كـتـاب ألموقع
المسار الأمني في «إتفاقات أبراهام»- القسم الثاني// محمد السهلي
- المجموعة: محمد السهلي
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 23 آب/أغسطس 2024 20:24
- كتب بواسطة: محمد السهلي
- الزيارات: 821
محمد السهلي
المسار الأمني في «إتفاقات أبراهام»- القسم الثاني
محمد السهلي
المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
■ مقدمة
المحور الأول: بوصلة التحالفات الأمنية الأميركية
المحور الثاني: المسار الأمني في مجرى التطبيق
■ ملحق
المحور الثاني
المسار الأمني في مجرى التطبيق
■ تمهيد
1- الإمارات:«إسبارطة الخليج»
2- البحرين: «مربط المارينز»
3- السودان: إستثمار مؤجل
4- المغرب: مسار متقدم
5- السعودية: رهانات كبيرة
تمهيد
■ منذ بدء المفاوضات مع الولايات المتحدة حول «إتفاقات أبراهام»، رفعت الأطراف العربية مستوى مطالبها الأمنية مقابل التطبيع. وبما أنها، (باستثناء السودان)، ترتبط بعلاقات أمنية قوية وقديمة مع واشنطن، فإن طلباتها تجاوزت حدود تلبية طموحاتها السابقة التي تمحورت عموماً حول حفظ إستقرار نظامها السياسي، وانتقلت باتجاه المطالبة بعقد إتفاقات أوسع وأقوى تكفل ردع الخصوم، وتطوير قدراتها العسكرية والأمنية وتعزز موقعها الإقليمي. وقد أدى نمو النزعات العسكرية التدخلية لدى كل من الإمارات والسعودية في شؤون المحيط العربي، إلى نشوء تعقيدات سياسية وميدانية دفعت كل منهما إلى طرح إلتزامات إضافية على الحليف الأميركي، خاصة بعد تعرض أراضيهما ومنشآتهما النفطية للهجوم العسكري المباشر. وعلى خلفية تفاقم التوتر مع الجزائر، وَسَّعَ المغرب أيضاً من دائرة مطالبه الأمنية لتشمل إتفاقاً قوياً ومديداً يكفل تطوير مؤسساته العسكرية والأمنية، وتحديث ترسانته الحربية.
■ تقيِّم إسرائيل مسار المباحثات الأمنية بين واشنطن وباقي أطراف «إتفاقات ابراهام»، وفق معيار الإلتزام الأميركي بأمنها وتفوقها العسكري. وكانت دائماً على دراية بمضمون الطلبات العربية الموجهة إلى واشنطن، ومن خلال الأقنية الأميركية الرسمية ذاتها التي تلقتها. لذلك كانت ردودها على هذه الطلبات فورية وقبل أن تتوصل الولايات المتحدة إلى إتفاق بشأنها مع أي طرف عربي. وقد نجمت هذه الآلية أساساً عن الشراكة الأميركية - الإسرائيلية في بلورة «صفقة القرن»- ومن ثم إعلانها الرسمي على لساني ترامب ونتنياهو في مؤتمر صحفي واحد بواشنطن- 28/1/2020.
من هذه الزاوية، أصبحت الخارجية الإسرائيلية بمثابة «صندوق بريد مزدوج»، يصلها عن طريق «القناة الأميركية» ما تطلبه الأطراف العربية من واشنطن، جنباً إلى جنب مع ما تبحثه هذه الأطراف معها مباشرة بشأن ترتيبات العلاقات الثنائية وإطارها المستقبلي. وربما هذا هو ما دفع الأطراف العربية في النهاية لأن تضع تل أبيب مسبقاً بصورة ما تريده من الإدارة الأميركية توفيراً للوقت وطمعاً في الحصول على دعمها■
(1) الإمارات: «إسبارطة الخليج»!
■ يحلو لخبراء إستراتيجيين غربيين أن يطلقوا لقب «إسبارطة الصغيرة» على دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس لتقشفها بكل تأكيد، بل في معرض مقارنة حجمها الصغير بمستوى قدراتها العسكرية ونوعية تسليحها المتقدم، وحجم دورها التدخلي في عدد من ساحات الصراع في محيطها الإقليمي، ومستوى إنفاقها الدفاعي، الذي ارتفع من 1,66 مليار$ - 2018، إلى 2,3 مليار$ - 2019، ويشكل ما بين 11,9 و 14% من إجمالي ميزانيتها العامة، وهذا يساوي نحو 6 أضعاف متوسط الإنفاق الدفاعي العالمي قياساً للناتج المحلى- 2,2%. ويبلغ عدد أفراد الجيش نحو 63 ألفاً، فيما لا يتجاوز عدد مواطني الأمارات 1,2 مليون من بين 9,9 مليون شخص يقطنون ويعملون فيها، وهو ما دفع المحللين لترجيح وجود مقاتلين من جنسيات أخرى في صفوف الجيش الإماراتي.
■ يتواجد في الإمارات نحو 5.000 أميركي و1.600 كوري جنوبي و400 فرنسي وعدد آخر من البريطانيين والأستراليين، يتوزعون جميعاً ما بين جنود وبحارة ومستشارين ومدربين عسكريين وعاملين في مهام لوجيستية مختلفة. ويتلقى في قاعدة «الظفرة» الإماراتية سنوياً نحو 2000 عسكري من 10 دول تدريبات في مجال «الدفاع الجوي». وشاركت الإمارات في عمليات الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وقوات حفظ السلام الإقليمية، في الصومال وكوسوڤو وأفغانستان، وتوجد على أراضيها مدرسة عسكرية لتدريب النساء في إطار مهام «قوات حفظ السلام النسائية» في أفريقيا وآسيا.[ميليسا دالتون، حجاب شاه: «تطور التعاون العسكري والأمني الخارجي الإماراتي: الطريق نحو الإحتراف العسكري»- مركز مالكوم كير/ كارنيغي- 12/1/2021].
رحلة البحث عن إتفاق أمني فاعل
■ ترتبط دولة الإمارات منذ تأسيسها- 1971، بعلاقات سياسية وأمنية وثيقة مع الولايات المتحدة، وقد وقع الطرفان عدة إتفاقات أمنية: 1- إتفاق «الأمن العام للمعلومات العسكرية»- 1987؛ 2- «إتفاق التعاون العسكري والدفاع المشترك»- 7/1994، ويقضي بإنشاء مكتب عسكري للإتصال وحصول القوات الأميركية على تسهيلات، وإنشاء قواعد لوجستية بحرية في كل من ميناء زايد وجبل علي ودبي والفجيرة؛ 3- «إتفاق الاستحواذ والخدمات المشتركة»- 2006؛ 4- «إتفاق التعاون الدفاعي»- 2019. وقد وُقع هذا الإتفاق في ظل ولاية ترامب، وفي سياق المسعى الأميركي لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل. وكان أول إتفاق أمني «تمهيدي» قبل ترسيم مسار «إتفاقات أبراهام»، الذي دشنته الإمارات- 13/8/2020 .
وقد اعتقدت أبو ظبي أن إتفاق التعاون الأمني الأخير سيشكل عامل ردع لخصومها في سياق إنهماكها التدخلي في اليمن. لكن تعرض أراضيها بما فيها العاصمة للقصف- 2022، واقتصار الرد على مصدر الهجوم على دور قواتها المسلحة، جعلها تدرك هشاشة الإتفاق الذي وقعته مع إدارة ترامب، ودفعها لمطالبة إدارة بايدن باتفاق جديد أكثر فعالية، بديلاً عن الإتفاق السابق، الذي تبين لها أنه مجرد «تفاهم أمني» فقد مفعوله مع تغير الإدارة السياسية في الولايات المتحدة. [صحيفة «العرب»- 22/9/2023].
■ وكانت إدارة ترامب المنتهية ولايتها، قد وافقت- 11/11/2020، على بيع الإمارات أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية بقيمة 23,4 مليار$، وتشمل 50 طائرة مقاتلة من طراز «إف 35»، الأكثر تطوراً في الترسانة الأميركية، و 18 طائرة مسيرة من طراز «أم كيو 98»، وذخائر صواريخ جو - جو، وجو- أرض، ويستغرق تنفيذ الصفقة عدة سنوات. ومع رحيل إدارة ترامب تَمَلَّك الإمارات القلق حول مصير الصفقة، لكن هواجسها زالت عندما أعلنت إدارة بايدن - 4/2021 ، أنها ستمضي في تنفيذها.
يذكر أن إسرائيل تراجعت عن تحفظها على هذه الصفقة بعد حصولها على ضمانات أميركية بالحفاظ على تفوقها العسكري الإقليمي، وجاءت هذه الضمانات قبل إقرار الصفقة رسمياً وعبر إعلان مشترك وقعه كل من وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ونظيره الأميركي مارك إسبر. وتمتلك إسرائيل 24 طائرة من طراز «إف 35»، ومن المقرر أن يصل عدد مقاتلاتها من هذا الطراز إلى 50 في هذا العام- 2024.
أبوظبي - تل أبيب .. طريق سالك بالإتجاهين
■ في عام 2008، وقّعت هيئة المنشآت والمرافق الحيوية في أبوظبي (المسؤولة عن الأمن والسلامة) عقداً بلغت قيمته 816 مليون دولار مع شركة «AGT International»، وهي شركة سويسرية يمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي، ماتي كوتشاڤي، من أجل شراء معدّات مراقبة للبنية التحتية الحيوية في الإمارات، بما في ذلك منشآت النفط والغاز. وزوّدت الشركة نفسها، أبوظبي، بثلاث طائرات مسيّرة، تهدف إلى تعزيز قدراتها الاستخباراتية والأمنية. كما زوّدت شرطة أبوظبي بنظام مركزي للمراقبة الأمنية يعرف باسم «عين الصقر»، وقد بدأ العمل به رسميًّا في تموز/ يوليو 2016. وفي آب/ أغسطس 2018، إشترت الإمارات من مجموعة «NSO» الإسرائيلية تكنولوجيا متطورة لقرصنة الهواتف النقالة؛ بغرض التجسّس على معارضيها في الداخل والخارج، ومن تعتبرهم خصومها.
وتعمّقت العلاقات العسكرية بين إسرائيل والإمارات، وخصوصا بعد الهجمات التي تعرّضت لها ناقلات نفط قرب ميناء الفجيرة في أيار/ مايو 2019. ففي آب/ أغسطس 2019، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، يسرائيل كاتس، أن إسرائيل باتت جزءاً من «التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية». وقد أنشأت الولايات المتحدة الأميركية هذا التحالف، وهو يضم كلًّا من السعودية، الإمارات، البحرين، بريطانيا، أستراليا وألبانيا، ويهدف إلى تعزيز أمن وسلامة السفن التجارية التي تمر عبر الممرات البحرية. [«إتفاقات أبراهام.. معضلة إندماج إسرائيل في المنطقة»، ص 90-91، من كتاب« تحت المجهر»، الرقم 44 من «سلسلة الطريق إلى الاستقلال»- المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات/«ملف»، الطبعة الأولى- 2023].
■ بعد توقيع إتفاق التطبيع، إتسعت العلاقات بين الطرفين واتخذت التعاون بينهما طابعاً رسمياً:
• ففي آذار/ مارس 2021، وقّعت مجموعة التكنولوجيا المتقدمة في قطاع الدفاع بالإمارات (إيدج)، مذكرة تفاهم مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وذلك لتطوير الإنتاج الأمني والعسكري المشترك بين البلدين، وبناء نظام متقدم للدفاع ضد الطائرات من دون طيار.
• أعلنت شركة «مجموعة 42» الإماراتية، وسلطة تطوير الأنظمة القتالية/«رفائيل»- 21/4/2021، عن إبرام إتفاق لإقامة مشروع مشترك، لتسويق «تقنيات الذكاء الإصطناعي وحلول البيانات الضخمة». وقال السفير الإماراتي في إسرائيل، محمد آل خاجة إن هذا المشروع «ليس مجرد إجتماع شركتين، بل هو تعاون استراتيجي يعزز العلاقة بين إسرائيل والإمارات».
• وفي كانون الثاني/ يناير 2022، أعلنت شركة «إلبيت سيستمز» الإسرائيلية للأسلحة المتطورة أن فرعها في الإمارات حصل على عقد بقيمة 53 مليون$ لتزويد سلاح الجو الإماراتي بأنظمة دفاعية. وتعمل الشركات الإسرائيلية والإماراتية معاً أيضاً لتطوير نظام مضاد للطائرات دون طيار.
• وفي شباط/ فبراير 2023، كشفت الإمارات وإسرائيل عن أول سفينة عسكرية غير مأهولة (دون قبطان) تم إنتاجها بالتعاون ما بين شركة صناعة الطيران الإسرائيلية ومجموعة «إيدج» الإماراتية؛ والسفينة مزودة بأجهزة إستشعار وأنظمة تصوير متطورة، ويمكن إستخدامها للمراقبة والاستطلاع ورصد الألغام، وقد تم عرضها في معرض الدفاع البحري (ناڤدكس) في أبوظبي.[«الرباعية الأميركية - الإسرائيلية - الهندية - الإماراتية: خلفيات التحالف وأهدافه»، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات / تقدير موقف - 19/7/2022]■
(2) البحرين .. «مربط المارينز»
■ تتواجد وحدات عسكرية أميركية في البحرين منذ 1948. وفور إنسحاب بريطانيا من هناك- 1971 ، وقعت واشنطن مع المنامة إتفاقية- 31/12/1971، إستأجرت بموجبها مرافق بحرية كمراكز لقواتها، وتم على هامش الإتفاقية توقيع عدد من التفاهمات الأمنية شملت شحنات أسلحة وبرامج تأهيل وتدريب إلى جانب قضايا لوجستية. ووقع الطرفان «إتفاقية التعاون الدفاعي»- 27/10/1991، ومدتها عشر سنوات تتجدد سنوياً عند انقضائها، وبموجبها إنتقل مقر القيادة المركزية لقوات البحرية الأميركية إلى البحرين، وجرى تعديل الإتفاقية عام 1995، بالنص على نقل قيادة الأسطول الأميركي الخامس أيضاً إلى هناك. وتقوم سفن الأسطول بدوريات مراقبة تغطي منطقة الخليج العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر وبحر العرب، ومضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. وقد أنفقت الولايات المتحدة نحو 2 مليار$ لتطوير منشآتها البحرية هناك، فيما يقدر عدد الجنود الأميركيين في البحرين بـ 7000، معظمهم من مشاة البحرية – الـ «مارينز».
مذكرة التفاهم الخليجية الأولى مع إسرائيل
■ لم يتمكن بنيامين نتنياهو من حصاد «ثمار» توقيع «إتفاقات أبراهام» الأربعة وهو على رأس حكومته، لأنها سقطت بعد توقيع آخرها مع المغرب - 12/2020. لتتولى ذلك الحكومة التي شكلها خصومه- 6/2021. فقام شريكه السابق ووزير الدفاع في حكومة بينيت - لبيد، بيني غانتس، بتوقيع مذكرة تفاهم أمنية مع البحرين- 2/2022، وهي أول مذكرة من هذا النوع توقعها إسرائيل مع دولة خليجية، والثانية مع طرف في «إتفاقات أبراهام»، بعد المغرب.
تنص المذكرة على «تعزيز التعاون الأمني بين الطرفين بما يشمل إبرام صفقات أسلحة وتجهيزات ومعدات عسكرية، وإجراء تدريبات مشتركة، وإتاحة المجال للشركات الخاصة من كلي البلدين في عقد صفقات تتصل بتجارة التجهيزات الالكترونية، وبخاصة أجهزة التشويش والتنصت وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية التي تنشط في إنتاجها الشركات الإسرائيلية». ويذكر في السياق، أن البحرية الإسرائيلية تشارك، منذ توقيع المذكرة في المناورات التي تقودها القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في البحرين.[«الجزيرة نت - 3/2/2022].
وتجدر الإشارة إلى أن البحرين، ألغت رسميا مقاطعتها لإسرائيل قبل نحو 15 عاماً من توقيع «إتفاقات أبراهام»، وتم ذلك عقب توقيع إتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة- 5/2004. وقال وزير المالية البحريني آنذاك أحمد بن محمد آل خليفة: إن «البحرين تدرك الحاجة إلى سحب المقاطعة الأولية ضد إسرائيل وتعمل على تطوير الوسائل لتحقيق ذلك».[«تايمز أوف إسرائيل» - 15/9/2020].
إتفاق أمني ضعيف ومتأخر مع واشنطن
■ وقعت البحرين والولايات المتحدة «إتفاقية التكامل الأمني والإزدهار الشامل»- 13/9/2023، وقد ورد الجانب الأمني في مادتها الثانية تحت عنوان: «التعاون الدفاعي والأمني»، وجاء في نصها: «يعتبر أي إعتداء خارجي أو تهديد باعتداء خارجي ضد سيادة أي من الطرفين واستقلاله وسلامة أراضيه مدعاة قلق بالغ بالنسبة إلى الطرف الآخر. وفي حال وقوع إعتداء خارجي أو تهديد بالاعتداء الخارجي ضد أحد الأطراف، يتعين على الطرف الآخر - وفقا لدساتيره وقوانينه - الإجتماع فوراً، وعلى أعلى المستويات بغرض تحديد الإستجابة الدفاعية والرادعة المناسبة وتنفيذها على النحو المتفق عليه بين الأطراف، بما في ذلك في المجالات الإقتصادية و/أو العسكرية و/أو السياسية».[موقع وزارة الخارجية الأميركية، بالعربية- 13/9/2023].
وعلى الرغم من التهليل الخليجي الرسمي بالإتفاق الأمني الأميركي مع البحرين، يُلحظ في نصه أنه يكتفي باعتبار الإعتداء على طرف من الإتفاق «مدعاة للقلق» بالنسبة للطرف الآخر، ويترك مستوى ونوع التحرك لمواجهة هذا الإعتداء إلى قرار مشترك سيأخذ بالضرورة جولات من البحث، كما يدل نص الإتفاق على أن تحرك الجانب الأميركي يحتاج إلى إجراءات دستورية وقانونية من بينها بالتأكيد قرار من الكونغرس، بينما تعتبر معاهدات «التحالف الدفاعي» أن الاعتداء على أي طرف بمثابة إعتداء على الطرف الآخر، بما يوجب الرد الفوري■
(3) السودان: إستثمار مؤجل
■ السودان، هو الطرف الوحيد في «إتفاقات أبراهام» الذي لا تربطه علاقات قوية مع الولايات المتحدة، بل على العكس، وضعته واشنطن على لائحة «الدول الراعية للإرهاب» منذ تسعينيات ق 20، على خلفية إيوائه حينذاك إسلاميين متطرفين بينهم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، ونجم عن هذا التصنيف عقوبات أعاقت فرص الإستثمار الأجنبي في السودان، ومنعت حصوله على مساعدات وقروض من الهيئات المالية الدولية، في وقت هو فيه بأمسّ الحاجة إلى ذلك، مع استمرار تدهور إقتصاده المثقل بالديون المقدّرة بنحو 60 مليار$، وبمعدلات تضخم عالية بلغت أكثر من 200%، فضلاً عن تدهور مريع في كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية والبنية التحتية، وتراجع كبير في قيمة العملة الوطنية، ومعدلات فقر فاقت الـ70%، وبطالة بلغت 40%.
■ جرى التمهيد لعملية التطبيع منذ عهد الرئيس عمر البشير، عبر لقاءات عدة بين مسؤولين إسرائيليين وسودانيين. واستُؤنف هذا المسار - بعد الاطاحة به - مع السلطات الإنتقالية برعاية أميركية مباشرة، ليتوج بلقاء جمع في شباط/ فبراير 2020، رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ونتنياهو في عنتابي الأوغندية.
وخلال زيارة وفد إسرائيلي - أميركي مشترك للخرطوم- 21/10/2020، تم التوصل مع البرهان، ورئيس الحكومة حمدوك، إلى «إتفاق مبدئي بشأن تطبيع متدرج للعلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، وصولاً إلى علاقات كاملة بينهما، في مقابل صفقة واسعة شملت: رفع السودان من قائمة الإرهاب؛ تخصيص مساعدات مالية للسودان؛ تحرير الأموال السودانية المحتجزة في واشنطن». وعلى ذلك أصدر الرئيس ترامب- 23/10/2020، قراراً رسمياً برفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأعلن بعد ذلك بساعات موافقة السودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
■ شكل استقطاب السودان في صف الدول المطبّعة مكسباً أميركياً وإسرائيلياً كبيراً ، تفوق أهميته – من زاوية معيَّنة - التطبيع مع كلّ من الإمارات والبحرين، بما يمثله السودان بمساحته وتعداد سكانه ودوره العربي والإفريقي.
وتطمح تل أبيب من وراء هذه الخطوة إلى تعزيز حضورها الأمني في القارة السمراء، بما يمكنها من بناء «سياج» أمني يمتد من وسط افريقيا حتى الخليج، يحمي خط ملاحتها عبر البحر الأحمر، ويقطع الطريق على تمركز قواعد عسكرية إيرانية وتركيا في المنطقة، ويوقف تهريب الأسلحة الذي يتم من هناك إلى سيناء وغزّة، بحسب إدعائها.
■ لفت إنتباه المراقبين أن إسرائيل فضلت أن يتم تواصلها مع الحكم في السودان «عبر المكوّن العسكري الذي وطَّدت علاقتها مع قادته على نحو بدا فيه الجانب الأمني هو المهيمن على مجريات عملية التطبيع». ويلفت المحللون النظر إلى الزيارة السرية التي قام بها مسؤولون في جهاز الموساد للخرطوم في حزيران/ يونيو 2021، والتقوا خلالها نائب رئيس المجلس السيادي وقائد قوات «الدعم السريع»، الفريق حميدتي، الأمر الذي «أثار ريبة القادة المدنيين الذين عدّوا الزيارة محاولة إسرائيلية لتقويض حكومة حمدوك، ومحاولة من الفريق حميدتي لتأسيس علاقات مستقلة مع الإسرائيليين، بهدف تعزيز أجندته الداخلية».
■ لكن إسرائيل، ومع تفضيلها التواصل مع المكون العسكري، لم تتعامل معه كجسم واحد، ومن خلال قناة إتصال رسمية واحدة. بل شقت مسربين في هذه العلاقة: مسرب تتولى فيه وزارة الخارجية متابعة ملف التطبيع مع عبد الفتاح البرهان للوصول إلى ترسيم الإتفاق، ومسرب آخر يتولاه «الموساد»، ويبحث فيه مع قائد «الدعم السريع» قضايا «الأمن ومكافحة الإرهاب». وقد أقلقت هذه الآلية البرهان واعتبرها تحفيزاً لطموحات منافسه حميدتي، فيما وجد فيها الأخير إعتراف إسرائيلي بحيوية دوره في العلاقة الثنائية المستقبلية مع تل أبيب.[(داخل الأقواس): سامي صبري عبد القوي؛ «إسرائيل والسودان: رهانات التطبيع ومقاربة دعم المكون العسكري»، مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 131 - صيف 2022 - بيروت].
■ طرح إندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، تساؤلات كبيرة حول الدور الذي ستلعبه إسرائيل في هذا الصراع، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الإسرائيلية نفسها تضع جميع الخيارات المتاحة على طاولة البحث، بعدما طالبت الخارجية الإسرائيلية من طرفي الصراع عبر بيان ديبلوماسي وقف القتال.
ومع أن مصادر كثيرة أشارت إلى أن تل أبيب تميل إلى حميدتي من زاوية حذرها من أجندة البرهان وعلاقاته الإقليمية، إلا أن المحللين يرون أن أي خيار ستتخذه إسرائيل لن يلغي حقيقة أن هذه التطورات خفضت كثيراً من مستوى رهاناتها السياسية والأمنية على عملية التطبيع مع السودان، لأجل يصعب تحديده■
(4) المغرب: مسار متقدم
■ لا يشكل دخول النظام في المغرب في إطار «إتفاقات أبراهام» إنعطافة نوعية في سياساته تجاه إسرائيل، كما لا يعني قفزة كبيرة في علاقاته المتينة أصلاً مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، وجدت الرباط في حيوية هذه الخطوة بالنسبة لكل من واشنطن وتل أبيب فرصة ذهبية كي تعزز موقفها السياسي والأمني تجاه محيطها الإقليمي، وعلى وجه الخصوص في مواجهة الجزائر التي تؤيد حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، وتساند «جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب»- بوليساريو/ Polisario، التي تشكلت عام 1973، وتدعو لقيام «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية»، بينما تعتبر الرباط أن الصحراء الغربية الغنية بالفوسفات أراض مغربية. ويشكل ملف الصحراء الغربية واحداً من ملفات خلاف حاد إستعر بين الجارين الشقيقين منذ سبعينيات ق20.
ترسيم على وقع «أوسلو»
■ تختلف تجربة المغرب في التطبيع مع إسرائيل عن باقي الأطراف العربية المطبعة، من زاوية أن هذه الأطراف لم تقم علاقات رسمية ومعلنة مع الدولة العبرية إلا بعد توقيع إتفاق ثنائي بينهما، بدءاً من التجربة المصرية مروراً بالجانب الفلسطيني والأردن وصولاً إلى الدول التي أصبحت طرفاً في «إتفاقات أبراهام» خلال العام 2020؛ بينما أقام المغرب علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل على مستوى مكتب إتصال ديبلوماسي- 1/9/1994، على إيقاع ترسيم «إتفاق أوسلو» بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي- 13/9/1993، وقبل توقيع الأردن على «معاهدة وادي عربة»- 26/10/1994. وبذلك، كانت المغرب عملياً الدولة العربية الثانية، بعد مصر، التي أقامت علاقات رسمية مع الدولة العبرية. وقد قطع الملك محمد السادس، هذه العلاقات- 23/10/2000، بعد اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية- 28/9/2000، وظلت العلاقات بين المغرب وإسرائيل خارج الإطار الرسمي المعلن إلى أن تم التوقيع على الإعلان المشترك بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل- 22/12/2020، والذي بموجبه باتت المغرب طرفاً عربياً رابعاً في «إتفاقات أبراهام».
■ وكما كانت بدايات تجربة المغرب في التطبيع مختلفة عما سبقها من التجارب الرسمية العربية في إطار «إتفاقات السلام»، فإن تجربتها الراهنة في مسار «إتفاقات أبراهام» مختلفة أيضاً عن التجارب الثلاث التي سبقتها في هذا المسار. ففي حين كانت مواقف كل من الإمارات والبحرين، (والسعودية باعتبارها جزءاً من هذه الدراسة)، متوافقة بالأساس مع موقف إدارة ترامب تجاه «الملف الإيراني»، كان موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة، بما فيها «الجمهورية»، مختلفاً عن موقف المغرب من «ملف الصحراء الغربية»، من زاوية دعم واشنطن لدور الأمم المتحدة في حل هذه القضية، إن كان عبر استفتاء سكان الصحراء، أو دعم خيار الحل السياسي عبر المفاوضات ما بين الأطراف المعنية.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي ترامب خرج في «صفقة القرن» عن محددات كثيرة في المواقف الأميركية التقليدية من عدة قضايا (القدس مثلاً)، إلا أن قضية مثل «الصحراء الغربية» لم ترد أصلاً في حسابه إلا في سياق إستجلاب المغرب إلى «إتفاقات أبراهام». وبمجرد أن أبدى المغرب إستعداده للتوقيع على الإعلان الثلاثي بشأن التطبيع، أعلن ترامب في اليوم نفسه إعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. واللافت أن إسرائيل لم تقم بذلك إلا في تموز/ يوليو 2023، أي بعد أكثر من عامين ونصف العام من توقيع الإعلان.
«خارطة طريق للتعاون الدفاعي»
■ أصر المغرب على أن يجري البت بالإتفاق الأمني مع الولايات المتحدة قبل توقيع الإتفاق الثلاثي، وأن يكون الإتفاق ذو طابع استراتيجي يؤدي إلى تطوير بنيوي في القدرات العسكرية المغربية. ونظراً للعلاقات التاريخية القوية بين البلدين، والحجم الكبير لصفقات الأسلحة الأميركية المنظورة في سياق تطبيق الاتفاق، إلى جانب لهفة ترامب على توسيع «إتفاقات أبراهام»، تم إبرام إتفاق أمني بين المغرب والولايات المتحدة- 3/10/2020، أي قبل التوقيع على الإعلان الثلاثي بنحو شهرين.
حمل الإتفاق عنوان «خارطة طريق للتعاون الدفاعي» ويمتد مجاله الزمني لعشر سنوات- 2020/2030، تلتزم خلالها الولايات المتحدة بالعمل على تطوير القدرات العسكرية المغربية وتحديثها. وقد كشف تقرير لـ «إدارة التجارة الدولية»-ITA صدر بداية العام 2024، أن المغرب خصص 20 مليار$ للإستثمار في المجال العسكري، في إطار تنفيذ الإتفاق مع واشنطن. وخصص ميزانية دفاع قدرها 17 مليار$- 2023، بهدف تعزيز العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي. وأكد التقرير، أن المغرب يعد أكبر مشترٍ في القارة الأفريقية لأنظمة الدفاع الأميركية، وكان خلال العام 2022 ثاني أكبر مستورد للأسلحة الثقيلة، 76% منها تأتي من الولايات المتحدة، وقد ارتفعت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المغرب في العام 2020 لأكثر من الضعف، فبلغت 8,5 مليار$.
تفاهم دفاعي مع إسرائيل
■ وفيما سعت الأطراف العربية الثلاثة التي سبقت المغرب في توقيع «إتفاقات أبراهام»، على إبقاء إتفاقاتها وتفاهماتها الأمنية مع إسرائيل خارج الترسيم العلني، وبعيداً عن التداول الإعلامي، وقع المغرب معها بشكل رسمي ومعلن مذكرة تفاهم دفاعي- 24/11/2021، خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى الرباط.[ إلتحقت البحرين بهذا المسار المعلن بعد نحو عام].
تنص المذكرة على تبادل الخبرات، ونقل التكنولوجيا، والتدريب، والتعاون في مجال الصناعة الدفاعية والأمن السيبراني بين الطرفين. ويسهّل الإتفاق حصول المغرب على التقنيات من الصناعة العسكرية الإسرائيلية، كما يسهّل حصوله على طائرات من دون طيار، وعلى برامج التجسس الإلكترونية. وأشارت مصادر إلى توصل الطرفين لاتفاق يتيح بناء مصنع للطائرات من دون طيار على الأراضي المغربية، بالتعاون مع شركة: « Blue Bird Aero Systems»، وهي شركة خاصة لكن مساهمها الرئيسي هو «شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية» التابعة للحكومة الإسرائيلية. وقالت المصادر إنه تم توقيع عقد لشراء نظام «Skylock Dome» الإسرائيلي، من شركة «سكاي لوك»، وهو مصمم لرصد الطائرات من دون طيار واستهدافها. [موقع الجزيرة نت/ بالإنكليزية- 24/11/2021]■
(5) السعودية: رهانات كبيرة
■ تعود العلاقات السعودية - الأميركية لأكثر من 80 عاماً، منذ أن إعترفت الولايات المتحدة بمملكة «الحجاز ونجد»- 1931، التي أخذت في العام التالي تسمية المملكة العربية السعودية. وفي العام 1933، وقع الطرفان إتفاقية تبادلا من خلالها التمثيل الديبلوماسي، وهو العام الذي منحت فيه السعودية شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» إمتيازاً للتنقيب عن النفط، وتم على يدها أول إكتشاف تجاري له- 1938. وقد وضع هذا الإكتشاف العلاقات بين الطرفين في إطار استراتيجي قوي ما يزال قائماً حتى الآن.
■ في الجانب الأمني، وقع الطرفان إتفاقية «التعاون الأمني المتبادل»- 1951، تم بموجبها توريد أسلحة ومعدات عسكرية أميركية، وإرسال خبراء للتدريب على استخدامها. ومع تطور العلاقة الثنائية، توالت الإتفاقات الأمنية وباتت تشمل أسلحة ومعدات متقدمة من بينها إتفاقان لتوريد طائرات مقاتلة من طرز «فانتوم»- 1962/1965. ومع ازدياد عدد القوات الأميركية وتوسع منشآتها ومرافقها، ضغطت واشنطن لتوقيع إتفاقية رَسَّمَت شرعية الوجود العسكري الأميركي في البلاد- 1965، أعقبتها إتفاقية منحت الحصانة لأفراد القوات الأميركية والعاملين معها- 1972.
ومنذ بداية حرب الخليج الأولى- 1980/1988، تعاون الطرفان في تنفيذ «خطة الأمير ولاحقاً الملك فهد» القاضية بإنشاء منطقة حظر طيران على امتداد الساحل الشرقي للمملكة، واستخدم في تنفيذها طائرات التجسس الأميركية المتطورة «أواكس»، وقد دخلت خمس منها في عداد الترسانة السعودية. [د. ارشد مزاحم الغريري: «الإتفاقيات الأمنية والعسكرية العربية الأميركية وأثرها على الأمن القومي العربي»، مركز الكتاب الأكاديمي- عمَّان- 2014، ص/104-109].
مسار حذر .. ومتدرج
■ أيدت المملكة «إتفاقات أبراهام» على أساس مقاربة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للصراع العربي والفلسطيني - الإسرائيلي، التي تنقل الدولة العبرية من خانة العدو المحتل، وفق الرؤية السعودية التقليدية، إلى خانة الحليف، وركزت هذه المقاربة على مساحة «المصالح المشتركة بين الطرفين» بحسب تصريحات ولي العهد. لكن خطوات التقارب السعودي - الإسرائيلي إتخذت مساراً متدرجاً بهدف استطلاع مدى استعداد كل من واشنطن وتل أبيب للتعامل بجدية مع طلبات المملكة مقابل التطبيع، والتي يقع في مقدمها إبرام إتفاق أمني قوي مع الولايات المتحدة يشكل عامل ردع لخصومها، ويعزز موقعها في الإقليم.
■ من أبرز خطوات المسار المتدرج، كان اللقاء الذي جمع محمد بن سلمان و بنيامين نتنياهو، في مدينة نيوم الساحلية- 11/2020 بمشاركة الجنرال آڤي بالوت، السكرتير العسكري لنتنياهو، ورعاية وحضور وزير الخارجية الأميركية بومبيو. وقبل ذلك، كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلت- 18/9/2020، عن مستشاري ولي العهد قولهم إنه «يأمل بمشاركة شركات تكنولوجية إسرائيلية بتطوير وبناء مدينة «نيوم» (المستقبل) التي رصد لها 500 مليار$».
وأشارت مصادر متعددة إلى أنّ شركات إسرائيلية تتعاون مع نظيراتها السعودية بطرق وأشكال وأساليب مختلفة، كما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير عن زيارة قامت بها مجموعة من الصحافيين الإسرائيليين بصورة سرية إلى المملكة السعودية، واستخدمت المجموعة جوازات سفر أجنبية [ ميرال قطينة/«النهار العربي»- 6/7/2022]، وفتحت السعودية مجالها الجوي أمام الرحلات الإسرائيلية بعد توقيع «إتفاقيات إبراهام». لكن مع تقدم المباحثات السعودية - الأميركية حول التطبيع، أضحت هذه الخطوات علنية، فاستقبلت المملكة وفداً رسمياً إسرائيلياً- 11/9/2023، حضر إجتماع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في الرياض، وهذه أول زيارة علنية لوفد إسرائيلي إلى السعودية، ثم استقبلت وزير السياحة الإسرائيلي حاييم كاتس، مشاركاً في مؤتمر منظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة، الذي استضافته المملكة- 27/9/2023.
طموح أمني قوي
■ شددت السعودية في محادثاتها مع إدارة بايدن، بشأن التطبيع، على تمسكها بالتوصل إلى إتفاق أمني ثنائي يلزم الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات فورية في مواجهة أي هجوم مسلح تتعرض له المملكة، خاصة وأن منشآتها النفطية تعرضت لهجوم عسكري مباشر أربكها- 2019، وهو ما عبر عنه ولي العهد محمد بن سلمان خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض- 7/2022. ولفت إنتباه المراقبين أن السعودية، ومن أجل إقناع إدارة ترامب بعقد تحالف دفاعي قوي معها، أبدت إستعدادها لتقديم تنازلات في ملف «البرنامج النووي المدني» التي تنشده بالتعاون مع واشنطن، فقبلت التوقيع على المادة 123 من «قانون الطاقة الذرية» الأميركي، التي تؤسس لإطار عمل للتعاون النووي السلمي مع الولايات المتحدة، وهي خطوة رفضتها الرياض من قبل. [ وكالة «رويترز» - 29/9/2023].
■ وأشارت مصادر متابعة إلى أن الإتفاق المزمع « لن يكون تحالفاً بمستوى المعاهدة بل تفاهم دفاعي متبادل»، وأن إدارة بايدن يمكن أن تعمل على تصنيف السعودية كحليف للولايات المتحدة من خارج «الناتو». وذكرت المصادر أن المملكة، التي تدرك أنها لن تحصل على اتفاق يتضمن ضمانات بمستوى البند الخامس من معاهدة حلف شمال الأطلسي، تشدد على أن ينص إتفاقها الأمني مع إدارة بايدن على التزام الولايات المتحدة بحمايتها. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قالت- 17/9/2023، نقلاً عن مسؤولين في إدارة بايدن، إن الجانبين السعودي والأميركي «يدرسان إمكانية التوقيع على إتفاق دفاعي أمني على غرار النموذج الآسيوي (اليابان وكوريا)، الذي تدافع فيه الولايات المتحدة عن الدول الحليفة، في حال تعرضت لهجوم من دولة أخرى». [i24NEWS-3/10/2023]. وفي حال كان هذا الحديث صحيحاً، وصادق الكونغرس على هذا الاتفاق، تكون السعودية قد حصلت على الإتفاق الأمني الأقوى مع واشنطن في منطقة الخليج.
إتفاق وشيك على وقع «الطوفان»
■ عقب الإختراق الكبير الذي أحدثه «طوفان الأقصى»، إستنفرت الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً على ثلاث جبهات: 1- نجدة إسرائيل؛ 2- مهاجمة مساندي المقاومة الفلسطينية في اليمن والعراق وسوريا؛ 3- حماية «إتفاقات أبراهام». وقد وجدت واشنطن أن أفضل أسلوب لحماية هذه الإتفاقات هو إعادة بث الزخم فيها عبر إنضمام السعودية إليها بشكل رسمي.
وعلى اعتبار أن تلبية طلب الرياض عقد إتفاق أمني قوي مع واشنطن كان عقدة أساسية أمام هذا الترسيم، فإن إدارة بايدن على مايبدو في معرض منح السعودية ما تريده. وهذا ما أكده المتحدث بإسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، بقوله- 20/5/2024، إن الجانبين الأميركي والسعودي إقتربا «أكثر من أي وقت مضى» من إتفاق صار الآن «شبه نهائي». ونقلت وكالة «فرانس 24»- 21/5/2024، عن مصادر متابعة أنه من المتوقع أن ينص الإتفاق المزمع توقيعه، على «ضمانات أميركية رسمية للدفاع عن المملكة، بالإضافة إلى حصول السعودية على أسلحة أميركية أكثر تقدماً، مقابل وقف مشتريات الأسلحة الصينية والحد من الاستثمارات الصينية في البلاد»، وأن المفاوضين من الطرفين «يناقشون حصول السعودية على طائرات مقاتلة من طراز إف - 35 وأسلحة متقدمة أخرى في إطار الإتفاق».
■ في أواخر أيلول/ سبتمبر 2023، أوقفت الإمارات الإتصالات ذات الصلة بصياغة إتفاق أمني جديد مع الولايات المتحدة، لتنظر ما سيتم الاتفاق عليه بين واشنطن والرياض في هذا الشأن. ونقلت حينها هيئة البث الرسمية الإسرائيلية «كان» عن مسؤولين في الإمارات قولهم «في حال منحت الولايات المتحدة تحالفا دفاعياً قوياً للسعودية، فالإمارات سترغب بإقامة تحالف مع ضمانات مشابهة». [i24 NEWS-3/10/2023].
ومع الإعلان عن اقتراب إعلان الإتفاق السعودي - الأميركي ، يتوقع المراقبون أن يتكرر هذا السيناريو لكن بصورة أشمل. بمعنى أن الإمارات لن تكون الطرف الخليجي الوحيد الذي سيطالب باتفاق أمني مماثل. وربما هذا ما جعل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي أكد أن الإتفاق في مرحلة اللمسات الأخيرة، يقول إن الولايات المتحدة «ستجري محادثات في الأسابيع المقبلة مع دول مجلس التعاون الخليجي الست حيال دمج الدفاع الجوي والصاروخي وتعزيز الأمن البحري»، وهذا يشكل - بنظر المحللين - رساله إلى هذه الدول بأن واشنطن ماتزال متمسكة بمبدأ الأمن الجماعي لدول المجلس، وأن أي إتفاق أميركي ثنائي متقدم مع أحدها لا ينتقص من الإلتزامات الأميركية تجاه الآخرين■
نيسان (إبريل) 2024
ملحق
الإتفاقات الأمنية الأميركية – الإسرائيلية(1)
1952 – 2021
الرقم |
الموضوع |
التاريخ |
1 |
إتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل |
23/7/1952 |
2 |
مذكرة تفاهم بشأن التعاون السياسي والاقتصادي والأمني |
23/10/1975 |
3 |
إنشاء المجموعة السياسية العسكرية المشتركة وبرنامج التعاون الأمني |
6/4/1979 |
4 |
إتفاقية الأمن العام للمعلومات |
10/12/1979 |
5 |
إتفاقية تمويل مرافق القاعدة الجوية |
29/11/1983 |
6 |
مذكرة تفاهم بشأن إنتاج شرك تكتيكي يُطلق من الجو |
12/8/1985 |
7 |
مذكرة تفاهم بشأن تطوير نظام الاستهداف الليلي لمروحيات «كوبرا» |
4/8/1987 |
8 |
إتفاق مباديء حول التعاون المتبادل في مجال البحث والتطوير، وتبادل العلماء والمهندسين، وشراء المعدات الدفاعية والدعم اللوجستي، مع الملاحق والمرفقات |
14/12/1987 عُدلت:19/12/1997 و8/1/1998 |
9 |
إتفاقية بشأن بناء مرافق القاعدة الجوية |
14/12/1987 |
10 |
مذكرة تفاهم بشأن التعاون السياسي والأمني والاقتصادي المشترك |
21 و28/4/1988 |
11 |
إتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل، مع الملاحق |
24/5/1988 عُدلت : 22/6/1990 و9/10/1991 |
12 |
مذكرة تفاهم بشأن تطوير أنظمة المركبات الموجهة عن بعد |
24/5/1988 |
13 |
مذكرة إتفاق لتطوير منشأة حاسوبية ضمن برنامج صواريخ «آرو» |
4/1989 |
14 |
مذكرة تفاهم بشأن نقل المواد واللوازم والمعدات لبرامج البحث والتطوير |
8/9/1989 |
15 |
مذكرة تفاهم حول التعاون الفني في مجال أمن الطيران المدني مع ملحقها |
6/7 و 30/9/1990 |
16 |
مذكرة تعاون في مجال الطيران المدني |
14/11 و 27/12/1990 |
17 |
إتفاق بشأن وضع موظفي الولايات المتحدة |
22/1/1991 |
18 |
إتفاق حول المرحلة الثانية من برنامج تجارب صواريخ Arrow (ACES) |
6/1991 |
19 |
مذكرة تفاهم بشأن قرض لبناء نظام متكامل متعدد الإستشعارات لغرض الاختبار |
18/10/1991 |
20 |
إتفاقية تعاون لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات وتعاطيها |
28/11/1991 |
21 |
إتفاق للتعاون في مكافحة الإرهاب |
30/4/1996 |
22 |
إتفاق حول التكنولوجيا المتقدمة لليزر التكتيكي عالي الطاقة (ACTD) |
18/7/1996 |
23 |
إتفاق التعاون في مكافحة الإرهاب |
30/4/1996 |
24 |
إتفاقية مشاريع البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا |
3/9/1996 |
25 |
معاهدة المساعدة المتبادلة في المسائل الجنائية |
28/1/1998 |
26 |
إتفاقية الاستحواذ والخدمة المشتركة |
10/2/1998 |
27 |
مذكرة إتفاق للتعاون الأمني |
31/10/1998 |
28 |
إتفاقية لتعزيز سلامة الطيران |
19/12/2000 |
29 |
اتفاقية لتطوير نظام صواريخ «حيتس»- السهم - (ASIP) |
31/3/2001 عُدلت :10/9/2009 |
30 |
مذكرة تفاهم بشأن البحث والتطوير في مجال مكافحة الإرهاب |
7/2 و24/3/2005 عُدلت : 16،17/9/2014 |
31 |
مذكرة إتفاق بشأن مبيعات الأسلحة لأطراف ثالثة |
27/5/2005 |
32 |
مذكرة إتفاق بشأن إنتدب أفراد في المرافق الحكومية للعمل كضباط إتصال |
6 و7/9/2005 |
33 |
إتفاقية مشاريع البحث والتطوير والاختبار والتقييم، مع الملحق |
16/7 و13 /9/2006 |
34 |
مذكرة تفاهم مشترك حول الأمن الداخلي |
8/2/2007 |
35 |
مذكرة تفاهم للمساعدة الأمنية ــ 10 سنوات |
أب/2007 |
36 |
إتفاقية التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا في شؤون الأمن الداخلي |
29/5/2008 |
37 |
مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن منع توريد الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى الجماعات الإرهابية |
16/1/2009 |
38 |
مذكرة تتعلق بالمساعدة الفنية في تطوير وتحديث البنية التحتية لأمن الطيران المدني في إسرائيل |
24/11/2010 |
39 |
مذكرة تفاهم حول المساعدة الأمنية ـــ 10 سنوات |
14/9/2016 |
40 |
إتفاق بشأن مساعدة قوات الأمن |
30/12/2021 |
41 |
مذكرة إتفاق بشأن تعيين أفراد من البحرية الإسرائيلية في البحرية الأميركية |
30/11/2020 و12/1/2021 |
(1) المصدر: الموقع الإلكتروني للمكتبة اليهودية الإفتراضية/ بالإنجليزية
• Source: Jewish Virtual Library
https://www.jewishvirtuallibrary.org/formal-agreements-between-us-and-israel#google_vignette
المتواجون الان
489 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع