كـتـاب ألموقع
خماسية نازحون مهجرون// مارتن كورش تمرس
- المجموعة: مارتن كورش تمرس
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 27 شباط/فبراير 2025 19:07
- كتب بواسطة: مارتن كورش تمرس
- الزيارات: 706
مارتن كورش تمرس
خماسية نازحون مهجرون
مارتن كورش تمرس
محامي وقاص
"1"
يَسُوعُ صَدِيقُ الأَطْفَالِ
تعود نور، البالغ العاشرة من ربيع عمره، في كل صباح قبل أن يخرج إلى المدرسة، يقف تحت الصليب المعلق على حائط غرفة نومه؛ في بيت أهله الكائن في مدينة برطلة (بَرِطْلِي) الواقعة إلى الجنوب من مدينة "نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ،" (يونان 3: 2)، التي تبعد عنها بحدود 22كم؛ يصلي:
- يا يسوع المسيح أنا أحبكَ وأحبُّ أن أصلي واقفًا تحت صليبكَ الذي صُلبتَ عليه. يا يسوع أنا سعيدٌ لأنكَ شاركني غرفتي.
يهم بعد ذلك خارجًا إلى مدرسته بعد أن يتناول الفطور على يد والدته. يودعها وهو يسير حاملًا على ظهره حقيبته المدرسية، وطيلة الطريق إلى المدرسة لا يغيب وجه يسوع عن فكره بل يشعر أحيانًا كأنه يسير معه ولا يفارقه إلا وقد وصل إلى باب المدرسة! أنهى الطالب نور الدوام المدرسي لعام 2014 لينال النجاح وبتفوق منقطع النظير. أقبل فصل الصيف وأقبلت معه أصوات إطلاقات نارية ودوي قنابل المدافع. لم يعهد نور وكل الأطفال في برطلي هذه الأصوات التي بدت مخيفة ومرعبة لهم! هرع إلى أمه يسألها:
- يا أمي ما هي هذه الأصوات المخيفة؟
قالت مٌطمئنة إياه وقد أخذته إلى حضنها وهي تُخفي مخاوفها عنه، لتقول له:
- لا تخف يا بني. يسوع لن يتركنا، إنه صديق الأطفال وهو يحبكمْ ولن يتركنا. دعنا سوية نردد الصلاة الربانية.
- نعم يا أمي وأنتِ ترددين على مسامعي دائمًا "دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ."(متى 19: 14).
أخذ كلاهما يرددان الصلاة الرَّبَّانية "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ." (متى 6: 9 – 13). بينما زوجها قد تركَ محله (دكان) وهرع إليهم، وهرع ينهب الأرض بخطواته. وصلَ البيت ففتح باب الدار بمفتاح أخرجه من جيبه، دخل غرفة الاستقبال ووجد زوجته وابنه نور متحاضنين جالسين فيها على الأريكة. فتح التلفاز ليشاهد ويعرف عبر فضائية للأخبار ما هو مصدر الإطلاقات. إذَا بالمذيع يعلن الخبر العاجل! نينوى العظيمة تسقط بيد مسلحي داعش! قالتْ زوجته:
- يا رجل نحن نبعد عن مركز المدينة 22 كم!
- وماذا؟
- يجب أن نتركَ بيتنا ونهرب باتجاه أربئيلو.
- دعينا نتريث. نرى ماذا سيفعل الجيران وأهل مدينتنا برطلة (بَرِطْلِي) العزيزة. دعينا نصلي.
لم تمر ليلتان حتى اقتحم مسلحو داعش مدينتهم! هرعَ والدا وخبآنه تحت السرير في غرفته. ما هي إلا عدة ساعات لا تتجاوز عدد أصابع الكفِّ الواحدة حتى دخلت عليهم مجموعة مسلحة وأخذتهما! بينما فلذة كبديهما ينظر فراقهما من خلال مخبئه. بعد أن غابت أصواتُ أولئك المسلحين الذين خطفوا والديه. خرجَ من تحت السرير ووقف أمام الصلب وسألَ قائلًا:
- يا صديقي يسوع في صليبكَ هذا قوة أنتَ قادر أن تحمي أبي وأمي من أيادي المسلحين، وتُعيدهما إليَّ بسلام.
غرقت عيونه في بكاء مرٍّ و"صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ." (متى2: 18). أنزل الصليب من الحائط ووضعه في حقيبته المدرسية وعلقها على ظهره. مسح دموعه وخرجَ إلى غرفة الاستقبالِ ووقفَ قبالة صورة زفاف والديه المعلقة على الحائط الذي قبالة باب غرفته. قالَ:
- يا أمي ويا أبي. لا تخافان عليَّ لأن يسوع صديقي لن يتركني! قلتُ له عنكما كي لا يترككما.
دون أن يعلم أخذه سلطان النوم بين أحضانه كما كانتْ أمه تفعل معه. لم يصحو إلا منتصف الليل على أصوات المسلحين. نظر خلسة من خلال النافذة ليجد عائلة زميلته مريم، منقادين من قبل أولئكَ المسلحين، بينما زميلته تبكي مرتعبة. ما أن ساروا مسافة حتى قرر أن يخرج وهو يكلم يسوع:
- يا صديقي قويني لأخرج لنجدة صديقتي "ولِلْوَقْتِ أَخْرَجَهُ الرُّوحُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ،" (مرقس1: 12).
سارَ خلفَ أولئك المسلحين بخطواتٍ وشيدةٍ إلى أن دخلوا بصديقته ووالديها إلى بناية المدرسة الابتدائية التي حولوها إلى معتقل للعوائل! ما أن اطمأن أن لا أحد من المسلحين ظاهر للعيان حتى قرر أن يتسلق سور المدرسة ويقفز من فوقه حتى وجد نفسه بين العشرات من العوائل المحتجزين. أخذ يسير بحذر وهدوء إلى أن أصبح خلف زميلته تماما! ربتَ على ظهرها. التفتتْ إلى الخلف مرتعبة، ما أن وقعتْ عينيها في عينيه حتى هرب منها الخوف. جلستْ إلى جانبه بين والديها. شعرَ كأن أنامل تربتُ على كتفه الأيسر، ما أن التفتْ حتى شاهد والديه! اقترب منهما بكل هدوء دون أن يجذب نظر الحراس المسلحين. حظناه وقبلاه بقبل حارة. قالَ لهما:
- أ لا تهربان؟
أجابه أبوه:
- لن نقدر يا بني. قد نتعرض للقتل!
بكى ثلاثتهم بكاءا مرًّا "فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا."(لوقا 22: 62). سأله والده:
- يا بني لماذا لحقت بنا؟
سكتَ. تدخلتْ الأم وسألته مندهشةً خائفةً:
- لماذا يا بني؟
- أريد إنقاذ مريم!
- كيف يا بني. قد تتعرضان للخطورة!
- يسوع لن يتركنا. كما كنت تقولين لي هذا يا – ماما -.
- نعم يا فلذة كبدي.
فيما لا زالت ظلمة الليل مخيمة كان القمر منيرًا. قال لوالده:
- يا أبي تقدر أن تحملنا أنا وصديقتي لكي نعبر من فوق السياج لأنكَ طويل القامة.
- لكنكَ كيف عبرت إلى هنا؟
- صعدت على حجر السمنت الموجود بمحاذاة السياج!
- أنا خائفٌ عليكَ. دعني أسأل والدي مريم.
وافق والداها. بركتْ كلتا العائلتين على الأرض وأخذتا تصلي إلى الرَّبِّ يسوع ليحفظ نور ومريم. وهي دقائق حتى كان كلاهما خارج سور المدرسة. قالتْ مريم:
- كيف سنسير؟
- سنضع ضوء القمر على يسارنا ونسير.
- اعلم بأننا لا نسير إلى المدرسة!
- أعلم يا زميلتي.
- لكن لماذا تحمل الحقيبة المدرسية؟
وقفَ وأنزل الحقيبة من ظهره، ثم فتحها وأخرجَ منها الصليب. اندهشتْ مريم! ما كان منها سوى أن أخذتْ الصليب منه وقبلته، قالتْ:
- يا يسوع احمنا واحم كل الأطفال والآباء والأمهات في مدينتنا.
أجاب نور:
- آمين. يا رَبُّ استجب.
ظل كلاهما يسيران إلى أن انبلج الفجر. وظهر لهما الشارع الرابط بين مدينتي نينوى وأربئيلو. مرت سيارة حمل (بيكاب)، فوقفت ليصعدان في حوضها. وهي نصف ساعة حتى وصلت بهما إلى مشارف مدينة أربئيلو. تنفسا كلاهما الصعداء وقالا سوية:
- شكرًا يا يسوع المسيح.
المحامي والقاص
مارتن كورش تمرس لولو
المتواجون الان
1315 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع