كـتـاب ألموقع

• «البطولة» هنا.. والتردد هناك -//- معتصم حمادة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مقالات اخرى للكاتب

«البطولة» هنا.. والتردد هناك

معتصم حمادة

الحرية: ارتفع الكثير من الأصوات احتجاجاً على ما جرى في اليرموك. وهذا أمر كان مطلوباً. لكن نتمنى في الوقت نفسه أن ترتفع هذه الأصوات وبالحدة ذاتها ضد الاحتلال والاستيطان وأن تتحول إلى فعل في الميدان.

مع اندلاع أحداث اليرموك، ارتفعت عالياً أصوات، كما في الصحافة الفلسطينية، بعضها تناول الأحداث بموضوعية، وبعضها الآخر وجد في هذه الأحداث فرصة لتصفية الحسابات الإقليمية، وإذا كان بعض هذه الأصوات شكل جزءاً من الحماية الدولية التي توفرت، سياسياً ومعنوياً، لمخيم اليرموك وسكانه، فإن البعض الآخر كاد أن ينعكس سلباً على المصالح الفلسطينية في سوريا، في وقت، كان المطلوب فيه هو إخماد هذه النار وليس البحث عن الأساليب المختلفة لتزيد اشتعالاً.

حسناً فعل الذين وقفوا إلى جانب اليرموك، وتحلوا بالقدرة على قراءة الواقع، والتفاعل معه، بما يصون مصالح المخيم وسكانه وأهله، كما يصون مصالح كل الوجود الفلسطيني في سوريا، ويترك أمام المستقبل صفحات ومساحات للقاء، بعيداً عن سياسة نسف الجور، وتهديم الهيكل، ورفع الصوت من بعيد، في تجاهل تام، وغبي أحياناً، لصالح اللاجئين في الدول العربية المضيفة.

****

هذه المقدمة، هي تمهيد لطرح السؤال التالي:

لماذا تبدو العضلات العنترية، لدى بعض أعضاء اللجنة التنفيذية؟ وبعض الناطقين باسم السلطة وباسم م.ت.ف. حين يكون الخلاف مع الدول العربية الشقيقة، خاصة تلك التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين على أرضها؟

ولماذا، بالمقابل، يبلع هؤلاء ألسنتهم، وتختفي أصواتهم، ونفتقدهم دون ان نجد لهم أثراً واحداً، هي يكون الخلاف في مستواه الساخن مع العدو الإسرائيلي؟

لا نسوق هذا الكلام دفاعاً عن أي قطر عربي، من الأقطار التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين. فنحن نعرف أن لدى هذه الأقطار من الأجهزة الإعلامية والناطقين والمعلقين ما يكفي لتدافع عن نفسها، بغض النظر إن كان دفاعها محقاً أم غير محق، وإن كان مقنعاً أم غير مقنع. فنحن نعرف أن بعض ممارسات وسياسات وقوانين هذه الأقطار، تحديداً ما يتعلق منه باللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم الإنسانية، تستحق النقد بل وتستحق الإدانة، كتصريح أحد الوزراء في لبنان، برائحته العنصرية الفاقعة ضد النازحين الفلسطينيين الهاربين من جحيم الموت في سوريا.

لا نسوق هذا الكلام دفاعاً عن أحد – إذن – بل نسوقه لنسجل غياب التوازن والموضوعية لدى بعض الأصوات الفلسطينية، بل ومحاولتها، تحويل القضية الثانوية، إلى قضايا رئيسية، وتحويل الخلاف مع بعض الأنظمة العربية إلى صراع رئيسي، وتبهيت الصراع مع العدو، بما في ذلك أعماله العدوانية اليومية على الأرض، ومصادرته لها، وإقامة المزيد من المشاريع الاستيطانية.

****

منذ أن نالت فلسطين العضوية المراقبة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والعدو الإسرائيلي، يكشف، بشكل شبه يومي، عن المزيد من خطط توسيع الاستيطان، في القدس الشرقية المحتلة، ومحيطها، وفي أنحاء الضفة الفلسطينية. كما صعد من عمليات الاعتقال الجماعية للفلسطينيين، دون تمييز بين فصيل وآخر. لذلك صعد من إجراءاته القمعية ضد الأسرى، بعد ان أدرك مؤخراً، أن الحركة الأسيرة، في صمودها، ومبادراتها، تحولت إلى رافعة رئيسية من روافع الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي فإن هدفه هو كسر هذه الرافعة وتعطيل عملها.

المفاوض الفلسطيني، الممسك بزمام القرار الوطني، لم يكف عن التهديد باللجوء إلى المؤسسات الدولية، كمجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة لاهاي الدولية وغيرها. لكنه في الوقت نفسه مازال يمد يده إلى الجانب الإسرائيلي، مبدياً استعداده للمفاوضات في سياسة تنازلية بدأت تتكشف يوماً بعد يوم. فمن المطالبة بوقف الاستيطان، بدأت تتردد في الأجواء مبادرة تدعو إلى استئناف المفاوضات مقابل وقف الاستيطان لمدة 6 أشهر. ولعل أصحاب هذه المبادرة، تجاهلوا، عن عمد، أو عن غير عمد، لا فرق، أن حكومة نتنياهو لم تعد تخفي سياستها في المماطلة، والمراوغة، وكسب الوقت، لابتلاع المزيد من الأرض، وتغيير معالم العديد من المناطق الفلسطينية كما هو حال بيت صفافا، بجوار القدس التي ينوي الاحتلال تغيير ملامحها بشق طرق في وسطها والقضاء على شخصيتها، وتشويه مظهرها، في إطار مشروع هدفه خلق الترابط بين مناطق الاستيطان والفصل، بالمقابل، بين المناطق الفلسطينية وتحويل حياة السكان فيها إلى جحيم لا يطاق، بحيث لا يكون أمامهم من حل، سوى الرضوخ، أو في أحسن الأوقات، الرحيل، وإخلاء الضفة لصالح الوجود الاستيطاني.

لسنا أكثر قدرة من خبراء الأرض، في المراكز البحثية المختصة، أو في الفرق البحثية التابعة لدائرة المفاوضات، والزاخرة بالخبراء من جنسيات مختلفة، لديهم القدرة على قراءة مشاريع الاستيطان، وقراءة تداعياتها على إمكانية قيام الدولة الفلسطينية ومستقبلها. لذلك يمكن القول إن الأمر في جوهره سياسي قبل أن يكون فنياً. ما يوجب طرح السؤال التالي: ما هو المتغير في سياسة المفاوض الفلسطيني، بما يتعلق بمسألة الاستيطان، بعد نيل مقعد الدولة في الأمم المتحدة.

إذا ما تجاوزنا بعض التصريحات والتهديدات اللفظية، يمكننا التأكيد أن ما من شيء قد تغير في سياسة المفاوض الفلسطيني وما زالت معالجته لخطر الاستيطان معالجة قاصرة، غير فاعلة.

فهو من جهة يهدد، لكنه لا يحول تهديده إلى فعل حقيقي. ومازال ممتنعاً عن طرق أبواب المؤسسات الدولية والاستعانة بها، كعناوين المجتمع الدولي، في التصدي للاستيطان وخطورته.

وهو من جهة أخرى يتحدث ويكرر الحديث عن «المقاومة الشعبية – السلمية» – كما يؤكد في كل مرة – دون أن تفعل أحاديثه هذه فعلها في استنهاض هذه المقاومة، بحيث بدا الشعب الفلسطيني في الضفة تحت الاحتلال، شعباً متردداً غير راغب في مقاومة الاحتلال والفوز بالاستقلال والسيادة.

في النقطة الأولى نلاحظ أن المفاوض الفلسطيني يقيم للسياسة الأميركية ألف حساب، وهو يحاول أن يرسم لتحركاته السياسية حدوداً لا يرغب بتجاوزها، في علاقته مع المؤسسات الدولية، «بعد نيويورك»، بعد أن تعهد أمام واشنطن بأنه لن يعمل على عزل إسرائيل دولياً من خلال اللجوء إلى المجتمع الدولي. وبالتالي مازال السقف السياسي الفلسطيني في مكافحة الاستيطان، في ظل السياسة المترددة والمحجوزة خلف الخط الأحمر الأميركي، لا يتجاوز التهديد اللفظي والإدانات بالبيانات والتصريحات الإعلامية. وهو يدرك، في الوقت نفسه أن كل هذه الإدانات والبيانات والتصريحات، وأن كل هذا التهديد اللفظي، لن يعطل جرافة واحدة تلتهم أشجار الزيتون، لتقوم مكانها أبنية المستوطنين، وأن كل هذه البيانات لن تهدم حجراً واحداً في شقة من شقق المستوطنين ولن تغلق الطريق أمام المزيد من مشاريع التهويد.

أما في النقطة الثانية فإن صيحات القيادة لرسمية الداعية إلى «مقاومة شعبية سلمية» لن تجد لها صدى لدى أنباء المدن والمخيمات والريف في الضفة الفلسطينية، بل يبقى صداها يتردد في آذان من يطلق هذه الصيحات، وحدهم.

فالمقاومة الشعبية "السلمية" أمر غير واضح المعالم، خاصة في ظل احتلال لا يؤمن بالسلم والسلام، بل يؤمن بالبندقية والمدفعية وبأن "بسطار" الجندي الإسرائيلي هو الحل الحاسم لقضايا العالقة.

والمقاومة الشعبية [حتى «السلمية» منها] غير واضحة الحدود، فإلى أين سيذهب المفاوض الفلسطيني بهذه المقاومة. هل يرغب حقاً في دولة بحدود الرابع من حزيران، أم أن استعداده "لتعديل" الحدود وتبادل الأراضي سيذهب إلى حد تختفي معه خطوط الرابع من حزيران؟.

هل يرغب حقاَ غي استعادة القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية أم أنه سيلتزم نصوص أوسلو، التي ميزت بين القدس وبين أورشليم، بحيث تكون القدس هي الأحياء العربية خارجها والتي تتعرض – حتى هذه الأحياء – لغول الاستيطان. أما أنه سيوافق على القدس الموحدة عاصمة «لدولتين».

هل يرغب حقاً في دولة مستقلة كاملة السيادة أما أنه على استعداد للتلاعب بعلامات السيادة، بما في ذلك إخضاع معابرها البرية والبحرية والجوية للنظام الذي كان يخضع له معبر رفح من قبل الأوروبيين (مباشرة) والإسرائيليين (بشكل غير مباشر).

أسئلة كثيرة نطرحها على المفاوض الفلسطيني، لا لنبرر عدم "إقلاع" المقاومة الشعبية بل لنؤكد أن السقف السياسي المنخفض الذي رسمه المفاوض الفلسطيني للقضية هو الذي يعطل قيام مقامة شعبية شاملة.

وبالعودة إلى ما بدأنا به مقالنا، نعيد التأكيد أن المراوحة في المكان بشأن الاستيطان، لم تعد سياسة مفهومة، خاصة وأن أفق اللجوء إلى المؤسسات الدولية لمحاكمة إسرائيل، بات مفتوحاً على مصراعيه، وبما يؤدي إلى فرض عقوبات عليها، أي بما يؤدي إلى إعادة أسس الصراع وآلياته.

للذين أطلقوا صراخهم مع أحداث اليرموك نقول شكرا. لكن نقول أيضاً اسمعونا صوتكم، وأرونا فعلكم، في مواجهة الاستيطان.