كـتـاب ألموقع

• استراتيجية دفاعية لغزة (5)

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معتصم حمادة

مقالات اخرى للكاتب

استراتيجية دفاعية لغزة (5)

انشاء غرفة عمليات مشتركة لإدارة المعركة، ذات مرجعية سياسية، أمر يحتاج إرادة سياسية تغلب الوحدة الداخلية على نزعات الانقسام، وتغلب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية الضيقة

في مقدمة متطلبات «الاستراتيجية الدفاعية»، امتلاك بنية عسكرية تجيد القتال، في الهجوم وفي الدفاع، وتتوفر لها الأسلحة الضرورية لقتال العصابات، التي لا تثقل حركة المقاتلين، ولا توفر للعدو أهدافاً مكشوفة لا يمكن الدفاع عنها أو يصعب تمويهها، وإذا كانت متطلبات «الاستراتيجية الدفاعية» تفترض امتلاك أسلحة صاروخية، فواقع القطاع، وجغرافيته وكثافته السكانية، كلها عوامل تساعد على توفير أماكن إيواء لهذه الأسلحة، ومناطق انتشار تؤمن سلامتها من الغارات الجوية والقصف المدفعي.

البنية العسكرية لا تقتصر بالضرورة على الجهاز المقاتل المتفرغ. الجهاز المتفرغ ضرورة قتالية لابد من توفرها لنشر الكمائن ليلاً ونهاراً عند خطوط التماس ومراقبة تحركات العدو، والقيام باستطلاعات دورية ومدروسة لمواقعه وخطوط تنقلاته وتحركاته، بكل ما يتطلب ذلك من تشكيلات وهياكل ذات اختصاصات، تفتح الباب للمراكمة بالخبرة والمعرفة والتجربة. غير أن البنية القتالية يمكن أن تستند في أوقات القتال، إلى قوات احتياطية غير متفرغة، تقوم بمهامها العسكرية في أوقات التعبئة، وتعود إلى مواقعها المدنية عند عودة الأمور إلى سابق وضعها.

هنا لابد من التأكيد على ضرورة الفصل التام بين بندقية المقاومة، وبندقية الأمن الداخلي (الشرطة)، وعدم الزج ببندقية المقاومة في مهام الشرطة، وفي الصراعات الداخلية كما حصل بين حكومة حماس وبعض الأطراف، حين تحولت كتائب القسام إلى قوة إسناد لشرطة الحكومة في نزاعها مع بعض العائلات. إن مثل هذا الزج يشوه صورة المقاومة، ويحولها إلى عنصر انقسام بدلاً من أن تصبح عنصر توحيد وعاملاً من عوامل رص الصفوف.

إلى ذلك من المفترض أن تمتلك المقاومة في استراتيجيتها الدفاعية خططها وسيناريوهاتها الضرورية لخوض المعارك في الظروف المختلفة، طبقاً لأهداف سياسية معروفة مسبقاً، بما يحول العمل المقاوم إلى عمل سياسي من نوع آخر، له ثماره التي تقطفها الحركة الوطنية الفلسطينية، وتعزز صمود القطاع، وتعزز مسيرة التحرر من الاحتلال. وهذا يفترض عدة متطلبات أهمها غرفة عمليات مشتركة، وقيادة سياسية تشكل مرجعية لهذه الغرفة، فضلاً عن وضع أسس متينة للعلاقات الداخلية، بعيداً عن أجواء الانقسام والتشكيك.

غرفة العمليات المشتركة تتمثل ضروراتها في الاعتراف أن ما من تنظيم قادر، مهما امتلك من قوة، أن يقوم بمفرده بأعباء القتال دفاعاً عن القطاع في استراتيجية معروفة الأهداف والمقاصد السياسية. والتجارب الغنية للمقاومة الفلسطينية منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، وحتى اللحظة، تؤكد أن المقاومة المسلحة تحتاج، كي تتوفر لها عوامل الصمود، إلى العمل كوحدة واحدة، تضم تحت رايتها كافة القوى والأذرع العسكرية. كما أثبتت التجارب أن توزيع المهام على هذه الأذرع، وتحميلها مسؤولياتها الوطنية عن محاور قتال ودفاع، يشكل مدخلاً لتعزيز الثقة، وفتح الباب أمام الشراكة الوطنية المسؤولة، بكل ما تتطلبه هذه الشراكة من اسناد وتساند، وتوفير النواقص، يقدمها من يملكها لمن لا يملكها. هنا تتحمل حماس مسؤولية مميزة في توفير المتطلبات الضرورية للمعارك من ذخائر وعتاد وأسلحة، تلبي بها حاجات القوى والفصائل التي تمتلك العنصر البشري القادر على القتال، ولا تمتلك القدرة على توفير حاجاته من سلاح وعتاد. وبالتالي فإن غرفة العمليات المشتركة ليست مجرد إدارة فنية للمعارك، بل هي إطار توحيدي للقوى المقاتلة في القطاع، ترسخ علاقات التضامن والتفاعل والثقة المتبادلة، وفتح الباب للتنافس الايجابي، في تحمل المسؤوليات. ومن الطبيعي القول إن غرفة العمليات لا تقتصر في إدارتها على الجانب العسكري بل هي غرفة عمليات شاملة تطال كل متطلبات الخطة الإستراتيجية، لها فروعها المعنية بخطط الإيواء والإغاثة للمدنيين، والإخلاء والإسعاف، والإنقاذ على يد الدفاع المدني، والمكتب الإعلامي، وغير ذلك من عدة القتال المختلفة، ما يعني أن هذه الغرفة هي العقل الذي يدير المعركة بكل فروعها وميادينها واختصاصاتها، الأمر الذي يفترض، بالضرورة أن تكون مشتركة. مشتركة بتنوع فروعها، ومشتركة باشتراك القوى كافة في ادارتها، وتوفير متطلباتها الميدانية.

وفي إطار المراجعة النقدية، يمكن القول إن واحدة من أهم الثغرات التي برزت في العدوان الإسرائيلي «الرصاص المصهور» على القطاع افتقار المقاومة لغرفة عمليات مشتركة، وبالتالي لخطة متكاملة، ولإعلام متوازن، حتى أن البعض أراد من إعلامه، أن يغيب الآخرين، ويصور الأمر وكأن القتال اقتصر على طرف واحد دون غيره، ما أضعف الثقة المتبادلة، وغيب الرؤية الموحدة للأوضاع.

الرؤية الموحدة للأوضاع هي بالأساس رؤية سياسية. ما يعني أن غرفة العمليات المشتركة هي أساساً قرار سياسي، وإن إدارتها تحتاج إلى مرجعية سياسية. هذه المرجعية، المشكلة من قيادة وطنية موحدة تضم ممثلين عن الفصائل المعنية، هي التي تتخذ قرار التعبئة، أو إلغائها، وقرار القتال، تصعيده ، تبريده، وقرار التهدئة. وهي المعنية برسم الأهداف السياسية للقتال، والأهداف السياسية للإعلام، وغير ذلك.

وتوفير مرجعية سياسية معناه، في السياق نفسه، قناعة مشتركة بالإستراتيجية الدفاعية، وتغليب متطلبات القتال ضد العدو، ومتطلبات بناء مجتمع المقاومة، ومتطلبات الوحدة الداخلية بديلاً عن المتطلبات المبنية على التشكيك، (كما كان عليه الحال في معركة التصدي لعدوان « الرصاص المصهور» حيث كان الهاجس عودة قيادة فتح على ظهر الدبابات الإسرائيلية!)، والانقسام وغيرها من عوامل إضعاف الجبهة الداخلية وتفكيكها.

والمرجعية السياسية تقوم على الاحترام المتبادل، والاعتراف بدور كل من الأطراف في المعركة (كل حسب مشاركته وفعاليته). وبالتالي لا يجوز، في ظل هذا البنيان، أن ينفرد طرف دون غيره بالتحدث باسم المقاومة، دون تفويض من الآخرين، أو الإدعاء أن القتال قام في الأساس على عاتقه وأن هذا يعطيه الحق بالتفرد بالتحدث باسم المقاومة.

كذلك لا يجوز في ظل هذا البنيان، أن تجري فبركات آنية لأطر مفتعلة في لحظة سياسية معينة كالإطار الذي افتعلته حماس، في دمشق، حين أعلنت موافقتها على وقف إطلاق النار في كانون الثاني (يناير) 2009، بعد وقف أعمال عدوان «الرصاص المصهور»، في محاولة لتهميش الأطراف التي قاتلت حقيقة دفاعاً عن القطاع.

إن «الإستراتيجية الدفاعية»، إن هي توفرت لها الوسائل والقرارات والرؤية الضرورية، كفيلة بوضع الجميع أمام واقع جديد لا يجدي معه الانقسام، ما يقوده عملياً إلى تهميش التيارات الانقسامية، وتغليب روح الوحدة الداخلية، باعتبارها هي المدخل لتصبح المصلحة الوطنية العليا هي الهدف الذي تسخر كل العناصر لتحقيقه.