كـتـاب ألموقع

الموروث العمراني: دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن- الجزء 8 من 16// د. هاشم عبود الموسوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الموروث العمراني:

دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن

الجزء 8 من 16

إعداد

د.هاشم عبود الموسوي

معماري ومخطط مدن

 

إعداد

د.محمد صباح الشابندر

معماري ومخطط مدن

 

خصائص التشكيل الحضري للموروث المعماري :-

     تشكلت كتل وفراغات المناطق الحضرية القديمة باسلوب تلقائي نابع من مجموعة عوامل ومحددات اجتماعية اقتصادية سادت في فترات تكوينها، فأصبحت عمارة وعمران تلك المناطق تحمل داخلها خصائص النظام الفكري للمجتمع، تتلاقى بها قيم لا قياسية مثل الفكر والخيال والجمال والابداع الذي يدرك بصرياً، مع القيم القياسية التي تمثل تطور المبنى وتكوين الفراغ وتكوينها المادي الفيزيقي.

     ويرى علماء الاجتماع في دراسات الاتجاه الاحتمالي غير الحتمي. ان الوسط المادي – والذي يمثله في دراستنا العمرانية : الكتل والفراغات – من الممكن ان يترك أثراً على سلوك مستخدميه – وهم السكان القاطنين.

     وتعرف القيمة العمرانية بأنها مجموعة من الدلالات الجمالية والعلمية والاجتماعية والبيئية التي يحتويها البناء الحضري وتشكل بدورها قيم صالحة للاستخدام في الحاضر وبعداً حضارياً للمستقبل وتشكل في مجملها اطاراً لنطاق يحمل خصائص مادية للمكان فتمثله في النسيج الحضري.

     وسيقوم البحث بعرض بعض الخصائص لتشكيل البيئة الحضرية في المناطق القديمة والتي لها دوراً في تشكيل قيم مجتمع تلك المناطق، والتي ربما تكون – اي تلك القيم – واحدة من عوامل اضفاء تلك الخصائص عند التكوين.

 

الوحدة البنائية

     ساعدت وحدة المعالجات المستخدمة في مباني تلك المناطق على اضفاء مظهراً موحداً للكتل البنائية سواءاً في الارتفاعات او مواد البناء وطبيعة الالوان والتجانس بين المفردات التصميمية ومعالجة الواجهات والفتحات 3. وعلى الرغم من اختلاف ملكية اراضي ومباني تقاسيم البلوكات البنائية، والتتابع الزمني لبناء تلك التقاسيم الا انه يتكون لدى المتردد على تلك المناطق انطباعاً بصرياً بوحدة التكوين البنائي، وكان تلك المباني تم بنائها في فترة زمنية واحدة او انه سبق تصميمها ليتوحد تشكيلها لتلك الدرجة.

     وتبرز تلك الخاصية شعوراً بأن "الكل يعمل في اطار مضمون واحد" مما له تأثيراً في طبيعة العلاقات داخل المجتمع، فتصبح الاستقلالية تعمل في اطار مشاركة الجميع في الحقوق والواجبات فيسهم ذلك المفهوم في تكوين المجتمع المترابط والمتماسك.

 

التدرج الفراغي

     تساعد طبيعة العلاقات الفراغية في مسارات الحركة بالمناطق القديمة على تفعيل الشعور بتجربة بصرية يتزايد بها الشعور بالتنوع والتشويق ناتج عن تلقائية تشكيل الكتل المحددة للفراغات، فينتج – غالباً – في تشكيل القصبة الرئيسية لنسيج المنطقة مراحل تصاعدية لتلك التجربة البصرية بوجود نقطة بداية، فارتقاء وتصاعد وانتهاءاً بفراغ رئيسي يحيط به مجموعة من المحددات تتلائم مع مقياس الفراغ في حجمها وصورتها ووظائفها. وتساعد تلك التجربة اليومية لقانطي المناطق في ترسيخ مفهوم التطلع والطموح والرغبة في الارتقاء والوصول للأهداف.

يتوق مقياس الفراغ على العلاقة بين أبعاده المادية وامكانيات الانسان البصرية فيتدرج المقياس لبشري الحميمي الى الحضري والتذكاري، طبقاً للنسب بين محدداته الافقية والرأسية، وطبقاً لطبيعة التشكيل الفراغي لنسيج المناطق القديمة، فان معظم قطاعات فراغاته تحمل صفة المقياس الودود او الحميم Inimate Scale التي تنعكس بطبيعة الحال على قوة العلاقة بين روادها وقاطنيها. فيسهل له التعامل مع المكان وادراكه لاحتياجاته به، وينمي لديه الشعور بالثقة والامان نتيجة لشعوره بتناسب مقياس الفراغ مع امكانياته وحجمه من جهة وانشطته ووظائفه من جهة اخرى.

 

تناغم الايقاع

     يعرف الايقاع بأنه تكرار الوحدة لضبط عناصر الاشكال والفراغات وفقاً لنظام محدد نابع من وحدة نسب الفتحات بالكتل ونسب توزيع المسدود والمفتوح واختلاف صفة التناغم عن تجانس وانتظام وحدة الايقاع.

     ويعمق الايقاع المنتظم الشعور بأهمية دور كل جزء في تشكيل المنظومة الكلية والاهتمام باختيار التفاصيل وموضعها في التشكيل وعلاقته النسبية، مما يخلق شعور اجتماعي باهمية وقيمة الاداء الجماعي ومدى اهمية دور الفرد – مهما كان حجمه – في محصلة عمل المجموعة.

 

وضوح الهوية

     ان هوية المنطقة عمرانياً هي التي تميزها بخصوصية تجعلها مميزة ومختلفة عن مناطق اخرى – وليس بالضرورة أفضل – فتعبر عن مكتسباتها وانجازاتها وقيمها، ويصبح التشكيل البنائي والنسيج العمراني والتكوين الفراغي من وسائل التعبير عن تلك الهوية، فكلما كانت تحمل صفات أكثر خصوصية لكل المقايس المذكورة أعلاه كلما كانت أكثر وضوحاً في هويتها. وتنعكس تلك الهوية بعناصرها المتمايزة على الأجيال التالية تلقائياً بتنمية شعور الانتماء والارتباط الحسي بالمكان.

 

خصوصية الطابع

     ان التعبير بكلمة "الطابع" قد يعني ضمناً الاشارة لوجود متميز ذو قيمة، ولكنها في حقيقة الأمر ليس الا تسجيل مركب يعكس الواقع الاجتماعي والثقافي للجماعة في مكان ما. ويختلف الطابع المعماري من مكان لآخر فيكتسب خصوصيته باختلاف المقياس والحجم والالوان ومواد الانشاء وعناصر الزخرفة، كذلك من التشكيل الفراغي والانشطة التي تمارس به 9.

     وبذلك يساعد طابع المكان على التأكيد بأهمية شخصية الفرد في المجتمع، الحفاظ على الطابع يؤكد على الحفاظ على شخصية المكان والانسان الذي يعيش به، فيكون له أثراً على سلوكه وقيمه وتمسكه بمعتقداته ومبادئه.

 

التعبير الوظيفي

     ان الأنشطة التي تمارس في الاطار الحضري للمنطقة تلعب دوراً هاماً في اكسابها سمات مميزة وتساهم في الربط بين ملامح التشكيل المعماري والنسيج العمراني من جهة وبين النشاط الانساني داخله من جهة اخرى، فكلما كانت مبانيه متناسبة مع انشطته ومعبرة عنها، كلما زاد الشعور بصدق المكان، وواقعيته، وينعكس ذلك على قيم وسلوكيات السكان فيتلائم الشكل مع المضمون، ويترسخ لديهم أهمية البعد عن الزيف المظهري غير المعبر عن المضمون الحقيقي للمشاعر والمبادئ والمفاهيم.