اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من كتابي "الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 (2)// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

من كتابي "الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 (2)

نبيل يونس دمان

 

     في الموسم التالي خرجت قافلة الدواب بأمتعتها وزادها، في ليلة مقمرة من ليالي بلدتنا الزاهية، وكانت الناس تغط في نوم عميق، هدفنا التعاطي التجاري( البيع والشراء) ، كنا مجموعة من ستة اشخاص، ثلاثة كبار، والثلاثة الباقين صغار، وانا من الصغار عمراً، ذهبنا بعيداً وكان ثلاثة منا مسلحين، والثلاثة الباقين بدون سلاح، ابتعدنا ساعات طويلة، حتى وصلنا مدخل وادٍ  بين سلاسل الجبال، هناك فكرنا بدخول الوادي، وكان الوقت غروب الشمس، قال الكبار: لا ينبغي الدخول في هذا الوادي بهذا الوقت، فربما نُسلب او نُقتل فالليل هنا لن يرحمنا، شاهدنا على مسافة غير بعيدة، قرية شاخصة هناك، وعلى مقربة من مكان توقفنا، كانت هناك خِربةُ، فاستقر رأينا ان نبيت ليلتنا في تلك الخِربة، والصباح رباح كما يقول المثل، وافق الجميع على الخطة وقال البعض: انهم سمعوا بهذا الوادي من قبل، اذ لا يكاد يمرّ به احد، حتى يُسلب ما عنده من بضائع وغيرها.

     قال الكبارُ وعن سابق خِبرة ودراية: يا جماعة الخير، لدرء الشر نتراجع الدخول الى الوادي، وننسحب الى مكان آخر، اكثر أمناً وأوفر حظاً في تعاطي تجارتنا، هنا قال الشباب: ما زلنا هنا فلن نتراجع، وسنواصل الدخول غداً رغم العواقب. يذكر ان القافلة قبل وصولها الى ذلك المكان، كانت قد صادفت رجلاً آثورياً( طيرايَه) قصير القامة، لا تبدو عليه مظاهر البطولة، كان الرجل حاملاً على كتفه بندقية نوع انكليزي، وقد طلب انضمامه الى قافلتنا، مبرراً بأن مشواره في نفس خط سيرنا، فرحبنا به لا سيما كونه حاملاً بندقية، قد تفيدنا في رحلتنا المحفوفة بالمخاطر، الرجل كان طيب المعشر، فتناولنا معه احاديث شيقة، وقد ساعدهم في باب الوادي، وهم ينزّلون بضائعهم، ويريحون دوابهم.

     فيما هم منغمرون في عملهم، حتى يجلسوا ويستريحوا، من عناء طريقهم الطويل، واذا برتل كبير من اهالي تلك القرية، يتقدم بإتجاههم، ضم رجال ونساء، شباب واطفال، وقد احدثوا جلبة كبيرة، مع اقترابهم الى مكان اقامتنا. بدأ ذلك الجمع في طرح اسئلتهم الثقيلة والمزعجة:

- من انتم؟ ومن اين جئتم؟ والى اين تتوجهون، وماذا في احمالكم؟

 ولكن عندما بدأوا يسألون عن بنادقنا:

- ما نوعها وهيئتها؟

     ساورنا الشك في طلبهم، واخذنا نفكر جديّاً، بالغرض من كل ذلك. اجبنا على كل اسئلتهم، ولكنهم تمادوا اكثر طالبين فحص بنادقنا بأيديهم، هنا قال مسؤول مجموعتنا الأكثر خبرة ودراية، في هذا النوع من التجارة( كروان) واسمه كورو ميخو بلغتنا السريانية: يا جماعة، لا تعطوا سلاحكم لهم الا بعد أخذ سلاح يعادله، اعطوا بندقية وخذوا بندقية، وحتى نرى ما سيحدث، ديروا بالكم لا تتركوا انفسكم بدون سلاح، وكونوا في حذر شديد. ارجعوا بنادقنا الينا بعد ان فحصوها جيداً، ثم طرحوا علينا مقترحاً، إن كنّا مستعدين له، وذلك للتباري في اطلاق الرصاص على هدف( عمنج) .

     كانت الشمس تميل الى الغروب، وما زال الضياء ينير الفضاء الذي حولنا، وفي الحقيقة كان الكبار غير مستعدين لهذا الضرب من السباق، لانهم نادرا ما يستخدمون بنادقهم في هذا السباق، بل يحملونه لغاية حماية انفسهم، وبالتالي سيخسرون على الأكثر، في اصابة الهدف المزمع، في تلك الاثناء وهم يضربون اخماساً في اسداس مُحرجين، تدخل الرجل الآثوري قائلاً: نعم مستعدون

     حقيقة انزعج الجماعة من تهور الآثوري، وهم يسعون التخلص من تلك المعضلة التي واجهتهم. حدثنا بعضنا قائلين: ماذا سيفعل الرجل، وكيف سيواجه الموقف، قلنا له بلغتنا:

 - اسكت انت ولا تتكلم شيئاً

 فقال لهم بثقة:

- اتركوا الموضوع عليّ، وانا اتصرف، فلا تهتموا

ثم وجه كلامه بوضوح الى تلك الجماعة المتحدية:

- اذهبوا وانصبوا هدفاً، اينما تشاؤون، وبأي حجم ترتأون

أمر كبيرهم صبياً بالكردية طبعاً قائلاً:

- اذهب ياولد وثبت حجراً، فوق تلك الصخرة القريبة

 انطلق في سرعة البرق صبيٌ، وهو في مقتبل العمر، وعلى مقربة من تلك الصخرة المقصودة، رفع حجراً مربعاً تقريبا من الارض واقترب من الصخرة، انحنى لتثبيت القطعة، وكان ظهره بمواجهتنا، هنا استطاع الآثوري لمح قطعة الحجر من بين فخذيه( بيني بِشْخِح) ، فاطلق رصاصة اصابت الهدف في مركزه، والصبي سقط بشدة على الارض متلوياً. صاح رجال القرية بأعلى صوتهم:

- لقد قتلت الصبي!

 قال:

- لا، لا،  سينهض ثانية، واذا اصيب ظُفر منه فأنا المسؤول

 بعد قليل نهض الصبي، ثم وصل اليهم وقد تغيرت سحنته واصفرّ وجهه هلعاً.

قالت الجماعة:

 - ان الاصابة كانت مصادفة، وان الطلقة انطلقت بعفوية، واصابت الهدف( كما نقول بلغتنا الدارجة: صيَحته دْعلي گولّا)

 قال لهم الرجل الاثوري:

 - لا، لا، لم تكن كذلك، اذهبوا وثبتوا حجرً آخراً

 سكت الجميع، فمَن الرجل الشجاع الذي يذهب ويجازف؟ هنا قال كبيرهم: رماد برأسكم(  بالكردية خولي بْسَر) ألا تخجلون، أليس عيب عليكم، تخافون من الذهاب لنصب الحجر امام هؤلاء النصارى( سورايي) ، عندها نهض شاب من بينهم وقال:

- انا ذاهب بشرط، عند وصولي الى المكان، ورفعي للهدف، وابتعادي مسافة حوالي ثلاثين متراً، آنذاك فقط تبدأ بإطلاق الرصاص

فأيده الجماعه قائلين:

- هكذا يجب ان يكون حفاظاً على سلامته

 فقال الاثوري:

- موافق، ليذهب مطمئناً، فلن اطلق اية اطلاقة قبل ابتعاده

 ذهب الشاب واخد حجراً مناسباً من الارض، واخفاه خلف ظهره، وفي كل مرة يلتفت الينا قائلاً:

- دير بالك، لا ترمِ، حاذر ان تطلق النار

حالما شرع الشاب بنصب الهدف، وقبل ان يصل الحجر الى الحجر، اطلق الرجل الاثوري رصاصة، منتزعاً الهدف من يده، تفتت الحجر الى قطع صغيرة متناثرة، وسقط الشاب على الأرض متلوّياً كسابقه.

 فقالوا:

- لقد فعلتها مرة اخرى! ألم نقل لك، لا تطلق النار، قبل ابتعاده من المنطقة بمسافة.

اجاب الرجل بثقة:

- لا شيء، لا شر، ولا سوء قد لحق بالشاب، سينهض ثانية

عند وصول الشاب اليهم سالماً، وعندما شاهدوا بأم اعينهم كل ذلك، جرّوا اذيالهم تباعاً، شيباً وشبانا، نساءً ورجالا الى قريتهم.

هنا انفتحت اسارير وقريحة المتحدث ميخا ليقول:- في تلك الليلة لم نسمع نباح كلابهم، ولا صياح دجاجهم، ولا مواء قططهم، وحتى فوانيسهم اطفئوها. نمنا برغد تلك الليلة في تلك الخِربة والآثوري بيننا. وفي الصباح ثبتنا امتعتنا على ظهور الدواب، ثم دخلنا الوادي بعد ان توزعنا واحدا يسير في طرف الوادي والثاني في الطرف الاخر، واثنين امام القافلة والباقي من ورائها. لم نرَ في الوادي احداً، ولم نسمع صوتاً، او حركة غير طبيعية، بعد ان كنا نسمع بان حتى الطيور في عز الظهيرة، عندما تجتاز ذلك الوادي يُنتف ريش أجنحتها! ( خّرخي پَرّانِه دْطيرَي).

     ثم ختم المتحدث حكايته قائلاً: بعد ان حان موعد افتراقنا عن ضيفنا الاثوري، سأله احد رفاق الرحلة واسمه كوريال، ما سر تصويبك الممتاز؟ فقال تسرحت من جيش الليفي، وفيه نلت اوسمة عديدة في دقة التصويب، والبندقية التي معي، اهديت لي عند تسريحي، وكما تراني متسلحاً بها ومتباهياً، اجوب هذه القفار.

    

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

California on August 24, 2021

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.