اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• إستراتيجية دفاعية لغزة (3)

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

مقالات اخرى للكاتب

إستراتيجية دفاعية لغزة (3)

ليس بإمكان الجميع أن يحمل البندقية ويذهب إلى الخندق. لكن، وفقا لخطة بناء المجتمع المقاوم، يمكن لكل مواطن ومواطنة أن يكون لهما دور في معركة الصمود والدفاع عن القطاع

في العدد الماضي تناولنا ضرورة وكيفية توفير مقومات الصمود للمجتمع في مواجهة العدوان، بما يعزز شروط النصر على العدو وإجهاض أهدافه، وبالتالي ثلم قدرته «على الردع»، وتجريد الجيش الإسرائيلي من الفزاعة التي يحاول على الدوام استغلالها ضد الشعب الفلسطيني.

نضيف إن توفير مقومات الصمود للمجتمع لا يضع الحالات المدنية (أي القوى غير المشاركة في العمل القتالي المباشر) في وضعية الانتظار والترقب، بل يفترض أن يقود هذا العمل إلى تحريض الكفاءات والقدرات والإمكانات والمبادرات الشعبية على البروز والتقدم نحو احتلالها لموقعها في المعركة. فميادين المعركة متشعبة وواسعة، ولا تقتصر على خندق القتال وعلى حملة السلاح.

في الحرب العالمية الثانية نجحت الدول المتحاربة في إعادة صياغة المهمات اليومية للأفراد. ففي ظل حشد الرجال والشبان إلى القتال، اضطرت الحكومات المعنية إلى سد الفراغ في المعامل والمصانع (بما فيها إنتاج السلاح الثقيل كالدبابات والمدافع بعيدة المدى) من خلال حشد آلاف النساء اللواتي تدربن على تشغيل الآلة ووفرن، في ظل إدارة سياسية ومجتمعية متماسكة، ما تحتاجه الجبهة الأمامية من سلاح وذخائر، وملابس وأحذية، ومواد غذائية. وتؤكد التجارب المختلفة، أن الجيوش التي تلقى حاجاتها اليومية في مواعيدها ولا تعاني نقصاناً، أو إهمالاً من قياداتها، تتمتع على الدوام بالروح المعنوية العالية وإرادة القتال المتماسكة.

قطاع غزة لن يكرر تجربة الحرب العالمية الثانية، لكن بإمكان قطاع غزة أن يستفيد من هذه التجارب، كما من تجارب شعوب أخرى، نجحت في إشراك فئات المجتمع الفاعلة والقادرة، كلها، في معركة الصمود والتصدي للعدو في الدفاع عن أوطانها. قطاع غزة مجتمع معرض للعدوان الدائم، والخطر يحوم في أجوائه بلا انقطاع. وكما أن العدو يملك على الدوام خططاً وسيناريوهات لشن عدوانه على القطاع، في اللحظة السياسية التي يراها مناسبة، كما يفترض أن يملك القطاع هو أيضاً خططاً وسيناريوهات مضادة تتصدى للعدوان. وفي هذا السياق نطرح سؤالاً قد يرى فيه البعض مغالاة: هل بالإمكان أن ننجح لنوفر لكل رجل وامرأة وشاب وفتاة، لكل مواطن، الدور الواجب أن يلعبه في معركة الصمود في القطاع في إطار إستراتيجية دفاعية تنجح في إجهاض أهداف العدو، وتفقد قدرته على «الردع». إذا كنا نعتقد، حقيقة، بعقيدة «المقاومة الشعبية» يتوجب علينا أن ننساق مع السؤال وأن نسأل مرة أخرى: هل وفرنا لكل مواطن دوره في المعركة؟ الجواب بتقديرنا هو لا. وبالتالي هذا الجواب يضعنا أمام مسؤولياتنا، لنعترف أن لا حديث عن «المقاومة الشعبية» إذا كنا لا نعمل على إشراك المجتمع كله في المعركة.

ليس بإمكان الجميع أن يحمل بندقية ويذهب إلى الخندق. لكن بإمكان الجميع أن يكون له مكان في المعركة، عبر تنظيم الفرق المتطوعة المتخصصة في مجالات متنوعة، تتصل بضرورات المعركة وحاجاتها.

* أول ما يتبادر للذهن هو العمل على تشكيل الفرق الطبية المتنقلة، ووظيفتها أن تكون جاهزة لنجدة المصابين، المدنيين والعسكريين معاً، ضمن خطة انتشار مدروسة، تحول القطاع إلى مربعات، يدير شؤون كل مربع فيها فرقة أو أكثر حسب الحاجة, إن إحساس المقاتل، وإحساس المواطن بأن فرقة الإسعاف جاهزة لنجدته في أية لحظة، يشكل لديهما عامل اطمئنان ويعزز من إرادة القتال والصمود لدى الطرفين معاً. السؤال: هل يملك القطاع، تحت قيادة حماس، ووزارة الصحة فيها، مثل هذا التشكيل. وهل وفرت لهذا التشكيل الطبي مستلزماته بما في ذلك وسائل التنقل السريع؟

* من الضرورات الملحة في المعركة أن تتوفر فرق الدفاع المدني، المختصة بإنقاذ المصابين تحت ركام المنازل والأبنية وإطفاء الحرائق، وإزالة الركام من الطرقات والشوارع ذات الطابع الإستراتيجي (الطرق المؤدية إلى المستشفيات) هذه الفرق يجب أن تتشكل من الشباب المدرب، والمجهز بالأدوات والإمكانيات الضرورية التي تمكنه من أداء دوره، بما في ذلك وسائل الاتصال الضرورية للتحرك حيث يتطلب ذلك.

* إلى جانب ذلك هناك حاجة ماسة لتنظيم أماكن الإيواء [مدارس الوكالة ـ المساجد ـ الكنائس ـ المباني المؤهلة كالملاجئ..] ما يتطلب تشكيل لجان شعبية تكون معنية بتنظيم الحياة في هذه الأماكن من جوانبها كافة.

* في إطار وحدة الحال، من الواجب أن يتوفر، في خضم المعركة، تجهيز مراكز تحضير المواد الغذائية لتزويد خطوط القتال بحاجاتها، وكذلك لتزويد التجمعات السكانية في أماكن الإيواء بحاجاتها هي الأخرى، ما يتطلب تحضير مطابخ ومخابز كبرى، تحت إشراف الوزارات المعنية، وبحيث تتحول السلطة نفسها إلى المصدر الرئيسي لتوفير الاحتياجات اليومية للسكان والمقاتلين معاً. إن إحساس المقاتل بمدى الاهتمام بحاجاته، في الخندق، يعزز روحه المعنوية وإرادة القتال لديه. وإن إحساس المدنيين بمدى جدية اهتمام السلطة المعنية بحاجاتهم من شأنه أن يعزز التلاحم بين فئات المجتمع وبين العناصر المكونة لجبهة القتال، وأن يشد من أزر المجتمع وقدرته على الصمود.

* ومن التجارب التي أبدعت بها مربيات رياض الأطفال في جمعية النجدة الاجتماعية في لبنان، الدور الذي لعبنه في رعاية أطفال العائلات اللبنانية التي لجأت إلى المخيمات الفلسطينية في العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، حين وفرن لكل تجمع من النازحين اللبنانيين ما يشبه الروضة الخاصة بالأطفال، انتظمت فيها الأنشطة الجماعية، بما يخفف من وطأة النزوح ووطأة العدوان وآثاره النفسية على الأطفال. هذا إلى جانب باقي الفرق الأخرى المعنية بالإغاثة وتوفير المؤن والفرش والبطانيات وأدوات المطابخ والملابس ومواد التنظيف والماء الصالح للشرب وغير ذلك من الاحتياجات اليومية للعائلات. مثل هذه التجربة تصلح لأن تنتقل إلى القطاع، في أية مجابهة قادمة قد تطول زمنياً.

مثل هذه التصورات تحتاج بلا شك إلى هيئات قيادية، وإلى تشكيلات من المتطوعين، وإلى توفير المستلزمات الضرورية. وحتى لا يضعنا أحد ما أمام معضلة مصادر توفير هذه الاحتياجات، نسارع إلى القول بأن حكومة هنية هي المعنية بتوفير مستلزمات مثل هذه المشاريع والبرامج. هي السلطة التي تمتلك المال، وفي وزاراتها المختلفة ما يفترض أنه يوفر الكثير من الاحتياجات. فضلاً عن أن حكومة هنية تستطيع أن تنظم مشروعاً لجمع التبرعات والمساهمات من العديد من «الأغنياء الجدد» الذين راكموا ثروات ضخمة في ظل الحصار الذي يتعرض له القطاع، ومستفيدين من تجارة الأنفاق، واحتكار بعض المواد. كذلك بإمكان حكومة هنية على سبيل المثال ـ أن تفرض ـ نعم أن تفرض ـ على كل متمول ـ وهم معظمهم من المحسوبين على حماس ـ أن يسهم بمبلغ من ثروته في خدمة هذا المشروع الذي يشكل أحد الأعمدة الأساسية للمقاومة، والأعمدة الأساسية لصمود المجتمع، وأحد الأعمدة الأساسية لبناء إستراتيجية دفاعية تمكن القطاع من فتح صفحة جديدة في الصراع مع العدو الإسرائيلي. وبإمكاننا أن نضع تجربة حزب الله نموذجاً لنا. وأن نذكر كيف لعبت مؤسساته الاجتماعية والطبية والصحية والثقافية، في خوض المعركة في العام 2006، وكيف سخر الحزب مبالغ طائلة لأجل صمود الجنوبيين في وجه العدوان، بما في ذلك توزيع المساعدات الفورية على المتضررين من العدوان، لترميم منازلهم أو إعادة بناء ما أمكن منها. ولا يقلل من أهمية هذا النموذج القول إن المساعدات التي تتوفر لحزب الله هي التي مكنته من القيام بهذا الواجب، لأن المساعدات التي توفرت (وتتوفر) لحركة حماس وحكومتها باعتبارها سلطة مسؤولة، تدعوها لتحمل واجباتها، وتوفير ما هو مطلوب منها. [لماذا لا تسخر حماس واردات الأنفاق مثلاً لخدمة هذا المشروع؟].

إن الحديث عن المقاومة لا يعني تقديم المقاتلين مقنعين هنا وهناك، ولا التباهي فقط يحمل البندقية. المقاومة تحتاج للبندقية. لكنها تحتاج في الوقت نفسه إلى المجتمع المقاوم. وما نقدمه هنا هو مساهمة منا لبناء هذا المجتمع المقاوم.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.