كـتـاب ألموقع

الحركة النقابية الامريكية تصارع التوجهات المعادية لحقوق العمال// كمال يلدو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كمال يلدو

 

عرض صفحة الكاتب 

الحركة النقابية الامريكية تصارع التوجهات المعادية لحقوق العمال

كمال يلدو

 

تواجه الحركة العمالية الامريكية، ممثلة بنقاباتها وإتحاداتها المهنية تحديات جمّة مع دخول العالم مرحلة العولمة واحلال الانسان الآلي محل البشر في الدورة الانتاجية، اضافة الى التطورات التقنية الهائلة التي شهدتها وحدات الانتاج بإعتماد اساليب ومعايير تتيح لارباب العمل الاستغناء عن الاعداد الكبيرة من العمال والاعتماد على عدد اقل ، مما يوفر ارباحا اكبر للشركات ، ناهيك عن التشريعات التي راعت مصالح الشركات على حساب قضم المنجزات التي حققتها الحركة النقابية على مدى عقود من النضال، وجاءت  ازمة (كورونا) لتزيد معاناة الطبقة العاملة اكثر ، وكانت الحصيلة اما بتوقف عمل بعض الشركات او تقليص ساعاتها او حتى انهاء عقود الكثير من الشغيلة .

امام هذه الصورة المعتمة تحدث البروفيسور وكبير الاقتصادين في 

(آي اف ال ـ سي آي او) اكبر الاتحادات المهنية الامريكية في مقابلة اجريت معه بداية العام ٢٠٢١ وقال:مع كل الصعوبات وحالات الاحباط والحرب النفسية على النقابات، الا ان هناك ظاهرة مهمة تتجلى بزيادة الوعي لدى الشباب اليوم بأهمية احياء العمل النقابي وتعضيد الموجود منه الآن، لانه هو الضامن الحقيقي لحقوق العمال والشغيلة في كل حقول الاننتاج والخدمات القائمة اليوم، وهذا الوعي لدى الشباب تجاوز موقف اهاليهم الذين اجبروا على الوقوف ضد العمل النقابي في العقود القريبة الماضية .

وقد اثبتت الوقائع التي عاشتها امريكا مع انتشار جائحة (كورونا) بأن العمال الذين كانوا منتظمين في النقابات ، كانوا الاوفر حظاً بالحفاظ على مهنهم، وان النقابات لم تكن تهتم فقط بمناقشة رفع الاجور وزيادة امتيازات العمال مع ارباب العمل فحسب، بل ساهمت بإيجاد مناخ افضل  للتعامل المشترك بينهم وبين الادارات في ظل الظروف الاستثنائية القاهرة، ومنها جائحة (كورونا)، ووجود مثل هذا المناخ مكن الشركات من الخروج بنتائج افضل من قريناتها .

ثم اضاف قائلاً: نعم، شهدنا تراجعا خطيراً في ارقام العمال المنخرطين في النقابات إذ وصل عددهم عام ٢٠٢٠ الى (٧،٢ مليون عامل وبنسبة ١٠،٨٪ من قوى العمل)، ولعل من الاسباب المهمة لذلك، هي تبعات العوملة ، وغلق الكثير من الشركات او ترحيلها للدول الفقيرة، إضافة الى التشريعان المعادية للتنظيم النقابي ومنها (قانون حق العمل) الذي يشجع العمال غير المنتظمين بالنقابات، ويحارب العمال النقابيين، بالاضافة الى الازمات الاقتصادية المتتالية  واختلال النسبة بين العرض والطلب في سوق العمل ، والاستفادة من الدماء الشابة العطشى للعمل حتى باجور اقل من الاجيال التي سبقتها .

لكن، هذه الازمات احدثت طفرة في الوعي ايضا تجلى في التطور النوعي بكفاءة العمال ، مما منحهم امتيازات في تحدي بعض ارباب العمل الذين كانوا يعاملون اسلافهم كآلات وليس كبشر، وهذا تجلى في حركات عمالية جنينية ناهضة اليوم وخاصة في حقل عمال (تكنلوجيا المعلومات) مثل شركة ـ آبل للاتصالات والكومبيوترات ، ومحاولات بشركة (كوكل) ايضا، واصداء هذه التحركات تجد انعكاساتها في محاوت جادة لتأسيس النقابات في  (شركة وول مارت / اكبر شركة  للعمال في امريكا بحجم ٢،٣ مليون عامل و موظف) و (شركة امازون للخدمات/ ثاني اكبر شركة للعمال بحجم ٩٥٠ الف عامل و موظف) و (شركة اوبر لخدمات التوصيل) وحتى في مطاعم الوجبات السريعة مثل (ماكدونالد) . ومن الامثلة الصارخة على محاربة التنظيم النقابي ما جرى في مؤسسة (امازون) بولاية آلاباما ، حيث جرى التصويت على تأسيس نقابة للعمال هناك في يوم ٨ نيسان ٢٠٢١، شارك فيها ٥،٨٠٠ عامل وكانت نسبة الاقبال ٥٥٪،  لكن صاحب العمل طعن بالنتائج ، وشكك بالكثير من بطاقات التصويت والامر الآن بيد القضاء ة!! هذا واحداً من الامثلة .

يمضي الاستاذ وليم سبركس بالقول: لقد جرى تجريد العمال من الكثير من المنافع في السنوات الاربع الماضية (ولاية ترامب) ، وأختلت  العلاقة بين ادارات العمل والعمال متمثلة بعدم احترامها لارادة العمال و محاربتهم بشتى الطرق، فيما تعرضت حياتهم الاقتصادية للخطر نتيجة لذلك، مما دفع المزيد من العمال ل (الهجوم) بدلا من (الدفاع) لاستعادة حقوقهم المستلبة، ويأتي التنظيم النقابي كأهم هذه المؤشرات.

ومن المفيد التذكير بأن الاخفاق  في الحفاظ على حقوق الشغيلة تتحمله جهتان، الاولى هي الحركة النقابية وما اصابها من خلل وتقلص ، والثانيةهي الحكومة وقوانيها المشبعة بالثغرات والتأويلات، مما جعلت من عملية تشكيل النقابات امراً مستحيلا في بعض الحالات.

ويُكمل الحديث: ويمكننا اليوم التعويل على الرئيس (بايدن) وإدارته ، وعلى سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ في تشريع قانون (حماية العمل ـ برو آكت)والذي قدِّم لمجلس النواب العام الماضي، هذا القانون الذي نعول عليه في تحديث قوانين العمل في البلاد ، والتخلص من العديد من التشريعات المعادية  للنقابات العمالية التي جرى سنّها في العقود الثمان الماضية.

اننا بحاجة الى (قانون حماية العمل) خاصة في حقل العمل الخدماتي والذي ازدهر على حساب حقل العمل الانتاجي سابقا، وبشكل خاص للعمال الذين لا يمتلكون مهارات كثيرة .

أما الفيلسوف والمؤرخ الناشط الامريكي (نعوم جامنسكي) ، فإنه وفي عمر ٩٢ عاما ، مازال في اوج نشاطه وحيوته والتي تجسدت مؤخرا بإصداره آخر كتبه (نداء جامنسكي للنشطاء) والذي يمثل دعوة لحملة الافكار التقدمية للعمل الحثيث على إعادة الحياة والروح للحركة النقابية، أمل الطبقة العاملة في الحياة المستقرة ، ويقول : إن البلاد ، والمجتمع والطبقة العاملة تواجه اخطاراً كارثية وجسيمةولعل اهمها هي مخاطر البيئة، والتغيرات المناخية، والحروب وسباق التسلح والعولمة بكل مخاطرها ، فهل سننجح بالحفاظ على الحياة على وجه الارض ام اننا ماضون للفناء والانقراض!

نعم، ليس في عالمنا اليوم حركات ثورية كما عرفناها سابقا، لكن مستوى وعي الشعوب والحركات المدنية اكبر بكثير من حركات التحرر التي سبقتها، ان البشرية تمضي بثبات نحو الحرية  ومحاربة الاستبداد والتمييز والحروب .

إن دعوة الفيلسوف جامنسكي هذه ، إنما تفتح الآفاق واسعة ورحبة امام الحركة العمالية والنقابية في البحث عما هو جديد ومفيد للمجتمع، ولعل العمل المشترك مع منظمات البيئة، والاهتمام بالتقنية الخضراء والتبدل المناخي سيوفر ارضية لدفع قطاعات اكبر من المجتمع ليس لتبني هذه المطالب فقط، بل للعمل التضامني ايضا .

 

١ آيار ٢٠٢١