اخر الاخبار:
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ليست أزمة رواتب!

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

مقالات اخرى للكاتب

ليست أزمة رواتب!

 

وصف مراقبون سلام فياض، وهو يقدم تقريره المالي إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية (27/7/2011) أنه كان أقرب إلى مدير حسابات منه إلى رئيس حكومة، أو وزير مالية، يرى في توفير المال، أو العجز، حالة سياسية، أكثر منها مسألة تقنية، خاصة وأن فياض اختصر الأزمة المالية للسلطة، بأن سببها عدم وفاء الدول العربية بتعهداتها بدعم صندوق الحكومة، متجاهلاً أن هذه الأزمة ليست بنت ساعتها، بل هي باتت سمة ملازمة من سمات السلطة وظاهرة دائمة من ظواهرها السياسية.

في هذا السياق استبعد مراقبون إمكانية قراءة الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية بمعزل عن قراءة إتفاق أوسلو والوظيفة السياسية التي أنيطت بالسلطة منذ قيامها. ويقول هؤلاء إن جوهر وظيفة السلطة، كما رأتها تل أبيب، هي أن تنوب عن سلطات الاحتلال في حمل الأعباء الأمنية والخدمية الخاصة بالمناطق الفلسطينية المحتلة، وبحيث يتحرر الاحتلال من هذه الأعباء، ويقتصر دوره على مهام أمنية ذات صلة بالتسوية مع الفلسطينيين، كرسم حدود إسرائيل (جدار الفصل والضم العنصري) وتوسيع الاستيطان وحماية مشاريع استكمال تهويد القدس، والتدخل الضروري كلما «تقاعست» السلطة في أدائها الأمني كما هو منصوص عليه في اتفاق أوسلو.

لذلك حظي بناء الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية باهتمام ملحوظ من إسرائيل والدول الراعية لأوسلو، كالولايات المتحدة وغيرها. من هنا يبدو واضحاً لماذا تحمل شمعون بيريس، الذي كان آنذاك نائباً لرئيس حكومة رابين، ووزير خارجيتها، أعباء جولات واسعة قام بها في عواصم المانحين، يحثهم على التبرع للسلطة الفلسطينية لتباشر في بناء أجهزتها الأمنية والإدارية والخدمية. وهذا ما يفسر أيضاً، كيف وافقت الجهات المانحة على التعامل مع بناء الأجهزة الأمنية على أنه مالياً، يدخل في باب المشاريع التنموية، بعدما لجأت السلطة إلى استنزاف المبالغ المخصصة لبناء هذه الأجهزة، و«سطت» على الأموال المخصصة لمشاريع التنمية، وحولتها إلى مشروع بناء للأجهزة الأمنية، بذريعة أن الأمن المستتب هو السبيل إلى تشجيع التنمية والرخاء، وبالتالي الأمن والاستقرار.

وهذا ما يفسر أيضاً حرص الجهات المانحة على تغذية مالية السلطة الفلسطينية في المواعيد المحددة، وحرص الولايات المتحدة على التدخل عند الضرورة لإنقاذ مالية السلطة كلما دخلت في أزمة نقص أو غياب السيولة. كما يفسر هذا الاهتمام الأميركي (وبعض العربي في السياق) على فرز مدربين وخبراء للعناية بالأجهزة الأمنية. كما يفسر (أيضاً وأيضاً) تدخلات الولايات المتحدة لدى إسرائيل لتفرج عن أموال الضرائب المجبية لصالح السلطة على المعابر، كلما حاولت تل أبيب أن تجعل حجز هذه الأموال ورقة ضغط سياسية على الفريق الفلسطيني المفاوض.

***

مقابل هذا الدفق المالي على السلطة الفلسطينية لتنوب عن الاحتلال في مهماته الأمنية والخدمية، مما حوله إلى «احتلال خمس نجوم» كما قال «الرئيس محمود عباس»... مقابل هذا، عمدت إسرائيل إلى وضع العراقيل القانونية والعملية لمنع بناء اقتصاد وطني فلسطيني مستقل، والإبقاء على المناطق الفلسطينية في حالة تبعية اقتصادية كاملة لدولة الاحتلال، حتى أن العملة المتداولة، في ظل السلطة «الوطنية» الفلسطينية، بقيت الشيكل الإسرائيلي. وهكذا بقيت المناطق المحتلة سوقاً استهلاكياً للمنتوجات الإسرائيلية، ومصدراً مهماً لليد العاملة الرخيصة، خاصة في بناء المستوطنات، وبعض المشاريع الإسرائيلية ذات الحاجة إلى هذه اليد.

غياب اقتصاد وطني فلسطيني مستقل، وبقاء السلطة الفلسطينية أسيرة المانحين، أمران يفسران، في السياق، السبب الرئيس الذي حال دون تنفيذ قرار مقاطعة العمال الفلسطينيين مشاريع البناء في المستوطنات، في ظل فشل السلطة عن توفير البدائل الكريمة لهؤلاء العمال، بحيث لا يتحول إلى قرار بإلقاء هؤلاء العمال في سوق البطالة.

الفشل في بناء اقتصاد وطني فلسطيني، رافقه بروز فئات من الموظفين المرتبطة مصالحهم بالصيغة القائمة لمالية السلطة، خاصة هؤلاء الموظفين أصحاب المرتبات العالية، والذين راكمو مصالح مالية ونفوذاً اجتماعياً، يرون في بقاء الحال على ما هو عليه مصلحة فئوية تتجاوز المصلحة الوطنية الممثلة في الخلاص من إسار الجهات المانحة وقيودها، لصالح بناء اقتصاد وطني يشكل قاعدة متينة من قواعد بناء «الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية».

***

كثيرون ممن يدعون لحل السلطة، وإعادة الأمور مرة أخرى إلى أحضان الاحتلال، إنما يدركون حقيقة الوظيفة السياسية للسلطة كما أقرها إتفاق أوسلو. وعندما يهدد ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل، «بمعاقبة» السلطة بإلغاء اتفاق أوسلو إن هي توجهت إلى الأمم المتحدة، فإنه يهدد في السياق بحرمان السلطة من الدعم المالي الذي توفره الجهات المانحة، على ذات الخلفية السياسية المذكورة أعلاه، وانطلاقاً من تقديره السياسي أن الجهات المانحة معنية بدعم سلطة ذات مهام محددة، وأن هذا الدعم هو مكافأة على هذه المهام، وهو توفير السبل والوسائل لإنجاز هذه المهام. أما الدولة الفلسطينية، المعلنة من جانب واحد ـ كما يعتقد ليبرمان ـ فليست ملزمة للدول المانحة، وعلى هذه الدولة أن تبحث هي لنفسها عن مصادر تمويلها مادام الفريق الفلسطيني المفاوض «خالف» قواعد اللعبة التفاوضية.

والذين يدعون إلى حل السلطة، إنما يعالجون الوضع الحالي لهذه السلطة، بالعودة إلى الوراء، بسياسة نكوصية، ولا يعالجونه بالتقدم إلى الأمام. إذا كان المطلوب احراج الاحتلال، والجهات الغربية، فهذا لا يتطلب حل السلطة بل يتطلب خطوة إلى الأمام، تدفع باتجاه ولادة الدولة الفلسطينية المستقلة. ولادتها عبر الإعلان عن ذلك، وولادتها في الأمم المتحدة. وولادتها في الميدان، عبر الصدام مع كل العوائق التي تحول دون هذه الولادة، ولا نعتقد إن ثمة عائقاً أكبر من الاحتلال يعيق بناء دولة الاستقلال ميدانياً، وبحيث تكون دولة حقيقية تدب على الأرض، وتشكل قفزة مهمة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.

وبالتالي فإن أزمة الرواتب، في السلطة الفلسطينية، هي أزمة سياسية أولا وقبل كل شيء. أزمة يتطلب حلها أن يقرر أصحاب السلطة موقفهم السياسي في العملية القائمة، وكيف يفهمون هذه العملية وما هي المعادلة السليمة التي تمكنا من تغليب المصالح الوطنية للفلسطينيين، على المصالح الفئوية، والخروج من اسار المانحين وملياراتهم، لصالح بناء دولة فلسطينية مستقلة ذات اقتصاد وطني ينمو على الدوام نحو التحرر من كل أسر وإسار.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.