، ويعيد ربطها أو أجزاء منها مع غيرها، ويؤثر ذلك في حسه وفي قراره المستقبلي من ناحية الفكر Thought والرأي Opinion والأختيار Choice، ويمثل تقادم الزمن تطور هذا التفاعل بين الإنسان والعمارة. شكل رقم (2.1).
في كامل علاقة الإنسان بالعمارة وفعاليات قيامها يكون بموقعين:
- الفاعل (الصانع) Action Maker
- المُتلقي (المراقب) Recipient, (Observer)
4.4 الفاعل Action Maker
فرد أو مجموعة أفراد يكملون عملية القصد وأداء العمل وتقسيماتها من خلال ممارسة ذهنية Mental Practice وفعل عملي تطبيقي PracticalApplication مقرونة بتلقائية حسية Intuition.
إن تلك التقسيمات تشمل القرار Decision، والتصميم، والتنفيذ Execution، والتمويل Finance، والبناء Construction، ووضع الدراسات، والأنهاء.. وغيرها. وهكذا فإن الفاعل قد يمثل كامل عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمارة.
تأثير المكان في إنتاج المادة البنائية