كـتـاب ألموقع

الموروث العمراني: دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن- الجزء 10 من 16// د.هاشم عبود الموسوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الموروث العمراني:

دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن

الجزء 10 من 16

 

إعداد

د.هاشم عبود الموسوي

معماري ومخطط مدن

و

د.محمد صباح الشابندر

معماري ومخطط مدن

 

عناصر إنقاذ وإحياء الموروث العمراني

اولاً : الهيكل الحضري :-

     ينبغي تناول سياسة انقاذ واحياء الموروث العمراني – على المستوى الهيكل الحضري – ليس باستعادة العناصر والمكونات العمرانية المناسبة والتي تعتبر تجسيداً عن تصور قوي لمجتمع متجانس فحسب، وانما نظام ارتباطها الذي ينتج عنه تكوين الهيكل الحضري. وهذه المكونات الاساسية هي قلب المدينة. ونظام الحركة (المكونات المنتظمة)، والنسيج الحضري التقليدي (المكونات غير المنتظمة).

1-   قلب المدينة :- ان قلب المدينة يجب ان يبقى العنصر الاساسي المنظم للهيكل الحضري بان يحافظ على الفعاليات التقليدية المكونة له اضافة الى تهيئة مناطق لاستيعاب الوظائف الجديدة – عند اعادة تطويره – وبنمط يتعاطف مع النسيج المترابط والكثيف القائم ونظام ارتباطه بحيث يحافظ على مفهوم التكامل بين الجوانب الدينية والدنيوية في الحياة الحضرية.

ان التصميم الحضري لمناطق التجديد في لمراكز التأريخية يجب ان ينصب باتجاه تحقيق جملة من الاهداف أهمها الحفاظ على امكانية عالية للوصول (Accessibility) ومعايير عالية للأمان وخلق تكوين فضائي (Spatial Structure) يتميز بالوحدة مع التنوع والاثارة الحسية والبصرية والحماية المناخية.

ويتطلب تحقيق تلك الاهداف فصل نظام حركة المركبات عن حركة السابلة مما يسمح بكفاءة كبيرة لاداء كلا النظامين ويسمح بجعل المركز مجالاً خاصاً للسابلة تتركز فيه الفعاليات بكثافة عالية وبنمط متكامل ومتميز عن الفعاليات في المراكز المحلية. كما يتوجب ربط فعاليات المركز بنظام الحركة مع بقية مكونات الهيكل الحضري والمراكز المحلية بوسائل نقل كفوءة – وخاصة النقل العام – اضافة الى توفير منافذ لحركة المركبات لخدمة الفعاليات المختلفة فيه.

وتبرز الحاجة الى خلق بؤر مركزية للفعاليات ترتبط بفضاءات ومراكز ثانوية للفعاليات لتوفير التنوع في طبيعة الاستعمالات والبيئة الانسانية لحركة السابلة.

ان الحفاظ على عنصر الاثارة الحسية والبصرية للمراكز التقليدية يستدعي تجنب ايجاد اتجاهات بصرية مستقيمة (Straight Vision). اذ ان الاتجاهات المتغيرة لمحاور الحركة الرئيسة في المركز يمكن أن يضفي طابعاً ومقياساً انسانياً لفعاليات المركز ويؤدي الى تكون سلسلة من المشاهد المتعاقبة (Serial Vision) يتحسسها الفرد عند حركته بحيث تكشف له في كل زاوية عن جانب من شخصية مركز المدينة.

 

2-   نظام الحركة :- المرور يعتبر احد المشاكل الكبيرة التي تواجه اعادة تأهيل المراكز التأريخية اذ ان هيكلها لا يتلائم مع زخم المرور الحاصل ومتطلبات حركة المركبات وما يسببه من اختناقات. وتتباين الاتجاهات المتبعة لحل هذه المشكلة، فهناك ما يسمى بالحل التوفيقي (Compromis Solution) والذي جرت العادة على تطبيقه بتكوين طريق حلقي يرتبط بسلسلة من الطرق القصيرة المغذية التي توصل حركة المركبات الى المكونات الرئيسية للقلب ا لتأريخي للمدينة. ان هذا الحل رغم سلبياته العملية، الا انه يؤهل المدينة من الديمومة بشكل سليم نسبياً دون اللجوء الى شق الشوارع العريضة على نطاق واسع. كما يمكن ان يجري تحوير شبكة الطرق القائمة لمتطلبات المرور الحديث وهو ما يتطلب اعادة تنظيم هيكل وتوزيع شبكة الطرق القائمة لايجاد نظام يميز تلك الطرق الى مستويات حسب الفعاليات المرتبطة بها دون اللجوء الى اضعاف وتفتيت النسيج الحضري. الا ان عملية التحوير ليس من المتوقع ان تكون كفوءة بشكل تام نظراً لما تتسم به شبكة الحركة من تكامل وترابط مع الفعاليات التي تخدمها وتغذيها والتي تطورت عبر مراحل تكوين النسيج الحضري. ان السياسة الموضوعة لحل مشاكل الحركة في مناطق الحفاظ والتطوير يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار حجم مشروع التطوير ونمط استعمالات الارض المقترحة والشخصية المحددة للمنطقة وطبيعة وأهمية موقعها ضمن الهيكل الحضري.

 

3-   النسيج الحضري :- عند اعادة تطوير النسيج الحضري (السكني) في المراحل التأريخية، ينبغي ان تتماشى سياسة التخطيط مع تلك العناصر والمحددات المؤثرة في شكلها العمراني والناتجة عن طبيعة الحياة في المجتمع والتشريعات القانونية فيها. ومن الخطأ الجسيم ان تجري عملية نسخ او محاكاة حرفية للنماذج التقليدية، وانما المطلوب هو استنباط اسلوب يستقي جذوره من المدينة القديمة ويلبي المتطلبات المعاصرة للسكان وهو ما يتطلب تصاميم ودراسات تفصيلية تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحددة المؤثرة في كل حالة.

     ويمكن تحديد متطلبات كل من مكونات المناطق السكنية عند اعادة التطوير كما يلي :-

‌أ-    السكان المستقبليون :- هناك خصائص مهمة ينبغي معرفتها تتعلق باسلوب لحياة المتوقع والاداء الاجتماعي والنفسي للسكان المستقبليين. اذ ان نمط حياة المجتمعات يملي على المصمم والمخطط متطلبات ومعايير ينبغي تحقيقها لتتجاوب مع العوامل الاجتماعية والنفسية والقوى المؤثرة في تلك المجتمعات. وان استمرارية الالتزام بالقيم في المجتمعات التقليدية والمعاصرة او المستقبلية تتطلب ان يكون هناك استمرارية في العمارة وهو ما يتطلب العناية والخبرة في اختيار التصاميم والفلسفة التي توجه عمل المصمم.

‌ب-  نمط الوحدات السكنية :- يجب تطوير نماذج جديدة في كل الأحوال، ومنها تطوير مفهوم الأسرة الواحدة المسمى بـ (Extended Family Dwelling) وذلك بربط وحدات سكنية حول فضاء مفتوح شبه خاص يرتبط بالمستوى الأدنى من شبكة الحركة. كما انه من الضروري البحث في تحوير وتكييف مفهوم الاسكان الاجتماعي (Social Housing) مع الظروف المحلية السائدة وخاصة فيما يتعلق بنمط تخطيط المناطق السكنية وتوفير فضاء مفتوح خاص بشكل مناسب واستغلال الفضاءات العامة والخاصة.

‌ج-  البيئة السكنية :- وتتضمن عدداً من الخصائص الواجب أخذها بنظر الاعتبار، وهي:-

 

-    التدرج في الفضاءات :- وهو أحد الملامح التي ينبغي المحافظة عليها بحيث يتم الابقاء على الاسلوب التقليدي في الانتقال التدريجي من الحركة في ممرات السابلة الرئيسة (الحيز العام) الى ممرات الحركة الثانوية (شبه العام) الى الأزمة النغلقة (شبه الخاص)، ومنها الى الفضاء الخاص للمسكن مع تفادي النفوذ بشكل مباشر الى الفضاء الخاص.

-    المحلات السكنية :- ان مبدأ تقسيم المناطق السكنية الى محلات سكنية كوحدات تخطيطية مكتفية ذاتياً وتضم مركزاً محلياً يضم الخدمات والفعاليات الضرورية كافة التي تنبع من طموح السكان وتطلعاتهم هو مفهوم ينبغي الحفاظ عليه ولا يتعارض مع متطلبات الحياة المعاصرة ويرتبط ارتباطاً وثيقاً مع المضمون الاجتماعي والحضاري لحياة السكان. اضافة الى ارتباطه بمفهوم التكامل والترابط الاجتماعي الناتج عن عدم وجود فصل على أساس اجتماعي أو اقتصادي وهو مفهوم يجب احياؤه وتشجيعه.

-    الشكل الحضري :- هناك حاجة لخلق مناطق سكنية تستغل الحاجة الى حجوم مختلفة، والشخصية المحددة والتوجيه والموقع وأي جانب يمكن ان يؤدي الى اعطاء هوية متفردة (Individuality) وتغيرات في المستويات او خط السماء أو مظهر الشارع الحضري (Streetscape) وغيرها من الابداعات الخلاقة التي يمكن ان يحققها المصمم. وبنفس المبدأ ولكن بمقياس مختلف يجب استعادة الوجهات البسيطة الخارجية لتعكس تجانساً واسعاً لملمس بيئة الشارع وللحفاظ على الشوارع كفضاءات انسانية لحركة السابلة حيث تكون للسيارات فيها اهمية ثانوية ويجري توصيل الخدمات من نقاط أخرى.

-    الفضاءات المفتوحة :- تعتبر الفضاءات المفتوحة أحدى المكونات المهمة للبيئة الحضرية والبيئة السكنية بشكل خاص. ومن الطبيعي ان هناك حاجة أكبر لها في الوقت الحاضر دون خلق فجوات كبيرة في نسيج المدينة.

 

ثانياً : تخطيط استعمالات الأرض :-

1-   انعاش المناطق المركزية بالحفاظ على الترابط بين الجانب الديني والدنيوي، بحيث تعبر عن المدى الكامل للفعاليات الحضرية (الدينية والتجارية والتعليمية والصناعية والترفيهية) وتجسيد هذا الترابط بتعبير مادي وبأطار معاصر.

2-   تحديد محتوى فعاليات المركز بما له تماس بحياة السكان بشكل أساسي (كتجارة الجملة والمفرد والمكاتب المهنية والادارية، المطاعم والفنادق، الفعاليات الاجتماعية والدينية) أما الفعاليات الاخرى او الفعاليات التي تحتاج الى منفذ مستمر للمركبات فيجب توقيعها خارج المركز وهو ما ينبغي ان يكون معياراً أساسياً للتوقيع.

3-   التأكيد على التكامل الأمثل بين الوحدات السكنية ضمن المحلات السكنية، وبين المحلات السكنية ضمن النظام الحضري ككل مع اعطائها أقصى درجة من الحماية والخصوصية والحفاظ على مبدأ التكامل (Symbiosis) ودعمه بالحفاظ على الروابط الاجتماعية واحياء القيم الدينية وتشجيع واستخدام الفعاليات المشتركة كالجامع والسوق والمناطق المفتوحة.

4-   ان لا تكون قوى السوق هي العنصر الأساسي المحدد للهيكل الفضائي الحضري ولتنظيم استعمالات الأرض في المراكز التأريخية كي تحافظ رموز القيم الروحية على موقعها المهيمن في قلب المدينة بدلاً من المدن لمعاصرة التي تبلورت ضمن مفهوم المجتمع الغربي والذي استبدلت فيها القيم الروحية للمجتمع بالقيم المادية مما انعكس تخطيطاً في نمط احتل فيه القطاع التجاري المركزي (C.B.D.) موقع الهيمنة.

 

 

ثالثاً : التخطيط المتضام (Compact Planning) :-

     ان التخطيط المتضام مبدأ ينبغي الحفاظ عليه وتطبيقه في سياسات اعادة التطوير وذلك لجملة من المبررات أهمها :-

1-   ان استخدام هذا النمط بالارتباط مع مبدأ توجه الابنية نحو الداخل يساهم في تحقيق كثافات بنائية عالية وبالتالي سيحافظ على كثافات اسكانية عالية تمنع ابعاد جزء من سكان المنطقة وهو ما يصاحب معظم مشاريع التجديد، بالاضافة على المساعدة في جعل جميع الفعاليات العامة (المحلات التجارية والمساجد والمدارس) ضمن مسافة المشي المريحة وتقليل استخدام الطرق مما يؤدي الى ان تكون شبكة ممرات السابلة الفضاء الاجتماعي للمحلة السكنية ولمراكز المدن.

2-   تحقيق تنظيم متدرج للفضاءات وتقسيمها الى المجالات العامة والخاصة وتكوين فضاءات مغلقة صغيرة ترتبط مع ممرات الحركة باسلوب علمي مدروس يتجاوب مع المتطلبات الاجتماعية الحضارية للمجتمع وتتجاوب مع متطلبات العمارة المعاصرة.

3-   استعادة التكوين الحضري للمناطق المحيطة بالشواخص المعمارية باسلوب يتعاطف مع النمط التقليدي الذي كان سائداً ويؤكد على أهمية موقعها في التكوين الحضري وخط السماء للمدينة وذلك من خلال الحفاظ على التغير المؤثر في المقياس الناتج عن هيمنة هذه الرموز على النسيج العمراني المتضام والمتجانس.

4-   الحفاظ على خصائص المنطقة وشخصيتها المكتسبة من اسلوب ارتباط الفضاءات وعلاقتها مع الابنية والمقياس الانساني، وعدم ترك مناطق خالية من الوظيفة والمعنى، وكذلك فهي تحفز الاحساس بالهوية المحلية الى جانب الحفاظ على التقليدية للمدينة وتقوية الروابط الاجتماعية، كما ان خواص الاتجاهات المتغيرة لممرات السابلة تعطي لحركة الفرد تمييزاً لموقعه المحدد في المدينة.

5-   الحد من الزحف العمراني واتساعه الى نطاقات بعيدة بشكل يؤدي الى تزايد استخدام المركبات وارتفاع كلف الخدمات والبنى الارتكازية ومشاريع الاسكان واعادة التطوير. كما ان الكثافات الواطئة لمشاريع اعادة التطوير تؤدي الى ارتفاع كلفها بشكل كبير ينعكس على هيكل أسعار القروض والايجارات مما يتطلب دعماً مالياً كبيراً، وفي حالة عدم توفره تصبح كلف الابنية والوحدات السكنية خارج امكانية السكان محدودي الدخل وحكراً على الاغنياء فقط وهذا مناف أساساً للغرض الذي من اجله تم وضع سياسة التجديد.