اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• قطاع غزة في المعادلة الوطنية الفلسطينية والعربية والإقليمية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

مقالات اخرى للكاتب

قطاع غزة في المعادلة الوطنية

الفلسطينية والعربية والإقليمية

- إحتل القطاع موقعه المميز وطنياً وإقليماً مع الانسحاب الإسرائيلي عام 2005، وتعزز مع فوز حماس في الانتخابات عام 2006 وانقلابها في عام 2007 ومع التطور البارز في الأوضاع المصرية

- القطاع وقف أمام احتمالين: مواصلة المقاومة وبما يعزز موقعه المحلي والإقليمي، أو تغليب متطلبات السلطة، وبما يضعف هذا الموقع ويدفع به نحو التآكل

- كما استنفذت المفاوضات الراهنة اهدافها وباتت بحاجة لبديل جديد، استنفذت المرحلة الماضية من المقاومة هي الأخرى أهدافها وباتت بحاجة لإستراتيجية بديلة

- القطاع، مؤهل، بخصوصيته، لشق الطريق أمام الإستراتيجية البديلة، كما هو مؤهل في الوقت نفسه لدفنها قبل أن تولد

- إدامة الاشتباك مع العدو، كأحد مكونات الإستراتيجية البديلة، يتطلب رسم إستراتيجية دفاعية لقطاع غزة تعزز لديه «قدرة الردع» لأعمال العدوان الإسرائيلية

- تعزيز الشراكة الوطنية، وإطلاق الحريات الديمقراطية وتعزيز مبدأ المبادرات الشعبية، واتباع سياسة تنموية في خدمة الشرائح الفقيرة شرط أساسي من شروط نجاح الاستراتيجية الدفاعية في القطاع

- حماس أمام خيارين: إما سياسية تعزز الدور الوطني والإقليمي للقطاع، وإما سياسة تؤدي إلى توسيع علامات التشابه بين سلطتها وسلطة رام الله.

انتقال مقر قيادة السلطة الفلسطينية إلى رام الله، كاد ان يحول قطاع غزة إلى "منطقة طرفية" تعيش على هامش الوضع العام، خاصة في ظل افتقار القطاع إلى المصادر الأولية وإلى الحد الأدنى من مكونات اقتصاد وطني قادر على امتصاص النسبة العالية من البطالة.

الا ان ثلاث محطات كبرى، أنقذت القطاع من هذا الاحتمال، وأعادته بقوة، ليس إلى المعادلة الوطنية الفلسطينية الداخلية، بل ودفعت به ليحتل دوراً مهماً، موازياً للضفة الفلسطينية، في المعادلة الإقليمية أيضاً.

* المحطة الأولى هي إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي خارج القطاع وفي محيطه، في خريف العام 2005، بما في ذلك إجلاء المستوطنين، ونسف المستوطنات وتحويلها إلى أكوام من الدمار الشامل. هذه المحطة أثارت جدلاً فلسطينياً، وإقليمياً، ساخناً حول مغزى الانسحاب الإسرائيلي، وأهدافه، والمتغيرات التي دخلت على طبيعة المشروع الصهيوني وتكتيكاته، وانعكاس ذلك على الخارطة الحزبية الإسرائيلية، بما في ذلك أسباب ومعاني وأهداف ولادة حزب كاديما على يد مؤسسه اريئيل شارون. كذلك شهدت جدلاً حول الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع، الخالي من الاحتلال، في دعم المقاومة في الضفة الفلسطينية. كذلك أثارت جدلاً سابقة تدمير الإسرائيليين لمستوطنات القطاع، ما يوضح الوظيفة الاحتلالية لهذه المستوطنات، وان قرار بقاءها إسرائيلياً من عدمه، رهن بالموقع الذي تحتله هذه المستوطنات في الإستراتيجية العسكرية والتوسعية الإسرائيلية.

أي، يمكن القول، باختصار، إن القطاع، بعد انسحاب 2005، أصبح أشبه بالمنطقة الفلسطينية المحررة، وميداناً تلعب فيه المقاومة المسلحة دوراً نشطاً دون أية معيقات داخلية. ما دفع الإسرائيليين إلى إعادة النظر في الموقع الذي يحتله القطاع، في حساباتهم السياسية والأمنية والعسكرية، ربطاً ليس فقط بالعلاقة مع الضفة بل وكذلك ربطاً بالصراع الإقليمي حول البرنامج النووي الإيراني.

الوصف: http://alhourriah.org/images/54435356.jpg

* المحطة الثانية هي فوز حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع العام 2006، وانتقال مقر الحكومة من رام الله إلى القطاع، وانتقال حماس من موقعها المشاغب سياسياً، على المستوى العام، إلى شريك قوي في صناعة القرار السياسي يزاحم الرئيس عباس وحركة فتح بقوة مزعجة. وهو انتصار فرض على السلطة الفلسطينية ملامح جديدة، وعزز من موقع القطاع في الحسابات الإسرائيلية، سياسياً وعسكرياً، وخلص تل أبيب من الحرج مع حلفائها الأميركيين وأصدقائها الأوروبيين، بعد أن أصبحت السلطة في القطاع بيد واحد من الفصائل المقاومة، ما ينحي محمود عباس، وسلطته جانباً، ويعفيه من المسؤولية السياسية، ويبعده من دائرة الاستهداف، كلما شنت إسرائيل عدواناً ما على القطاع. عمق هذا الوضع انقلاب حماس على سلطة فتح في 14/6/2007، ما حول القطاع، وبعيداً عن أية ازدواجية، إلى منطقة تخضع بشكل كلي إلى سلطة حماس ونفوذها، الأمر الذي وفر لإسرائيل الذرائع للادعاء بأن القطاع تحول إلى بؤرة ومصدر للإرهاب الإسلامي، وسهل عليها تبرير حصارها الذي فرضته على سكان القطاع دون تمييز.

وبذلك شكل القطاع، بشكل أو بآخر، التجربة الأولى لأول حكم للإخوان المسلمين في المنطقة العربية، بذلت فروع الحركة الإخوانية جهوداً ملموسة ومميزة لدعم هذه التجربة، وتقديمها مكسباً لمجمل الحركة الإخوانية، خاصة وان الطابع العام الذي طبع سلطة حماس في غزة انها سلطة مقاومة وجهاد، قامت على أنقاض سلطة واهنة، مقيدة من قبل العدو الإسرائيلي، بارتباطات واتفاقيات سياسية وأمنية مذلة ومهينة، وصفها البعض بأنها باتت أقرب إلى الخيانة الوطنية.

* التطور الثالث خدم إلى حد بعيد موقع حماس في قطاع غزة، وأسهم في اكسابه أبعاداً إقليمية إضافية، حين نجح الإخوان المسلمون في مصر في اجتياح المؤسسة التشريعية، وتحولوا إلى الحزب الأول والمقرر، ما وفر لحماس دعماً غير محدود، على ضوء التطورات العربية، ووفر لها عمقاً إستراتيجياً على الصعيد السياسي ستكون له أبعاده وأثاره الملموسة إن في تعميق نفوذ الحركة في القطاع، أو في كيفية تطبيق اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام مع حركة فتح والسلطة في رام الله. وهكذا، لم يعد بإمكان إسرائيل ان تدعي ان قطاع غزة، تحت سلطة حماس، صار جبهة متقدمة لإيران على حدودها فحسب، بل أصبح أيضاً جزءاً من حالة سياسية تراهن في رسم مستقبلها على مجموع التطورات في عدد من الدول العربية في المنطقة.

*** *** ***

الوصف: http://alhourriah.org/images/545345.jpg

هذا التطور في الموقع الفلسطيني والإقليمي لقطاع غزة جعل منه قضية فلسطينية قائمة بذاتها، منفصلة في سياقها اليومي عن الضفة الفلسطينية، ان في الحملة الدولية لفك الحصار عنه، أو في دوره في الاشتباك العسكري مع العدو الإسرائيلي، أو في موقعه الموازي للسلطة الفلسطينية في رام الله، ما عكس نفسه حتى على آليات عمل بعض المؤسسات وصولاً إلى شلها، كالمجلس التشريعي، والاستحقاقات الدورية للانتخابات على تنوع عناوينها (محلية ـ تشريعية ـ رئاسية. الخ).

وفي ظل الانقسام القائم، باتت الحالة الفلسطينية تشكل ازدواجية معينة، حكمتها علاقة فرضت نفسها على الطرفين معاً، في تشابكات وتعارضات، وضعت القطاع، من موقعه الفلسطيني والإقليمي، أمام أحد احتمالين كبيرين، هما في واقع الحال خياران سياسيان:

1ـ الخيار الأول: البناء على هذا الموقع الجديد للقطاع وتعزيزه وتمتينه من خلال سلوك احدى السياستين:

أ ـ انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية في الحالة الفلسطينية، والانطلاق بهذه الحالة، في صيغتها الجديدة، نحو آفاق سياسية يتم التوافق على رسمها، بما يخدم الأهداف المباشرة للحركة الوطنية الفلسطينية، أي الخلاص من الاحتلال والاستيطان، وقيام دولة مستقلة. في هذا المجال تجدر الملاحظة ان المؤشرات المتوفرة والمواقف المتعاقبة تشير ان حماس، في ظل الوضع العربي والإقليمي الراهن، غير جاهزة (وغير مؤهلة سياسياً) لانهاء الانقسام والعودة إلى الشراكة السياسية مع محمود عباس وحركة فتح. فحماس، كما تشير العديد من المواقف، ما زالت تترقب رسو الحالة العربية على منحاها العام، ومعرفة مصير الأوضاع السياسية الإقليمية ( خاصة مصر وسورية) التي تعيش حالة انتقالية، سوف تكون لصيغتها النهائية آثارها البليغة على مجمل الحالة العربية، ومنها، بالضرورة الحالة الفلسطينية، والموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية.

ب ـ النجاح في المواءمة بين متطلبات السلطة في القطاع، وبين متطلبات المقاومة، بما يمكن حماس، وباقي الفصائل الفلسطينية من العمل على تسخين المواجهة مع العدو الإسرائيلي، عبر تبني إستراتيجية سياسية وعسكرية للمواجهة، تعكس حقيقية الموقع الذي يحتله القطاع، وتحتله حماس وباقي فصائل المقاومة في صنع القرار والخيار السياسي الفلسطيني، وبما يتجاوز العملية التفاوضية بصيغتها الراهنة لصالح عملية سياسية بديلة، تتحرر من التفرد الأميركي ـ الإسرائيلي بآلياتها واشتراطاتها، وجدول أعمالها، لصالح رعاية دولية أشمل، يكون فيها للآخرين، كروسيا والصين دور أكثر فعالية وتأثيراً، كالدور الذي تلعبه هاتان الدولتان، على الصعيد العالمي، في إدارة الصراع حول الملف السوري. طبعاً إن الوصول إلى هذا الاحتمال يحتاج صياغة إستراتيجية للمواجهة، سياسياً وعسكرياً، تتكامل فيها العناصر المختلفة، بما يقود إلى بناء مجتمع مقاوم في القطاع، يقع على كاهله تقديم النموذج، الذي لابد، حين يشق طريقه في المواجهة وإحداث التغيير المطلوب في الحالة الفلسطينية، ان ينقل عدواه إلى الضفة الفلسطينية، وبحيث يحسم الجدل حول سؤال إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ما يؤكد ان المواجهة والمقاومة هي الأقدر على إزالة العوائق أمام استعادة الوحدة. ففي ظل المقاومة والمواجهة تصبح الوحدة الداخلية ضرورة مصيرية، بدلاً من ان تكون مدخلاً لمحاصصة جديدة، يعيد فيها الطرفان الكبيران، فتح وحماس تقاسم المناصب والمسؤوليات وكعكة السلطة ونفوذها.

ونعتقد أن خيار تسخين المواجهة مع العدو، طبقا لإستراتيجية متكاملة، يبدو لنا خياراً ملزماً لحماس ولباقي الفصائل، لصون الموقع المتقدم الذي يحتله القطاع في المعادلتين الفلسطينية والإقليمية وتعزيزه.

2) الخيار الثاني: هو البديل لخيار التسخين. إذ في حال انخفضت حرارة المواجهة وتراجعت إلى حد التلاشي، سيغرق القطاع في بحر مشاكله الاجتماعية غير المحدودة. إذ من المعروف أن القطاع يعاني، قبل الحصار، صعوبات حياتية واجتماعية شديدة التعقيد، زادتها تعقيداً حالة الحصار التي فرضت عليه، والأعمال العدوانية الإسرائيلية التي لم تتوقف. في ظل المواجهة مع العدو من الطبيعي ان تتراجع الهموم الداخلية إلى الخلف لتحل محلها الهموم الوطنية العامة، وتصبح المعاناة اليومية، ثمناً لهذه المواجهة.

ان المعاناة الفردية والجماعية، خارج سياسة المواجهة، تصبح معاناة مجانية، يدفع استحقاقها الفقير وصاحب الدخل المحدود جداً، في وقت تتيح آليات الحياة الجديدة في ظل الحصار، بروز فئات جديدة يشكل اقتصاد التهريب مصدرها للغنى والثراء ما يقود إلى فرز اجتماعي، وإلى طوفان القضايا الاجتماعية على السطح، وإلقاء مسؤولية حلها على الطرف القائم بالسلطة، أي حماس، ما يدخلها في نزاعات وصراعات محلية مع شرائح اجتماعية واسعة، ومع باقي القوى السياسية، الأمر الذي يهمش موقعها كمقاومة ليعزز موقعها كسلطة، تتساوى في هذا الجانب، في انهماكها في الشأن الداخلي، وابتعادها عن عمل المقاومة، مع السلطة الفلسطينية في رام الله. ولعل هذا ما دفع الرئيس عباس، على سبيل المثال، للقول ان سلطته تتشابه إلى حد بعيد مع سلطة حماس. فالطرفان يعملان على التهدئة، وتغرق أطراف واسعة منهما في مستنقعات الفساد الإداري والمالي، وعلى ضفاف هاتين السلطتين نشأت فئات طفيلية راكمت ثروات طائلة، حتى ان بعض الإحصائيات تؤكد ولادة 620 مليونيراً في قطاع غزة من اقتصاد الأنفاق والتهريب. كما تشترك السلطتان في غزة ورام الله في اتباع سياسات القمع ضد الرأي الآخر، ولجم حركة الشارع في احتجاجاتها المشروعة على تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية واستشراء الغلاء، وغياب الخدمات الضرورية.

ولا يشفع لحماس، في محاولة تمييز نفسها عن سلطة رام الله، انها تتبنى إستراتيجية المقاومة. فتبني هذه الإستراتيجية يعني في الواقع السياسي ممارسة هذه الإستراتيجية عبر عمل متنوع تصب نتائجه في المواجهة مع العدو. اما الاكتفاء بالشعار، دون ممارسته، فان من شأنه ان يحول حماس، أو أي من الأطراف الأخرى، إلى مجرد داعية للمقاومة ليس إلا، يتضامن مع المقاومة كما تتضامن معها الأحزاب والقوى العربية في مهرجاناتها ومسيراتها وبياناتها السياسية.

ان انزلقت حماس إلى هذا الوضع، فان من شأن هذا الانزلاق أن يضعف الموقع الفاعل الذي احتلته، ويحتله القطاع في المعادلة الوطنية الفلسطينية والإقليمية حتى التلاشي، ويوسع دائرة التشابه بين سلطة حماس وسلطة رام الله، ويفقد الانقسام بعده السياسي، ويبقيه في دائرة الصراع والتنافس على المصالح الفئوية خارج إطار المصلحة الوطنية العليا.

يمكن القول ان ثمة اجماعاً (أو ما يشبه الإجماع لدى بعض الأطراف) ان إستراتيجية المفاوضات كخيار وحيد، وان إستراتيجية المقاومة بصيغتها السابقة، قد استنفذت كل منهما أغراضها، ولم يعد بالإمكان الرهان على أي منهما دون مراجعة وإعادة نظر وتطوير، بما يوفر البديل الضروري لتجديد انطلاقة الحركة الوطنية الفلسطينية.

* فالمفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وتحت رعاية الولايات المتحدة، وإلى حد ما اللجنة الرباعية، وصلت إلى الطريق المسدود، ولم يعد بإمكانها أن تقدم جديداً للحالة الفلسطينية، بل يمكن القول انها باتت تشكل غطاء لسياسة توسيع الاستيطان والتهويد الإسرائيلية. ولم تنجح كل محاولات الفريق الفلسطيني المفاوض، في إخراج هذه المفاوضات من مسارها المغلق، لصالح مسار بديل يستجيب لبعض تطلعات الحالة الفلسطينية ويحفظ ماء وجه المفاوض الفلسطيني.

في السياق نفسه، تدل المؤشرات في تل أبيب، انه إذا ما جرت انتخابات تشريعية مبكرة، فإن الفائز الأول سيكون هو حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو. ما يعني ان مؤشر التعنت الإسرائيلي في المفاوضات سوف يرتفع أكثر فأكثر، كما سوف تتلقى سياسة توسيع الاستيطان والتهويد جرعات من الدعم الإسرائيلي المتغول، انطلاقاً من إحساس نتنياهو بالفوز: الفوز في الانتخابات، بما هي تزكية لسياسته التفاوضية، والفوز في حشر المفاوضات في الزاوية و إغلاق الطريق أمام مشروع الدولة الفلسطينية ولو بشروطها الأميركية المعروفة.

* بالمقابل بات واضحاً مدى التراجع الذي أصاب العمل المقاوم في المناطق المحتلة. ففي الضفة، على سبيل المثال، تفتقد الحركة الوطنية إلى لعب هذا الدور، لأسباب شديدة التعقيد، يصعب تناولها هنا بالتفصيل، ترتبط بشكل رئيس بالحالة المهيمنة سياسياً على الوضع في الضفة. أما في قطاع غزة، فقد تضافرت سلسلة من العوامل السياسية والمحلية والعسكرية، أدت إلى تراجع دور القطاع في العمل المقاوم، المتمثل في شن هجمات على مواقع العدو ودورياته، وباتت أعمال المقاومة تقتصر على إطلاق الصواريخ، رداً على الأعمال العدوانية الإسرائيلية. أسهم في تعزيز هذا الوضع الجديد سياسة "التأهيل" التي تخضع لها حماس، ان على يد قيادتها الأولى، أو على يد بعض القوى الإقليمية والعربية النافذة، تمهيداً لمنحها عضوية المشاركة في السلطة، ودخول المعادلة السياسية المرسومة من قبل الجهات الراعية للعملية السياسية. يشجع حماس على تبني هذا الاتجاه، بما في ذلك الانفتاح على الأميركيين خاصة والغربيين عامة، السياسات المعلنة لفروع الاخوان المسلمين في مصر وسورية، وحركة النهضة في تونس، وهي كلها لا تجد حرجاً في بناء علاقات إيجابية مع واشنطن، بل ان بعضها يعتمد على السياسة الأميركية كعنصر رئيسي في برامج تحركاته.

هذا التوجه السياسي الجديد، القديم لدى حماس، عززته، كما أسلفنا التطورات العربية، غير ان هذا لا يعني ان حماس طلقت مواقعها السابقة كاملة، وتنكرت لها، فهي ما زالت تتبنى ـ لفظاً ونظرياً ـ مبدأ المقاومة، تراعي في ذلك قاعدتها الجماهيرية، وموقعها في الخارطة السياسية الفلسطينية، في تناقضه ونزاعه مع فتح وسلطة رام الله.

الوصف: http://alhourriah.org/images/5453535.jpg

مثل هذا الانسداد في العملية السياسية، واستنفاذ أهداف المراحل السابقة من المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، يفرضان على الحالة الفلسطينية البحث عن إستراتيجية بديلة، تشكل موقع إجماع وطني، يخرج مجمل الحالة السياسية الفلسطينية من أزمتها المستفحلة، لصالح مسار جديد يعبئ القوى في معارك وطنية ذات جدوى ونتائج ملموسة. والإستراتيجية البديلة يمكن أن تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية:

* المحور الأول: هجوم دبلوماسي، ميدانه المنظمة الدولية للأمم المتحدة، بما يوسع دائرة الاعتراف بفلسطين بحدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية وبحقها في مقعد في الجمعية العامة، جنباً إلى جنب مع باقي دول العالم، ويسهم في الوقت نفسه في عزل إسرائيل سياسياً، ومساءلتها بالاستناد إلى القوانين والمرجعيات السياسية الدولية التي تتعرض للانتهاك اليومي على يد سلطات الاحتلال.

* المحور الثاني: فك قيود المقاومة الشعبية عبر رفع سقف الموقف السياسي للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير، بما يقود إلى فك الارتباط مع التزامات اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، ونحو منهجية سياسية لا تخضع لخيار المفاوضات كخيار وحيد.

* المحور الثالث: التمسك بمتطلبات العملية التفاوضية بما في ذلك وقف الاستيطان وقفاً شاملاً، والاعتراف بخطوط الرابع من حزيران، وبحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.

مثل هذه الإستراتيجية تنطبق على الضفة الفلسطينية، كما تنطبق أيضاً على قطاع غزة، لكن مع التنبه لخصوصية القطاع، التي كنا قد أشرنا إليها سابقاً.

خصوصية قطاع غزة في هذه الإستراتيجية البديلة، من شأنها أن تعزز موقعه في المعادلتين الوطنية والإقليمية، انطلاقاً من كونه يتمتع بشروط وظروف سياسية متحررة داخلياً من الاحتلال، خلافاً لما هو قائم في الضفة، ولكون الأذرع العسكرية الفلسطينية فيه، ما زالت تحتفظ ببنيتها العسكرية، ولكونه أيضاً يتمتع ببعض جوانب البنية التحتية الضرورية لتبني هذه الإستراتيجية.

في مقدمة المهام التي يمكن أن تلقى على القطاع، في إطار تبني الفلسطينيين للإستراتيجية البديلة هو ادامة الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي وبما يمنح الإستراتيجية البديلة بعدها الوطني والسياسي، ويفتح لها أفقاً سياسياً مازالت إسرائيل تصر على إغلاقه. هذا الاشتباك، لابد أن يستند إلى "إستراتيجية دفاعية" يتبناها القطاع، مستفيداً من تجربة جولة القتال الأخير مع الاحتلال الإسرائيلي. فالحديث عن الإستراتيجية البديلة، أو عن الاشتباك مع الاحتلال، لا يلغي الواقع القائل بأن صيغة المقاومة السابقة قد استنفذت أهدافها. ما يتطلب صيغة تستند إلى ما نطلق عليه بـ " الإستراتيجية الدفاعية". وفحوى هذه الإستراتيجية، توفير المستلزمات الضرورية، وعلى المستويات المختلفة، لبناء قوة "ردع فلسطينية" ، ترغم العدو على العد للعشرة، وأحياناً للعشرين، كلما فكر بشن عدوان ما على القطاع وسكانه.

ولا نعتقد أن الحديث عن قوة "الردع الفلسطيني" فيه تطرف، بل هو حديث واقعي مستمد من تجربة جولة القتال الأخيرة مع العدو، حين وجد نفسه مرغماً على الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع المقاومة الفلسطينية في القطاع للوصول إلى وقف لإطلاق النار والعودة إلى التهدئة السابقة. وطبقاً لكل التقديرات، فان العدو الإسرائيلي لم يلجأ إلى هذه المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية في القطاع، لولا الضربات الموجعة التي وجهت له، ولولا إدراكه ان ادامة الاشتباك بالشكل الذي اتخذه، من شأنه أن يرهق جبهته الداخلية، وان يكبده خسائر اقتصادية (وربما معنوية)تبرز التآكل، ولو النسبي، في إستراتيجية الردع التي يعتبرها عنواناً ومقياساً لفاعلية جيشه في ضرب الفلسطينيين.

إن «إستراتيجية دفاعية» لقطاع غزة تتطلب بالضرورة عمقاً جغرافياً، وعمقاً سياسياً في آن.

* والعمق الجغرافي قضية تحتاج إلى بحث مع الجوار، خاصة في ظل التطورات التي طرأت على هذا الجوار سياسياً، وحزبياً.

* أما العمق السياسي فيتمثل بضرورة بناء الوحدة الوطنية، واتباع سياسة اجتماعية تستجيب للمتطلبات اليومية لسكان القطاع وأبنائه، بما في ذلك حل مشاكل الفئات الفقيرة والعاطلين عن العمل والمتضررين من الحصار، كذلك تتطلب إطلاق الحريات الديمقراطية وتوفير المناخات الصحية لإطلاق المبادرات الشعبية، وتوسيع دائرة المشاركة في القرار، على قاعدة شركاء "في الدم شركاء في القرار"، وبما يحد من الاستفراد، ويطيح بالمحاصصة، ويعزز الشراكة الوطنية على المستويين السياسي الحزبي والشعبي العام.

ان من شأن هذا كله ان يعلي من شأن القطاع في المعادلة الوطنية والإقليمية، كما يعلي من شأن حركة حماس وباقي القوى الفلسطينية المقاومة. إذ يقدر ما يندفع القطاع نحو وحدة قواه السياسية، ونحو تعزيز الديمقراطية، في العلاقة بين السلطة القائمة والقوى السياسية الفاعلة، وبين السلطة وبين الحالة الشعبية، وبقدر ما يتجه القطاع، بقرار سياسي واعٍ وفي إطار خطة متكاملة، نحو توسيع دائرة الاشتباك مع العدو الإسرائيلي تحت سقف إستراتيجية دفاعية متطورة، بقدر ما يعزز موقعه في المعادلة الوطنية والإقليمية. وبالمقابل، بقدر ما تنأى حماس بنفسها عن هذا كله، بقدر ما ينحدر القطاع نحو التآكل الداخلي ونحو تفجير القضايا والمشاكل الاجتماعية، على حساب التفرغ للقتال ضد العدو وبديلاً له.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.