كـتـاب ألموقع

كاظم الركابي الشاعر الذي مات حزناً// أمير أمين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

أمير أمين

 

عرض صفحة الكاتب 

كاظم الركابي الشاعر الذي مات حزناً

أمير أمين

 

تمر هذه الايام ذكرى مرور عقدين من الزمن على رحيل الشاعر الشعبي إبن الناصرية والعراق , كاظم الركابي حيث أنه فارق الحياة في إحدى مستشفيات بغداد في يوم الخميس المصادف 26 نيسان عام 2001 وهو في أوج عطاءه الادبي والشعري خصوصاً, وكان الشاعر من شبابها المعروفين في المجال الرياضي حيث أنه كان يتدرب على الملاكمة وكمال الاجسام في نواديها الرياضية بسبب بنيته من ناحية أنه كان طويل القامة ومفتول العضلات وفي نفس الوقت برزت مواهبه الشعرية في مجال نظم قصائد الشعر الشعبي حيث كان يقرأ للشعراء مظفر النواب وابو ضاري وشاكر السماوي وأخيه عزيز وعريان السيد خلف وزامل سعيد فتاح وآخرين وكذلك إهتم بقراءة روائع الشعر العالمي كشعر بابلو نيرودا والشاعر التركي ناظم حكمت والجواهري وغيرهم وقد تأثر بأجواء مدينة الناصرية الثقافية وبنشاطات المثقفين المتنوعة فيها , فبدأ يهتم بنظم قصائده مستخدماً المفردة الشعبية المحببة للنفس حتى صار من شعراء الناصرية المعروفين وكان أبناء الناصرية يتداولون قصائده ويحفظوها وهو بعد لا زال في سنوات شبابه المبكرة اي في بداية الستينيات من القرن الماضي .. وإشتهر بقصيدته اليسارية التي كتبها في عام 1970 والتي يقول فيها ..چانوا بگلبي حبيبين..واحد بهل العين أضمة , اواحد بهل العين ..وچانت الغيرة توج ما بين الاثنين ..عاتبتهم ..هي عيني والة چانت باليسار..والة چانت باليمين..شفت گلبي ايودي دمة اعلة اليسار وما يودي اعلة اليمين ..! ولد الشاعر الشعبي الراحل كاظم چرداغ عودة الركابي في الناصرية عام 1948 وكان هو الابن الوحيد مع ثلاث أخوات تكبره احداهن ..وكان والده يعمل شرطي ثم تقاعد لذلك كانت حالتهم المادية صعبة ..كان الشاعر طيب القلب يملك قلب طفل وكان خجولاً ويملأ قلبه حباً للناس وحينما يضحك تكون ضحكته مجلجلة وخارجة بصدق من أعماقه فيهتز لها جسمه الضخم..لم تكن لديه عداوات مع أحد وكان خفيف الظل ويدخل للقلب بسهولة ..كان كثيراً ما يلتقي بالشعراء والادباء والمثقفين من أبناء مدينته في مقهى الادباء اي مقهى ابو أحمد المعروف لابناء الناصرية في ذلك الوقت والكائن في وسط المدينة في شارع الجمهورية ..كانوا هؤلاء يتسامرون ويتحدثون عن نتاجاتهم الادبية والشعرية وفي مجالات المسرح والفن التشكيلي .. وكانت غالباً ما تتمخض نقاشاتهم عن شيء مثمر للوسط الثقافي في المدينة وبهذا فأن الشاعر الركابي مع الشاعر جبار الغزي والشاعر عادل العضاض قرروا تنظيم مهرجان قطري للشعر الشعبي في الناصرية ونجحوا في ذلك وتم افتتاح المهرجان الشعري الاول في يوم 7 تموز عام 1969 وإقترح الشاعر الراحل جبار الغزي ان يكون شعاره /..كل شيء من أجل المعركة /..رداً على العدوان الاسرائيلي في 5 حزيران عام 1967 وإستمر لمدة ثلاثة أيام وشارك فيه مئات الشعراء والمعنيين بالثقافة والادب ..وقرأ فيه الشاعر الراحل كاظم قصيدته جا بعديش ! وكانت ملحمة شعرية, وأخرى غيرها , وكان الشاعر رئيساً لجمعية الشعراء الشعبيين وكتّاب الاغنية في محافظة ذي قار لمدة ثلاث دورات انتخابية وكان يشغل منصب رئيس تحرير جريدة الناصرية الاسبوعية حقبة التسعينيات وكان عضواً في نقابة الصحفيين العراقيين ونقابة الصحفيين العرب وعمل في الاذاعة في بغداد..وقام بـتأليف عدد من الاغاني لمطربين مشهورين فهو أول من كتب للمطرب حسين نعمة أغنية .. يا نجمة التي لحنها الملحن كوكب حمزة عام 1969وأيضاً كتب كلمات أغنية كون السلف ينشال ..شلته على راسي التي أداها المطرب حسين نعمة والتي كانت من الحان الملحن الفقيد كمال السيد وأغنية گصيت المودة التي غنتها المطربة انوار وأغنية يا مدلولة شبگة بعمري التي غناها المطرب سعدي الحلي وأغنية فرد عود وأغنية عشگ بسكوت التي غناها المطرب محمود انور وغيرها الكثير .. وفي مجال المسرح له مساهمة في المسرح العسكري في السبعينيات عندما أخرج الفنان الراحل راسم الجميلي مسرحية..عنترة بن شداد فقام بدور عنترة الشاعر كاظم ابو نبيل الذي اداه باجتهاد وتميز ....كان الشاعر الراحل كاظم يتهرب كثيراً من المهرجانات الشعرية التي تقيمها اجهزة السلطة حتى لا يتم الضغط عليه ويجبر بالقاء قصيدة تمدح الطاغية او حروبه العبثية.. وفي لقاء صدام بنخبة من الشعراء قرأ الشاعر الراحل كاظم قصيدة ..شلونكم ..شلون المستحة البوجوهكم ..مثل الاول , لو خبط ماية وتغير لونكم ..الخ من الابيات وبعد هذا اللقاء ساءت صحته كثيراً وتقيأ دماً بعد اسبوع من ذلك وإستمرت معاناته الصحية بالتدهور حتى فارق الحياة يوم الخميس المصادف في 26 نيسان عام 2001.. لکن الشاعر الراحل كاظم کتب قصيدة للحرب ولكن کانت بشكل آخر وفي مقطع واحد من خلال ضغط السلطة عليه بالكتابة عن ذلك ..فكتب ..إحنة مشينة مشينة للحرب ..عاشگ يدافع من أجل محبوبته..هذا العراقي العراقي من يحب ..يفنى ولا عايل يمس محبوبته وإحنة مشينة للحرب ..! وقام بتلحينها الملحن الراحل طالب القره غولي الذي قال له في وقتها ...يا أبا رشا ..بس خلي كلمة الرييس بالاغنية..غداً لك سيارة ومبلغ من المال ..يقول شاعرنا ..أنني رفضت ذلك العرض .! حتى أنه رفض أن يكملها بمقاطع أخرى حينما طلب منه ذلك !.. ومن قصيدته ..عشگ بسكوت ..يقول ..مثل ضحك الحلم بسكوت ..مثل بچي الحلم بسكوت ..حبيبي لا تظل مثلي عشگ بسكوت ..وبلياكم روحي غصن تراه يموت..ومن الجدير بالذكر أن الشاعر كتب قصيدة المناجل التي صارت ذائعة الصيت يرددها ابناء الناصرية في بعض المناسبات ..يقول فيها ..لولي على مسعدك ..گول الذي ايريحة ..وشرّع أرموشك هلة للمعتني إبجرحة ..لولي لگطع النفس..لولي لمن يصحة ..إجرحني ..يمن عتبة الك ..جرح المحب فرحة ....الليل موش ايحصد ليلة ..أيحصد صبحة..والحصو..موش ايحصد روحة ..ايحصد جدحة..والبحر ..موش ايحصد روجة..إيحصد ملحة ...الليل طال وبخت عندة اليروي عينة بشمس باچر ..الليل بين العين لا بين الجفن ..أنثر گزاز ودار داير ..الليل حاود وردتي ..وحشّم عليه الدود من كل المگابر ..وصوتينة ..وصوتينة ..الصوت ما يجزي الشفايف ..يا دفو البين البرد والحر ..نريدك وين صاير ..يلفراتي ..ولا سمعنة إبوجه روجك..يوگف احجار الگناطر ..إضحكلي بشفاف الگمر ..أضحكلك ابسن منجلي..ولا غيمة تحبس ضحكتك...ولا خاين ابتل منجلي..شديتة بالشريان ..شد ويه العظم..صار العظم هو منجلي ..والمنجل إبجسمي عظم ..والگلب فد دگة يدگ..نوبة الك ..نوبة الي .. , وبالاضافة الى أشعاره فأنه كتب الاوبريت فمثلاً كتب في عام 1971 اوبريت ..ابو الهيل والذي قام بإخراجه الفنان الراحل المبدع صالح البدري والذي فاز بالجائزة الاولى في المهرجان القطري لمحافظات العراق في ذلك الوقت ..ومن خلال مسيرته الشعرية المتميزة إلاً أنه لم يصدر له ديوان واحد يضم نتاجاته الشعرية لكن في عام 2013 صدر ديوانه الاول والاخير عن دار تموز للطباعة والنشر في دمشق بجهود إبنه الشاب نبيل وعدد من أصدقاءه الاوفياء وخصوصاً الشاعر أكرم الغزي وقد كتب مقدمته الشاعر رياض النعماني والديوان بإسم ..مناجل.. فيه هذه القصيدة وقصائد أخرى غيرها حيث تم تنظيم حفل الاعلان عنه في يوم 27 شباط من عام 2014 على قاعة المركز الثقافي في الناصرية اعلن فيه عن صدور الديوان وتم توزيع بعض النسخ على الحضور وكان من ضمنهم الشاعر الفقيد عريان السيد خلف والمطرب حسين نعمة والمطرب ماجد الصياد والاديب ياسر البراك والشاعر رياض النعماني والشاعر أكرم الغزي وغيرهم من شعراء وادباء الناصرية الكرام ..إمتازت قصائده بشاعرية رقيقة وقريبة على القلب ولو بقي بيننا للآن لكتب أشعاراً في فضاء يخلو من أعين الجلادين وأكيد أن قلبه الطيب الكبير يحمل الالم والحزن العراقي المكبوت الذي يمكن أن يتفجر شعراً له أصداء قوية في مثل هذه الظروف ..أقول هنا الا يحتاج مثل شاعرنا الراحل كاظم ان نعمل له تمثال يتوسط المدينة التي عشقها وكتب لها وللعراق ..سيظل الشاعر الراحل كاظم الركابي منجل الناصرية وبيدر الشعر الشعبي لكل العراقيين....فقد كانت حياته القصيرة زاخرة بحب الناس ومن أجل اسعادهم بنتاجاته المتنوعة وخاصة في مجال الشعر الشعبي ..تحية للراحل الركابي في ذكراه العشرين والذي مات حزناً و ألماً على مآسي شعبه ووطنه وتعرض للمرض والآلام جراء ذلك..فهو الشاعر الشهيد ..خالد الذكر أبداً ..

ملاحظة..حصلت لي مصادفة جميلة أعتز بها مع الشاعر الراحل كاظم الركابي ..وهي حينما كنت جندي مكلف في مدينة ديالى , جئت بالسيارة الى بغداد لكي اواصل طريقي الى مدينتي الناصرية وصلت لگراج النهضة وصعدت في احدى السيارات الذاهبة للناصرية , جلست في المقعد الخلفي وإذا بالشخص الذي يجلس جنبي هو الشاعر المحبوب كاظم الركابي الذي أعرفه بكونه من شعراء المدينة ومن مثقفيها المعروفين بالاضافة الى كونه صديق أخي الاكبر ..سلمت عليه وخلال خمس ساعات الى أن وصلنا الى مدينتنا , تناولنا أنا وهو شتى المواضيع المتعلقة بالشعر والفنون والمسرح وغيرها ولم نشعر بالوقت كيف مضى وقد عبّر عن اعجابه بي قائلاً ..أنا أعتقد ان هذا الجيل وكان يقصد به جيلي أنا , هو أثقف من جيلنا ..! , وأتذكر جيداً أنني لم أتفق معه قائلاً ..العكس هو الصحيح ..لكنه رد على في الحال بأنه لا يجاملني وإنما يقول الحقيقة .. وحينما سألته ضاحكاً ..كيف كتبت , يا حمامة شلون طرتي وعلى عش الغير صرتي ..آنة ربيت ..هواية داريت ..الخ ..ضحك كالعادة وبشكل مجلجل قائلاً ..هاي شلون اتذكرتها !! ثم سرد حكايتها بالقول ...كنت أعمل في إذاعة القوات المسلحة وطلبوا مني أن أكتب قصيدة تتحدث عن الجندي وشوقه الى وطنه أو حبيبته ..الخ ..ويواصل الشاعر سرده الممتع للحكاية بالقول ..جلست في المقهى بعد الدوام وأخرجت ورقة وقلم وكتبتها في الحال ويعقب قائلاً ..على الرغم من بساطة كلماتها إلاّ أنها أعجبتهم فأصبحت أغنية في الاذاعة ..! وضحكنا أنا وهو كثيراً عليها لكني قلت له ..إنها أغنية حلوة ..